كلمة رئيس الهيأة الوطنية للمعلومات المالية بمناسبة توقيع شراكة مع رئاسة النيابة العامة

بسم الله الرحمان الرحيم

  • السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
  • السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة؛
  • السيدة الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات؛
  • السيدات والسادة القضاة والمسؤولون القضائيون؛
  • أيها الحضور الكريم؛

إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن أتواجد ضمن هذا الجمع المبارك الذي يلتئم اليوم بمناسبة التوقيع على اتفاقية للشراكة والتعاون بين رئاسة النيابة العامة والهيئة الوطنية للمعلومات المالية في مجال محاربة غسل الأموال وتمويل الارهاب بحضور نخبة من المسؤولين القضائيين والاداريين وممثلي مختلف الهيآت والمؤسسات الفاعلة في المجال بالإضافة الى ثلة من الخبراء المتخصصين.

وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم بخالص عبارات الشكر والامتنان للسلطات القضائية ممثلة في السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، على دعمهما المتواصل لكل المبادرات الرامية الى النهوض بالمنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وجعلها ملائمة للمعايير الدولية، كما لا يفوتني أن أنوه وأشيد بالدعم المتواصل والانخراط الإيجابي لكافة القطاعات الوزارية والمؤسسات الوطنية في مسار تأهيل المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.

إن الاتفاقية المزمع توقيعها اليوم تهدف بالأساس الى وضع إطار للتعاون والتنسيق بين رئاسة النيابة العامة والهيئة الوطنية للمعلومات المالية بهدف ضمان التبادل السريع للمعلومات المتعلقة بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وكذا الجرائم الأصلية ذات الصلة بالإضافة الى وضع أسس لشراكة فعالة في مجال التكوين والتحسيس وتعزيز التنسيق والتشاور وتقييم مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب والحد منها.

إن هذا التنسيق بين المؤسستين ليس وليد اليوم، فبالإضافة الاختصاص المنصوص عليه في القانون رقم 05-43 والمتعلق بإحالة الملفات من طرف الهيئة الوطنية على النيابة العامة المختصة، تعتبر هذه الاتفاقية اليوم تتويجا للدينامية الحثيثة والمضطردة التي أصبح يعرفها التنسيق الوطني خاصة مع السلطات القضائية، والذي تعزز منذ انطلاق عملية التقييم المتبادل للمنظومة الوطنية في مارس 2018، حيث شاركت رئاسة النيابة العامة وبشكل فعال في كل مراحل مسلسل التقييم المتبادل بما فيها اللقاءات المباشرة مع خبراء مجموعة العمل المالي ومجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما باشرت العديد من الإصلاحات ونظمت العديد من ورشات العمل والدورات التكوينية والتحسيسية، حيث كان لهذه المبادرات عظيم الأثر فيما تم التوصل إليه من نتائج ملموسة.

أيها السيدات والسادة؛

لقد عرفت المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب خلال الأربع سنوات الأخيرة طفرة نوعية كان لها أثر جد إيجابي في مجال الملاءمة مع المعايير الدولية ذات الصلة وذلك باعتراف خبراء مجموعة العمل المالي باعتبارها الهيئة الدولية المختصة في مجال وضع المعايير الدولية ذات الصلة ومراقبة احترامها من طرف الدول وكذا مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي يعتبر المغرب عضوا مؤسسا لها منذ سنة 2004.

وقد ساهم ورش التعديلات التشريعية والتنظيمية التي تم تتويجه بنشر القانون رقم 18-12 بتغيير وتتميم القانون الجنائي والقانون رقم 05-43 المتعلق بمكافحة غسل الأموال بالجريدة الرسمية في يونيو 2021، في تعزيز الالتزام الفني بالتوصيات والمعايير الصادرة عن مجموعة العمل المالي، وهو ما يجسد على أرض الواقع الالتزام السياسي الذي عبرت عنه السلطات المغربية لتنفيذ خطة العمل المتفق عليها مع مجموعة العمل المالي وتدارك أوجه القصور التي أثارها تقرير التقييم المتبادل.

 

وقد كرس القانون الجديد المقاربة الوقائية التي تقتضي تعزيز التدابير الاحترازية وتعميم النهج القائم على المخاطر بهدف تحصين الأسواق والمؤسسات المالية ومنع استغلال الأشخاص الاعتباريين والمنظمات غير الهادفة للربح لأغراض غير مشروعة أو إخفاء العائدات المتحصلة من الجريمة، كما غطى هذا القانون الجديد إحدى الثغرات التي كانت تعتبر استراتيجية في المنظومة الوطنية وتتعلق بإحداث آلية قانونية وإجرائية لتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة المتعلقة بالعقوبات المالية المستهدفة الخاصة بالإرهاب وانتشار التسلح وتمويلهما.

إذا كان تأهيل النظام القانوني والمؤسساتي قد مكن من تعزيز درجة الالتزام الفني بالتوصيات الأربعين لمجموعة العمل المالي، فإن فعالية المنظومة تقاس على أساس معايير مضبوطة ومحددة من طرف مجموعة العمل المالي تنصب على التأكد من التطبيق الفعلي للنصوص القانونية من خلال عدد التصاريح بالاشتباه والإحالات على المحاكم المختصة والمتابعات والأبحاث والتحقيقات المالية الموازية والإدانات وحجم المتحصلات الجرمية المجمدة والمحجوزة أو المصادرة.

في هذا الإطار فقد تم إصدار العديد من النصوص التنظيمية توخيا للفعالية المنشودة لعل من أهمها المرسوم المتعلق بتوسيع نطاق الاختصاص الترابي للنظر في قضايا غسل الأموال ليشمل محاكم الدار البيضاء وفاس ومراكش، بعد أن كان الاختصاص منحصرا في المحكمة الابتدائية بالرباط، والمرسوم المتعلق بالهيئة الوطنية للمعلومات المالية الذي ينص على توسيع التمثيلية في مجلسها ليشمل جميع الإدارات والمؤسسات المعنية بمكافحة غسل لأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الأصلية وعلى رأسها رئاسة النيابة العامة.

في نفس السياق قامت رئاسة النيابة العامة بإصدار دوريتين هامتين:

  • الأولى بتاريخ 14 نونبر 2019 تدعو فيها السادة الوكلاء العامون ووكلاء الملك للتقيد بالعديد من التدابير والإجراءات منها على الخصوص إجراء الأبحاث المالية الموازية لجرد ممتلكات المتهمين والاستفادة من تحليلات الهيئة الوطنية للمعلومات المالية وتفعيل إجراءات الحجز والتجميد والتعاون القضائي الدولي؛
  • والثانية بتاريخ 30 أبريل 2021 تؤكد على ضرورة التقيد بالتدابير والإجراءات السالفة الذكر، مع حث جميع النيابات العامة بمحاكم المملكة على الرفع من أدائها في مجال مكافحة غسل الأموال، تنفيذا لالتزامات بلادنا الدولية وتنزيلا لتوجيهات السياسة الجنائية الوطنية.

وقد مكن تفعيل هذه الإجراءات من مضاعفة عدد قضايا غسل الأموال المعروضة على المحاكم المختصة والرفع من حجم المتحصلات الجرمية المجمدة والمحجوزة والمصادرة، باعتبارها معطيات تؤكد نجاعة وفعالية المنظومة الوطنية في هذا المجال.

ومن جهة أخرى، فقد ساهمت رئاسة النيابة العامة بفعالية في ورش يكتسي أهمية بالغة بل يعتبر العمود الفقري لتوصيات مجموعة العمل المالي، ألا وهو ورش التقييم الوطني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث تتولى رئاسة النيابة العامة الإشراف على فريق عمل من ضمن فرق العمل الموضوعاتية الأربعة المحدثة لهذا الغرض وهو الفريق المكلف بتحديد مخاطر غسل الأموال. فبعد التقرير الأول لمخاطر غسل وتمويل الإرهاب المعتمد في أبريل 2019، أنجزت بلادنا تقريرها الثاني لمخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتم اعتماده من طرف الحكومة في أبريل 2022.

ولعل من بين أهم أوجه التعاون بين الهيئة الوطنية للمعلومات المالية ورئاسة النيابة العامة في مجال الفعالية واعتماد التقنيات الحديثة في تبادل المعلومات، يتمثل في التطبيقية التي قامت رئاسة النيابة العامة بوضعها رهن إشارة مصالح الهيئة الوطنية والتي تمكن من تتبع قضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الأصلية.  كما قامت الهيئة الوطنية بتوفير الولوج لقضاة النيابة العامة بالمحاكم الابتدائية المختصة ومحكمة الاستئناف بالرباط، إلى النظام المعلوماتي goAML الخاص بالهيئة واستعماله لتبادل المعلومات ذات الصلة بقضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مما يسمح بتوفير الوقت والجهد وترشيد الموارد البشرية واللوجستيكية، ويضمن عنصر السرية والتحفظ الواجبين.

أيها السيدات والسادة،

لقد عرفت المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب تطورا نوعيا في الآونة الأخيرة حيث استطاعت بلادنا رفع درجات الالتزام الفني بتوصيات مجموعة العمل المالي لتصبح ملتزمة ب 34 توصية من أصل 40، وذلك خلال الاجتماع العام الأخير لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المنعقد بالمنامة في ماي 2022 وهذا راجع أساسا للإصلاحات القانونية والمؤسساتية والإجرائية التي تمت خلال السنوات الأربع المنصرمة.

وقد ارتبطت هذه النتائج الإيجابية المحققة بسياق خاص يتميز بترأس المملكة المغربية لمجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، كما أن تحصينها يقتضي من جميع الشركاء والمتدخلين في المنظومة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، والذين يستشعرون جيدا أهمية المرحلة، تظافر الجهود للاستمرار على نفس النهج في تنزيل المعايير الدولية والممارسات الفضلى والمتمثلة في تبني المبادئ الإرشادية المشتركة و المذكرات التوجيهية الموجهة لسلطات إنفاذ القانون في مجال مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب والجرائم الأصلية وإعداد وتعميم أنماط وأساليب واتجاهات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بهدف مساعدة هذه المصالح على التطبيق الفعال والسليم للمقتضيات القانونية ذات الصلة، دون إغفال أهمية التعاون في مجال تبادل الخبرات والتجارب.

في هذا الإطار ستستمر الهيئة الوطنية للمعلومات المالية في تفعيل دورها كمنسق وطني في مجال محاربة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتكثيف اللقاءات مع السلطات القضائية وسلطات إنفاذ القانون بهدف تعزيز التنسيق والتعاون وتحقيق فعالية المنظومة الوطنية في مكافحة الجرائم المالية، وذلك في أفق استكمال تنفيذ برنامج العمل الذي التزمت به بلادنا مع مجموعة العمل المالي في الاجل المحدد نهاية شتنبر 2022 وتحضيرا للزيارة الميدانية لخبراء المجموعة بعد ذلك ثم الخروج إن شاء الله من اللوائح السلبية للمجموعة.

 

وفي الختام لا بد من التأكيد على أن هذه الاتفاقية الهامة التي نبرمها اليوم تعتبر تكريسا للتعاون الوثيق وتتوجا لمسار حافل من العمل المشترك بين المؤسستين، كما أن من شأنها أن تعزز الشراكة الاستراتيجية بينهما خدمة للأهداف المتمثلة في محاربة الجريمة المالية المنظمة وتلبية المتطلبات الدولية في هذا المجال. بالمقابل فإن تفعيل مقتضياتها يستدعي منا مزيدا من التعبئة لرفع التحديات ومواكبة التطورات التكنولوجية السريعة، ونهج سياسة استباقية لمحاربة هذا النوع من الجرائم، وهو ما من شأنه أن يوفر الحماية والمناعة اللازمتين للاقتصاد الوطني، وأن يعزز الثقة في نظامنا المالي وأن يساهم في تحسين مناخ المال والأعمال، وذلك تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس أدام الله عزه ونصره.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

 

كلمة السيد رئيس الهيئة الوطنية للمعلومات المالية

بمناسبة التوقيع على اتفاقية التعاون بين رئاسة النيابة العامة

والهيئة الوطنية للمعلومات المالية

– الرباط في 9 يونيو 2022-

قد يعجبك ايضا