الصراع الأمريكي الروسي: بين حل الأزمة الأوكرانية وتنافس إمدادات الغاز الطبيعي المسال

المعلومة القانونية

*الدكتور محمد البغدادي : باحث في العلوم القانونية بكلية الحقوق بطنجة.

 

المقدمة:

لا ريب في أن الولايات المتحدة الأمريكية هي التي ترسم سياسات الهيمنة والنفوذ والقوة في العالم، وذلك في ظل استحضار النفوذ المتنامي للتحالف الروسي الصيني خلال العقدين الأخيرين الذي يهدد هيمنة واشنطن في زعزعة موقعها الريادي وفشل قراراتها الاستراتيجية في تاريخ الإدارة الأمريكية  وتأثيراتها في الساحة الدولية، لاسيما على صعيد التنافس السياسي أو الاقتصادي أو العسكري، وهذا ما أوضحته القمة الافتراضية بين بكين وموسكو بتاريخ 13 دجنبر 2021 حول بحث التوترات بين أمريكا وأوروبا.[1]

ويعرف الصراع الأمريكي الروسي بأنه ذلك الصراع في الهيمنة والنفوذ والقوة في مجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية بين واشنطن وموسكو.

ونظرا لأهمية الصراع الأمريكي الروسي في الساحة الدولية وحجم المتغيرات الدولية والتحولات الإقليمية الجارية في النظام الدولي، فإن الإشكالية المركزية تتمثل فيما يلي: كيف سيتدبر كل من الرئيسين الأمريكي جون بايدن والروسي بوتين العديد من الملفات الشائكة وتحديات مشتركة في ظل تضارب المصالح لكل البلدين؟.

وتحت هاته الإشكالية المحورية تتفرع عنها التساؤلات التالية:

ولمعالجة هذا الموضوع، ارتأينا الاعتماد على التقسيم التالي:

المبحث الأول: تطور الأزمة الأوكرانية بين واشنطن وموسكو

المبحث الثاني: مجالات الهيمنة والنفوذ والقوة لواشنطن وموسكو بشأن تنافس إمدادات الغاز الطبيعي المسال

 

المبحث الأول: تطور الأزمة الأوكرانية بين واشنطن وموسكو

تأتي الأزمة الأكرانية بين واشنطن وموسكو في ظل تفاقم الأوضاع الأمنية في أوروبا واستحضار الطرح البراغماتي للولايات المتحدة الأمريكية بشأن مضامين مشروع الاتفاقية الروسية للضمانات الأمنية المؤرخ في 26 يناير 2022، وذلك من خلال العديد من الملفات والقضايا التي ماتزال عالقة بين أوكرانيا وموسكو.

وتبعا لذلك، سوف نتعرف على أزمة أوكرانيا لما قبل إدارة جون بايدن في المطلب الأول وأزمة أوكرانيا لما بعد إدارة جون بايدن في المطلب الثاني.

المطلب الأول: أزمة أوكرانيا لما قبل إدارة جون بايدن لا شك أن اتفاقية مينسك بشأن الوضع الأوكراني بين الحكومة المركزية الأوكرانية والمناطق المتمردة والمتجسدة في جمهورية دونيستك الشعبية وجمهورية لوهانسك الشعبية بتاريخ 5 سبتمبر 2014 تحت الرعاية السياسية الروسية والفرنسية والألمانية ، حيث تحظى بأهمية استراتيجية في ظل الصراع الأمريكي الروسي للأزمة الأوكرانية وزيادة الرئيس الأمريكي جون بايدن بإمداد أوكرانيا بالأسلحة الأكثر تطورا ضد التحركات الروسية في الحدود الأوكرانية ، ونشر القوات النيتو في  أوكرانيا وفي بولندا ودول البلطيق ، والحد من النفوذ الروسي من خلال تلويح  بالعقوبات القاسية ، ووضع حد لمشروع خط أنبوب الروسي نور ستريم2 .

وبالعودة إلى الوضع الأوكراني، فإن موسكو قامت بنشر قوات إلى منطقتي دونيتسك ولوهانسك الأوكرانيين –وهي منطقة تُعرف باسم دونباس- لدعم المتمردين الذين كانوا يحاولون الانفصال عن البلاد.

وأدى القتال في دونباس، بالقرب من الحدود الروسية، إلى مقتل أكثر من 14 ألف شخص منذ عام 2014، حسب ما أشار في شبكة سكاي نيوز البريطانية.

وفي محاولة لإنهاء الصراعات الكبرى حول الأزمة الأوكرانية، قادت فرنسا وألمانيا اتفاقية سلام بين الجانبين سنة 2015، لكنها فشلت في توحيد الجانبين سياسياً واستمرت التوترات على نطاق صغير منذ ذلك الحين.[2]

المطلب الثاني: أزمة أوكرانيا لما بعد إدارة جون بايدن

من المسلم به أن مشروع الاتفاقية الروسية للضمانات الأمنية كان محط نقاش مستفيض في صلب تطورات القمة الافتراضية بين الرئيس الأمريكي جوبايدن والرئيس الروسي فلاديمير بوتين  بتاريخ 7 ديسمبر 2021 حول تعهد دول الناتو باستبعاد انضمام أوكرانيا إلى الحلف وتوسيعه وتعهد  كل من روسيا وحلفو شمال الأطلسي بعدم نشر صواريخ متوسطة وقصيرة المدى في مناطق تسمح لكل طرف بإصابة أراضي الأخر، كما يتوجب على كل من روسيا وحلف النيتو الالتزام بعدم خلق ظروف تقيم على أنها تهديد، هذا فضلا عن أن الضمانات الأمنية أيضا تشمل  في بنودها دعوة روسيا لحلف النيتو

للعمل على منع وقوع حوادث بحرية وجوية في البحر الأسود وبحر البلطيق ،وبموجب المقترحات الروسية تتعهد موسكو وواشنطن بعدم  إجراء تدريبات عسكرية ذات سيناريو استخدام الأسلحة النووية، أضف إلى ذلك يسمح بنشر القوات والأسلحة في أوروبا في حالات استثنائية بموافقة روسيا وأعضاء النيتو ، وبموجب المسودة المقترحة تلتزم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية بإزالة البنية التحية لنشر الأسلحة النووية خارج أراضيهما ، كما أنا روسيا تقترح على النيتو التخلي عن أي نشاط  عسكري في أوكرانيا وأوروبا الشرقية ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى، وتنص الشروط الروسية على التزام الولايات المتحدة الأمريكية بمنع امتداد النيتو شرقا وعدم انضمام دول من الجمهورية السابقة للاتحاد السوفيتي  إلى حلف النيتو،  إلى جانب عدة ملفات عالقة وشائكة وخلافات واسعة، وهي الأزمة المتصاعدة على الحدود بين روسيا وأكرانيا ، والأمن السيبراني ، ومهاجمة روسيا البنية التحتية الأمريكية ،والتوترات الحدودية الأخيرة بين روسيا والنيتو ، والدبلوماسية وطرد الدبلوماسيين وإغلاق البعثات ، وكذا ملفات الحوار الاستراتيجي في يونيو و المتمثلة في التكنولوجيا الجديدة والفضاء والحد من التسلح، وهذا ما أكده الرئيس الروسي في الاجتماع الموسع لوزارة الدفاع الروسية بموسكو بتاريخ 21 ديسمبر 2021.[3]

 

المبحث الثاني: مجالات الهيمنة والنفوذ والقوة لواشنطن وموسكو بشأن

تنافس إمدادات الغاز الطبيعي المسال لقد أصبح النفوذ الأميركي الروسي في أوروبا، يعرف تكتلات جديدة في ضوء التحولات الجارية في النظام الدولي ، بما في ذلك تغير الخريطة العالمية وتنامي التنين الصيني في أوروبا من خلال التواج الاقتصادي  في بريطانيا وألمانيا وغيرهما، بيد أن هناك مجموعة من الملفات ذات الطابع الجيو السياسي لا يتوافقان بشأنها من خلال التدخل الأمريكي التي تعارض التغلغل الصيني في بغض البلدان الأوروبية ورفض مطالب روسيا في ظل تفاقم الحرب الالكترونية بين واشنطن و موسكو.

وعليه، سوف نتطرق إلى تصاعد الأزمات السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في -المطلب الأول- و خط أنبوب الغاز الروسي نورد ستريم 2 بين موسكو وأوروبا في -المطلب الثاني-.

 

المطلب الأول: تصاعد الأزمات السياسية بين الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا

معلوم أن تصاعد الأزمات السياسية بين واشنطن وبروكسيل خلال العقد الأخير، يأتي في سياق الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وأزمة الغواصات بشأن اتفاقية  أوكوس بين الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأستراليا التي اعتبرتها فرنسا طعنة في الظهر من طرف الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، هذا فضلا عن النفوذ المتنامي  للصين في أوروبا من خلال تفعيل مبادرة الحزام  والطريق الحريرية وتحالفها مع الجانب الروسي بشأن التعاون العسكري والتكنولوجي  والطاقي وهي:

– الاتفاق الرئيسين الصيني والروسي على إنشاء هيكل مالي مستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر ديسمبر 2021.

-بكين وموسكو تسيران دوريات بحرية مشتركة   بتاريخ 23 أكتوبر 2021 .

-مناقشة الرئيسين الصيني والروسي الوضع في أفغانستان وأكدان على ضرورة محاربة الإرهاب بتاريخ 25 أغسطس 2021.

-حصة الدولار الأمريكي تهبط في معاملات البلدين دون 50 في المائة خلال شهر أغسطس 2021.

-إعلان الرئيسين الصيني والروسي بتمديد معاهدة حسن الجوار للصداقة والتعاون الودي التي دخلت حيز التنفيذ منذ 20 عاما بتاريخ 28 يونيو 2021.

-جهود روسية صينية لحماية العلاقات من العقوبات الاقتصادية لدول أخرى وصفها وزير الخارجية الروسي بغير صادقة بتاريخ 23 مارس 2021.

– موسكو تؤكد ضرورة  التطور للتخلص من الضغط  خلال شهر مارس 2021

– تأكيد الرئيسن الصيني والروسي التعاون الاقتصادي في مجالات الهيدروكربونات  والذراء بتاريخ 8 يوليوز 2020.

– محدثات لتدشين آلية لتداول الروبل واليوان مباشرة خلال شهر يونيو 2019.

-اتفاقية لمقايضات عملات بقيمة 150 مليار يوان لمواجهة الدولار الأمريكي لسنة 2014.[4]

 

المطلب الثاني: خط أنبوب الغاز الروسي نورد ستريم 2 بين موسكو وأوروبا

من الواضح جدا أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف النيتو يواصل الضغط على خط أنبوب الغاز الروسي نورد ستريم 2 من خلال العديد من التأثيرات الجيو السياسية والأزمات الاقتصادية التي تشهدها أوروبا بشأن ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي والأمنية من خلال مطالب موسكو في مشروع الاتفاقية الروسية للضمانات الأمنية في ضوء القمة الافتراضية بين بايدن وبوتين، وذلك من خلال

استحضار  الخلافات السياسية التالية:

-ألمانيا تهدد بوقف مشروع نور ستريم 2 في حال عزت موسكو كييف خلال شهر ديسمبر 2021.

– ألمانيا تتوقع استمرار عملية الموافقة على مشروع نور ستريم 2 حتى النصف الثاني من العام 2022 خلال شهر ديسمبر 2021.

– ألمانيا تعلق ترخيص الشركة المشغلة لمشروع نورد ستريم  2 إثر مخالفات تشريعية وقانونية خلال شهر نوفمبر 2021.

-بريطانيا تدعو الدول الأوروبية للتصدي لمشروع نورد ستريم2 خلال شهر نوفمبر 2021.

– شركة غازبروم تعلن اكتمال بناء خط الأنابيب نورد ستريم2 خلال شهر سبتمبر 2021.

– واشنطن ترفع العقوبات على الشركات المساهمة في مشروع نورد ستريم 2 خلال شهر ماي 2021.[5]

 

الخاتمة:

وتأسيسا على ماسبق ، يتضح أن نظام العلاقات الدولية يعيش مجموعة من التطورات السلبية بشأن الوضع الأوكراني بين حلف النيتو بقيادة واشنطن وموسكو من خلال انعقاد اجتماع وزاري بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في جنيف بتاريخ 21 يناير 2022، العديد من التوترات والخلافات بشأن مضامين مشروع اتفاقية الروسية للضمانات الروسية الذي لم يحظى بترحيب وقبول من جانب حلف النيتو والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، لاسيما وأن الطرح البراغماتي للولايات المتحدة الأمريكية بشأن الضمانات الأمنية الروسية من خلال ردها الكتابي المؤرخ في 26 يناير 2022 يتمثل أساسا في موقف حلف النيتو بشأن التفاوض حول سياسة التوسع وضمها لأوكرانيا ودول أوروبا الشرقية، وكذا مسألة الصواريخ والتسلح وشفافية المناورات العسكرية، وذلك بما يضمن خفض التوتر والتصعيد والجلوس إلى طاولة الحوار والتشاور والبحث عن الحلول السلمية والتوافقية حسب تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أو الناتو ينس ستولتنبرج ، وهذا ما تم توضيحه في تصريحات وزير الخارجية الأمريكي من خلال رده الكتابي على روسيا، حيث أكد على نهج الخيار الدبلوماسي بدلا من التصعيد العسكري بشأن الأزمة الأوكرانية.

كما وعدت الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الاتحاد الأوروبي بعقوبات شديدة وشاملة إزاء عزو روسيا الأراضي الأوكرانية، الأمر الذي يفرض على واشنطن وموسكو التوصل إلى تفاهمات واتفاقات وتنازلات مكتوبة تمنع اندلاع الحرب التي لا تخدم مصالح وشؤون البلدين وتحقق مبدأ السلم والأمن الدوليين حسب ما هو واضح وصريح في ميثاق الأمم المتحدة.

لائحة المراجع:

  • البرامج التلفزيونية
  • مداخلة أندريه كوريتنوف، أزمة روسيا وأوكرانيا.. ما الضمانات الأمنية المطلوبة من موسكو؟، مشاركة في قناة الجزيرة، يوم 26 يناير 2022.
  • مداخلة حسين الوائلي، ما هدف واشنطن والناتو من قرع طبول الحرب على حدود روسيا؟، مشاركة في قناة RT العربية، يوم 24 يناير 2022.
  • مداخلة نزار بوش، تصاعد التوتر الروسي الأمريكي بشأن اوكرانيا.. هل يتحول إلى صدام؟، مشاركة في قناة RT العربية ، يوم 26 يناير 2022.
  • مداخلة عاطف عبد الجواد، تصاعد التوتر الروسي الأمريكي بشأن اوكرانيا… هل يتحول إلى صدام؟، مشاركة في قناة RT العربية ، يوم 26 يناير 2022.
  • مداخلة قسطنطين سيفكوف، ما هدف واشنطن والناتو من قرع طبول الحرب على حدود روسيا؟، مشاركة في قناة RT العربية، يوم 24 يناير 2022.
  • مداخلة تيريزا فالون، نذر حرب تقترب.. تعرف على قدرات الجيش الأوكراني، مشاركة في قناة الجزيرة، يوم 23 يناير 2022.
  • مداخلة تشارلين كابتشن، أزمة روسيا وأوكرانيا.. ما الضمانات الأمنية المطلوبة من موسكو؟، مشاركة في قناة الجزيرة، يوم 26 يناير2022.

 

الإحالات:

[1] مداخلة تشارلين كابتشن، أزمة روسيا وأوكرانيا.. ما الضمانات الأمنية المطلوبة من موسكو؟، مشاركة في قناة الجزيرة، يوم 26 يناير2022.

[2] مداخلة أندريه كوريتنوف، أزمة روسيا وأوكرانيا.. ما الضمانات الأمنية المطلوبة من موسكو؟، مشاركة في قناة الجزيرة، يوم 26 يناير 2022.

[3]مداخلة نزار بوش، تصاعد التوتر الروسي الأمريكي بشأن اوكرانيا.. هل يتحول إلى صدام؟، مشاركة في قناة RT بالعربية ، يوم 26 يناير 2022. وللمزيد من التوضيح أنظر مداخلة حسين الوائلي، ما هدف واشنطن والناتو من قرع طبول الحرب على حدود روسيا؟، مشاركة في قناة RT العربية،  يوم 24 يناير 2022.

[4] مداخلة عاطف عبد الجواد، تصاعد التوتر الروسي الأمريكي بشأن اوكرانيا… هل يتحول إلى صدام؟، مشاركة في قناة RT  العربية ، يوم 26 يناير 2022. وللمزيد من التوضيح راجع مداخلة سامح الهادي، ما هدف واشنطن والناتو من قرع طبول الحرب على حدود روسيا؟، مشاركة في قناة RTالعربية، يوم 24 يناير 2022.

[5] مداخلة تيريزا فالون، نذر حرب تقترب.. تعرف على قدرات الجيش الأوكراني، مشاركة في قناة الجزيرة، يوم 23 يناير 2022. وللمزيد من تسليط الضوء راجع مداخلة قسطنطين سيفكوف، ما هدف واشنطن والناتو من قرع طبول الحرب على حدود روسيا؟، مشاركة في قناة RTالعربية،  يوم 24 يناير 2022.

قد يعجبك ايضا