دور الجامعة في تكوين مهنيي العدالة / ذ. مولاي الحسن الداكي

كلمة السيد الوكيل العام للملك، رئيس النيابة العامة، بمناسبة افتتاح الندوة العلمية، حول موضوع: “دور الجامعة في تكوين مهني العدالة”، يوم الجمعة فاتح يوليوز 2022، بمقر جامعة عبد المالك السعدي بتطوان

 

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على مولانا أشرف المرسلين

 

– السيد رئيس جامعة عبد المالك السعدي؛

– السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم تطوان؛

– السيد عامل صاحب الجلالة على إقليم شفشاون؛

– السيد عامل عمالة المضيق الفنيدق؛

– السادة العمداء والمدراء بالمؤسسات الجامعية التابعة لجامعة عبد المالك السعدي؛

– السادة المسؤولون القضائيون؛

– السيد والي الأمن بتطوان؛

– السيد القائد الجهوي للدرك الملكي بتطوان؛

– السيد نقيب هيئة المحامين بتطوان؛

– السيد ممثل نقيب هيئة المحامين بطنجة؛

– السادة ممثلو المهن القانونية والقضائية؛

– السادة ممثلو السلطة المحلية؛

– السادة الأساتذة الجامعيون؛

-السيدات والسادة الطالبات والطلبة؛

-السيدات والسادة نساء ورجال الاعلام؛

– حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه.

 

إنه لشرف كبير واعتزاز صادق أن أتواجد معكم في هذا اليوم المبارك بهذه المدينة الغراء الحمامة البيضاء ذات التاريخ العريق والإرث التليد لثقافات ممتدة في الزمن مستوحاة من عبق حضارات متعاقبة وثقافات متنوعة ومتميزة بحكم  موقعها الجغرافي، هذه المدينة التي قضيت بها ردحاً من الزمن كمسؤول قضائي، وكانت من أزهى فترات حياتي المهنية والتي ما زلت أحتفظ به لكل من عمل إلى جانبي من قضاة ومحامين واطر كتابة الضبط ومهنيين وأمنيين ودركيين بكل معاني الاحترام والتقدير، شرف يغمرني وأنا أشارككم  أشغال هذه الجلسة الافتتاحية لهذه الندوة العلمية المنظمة بشراكة بين رئاسة النيابة العامة وجامعة عبد المالك السعدي والتي تناقش موضوعا في غاية الأهمية ألا وهو: “دور الجامعة في تكوين مهني العدالة”. وهي مناسبة أتوجه فيها بعبارات الشكر والامتنان للسيد رئيس جامعة عبد المالك السعدي، والسيدين العميدين بكل من كلية الحقوق بتطوان وطنجة ولكافة أساتذة وأطر الجامعة الذين ساهموا في الاعداد لها وتنظيم هذا اللقاء العلمي لمناقشة محاورها والذي  تحتضنه رئاسة الجامعة وهو دون شك يعكس روح التعاون والتواصل الذي يجمع الجامعة بمختلف المهنيين الذين نهلوا العلم من معينها، وتشربوا مبادئ علم القانون من أساتذة أجلاء أفنوا حياتهم في البحث العلمي وتخرجت على أيديهم أفواج من منتسبي المهن القانونية والقضائية، جيل من الأساتذة والمفكرين وضعونا على سكة التشوف إلى معاني العدل السامية، من منبعها الطاهر الصافي، التي لا يمكن نسيانها أبدا ولا يمكن لأي مهني أن ينسلخ عنها، إنها معاني الحق والقانون، من خلال مدخل ركز فينا سمات القاعدة القانونية، قاعدة عامة ومجردة، لا تميز بين أصناف المواطنين، ولا تأبه لاختلاف لغاتهم ولهجاتهم، وانتمائهم الجغرافي، قواعد ستظل راسخة في أذهان كل المهنيين، إنها الجامعة التي تبوأت مهمة أمانة الحفاظ على الرأسمال العلمي والأخلاقي، ونقله عبر أجيال متلاحقة.  ذلك أن انعقاد هذه الندوة اليوم هو امتداد ولبنة في إطار تعزيز العلاقة بين رئاسة النيابة العامة والجامعة من أجل تطوير البحث العلمي لبلادنا ليكون في خدمة العدالة.

حضرات السيدات والسادة؛

تعتمد جل المجتمعات اليوم على ما تنتجه منظومة التعليم العالي بمختلف تخصصاتها، باعتبارها أساسا للتطور والنمو الفكري والعلمي، وهذا ما تعمل مختلف الدول على تحقيقه، ودون شك فإن بلادنا لا تخرج عن هذه القاعدة، وهو الأمر الذي تترجمه الإصلاحات الجوهرية التي طرأت على مناهج التعليم العالي منذ الاستقلال إلى اليوم.

وفي هذا الإطار يؤكد علماء التربية على أن عملية التعليم الجامعي لها أبعاد مهمة وكبيرة، فهي ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وإنسانية ونفسية وثقافية باعتبارها عملية مستمرة ليست مرتبطة بزمان أو مكان محددين، وليست مرتبطة بجيل دون غيره، فالتعليم الجامعي كان ولا يزال يشكل ركنا أساسيا في تعزيز بناء مقومات المؤسسات تكوينا وإعداداً للأطر، وولوج مجتمع المعرفة بكل تحدياته، كما هو بكل تأكيد مساهم محوري في قاطرة تحقيق التنمية.

وتتجلى أهمية انفتاح الجامعة على محيطها، في مدى ارتباط التعليم الجامعي بحياة المواطنين ومشاكلهم، وحاجاتهم وتطلعاتهم، دون إغفال أهمية دورها في بناء القدرات والمهارات، وتجويد عطاءات المتخرجين منها ومدى قدرتهم على إحداث نقلة نوعية في الرفع من مؤشرات التنمية البشرية والتقدم العلمي والتكنولوجي، وهو ما أكد عليه جلالة الملك حفظه الله في رسالته السامية بمناسبة انطلاق الموسم الدراسي الجديد بتاريخ 12 شتنبر 2000 حيث جاء فيها ما يلي: ( سنعمل على إرساء جامعة مغربية متفتحة تتمتع بالاستقلال الذاتي والتسيير الديمقراطي المسؤول وبحسن التدبير مؤهلة لأن تكون قاطرة للتنمية ومرصدا للتقدم الكوني العلمي والتقني وقبلة للباحثين الجادين من كل مكان ومختبرا للاكتشاف والابداع) انتهى النطق الملكي السامي.

حضرات السيدات والسادة؛

إذا كانت الممارسة العملية تعتبر همّـًا يوميا يراود كل مهني، ويجعله ينغمس في البحث عن إيجاد حلول للقضايا التي وُلِـي أمر القيام بها بحسب كل مهنة من المهن القانونية، فلا ينبغي أن تنسينا دور الجامعة التي بصمت فينا معاني الحق ومعاني القانون، فقد كان للجامعة دور أساسي في تكوين أجيال من منتسبي المهن القانونية والقضائية، من قضاة ومحامين، وضباط الشرطة القضائية، وعدول، وموثقين، ومفوضين قضائيين، وخبراء قضائيين وتراجمة وغيرهم، حيث كانت الجامعة ولا تزال فضاء لإنتاج النخب والكفاءات وفضاء للتجديد والإبتكار، ومصدرا للتكوين المستمر لمختلف منتسبي المهن القانونية والقضائية، سواء بصفة مباشرة عبر الانخراط في البحث الأكاديمي، أو بطريقة غير مباشرة من خلال الأبحاث العلمية التي يتم انتاجها.

وأود في هذا الإطار أن أشير إلى أن دور الجامعة في تكوين وإعداد منتسبي المهن القانونية والقضائية يجب ألا ينحصر فقط في الجانب العلمي الأكاديمي، ذلك أن المأمول منها سيزيد في رقي عطاءاتها وتلقين طلابها مختلف فضائل التربية وتكريس القيم المثلى والأخلاق الفاضلة التي ستظل معانيها من خلال أساتذة أجلاء فضلاء نبراسا يهتدى به في زرع معاني القيم السامية في منتسبي المهن ومنهم وعبرهم في مجال العدالة برمتها، وتلكم أمانة يجب الحفاظ عليها مهما حققناه من تطور وتقدم علمي، فالحفاظ على القيم الأصيلة التي خلّدها جيل من رواد أساتذة الجامعات الأجلاء، ومن رواد المهن، والاستمرار في ترسيخها جيلا بعد جيل، سيما عبر فضاء الجامعة، تعتبر أساسا لتحصين المعرفة العلمية، من كل زيغ عن الحق والعدل، واستكمالاً لرسالتها السامية في ترسيخ المبادئ الأخلاقية التي تؤسس للمواطنة الحقة وللإحساس بالمسؤولية اتجاه الوطن والمواطنين.  والحفاظ على نقلها وتجديدها بكل أمانة عبر امتداد الزمن إخلاصاً لدورها المحوري في إعداد أجيال الغد من نساء ورجالات الدولة وتحقيقا لرسالتها العلمية والتربوية.

حضرات السيدات والسادة؛

إن دور الجامعة في تكوين منتسبي المهن القانونية والقضائية، يعد إسهاما حقيقيا في تنمية أحد أهم مناحي حياة المجتمع واستمرار رقيه، وهي بذلك تلعب دوراً أساسياَ في بناء أفضل رأسمال بشري سوف يوكل إليه تدبير العديد من جوانب معيشه اليومي واستقرار معاملاته وضمان حقوقه وتحقيق أمنه القضائي والقانوني، فضلاً عن تكريس التوازن بين الحقوق والواجبات داخل المجتمع.

ولا شك أن هذا الأمر نعايشه ونعاينه من خلال أفواج خريجي الجامعات الذين يلتحقون بالمحاكم كقضاة وباقي المهنيين الآخرين ذوي الصلة بالعدالة، كالمحامين والعدول والموثقين والمفوضين القضائيين والخبراء والتراجمة وأطر كتابة الضبط وضباط الشرطة القضائية، ولذلك فإن الأمر أصبح يتطلب إيلاء العناية اللازمة بالجامعة وبأطرها من الأساتذة والأطر الإدارية لإعدادهم الإعداد اللائق والكفيل بإنتاج وإعداد رأسمال بشري قادر على مسايرة التحولات التي يعرفها العالم اقتصاديا وتكنولوجيا ورقميا واجتماعيا والعمل على حسن استثماره والاهتمام به.

وفي هذا الإطار فقد ورد في نص رسالة جلالة الملك دام عزه ونصره الموجهة الى المشاركين في المنتدى العربي الخامس للتربية والتعليم بتاريخ 2 أبريل 2008 ما يلي: ( ففي عالم يعرف تحولات متسارعة، فإن هذا الموضوع يستمد أهميته من كون تنافسية الأمم أصبحت تقاس اليوم بجودة الرأسمال البشري، ولاسيما في مجال اقتصاد المعرفة وتكنولوجيا الاعلام والاتصال. ومن هنا تتجلى أهمية دور المنظومة التربوية، التي أصبحت فاعلا رئيسيا، ومكونا وازنا في مواجهة إكراهات العصر، باعتبارها أساس تكوين وتأهيل الموارد البشرية). انتهى النطق الملكي السامي.

حضرات السيدات والسادة؛

لقد أولت رئاسة النيابة العامة منذ صدور القانون رقم 17-33 المتعلق بنقل اختصاصات السلطة الحكومية المكلفة بالعدل إلى الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة، وبسن قواعد تنظيم رئاسة النيابة العامة عناية خاصة للمهن القانونية والقضائية بالنظر لمساهمتها الفعالة في تصريف العدالة ومساعدة القضاء في تحقيق الأمن القانوني والقضائي وتكريس الحكامة القضائية.

ولقد تم تكريس هذا الاهتمام من خلال قرار الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة رقم1/17 الصادر بتاريخ 2 أكتوبر 2017  المغير والمتمم بمقتضى القرار رقم22/2021 الصادر في 31 دجنبر 2021 المتعلق بتنظيم بنيات إدارة رئاسة النيابة العامة وتحديد اختصاصاتها وخاصة المادة 11 منه التي نصت على إحداث قطب خاص بالنيابة العامة المتخصصة والمهن القانونية والقضائية وحماية الأسرة والمرأة والطفل، بحيث يضطلع هذا القطب بتتبع ومراقبة عمل النيابة العامة في ما يخولها القانون من صلاحيات تتعلق بالمهن القانونية والقضائية ومراقبتها، والتنسيق مع الهيئات والمؤسسات المعنية بتسيير هذه المهن، وهو ما يحفزنا إلى تعميق التفكير مع شركائنا في الجامعات الوطنية للبحث عن التجارب الفضلى في مجال التكوين والتنسيق حول السبل المثلى للتعاون من أجل تجويد آليات تكوين وإعداد مهني عدالة الغد، ولي اليقين على أن انعقاد مثل هذه الندوة ومثيلاتها في المستقبل سيكون له الأثر البالغ في تعزيز التنسيق بين الجامعة ومكونات السلطة القضائية ومن بينها رئاسة النيابة العامة فضلا عن دور مهنيي العدالة على مستوى التكوين الذي يضطلع به كل منهم والذي من شأنه المساهمة بكل إيجابية في تأهيل طلبتنا لولوج عالم المهن القانونية والقضائية ومواكبة المستجدات التشريعية والتطورات التكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية فضلا عن مجالات التخليق والقيم المثلى وما يفرضه كل ذلك من إكراهات وتحديات بالنسبة للممارسة المهنية.

حضرات السيدات والسادة؛

إذا كانت ندوة اليوم تشكل بداية العمل المشترك والتعاون بين رئاسة النيابة العامة والجامعة، فإننا نتطلع بأن تستمر وتتعمق هذه العلاقات أكثر ويتسع مجالها مع جامعات أخرى على أمل تحقيق الغايات المذكورة خدمة للعدالة ببلادنا وتكريسا لدور الجامعة في ذلك.

في ختام هذه الكلمة، أجدد شكري الجزيل للسيد رئيس جامعة عبد المالك السعدي وللسيد عميد كلية الحقوق بطنجة اللذين كانا لهما الفضل في المبادرة للدعوة لتنظيم هذه الندوة والشكر والامتنان موصولان لكل من ساهم في إعدادها وتنظيمها ولكافة المتدخلين بمداخلاتهم فيها وللحضور الكريم كل باسمه وصفته، آملاً أن تتمخض عنها مقترحات وتوصيات كفيلة بتعزيز دور التكوين الجامعي في المجالات المرتبطة بممارسة المهن القانونية والقضائية لتكون في مستوى ما نصبو إليه جميعا تحت القيادة الرشيدة لمولانا المنصور بالله صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد وكافة أسرته الشريفة.

(وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صدق الله العظيم

وفقنا الله لما يحبه ويرضاه ولما فيه صلاح وسؤدد تعليمنا وعدالتنا.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قد يعجبك ايضا