تعزيز دور قضاة النيابة العامة في توفير حماية ناجعة للمرأة / كلمة رئيس النيابة العامة بمناسبة دورة تكوينية

 

كلمة السيد رئيس النيابة العامة لافتتاح الدورة التكوينية

حول موضوع “تعزيز دور قضاة النيابة العامة في توفير حماية ناجعة للمرأة”

16 – 17 يونيو 2022 بطنجة

 

بسم الله الرحمان الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

السيد جون كريستوف فيلوري، ممثل مفوضية الاتحاد الأوروبي بالمغرب؛

السيدة كارمن مورتي غوميز، رئيسة مكتب مجلس أوروبا بالمغرب؛

السادة المسؤولون القضائيون؛

حضرات السيدات والسادة ، الحضور الكريم،  كل باسمه وصفته والاحترام الواجب له؛

يسعدني في مستهل هذا اللقاء أن أعبر لكم عن فخري وعمق اعتزازي بافتتاح هذه الدورة التكوينية التي تنظمها رئاسة النيابة العامة بتعاون مع مجلس أوروبا، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، وأغتنم هذه المناسبة لأتوجه لهم بالشكر والعرفان على الدعم الذي ما فتئا يقدمانه لمبادرات رئاسة النيابة العامة في إطار استمرار سعيها الهادف إلى تعزيز قدرات النيابة العامة من أجل توفير حماية ناجعة وفعالة للنساء. كما لا يفوتني التوجه بالشكر للخبراء المغاربة والأوروبيين المؤطرين للتكوين.

وتندرج هذه الدورة التكوينية ضمن سلسلة التكوينات الجهوية التي استفاد منها فعليا 450 قاض من قضاة النيابة العامة وقضاة الحكم، في مجال حماية النساء من العنف على ضوء مستجدات التشريع المغربي وممارسات المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان، والتي انطلقت فعالياته في أول دورة بمدينة مراكش يومي 12- 13 دجنبر 2019.

ويتسم هذا الموضوع بأهمية بالغة كونه انشغال أساسي دائم لكافة أطياف المجتمع من أجل إعادة الاعتبار للمرأة وضمان مساواتها بالرجل واضطلاعها بنفس الأدوار للإسهام في التنمية، وكونه يستجيب للتوجيهات الملكية السامية الرامية إلى تعزيز المركز القانوني للمرأة في المجتمع. وبهذه المناسبة نستحضر نص الرسالة الملكية التي وجهها جلالة الملك نصره الله إلى المشاركين في الدورة 61 لمؤتمر النساء رئيسات المقاولات العالمية بمراكش 27 سبتمبر 2013 حيث قال جلالته” واصل المغرب وبخطوات حثيثة وعقلانية مسيرته على درب تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والواجبات ولاسيما بالعمل على التطبيق الأنجع لأحكام مدونة الأسرة التي منحت المرأة وضعا يحفظ لها كرامتها ويضمن لها العدل والإنصاف….. وفي إطار تشبثنا بهذا المسار حرصنا على الترسيخ الدستوري للمساواة بين الرجل والمرأة بمناسبة التعديل الذي عرفه دستور المملكة الذي صادق عليه الشعب المغربي على أوسع نطاق في شهر يوليوز 2011.” انتهى النطق الملكي السامي.

وقد شهد المركز القانوني للمرأة تحولا كبيرا بعد صدور دستور 2011الذي كرس مبدأ المساواة بين الجنسين وجعله مبدأ دستوريا، بالإضافة إلى رفع المملكة المغربية جميع تحفظاتها بشأن اتفاقية سيداو، والمصادقة على البروتوكول الاختياري لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، كما تم تتويج هذه الجهود بصدور العديد من القوانين المعززة للوضع القانوني للمرأة وحمايتها من كافة الانتهاكات المحتملة لحقوقها.

حضرات السيدات والسادة؛

لا يخفى عليكم أن حماية المرأة تعد من أولويات تنفيذ السياسة الجنائية، وذلك من خلال تفعيل مختلف القواعد الإجرائية والموضوعية التي يتضمنها القانون الوطني، وفي مقدمتها القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، هذا القانون التي بادرت رئاسة النيابة العامة فور صدوره إلى توجيه منشور إلى النيابات العامة لدى المحاكم، تحثهم من خلاله على ضرورة تفعيل المستجدات التي تضمنها، والحرص على حسن تطبيقه، وتحديد الإشكاليات التي تتعلق بفهم أحكامه، من أجل حماية أفضل وأنجع للنساء.

وإذا كانت الجهود ظلت متواصلة لمواجهة هذه الظاهرة التي تعرف نوعا من عدم الاستقرار من حيث عدد القضايا المسجلة على المستوى الوطني والتي بلغت خلال سنة  2021 – 23879  قضية، فإن كافة المتدخلين في الموضوع مطالبون بمضاعفة الجهود بهدف تطويق كل الأسباب المؤدية لهذا العنف وفي ذات الوقت مواجهة المتورطين فيه بكل صرامة وبما يلزم من جزاءات قانونية.

ويتسع منظور رئاسة النيابة العامة للعنف ضد المرأة والفتاة ليشمل موضوع زواج القاصر بوصفه انتهاكا لحقوق الفتاة يحرمها من حقها في النمو السليم ويعترض سبيل بناء شخصيتها المستقلة، ومن أجل ذلك جعلت مكافحة الزواج المبكر من بين أولوياتها ووجهت عدة دوريات للنيابات العامة تحثها على اليقظة اتجاه طلبات زواج القاصر من أجل الحرص على احترام الشروط التي فرضها المشرع لقبول هذا الزواج ومن أجل عدم التردد في التماس رفض الطلب متى تنافى مع المصلحة الفضلى للقاصر.

وهو ما انعكس إيجابا على تفاعل قضاة النيابة العامة في الموضوع حيث ارتفع عدد ملتمسات النيابة العامة برفض الإذن بزواج القاصر من 12773 ملتمس سنة 2020 إلى 20200 ملتمسا سنة 2021.

وتماشيا مع هذه الأولويات يأتي التزام رئاسة النيابة العامة بتنفيذ مضامين إعلان مراكش 2020 الذي تم توقيعه تحت الرئاسة الفعلية لصاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للامريم من أجل تعبئة فعلية لكافة المتدخلين في النهوض بقضايا المرأة من قطاعات حكومية ومؤسسات وطنية وضمان التقائية السياسات العمومية ذات الصلة.

ومن بين المقتضيات الأساسية للإعلان التزام رئاسة النيابة العامة بإعداد البروتوكول الترابي للتكفل بالنساء ضحايا العنف وبتنسيق تنفيذه من قبل الموقعين عليه من أجل ضمان تكفل ناجع بالنساء ضحايا العنف وتقديم خدمات قضائية واجتماعية ذات جودة تتيح إعادة الاعتبار لهن وحفظ خصوصياتهن وكرامتهن مع السعي لتمكينهن الاقتصادي عند الاقتضاء.

وتتزامن هذه الدورة التكوينية مع مرور سنة على دخول البروتوكول الترابي حيز التنفيذ بجهة طنجة التي تحتضن لقاءنا هذا، فقبل أيام قليلة، نظمت رئاسة النيابة العامة باعتبارها الجهة المنسقة للبروتوكول لقاء استهدف تقييم العمل به وتنفيذه من لدن كافة الجهات المعنية بتوفير التكفل للنساء ضحايا العنف والاستجابة لحاجياتها بصورة متكاملة وناجعة سواء تعلق الأمر بالحماية القضائية أو بتوفير الخدمات الطبية أو الاجتماعية من إيواء وغيره وصولا إلى التمكين والاستقلال الاقتصادي والاجتماعي.

والجدير بالذكر أن رئاسة النيابة العامة عملت على حث المسؤولين القضائيين بالنيابات العامة على تفعيل مقتضيات البروتوكول، وتسخير كل الإمكانيات المتاحة من أجل تعزيز الحماية الجنائية للمرأة بتنسيق دائم ومستمر مع القطاعات المعنية به، وذلك بمقتضى دورية وجهت لهم من أجل تعميم العمل بالبروتوكول على سائر محاكم المملكة ومن أجل توضيح آليات تفعيله.

وغني عن البيان أن السادة المسؤولين القضائيين بالنيابات العامة يتولون السهر على تنفيذ مضامين السياسة الجنائية، وستكون هذه الدورة التكوينية مجالا للنقاش حول الإشكاليات العملية التي تعترض التطبيق السليم لكل المضامين ذات الصلة بالحماية الجنائية للمرأة، والوقوف على الممارسات القضائية الفضلى الكفيلة بتجاوز هذه الصعوبات.

لذا فإنني أدعو السادة المشاركين في هذا اللقاء العلمي إلى استثمار أشغاله لتعميق النقاش حول مختلف المحاور والمداخلات والنقاط التي ستطرح خلاله وذلك بهدف توحيد الرؤى والتوجهات والتوافق حول أنجع السبل لتحقيق تكفل ناجع بالنساء ضحايا العنف مستحضرين في ذلك ما يزخر به القانون المغربي من أمكانيات تفسح المجال للانتصار للحقوق الإنسانية للمرأة والاضطلاع بالمسؤوليات التي جعلها المشرع على عاتق كل المعنيين بهذا الموضوع  سواء من خلال الدور المتمثل في تدبير الدعوى العمومية أو من خلال رئاسة اللجن المحلية والجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف.

وفي الختام فإن اليقين قائم على أنكم ستبذلون ما في وسعكم من أجل تشخيص الحالة الراهنة وتقديم المقترحات والحلول الناجعة لمعالجة الصعوبات والمعيقات التي يتم رصدها.

وفقنا الله جميعا لما فيه خير عدالتنا ووطننا، وجعلنا جميعا عند حسن ظن سيدنا المنصور بالله جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعز أمره وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الجليل مولاي الحسن وشقيقته الأميرة للاخديجة وشد أزره بصنوه الرشيد مولاي رشيد وكافة أفراد أسرته الشريفة، إنه سميع مجيب.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

مولاي الحسن الداكي

الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض

رئيس النيابة العامة

 

 

قد يعجبك ايضا