ذ.عبد العزيز المساوي: اختصاصات السلطة الإدارية في مجال ترقية الموظفين بالاختيار وضوابط تقديرها : وزارة العدل أنموذجا

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على خير الأنام، ورمضان مبارك سعيد للجميع

مداخلة الهيئة الوطنية لأطر وموظفي الإدارة القضائية بالندوة الوطنية

في موضوع: “ترقية الموظفين في التشريع المغربي”

التي نظمتها بتاريخ 7 رمضان الأبرك 1443 هـ/ 09 أبريل 2022 (عن بعد)

 

=======================================================================================================

عنوان المداخلة الرابعة:

اختصاصات السلطة الإدارية في مجال ترقية الموظفين بالاختيار، وضوابط تقديرها

– وزارة العدل أنموذجا –

ذ.عبد العزيز المساوي، رئيس الهيئة

يطيب لي في بداية هذه المداخلة أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى اللجنة التنظيمية لهذه الندوة العلمية الثقافية، في هذه الأمسية الرمضانية، كما أتقدم بالشكر إلى كل المشاركين والمتتبعين لفقراتها، والمساهمين في إنجاحها، والتي يسعدني اليوم أن أشارك فيها إلى جانب ثلة من الأساتذة والباحثين المتخصصين حول موضوع يكتسي أهمية بالغة، ويطرح جملة من الإشكالات، وهو موضوع (ترقية الموظفين في التشريع المغربي) وهذه مناسبة بلا شك لطرح الأفكار وبسط التصورات، والخروج بجملة من الحلول والمقترحات حول موضوع هذه الندوة.

وتأتي أهمية هذا الموضوع، من حيث أن المتتبعين للشأن الإداري المغربي في السنوات الأخيرة، يدركون الجدل القائم بِشأن الترقي في الإدارة لمختلف موظفي وأطر الوظيفة العمومية، فيما يخص الترقي في الدرجة بالكفاءة أو الشهادة، وخاصة بالاختيار بعد التقييد في جداول الترقي، حيث تملك الإدارة في هذه الحالة سلطةً تقديرية فيما يخص وضع معايير ومقاييس المفاضلة (إن صح التعبير) للترقي بالاختيار في الدرجة، ترتكز أساسا على مبدأ الشفافية وتكافؤ الفرص.

وقد ثار بشأن المعايير المعتمدة على مستوى بعض القطاعات الوزارية نقاش حاد ولا يزال.

وهذا ما دفع “هـ.و.ا.م.ا.ق” اليوم إلى تنظيم هذه الندوة، مساهمة من جانبها إلى مجموعة من الفاعلين، من أجل إغناء النقاش العلمي الرصين بخصوص موضوع الترقي، بمنازعاته المتنوعة، حرصا على حماية حق الموظف العمومي، باعتبار أن الترقية من أهم وأسمى الحقوق المعترف بها قانونا للموظف، وحتى يتمكن جميع الموظفين بمختلف فئاتهم من الإحاطة علما بما يعنيهم، خدمة للموظف والإطار، ومن خلاله الإدارة التي يشتغل بها، من أجل تجويد الخدمات العامة.

وسأركز من خلال هذه المداخلة المقتضبة حسبما يسمح به الحيز الزمني المتاح، على بيان التأطير القانوني لاختصاصات السلطة الإدارية في مجال ترقية الموظفين بصفة عامة، وفي مجال الترقية بالاختيار بصفة خاصة، مع تحديد بعض الضوابط الملزمة للإدارة عند تقديرها على ضوء الاجتهاد القضائي، من خلال قراءة سريعة في بعض الأساسات والقواعد التي بنى عليها القضاء الإداري بعض قراراته في هذا المجال. الشيء الذي ندرك من خلاله أن دور الإدارة يتمحور بين تقدير وتقييد، وإن كانت صلاحياتها في هذه الحالة تبقى تقديرية أكثر مما هي تقييدية.

فما هي اختصاصات السلطة الادرية في مجال ترقية الموظفين؟

أولا: اختصاصات السلطة الإدارية في مجال ترقية الموظفين

بالرجوع إلى المشرع المغربي، نجد أنه منح للإدارة سلطةً تقديرية في تقرير المعايير وتحديد المقاييس للترقي بالاختيار مثلا، إلا أن هذه السلطة جعلها مُقيدة بالتطبيق السليم للقانون، وبتحقيق الشفافية وتكافؤ الفرص، والعدل والإنصاف بين الموظفين المعروضين للترقي وفق الشروط النظامية، المعمول بها قانونا، على وجه المساواة. إذ أطَّر أُسسها ومبادئها من خلال عدة نصوص قانونية، مخولا للإدارة سلطة التقدير في تحديد معايير أخرى إضافية تُعزز المفاضلة، وترقى بها للعدل والإنصاف المطلوبين دستوريا.

ومن أبرز النصوص القانونية المحددة لاختصاصات الإدارة في مجال الترقية، والمؤطرة للترقي باختصار شديد، نذكر أساسا:

الفصول من 28 إلى 36 من قانون الوظيفة العمومية (الجزء الثالث)

إضافة إلى:

  • المرسوم ملكي رقم68-988 بتاريخ 19 صفر 1388 (17 مايو 1968) بتحديد مسطرة التنقيط وترقي موظفي الإدارات العمومية في الرتبة والدرجة.
  • المرسوم رقم0200-59-2 الصادر في 26 شعبان 1378 (5 ماي 1959) يطبق بموجبه بخصوص اللجان الادارية المتساوية الأعضاء الفصل 11 من الظهير الشريف الصادر بمثابة نظام عام للوظيفة العمومية.
  • المرسوم رقم1367-05-2 صادر في 29 من شوال 1426 (2 ديسمبر 2005) بتحديد مسطرة تنقيط وتقييم موظفي الإدارات العمومية.
  • مرسوم رقم 403-04-2 صادر في 29 من شوال 1426 (2 ديسمبر 2005) بتحديد شروط ترقي موظفي الدولة في الدرجة أو الإطار (استثنيت منه بعض القطاعات)

وكذلك مقتضيات الأنظمة الخاصة لكل إدارة.

كالمرسوم رقم 473 – 11 – 2 صادر في 15 من شوال 1432 (14 سبتمبر 2011) بشأن النظام الأساسي الخاص بهيئة كتابة الضبط، بالنسبة لوزارة العدل.

وبالنظر لأنواع الترقية في الدرجة كما حددتها محاور الندوة، فهي ثلاث: بالكفاءة المهنية، عن طريق الشهادة أو الدبلوم، وعن طريق الترقي بالاختيار في الدرجة:

ونظرا لضيق الوقت فسأقتصر على بيان بعض القواعد والأساسات، التي بنى عليها القضاء الإداري قراراته في موضوع منازعات الترقية بأنواعها، تاركا للمتتبع ملامسة اختصاصات الإدارة للترقي في الدرجة من خلالها.

لأنه قد تجد فئات من الموظفين، ضاعت حقوقها لعدة أسباب، منها أحيانا عدم معرفة السبل القانونية للحصول على الحق المشروع، وهذا غير مقبول، خاصة وأننا نجد القضاء الإداري المغربي منصفا في هذا الباب من حيث إعماله الوسع بما يلزم من رقابة قضائية على الإدارة.

  • حالة الترقية في الدرجة بالكفاءة المهنية

إن محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بنت حكمها على أن قبول الإدارة مشاركة الموظف في المباراة المهنية، يؤكد بصفة ضمنية أنه متوفر على شروط اجتيازها

الاستئناف الإدارية بالرباط قرار 28 في 07 يناير 2009 ملف 52/07/8

وأن عدم ارتكاب الموظف لأي عمل تدليسي يجعل القرار بترقيته والمتخذ لفائدته قد أصبح حقا مكتسبا بالنسبة إليه ولو أخطأت الإدارة في اتخاذه

المحكمة الإدارية بالرباط حكم 1356 في 23/10/1997 ملف 253/97 غ

وعليه فسماح الإدارة للموظف باجتياز امتحان ولو كان خامسا ونجاحه فيه يكسبه حقا وفق القانون

قرار المجلس الأعلى عدد 1289 في 21/10/1999 ملف عدد 93/5/1/98

ثم أن اجتياز الموظف المتوفر على كافة الشروط المتطلبة لاجتياز امتحان الأهلية المهنية ونجاحه يرتب أحقية في الترقي، مهما حصل بعد ذلك.

المحكمة الإدارية بمراكش حكم عدد 88 في 10/04/2002

وإن تأخرت الإدارة مثلا في إجراء امتحان الكفاءة المهنية في وقتها، فذلك يرتب تسوية الوضعية ابتداء من تاريخه الأصلي

المحكمة الإدارية بأكادير حكم عدد 761 في 13/11/2012

ولو تمسكت الإدارة بوقوع خطأ على مستوى امتحان الأهلية المهنية، فليس من شأن ذلك التأثير على وضعية الموظف المستقرة

المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم 1374 في 9/11/2006 ملف عدد 443-4-05

  • حالة الترقية في الدرجة بالشهادة أو الدبلوم

المجلس الأعلى جعل العبرة في كل دبلوم بالهيئة التي صدر عنها ذلك الدبلوم لا بالأمكنة أو المراحل التي مرت بها الدراسة المفضية لذلك الدبلوم، حتى ولو تم تحضيره عن بعد

قرار المجلس الأعلى عد 250 في 7/3/2007 ملف عدد 1993/4/1/2006

والمحكمة الإدارية بالرباط جعلت حصول الموظف على دبلوم مسلم من جامعة كندية عن طريق متابعة الدراسة بمؤسسة خاصة بالمغرب محقا في الاستفادة من الترقية

المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم 671 في 4/5/2006 ملف 267/06 ش و

وتواترت أحكام أخرى على أن مجرد توفر الموظف على الدبلوم المطلوب يجعله محقا في الترقية للإطار المناسب

المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم 670 في 4/5/2006 ملف 270 /06 ش و

بل الأكثر من ذلك، يعطيه الحق في شغل المهام المناسبة لدبلومه عوض استقطاب أطر من خارج الإدارة للقيام بها

محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط قرار عدد 2040 في 1/12/2010

كما أن توفر الموظف على الدبلوم المطلوب يبرر استفادته من تسوية وضعيته الإدارية والمالية من طرف الإدارة

المحكمة الإدارية بالدار البيضاء حكم 1176 في 8/5/2013ملف عدد 54/12/8

وسبق للمجلس الأعلى أن قرر بكون الحصول على الإجازة يعني توفر الموظف على شروط إدماجه في السلم 10، ولا شأن له في وجوب إثبات شغور المنصب المالي

المجلس الأعلى الغرفة الإدارية قرار عدد 781 في 31/05/2001 ملف عدد 993/4/1/2000

ولو أن مصالح المراقبة المالية رفضت التأشير، فإن إقرار الإدارة بأحقية الموظف في الترقية بناء على الدبلوم ورفض يتعين عليه الحكم بتسوية وضعيته

المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم 1464 في 28/6/2007 ملف رقم 80/07 ش و

ويبقى الموظف محقا في المطالبة بترسيمه بناء على الدبلوم بمجرد توفره على الشروط القانونية المطلوبة

محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط قرار عدد 503 في 31/03/2010 ملف عدد 133/07/ 8

وفي هذا الإطار الاستشفافي على ضوء الاجتهاد القضائي أيضا، يمكنا ملامسة نفس الأمر، إضافة إلى بعض ضوابط التقدير وقيوده في مجال الترقية بالاختيار.

  • حالة الترقية في الدرجة عن طريق الترقية بالاختيار بعد التقييد في جدول الترقي

المحكمة الإدارية بمكناس أقرت أن الترقية بالاختيار تخضع للسلطة التقديرية للإدارة المتمثلة في حدود المفاضلة بين المؤهلين للترقية في حالة تجاوزهم للمناصب المالية المتوفرة.

المحكمة الإدارية بمكناس حكم عدد 55/2001/غ 3 في 7/6/2001

وأكد القضاء أيضا أن الإدارة تخرق مبدأ المساواة بين موظفيها المتواجدين في نفس الدرجة عندما تقرر الإبقاء على موظف ما في نفس الدرجة وترقية زملائه المتوفرين على نفس الشروط

المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم 1943 في 27 ماي 2013 ملف رقم 186/8/12

كما أقر أن ثبوت تخطي الإدارة لأحد المرشحين للترقية بالاختيار، بترقية من هو أقل منه، من حيث التنقيط يجعل سلوكها مشوبا بالانحراف في استعمال السلطة

المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم 2586 في 25 /07/2013 ملف عدد 521-5-2012

وعدم تبرير الإدارة أحيانا سبب ترقية من هم أحدث من الموظف يجعل من المناسب الحكم بأحقيته في الترقية

المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم 1453 في 23/11/2006 ملف رقم 1322/4/05

وإن حصل أن الإدارة لم تدرج موظفا في جدول الترقي بالخطأ منها، بالرغم من استيفاءه شروط الأقدمية النظامية، فإن ذلك يجعله مستحقا للترقية

المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم 494 في 17/03/2005

وبالنسبة للمعايير المعتمدة للاختيار فقد حكمت المحكمة الإدارية بالرباط بكون اعتماد معايير أخرى لترقية الموظفين إلى جانب الأقدمية والتنقيط يكون أمرا مخالفا للقانون، كالنقاط على الإشراف مثلا وما شابه ذلك.

المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم 358 في 3/4/2003

وإن لم تبرر الإدارة تفضيل بعض الموظفين في الترقية عن طريق الاختيار وحرمان موظف آخر، فإن ذلك بجعله محقا في الترقية

المحكمة الإدارية بالرباط حكم رقم 1045 في 27/12/2001 ملف عدد 377/98 غ

ويبقى للإدارة سلطة تقديرية في مجال ترقية موظفيها بالاختيار، إلا أنها ملزمة ببعض الضوابط وعدم الانحراف في عملية الاختيار

المجلس الأعلى قرار عدد 865 في 5/1/1998

مع التنبيه إلى أن رخصة المرض طويلة الأمد التي يتمتع بها الموظف، لا يمكنها أبدا أن تؤثر على أحقيته في الترقية

المحكمة الإدارية بالرباط حكم عدد 58 في 4/2/1999

و إدارية مكناس اعتبرت شرط الأقدمية مجرد عنصر من العناصر التقييمية التي على ضوئها يقع الاختيار

المحكمة الإدارية بمكناس حكم عدد 8/98/3 في 11/02/1998

وأخيرا، يبقى للإدارة حق تقييم كفاءة ومؤهلات موظفيها ما لم يثبت بمقبول وجود انحراف في السلطة

المحكمة الإدارية بالرباط حكم عدد 58 في 11/1/2013

ثانيا: معايير الترقية بالاختيار وضوابط تقدير السلطة الإدارية – وزارة أنموذجا-

من خلال قراءة للنصوص المؤطرة المشار إليها سلفا، وما يمكن استخلاصه من اختصاصات للسلطة الإدارية من خلال أساسات القرارات القضائية التي ذكرنا وقواعدها، يتبين أن لكل إدارة هامشًا لتقدير معايير إضافية لتعزيز التكافؤ الذي ينشده المُشرع، إذ الإدارة وحدها من تملك الصلاحية لتقرر في تحديد المعايير والمقاييس الإضافية بعد استشارة ممثلي الموظفين باللجان المتساوية الأعضاء المركزية، طالبةً منها إبداء الرأي.

وإذا ما أخذنا وزارة العدل أُنْمُوذجًا في هذا الإطار، وما يميزها من خصوصيات، تجعلها وزارة شبه سيادية، وما يسم المهام المنوطة بها من صناعة للتشريع ومساهمة في بناء فصوله ومواده ومراسيمه، فإننا نكون أمام الوزارة المفروض فيها كإدارة إقامة النموذج في التطبيق السليم للقانون، ما يدفع بإدارات أخرى أن تحدو حدوها. وهكذا يتعين على الإدارة أن تُحدد المقاييس التي يجب العمل بها لفرز النسبة المخصصة للحصيص المحددة بالمادة 31 من النظام الأساسي الخاص بكتابة الضبط بالنسبة لوزارة العدل، بناء على المفاضلة بين مجموع المعروضين بلائحة الترقي بالاختيار بالتطبيق السوي عليهم جميعا. كما يتعين إخبار جميع الموظفين وإعلامهم بتفاصيل المعايير المعمول بها قبل البث في لوائح الترقي وإعلان النتائج. فما العيب في هذا الإعلام القبلي توضيحا للمراكز القانونية إن اعتبرنا الشفافية مبدأ دستوريا منشودا؟

والملاحظ هنا، أن مقتضيات المادة 34 من قانون الوظيفة العمومية اليوم تسائل وزارة العدل، خاصة من خلال فقرتها الثانية التي تدعو إلى اعتماد معيار الأقدمية في الإدارة كمعيار للمفاضلة في حالة تساوي المعروضين باللائحة، مما يعني أن هذا المعيار لا يلجأ إليه إلا في حالة التساوي وليس معيارا يعتمد أولا. وإلا فاعتماده للتقييم باستعمال معامل يرفع من قيمته (كما هو الحال اليوم) على حساب الأقدمية في الإطار، يُعد مخالفة لمبدأ العدل الدستوري ولروح القانون، وانحرافا لسلطة الإدارة التقديرية، وضربا صارخا في قيمة الشهادة العلمية. إذ لابد من إخضاعه لرقابة القضاء الإداري كما تفضل الأساتذة الأجلاء قبله، تفاديا لأي انحراف للسلطة التقديرية في هذا الباب، تضيع بموجبه حقوق مشروعة لفئات معينة من الموظفين.

المادة 34 من ق.و.ع: ” يتطلب تحضير اللائحة دراسة عميقة لقيمة الموظف المهنية، وتعتبر في ذلك على الخصوص النقط التي حصل عليها والاقتراحات التي يبديها ويدعمها بالأسباب رؤساء المصالح.

ويقيد الموظفون في لائحة الترقي حسب ترتيب أحقيتهم، أما المرشحون المتساوون في الأحقية فيرتبون باعتبار أقدميتهم في الإدارة. ويجب أن تقع الترقيات حسب ترتيب اللائحة ومراعاة للمصالح الضرورية الإدارية.

ولا يجوز أن يتعدى عدد المرشحين المقيدة أسماؤهم في لائحة الترقي، إذا كانت هذه تشتمل على عدد محدود، بأكثر من خمسين في المائة عدد المناصب الشاغرة المعلن عنها، إلا إذا نص على إباحة ذلك في القوانين الأساسية الخاصة بكل إدارة أو مصلحة.”

فالسمة العامة للمعايير الحالية التي تعتمدها وزارة العدل بالنسبة للترقي بالاختيار، أن الذي يملك عددا كبيرا من سنوات الأقدمية في الإدارة سيبقى دائما، وعلى جميع مستويات الترقي مفضلا للترقية (وكأنه يملك حق فيتو الترقية) في تناف تام ومطلق مع مبدأ تكافؤ الفرص. وقد تكون للإدارة وبعض الجهات المتدخلة مبررات لهذه المعايير، كدافع الإنصاف ومسك العصى من الوسط، والملحوظ أن التغيرات التي لحقتها كرنولوجيا كانت سلبية، خاصة بالنسبة لفئة الأطر أصحاب الشواهد العليا (6_1 / 6_2 / 5_3):

المعايير المعتمدة الأقدمية في الإدارة الأقدمية في الدرجة
قبل سنة 2010 نقطة (1) عن كل سنة ست (6) نقاط عن كل سنة
قبل سنة 2015 نقطتان (2) عن كل سنة ست (6) نقاط عن كل سنة
بعد سنة 2017 ثلاث (3) نقط عن كل سنة خمس (5) نقط عن كل سنة

مما يستدعي الرقابة القضائية عليها، وهذا ما دفعنا في الهيئة كقوة اقتراحية إلى تقديم مقترح تفصيلي للمعايير بديل للوزارة الوصية آملين أخذه بعين الاعتبار.

ولمن يقول مسك العصا من الوسط إرضاء لفئة ولو على حساب مستحقات أخرى، في إشارة إلى التوازن بين فئات الموظفين والأطر بلا ضرر ولا ضرار نقول: “إن كان من وسط وجب مسك العصا منه، فهو الوسط الذي أمسكها منه المشرع، وأخضع رقابة الحفاظ على تموضع الإمساك للسلطة القضائية”.

وإضافة إلى مساءلة المادة 34 المذكورة للإدارة، فأيضا – وبإلحاح شديد – المادة 35 من قانون الوظيفة العمومية هي الأخرى تسائلها، حين أبرزت الدور الاستشاري المنوط باللجان المتساوية الأعضاء المركزية، وحصرته في إبداء الرأي الملائم لتطبيق ما يعرض عليها من مقترحات تطبيقا لمقتضياتها، حتى لا يشوب عملها بهذه الصفة عيب قانوني؛ خاصة فيما يتعلق بطبيعة تكوين هذه اللجان وتركيبها. وقد تكون عين العيب هنا حالةَ إبداء اقتراح يتعلق بترتيب موظف من طرف موظف أقل منه رتبة، حيث لا يجوز ذلك حسب النص الصريح لمقتضيات المادة.

المادة 35 من ق.و.ع: “إذا كانت اللجان الإدارية المتساوية الأعضاء تعمل كلجان للترقي فان تركيبها يغير بكيفية لا يجوز معها بأي حال من الأحوال لموظف ذي رتبة معينة أن يبدي اقتراحا يتعلق بترقي موظف أعلى منه في الرتبة. وكيفما كانت الحال، فان الموظفين الذين لهم الحق في تقييد أسمائهم ضمن لائحة الترقي لا يجوز لهم أن يشاركوا في مداولة اللجنة”

وهذا ما يفسر تعالي أصوات بمناشدة وزارة العدل للعدول عن المعايير المعتمدة من طرف اللجان المتساوية الأعضاء المركزية منذ بداية تغيير المعايير بشكل يشوبه انحراف في السلطة التقديرية، يفسره الاختلال الحاصل على مستوى التوازن بين المعايير الموسومة بعدم الانسجام مع روح القانون، لاسيما مقتضيات المادة 34، كما أشرنا، والتي تَعتبر معيار الأقدمية في الإدارة مقياسا يُلجأ إليه في حالة التساوي قصد المفاضلة بين المتساوين في مجموع النقاط المحصل عليها للترقي. هذا النقاش وما أثير حوله من جدل، ولا يزال، يجعل الإدارة اليوم ملزمة بتقديم إجابات واضحة وشجاعة في موضوع مقاييس الترقي بالاختيار، ولعل هذا مأمولا ممن يرأسها اليوم.

حتى يُنَزَّل مبدأ تكافؤ الفرص أفضل تنزيل، وتتمكن حقا الإدارة القضائية من مواكبة التحديات المستقبلية، والتطلع لأفق الإدارة الرقمية والحديثة المأمولة.

ثالثا: مقترحات للتوصية من خلال الندوة الوطنية

من بين الآليات التي يمكنها المساعدة في إقرار نظام محقق لتكافؤ الفرص في مجال الترقية نقترح:

  1. إخراج دليل توصيف المهام إلى حيز الوجود لتسهيل عملية تقييم الأداء لتكون الترقية حقا على أساس الجدارة والاستحقاق
  2. إعادة النظر في الترقية في الرتبة بتبسيط أنساقها للمرور من رتبة إلى أخرى
  3. أن تكون الترقية في الرتبة بشكل مستمر ومنتظم طيلة المسار الوظيفي للموظف
  4. إعادة النظر في نظام التنقيط الحالي وتعويضه بنظام للتقييم يعتمد على الجدارة والاستحقاق والإدارة بالأهداف
  5. توسيع الشبكة الاستدلالية بإضافة أرقام استدلالية للتمكين من الاستمرار في التدرج
  6. جعل الترقية في الدرجة أكثر مرونة عن طرق إزالة كل عوامل الإعاقة والتجميد
  7. إعادة النظر في فترة جداول الترقي مثلا من سنوية إلى نصف سنوية
  8. الرفع من نظام التعويضات عند الترقي في الدرجة
  9. ربط الترقية بالتكوين المستمر للرفع من الكفاءة والمهارة حسب المهام الموكولة
  10. الضبط القانوني المراعي للتوجهات القضائية الحديثة خاصة بالنسبة لمعايير الترقي بالاختيار، تفاديا لانحراف السلطة الإدارية في تقديرها.

وأرجو أن أكون في هذه المداخلة المقتضبة، قد أجبت عن التساؤل الذي يثيره هذا الموضوع: أهو إشكالية راجعة إلى التدبير الإداري؟ أم إلى تكامل النصوص القانونية، ودرجة الرقابة القضائية على تطبيقها؟

والسلام عليكم ورحمة الله

قد يعجبك ايضا