الدبلوماسية الرياضية المغربية في الميزان

المعلومة القانونية

*مصطفى الهايج : باحث في سلك الدكتوراه القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال الرباط، ومستشار بالمركز المغربي للدراسات والأبحاث المالية والضريبية.

تعد الدبلوماسية إحدى وسائل حل النزاعات بالطرق السلمية، وتعود الممارسة الدبلوماسية إلى العصور القديمة، وتطورت بفعل تطور النظم السياسية، ووجدت الدبلوماسية علما بحد ذاته له قواعده وقوانينه وأهدافه واستراتيجياته، ويمكن القول إن الدبلوماسية هي عملية سياسية ترتبط مباشرة بإدارة وتوجيه العلاقات الخارجية للدول والشعوب بما يخدم مصالحها، وتتعدد أنواع الدبلوماسية من الدبلوماسية الرسمية التي تمارس ما بين الحكومات والممثلين الرسميين للدول، إلى الدبلوماسية الرياضية التي تعد أحد أهم المجالات العالمية التي تعمل عليها كثير من الدول وخاصة ما يرتبط منها بعمليات التخطيط الاستراتيجي للرياضة الوطنية أو ما يعرف بالقوة الدبلوماسية الهادئة والناعمة في السياسات الدولية،  التي تؤثر على الشعوب لتحقيق أهداف تلك الدول ونشر أفكارها ومعتقداتها وثقافتها ومحاولة التأثير بالجماهير الأجنبية وتشكيل رأي عام موافق لقضاياها.

بالنسبة للدبلوماسية الرياضية المغربية فقد تجاوزت المنافسات التقليدية للربح والخسارة، إلى مضامين، سياسية ودبلوماسية، في عالم أصبحت فيه مخاطر استقطاب الشباب نحو التطرف والإرهاب تهدد سلامة المجتمعات والدول والأفراد، لذلك فالرياضة مرآة للعلاقة بين الشعوب وتعبير مباشر عن روح الشعب ومزاجه العام، كما أنها تلعب دورا هاما في توطيد الشعور بالانتماء الوطني وخاصة لدى أطفال وشباب المواطنين القاطنين بالخارج، والذين يعيشون في شبه قطيعة مع أوطانهم الأصلية وصعوبات في الاندماج في مجتمعات وثقافات البلدان التي تحتضنهم، لذلك أصبحت أداة هامة ومؤثرة في يد كل فرد في العالم، بحيث يمكنه أن يستغل الألعاب الرياضية للضغط على حكومته، أو أن يكون سفيرا لبلده، بطريقة قلما نجدها في الأدوات الأخرى، وخير نموذج الملك الراحل الحسن الثاني الذي حكم المغرب مدة 38 عاما، كان مولعا بالرياضة، حيث كان يهوي ركوب الخيل والغولف وكرة القدم. كما كان حريصا على متابعة الأحداث الرياضية الهامة. ففي حقبته احتضن المغرب الألعاب المتوسطية سنة 1983 والألعاب العربية سنة 1985 وكأس افريقيا للأمم سنة 1988 وفي عهده حققت الرياضة المغربية إنجازات مهمة كان أبرزها إحراز المنتخب المغربي لكأس افريقيا للأمم سنة 1976، وبلوغ أسود الأطلس الدور الثاني لمونديال مكسيكو سنة 1986 كأول بلد عربي وإسلامي وإفريقي يتجاوز هذا الدور، ويبقى الإنجاز الأكبر الذي منحه الراحل اهتماما أكبر هو تتويج العدائين سعيد عويطة، ونوال المتوكل بالذهب في أولمبياد لوس أنجلس بالولايات المتحدة الأمريكية سنة 1984. كما حققت الدبلوماسية الرياضية في السنوات الأخيرة بفضل الرؤية المتبصرة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس الهادفة إلى ترسيخ مكانة المملكة اقليميا وقاريا ودوليا، وتعزيز التعاون جنوب – جنوب، العديد من الإنجازات تتوخى الدفاع عن القضايا الوطنية على رأسها ملف الوحدة الترابية للمملكة، وما تعرفه من اعترافات دولية مستمرة، خاصة بعد العودة المميزة لبلادنا في المكتب التنفيذي للاتحاد الإفريقي منذ عام 2004. وتم تعزيز ذلك بتنظيم مجموعة من الأحداث-الرياضية والتظاهرات القارية في مقدمتها إسناد تنظيم كأس القارات بمشاركة عمالقة ألعاب القوى العالمية سنة 2014 بمراكش، وكذا التصفيات الإفريقية المؤهلة لمونديال قطر2022، والمباراة الاستعراضية لكرة القدم التي أقيمت بالعيون بمشاركة ألمع النجوم العالميين السابقين، كالأسطورة “دييغو أرماندو مارادونا”، و”أبيدي بيلي” و”جورج ويا”، وغيرهم وذلك بمناسبة تخليد الذكرى 41 لانطلاق المسيرة الخضراء المظفرة، كما أن التطور الكبير في مختلف المجالات الرياضية خلق لاعبين مغاربة غير تقليديين ومؤثرين بشكل كبير في السياسة الدولية، فلم تعد الألعاب الرياضية تقتصر على المنافسة، ولكنها تخطت ذلك لتشكل أحد أهم أدوات الدول غير الرسمية في تنفيذ سياستها الخارجية والداخلية.

ما يفتح الباب لسؤال، هل هذا جزء من منهج مغربي جديد يستخدم أدوات الدبلوماسية الشعبية بما فيها الرياضة لتوجيه رسالة مغربية للعالم؟ وهل يتحول المغاربة إلى القوة الناعمة بطريقة مدروسة؟ أم أن الموضوع جاء في سياق مواقف أملتها الأحداث والتطورات السياسية.

لقد دخل مفهوم الدبلوماسية الرياضية مجال العلاقات الدولية والدبلوماسية حديثا، فالرياضة جزء من أدوات السياسة الخارجية المغربية، وهذا ما عبر عنه المسؤولون في السلطة الحكومية المغربية، حيث ساهمت في مناسبات عديدة، في تقريب وجهات النظر وفي حل الكثير من المشاكل التي استعصت عليها السياسة.

 

ويتضح من خلال ما سبق أن المغرب منذ خسارته رهان تنظيم مونديال 2026، زاد من حجم المبادرات والشراكات في القارة الإفريقية، في إطار دبلوماسية رياضية استطاع بها تعزيز روابطه بدول القارة. إلا أنها على المستوى العالمي ما تزال تبحث عن موطئ قدم لها، وهنا تطرح أيضا العديد من الأسئلة المقرونة بهذه المعضلة التي تنصب كلها حول إشكالية ضعف النجاعة أو حتى غيابها وعدم تطبيق مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وإعادة افتحاص معايير انتقاء اللاعبين والرياضيين في مختلف الرياضات بهدف تحقيق ألقاب عالمية. ونظرا لكون هذه القوة الناعمة أداة من أدوات الإشعاع الدولي والقدرة على التنافس ونشاطاً مدراً للاستثمارات وفرص الشغل، وعلى هذا الأساس وجب على القيمين والساهرين على الشأن الرياضي صياغة خطة عمل جديدة أكثر مرونة لتجاوز مكامن الخلل التي تعتري المشهد الرياضي، على مستوى الحكامة والبنيات التحتية والتمويل والتكوين من خلال تحقيق العناصر الاستراتيجية التالية :

– تعزيز قدرة البنية التحتية المغربية على استقطاب الفعاليات الرياضية الدولية المهمة واستضافتها.

– تدشين أكاديمية التفوق الرياضي، التي تؤهل مواهب رياضية على مستوى عالمي بأيدي خبراء ومدربين مختصين من مختلف دول العالم، تداركا لعجز الكرة المغربية على التكوين.

– تشجيع المدربين المحليين على قيادة تدريب المنتخب الوطني المغربي بدل التركيز على الأجانب.

– تجديد اللاعبين المحترفين المغاربة في أوروبا، الذين لم يقدموا ما يشفع لهم بالاستمرار مستقبلا، مع المنتخب المغربي، خاصة في ظل توهج عناصر أخرى، في بطولات أوروبية، لتخليق الحياة الرياضية، ومحاربة كل الممارسات الخارجة عن القوانين الجاري بها العمل.

-تنظيم بطولات كروية بين المؤسسات التعليمية بالتنسيق مع الجهات والمنتخبين على مستوى الجماعات الترابية.

– تأسيس مكتب سفراء الرياضة المغربية بالتعاون بين وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة ووزارة الشباب والثقافة والتواصل ووزارة الخارجية والتعاون الدولي، للعمل كسفير أو قنصل أو ملحق رياضي بسفارات المغرب بالخارج لتعزيز العلاقات الدبلوماسية ونقل الخبرات الرياضية من كافة الدول في العالم.

 

المراجع المعتمدة

– منصف اليازغي: السياسات العمومية للدولة في المجال الرياضي، بحث لنيل الدكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدستوري، جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، الموسم الدراسي 2008-2009 ص: 107.

– جانجي فطيمة فريال: السياسة الرياضية في الجزائر، دراسة حالة الرياضة المدرسية، 2000-2013، مذكرة لنيل شهادة الماستر في العلوم السياسية والعلاقات الدولية، تخصص سياسة عامة وإدارة محلية، جامعة محمد خيضر بسكرة، الجزائر 2013-2014.

– عبد الرزاق العكاري: “الرياضة بالمغرب في أفق حكامة جيدة”،  مطبعة الأمنية، الرباط، طبعة1، 2008، ص: 14.

– محمد أحمد علي مفتي: الدور السياسي للألعاب الرياضية، مجلة الملك سعود، المجلد الخامس، العلوم الإدارية 1413ه1993 م.

سعيد ياسين: الرياضة والتنمية المحلية، بحث لنيل الإجازة في القانون بكلية الحقوق بسطات، 2009-2010.

آلاء جابر: تعريف الرياضة وفوائدها، موسوعة موضوع الإلكترونية.

– الرسالة الملكية السامية التي وجهها الملك محمد السادس يوم 27 و 28 أكتوبر 2008 للمشاركين في المناظرة الوطنية الثانية للرياضة المنعقدة بالصخيرات.

تقرير المجلس الإقتصادي والإجتماعي والبيئي: السياسة الرياضية بالمغرب إحالة رقم 26/2019.

قد يعجبك ايضا