الآليات القانونية لمكافحة الأخبار الزائفة وترويجها

المعلومة القانونية

*هند ريان – خريجة ماستر العلوم الجنائية والدراسات الأمنية بكلية الحقوق طنجة.

مقدمة :

شكلت شبكات التواصل الاجتماعي منذ مطلع الألفية الثالثة، أحد أهم الوسائط الاجتماعية للتواصل ذات الاستقطاب الجماهيري المفتوح، وباتت صناعة القرارات السياسية والاجتماعية وحتى الاقتصادية تعتمد بشكل كبير على ما يروج عبر هذه الشبكات، لتتحول بالتالي من مجرد وسيط تواصلي افتراضي إلى شبكات معقدة بامتياز، عملت على محو الفواصل والحواجز بين الدول والشعوب بشكل غير مسبوق، مما جعلها بحق أحد آليات تكريس العولمة، التي حولت العالم إلى قرية صغيرة، خاصة بعد أن انتقلت هذه الشبكات إلى وسيط للإخبار وتداول المعلومة، مما جعل الإعلام ينتقل من البعد المؤسسي إلى البعد الشعبي والجماهيري، وتحول من ثم كل مبحر افتراضي في الشبكة العنكبوتية إلى صحفي وإعلامي يشارك بشكل أو بآخر في الصناعة الإعلامية نقدا وتحليلا، إنتاجا للمعلومة واستهلاكا لها في الآن نفسه، بعد أن تحولت هذه الشبكات بدورها إلى وسائط  لنشر المعلومة و تداولها . [1]

و بالتالي  أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي فضاء خصبا لصناعة و نشر وإذاعة الأخبار الزائفة التي تتسع دائرتها، نظرا لما يتمتع به الناشر عبرها من هامش ومتسع من الحرية، وفائض في التعبير، ومساحة من الجرأة، وسرعة الوصول، فأصبحت منصات وتطبيقات التواصل الاجتماعي أداة لتعزيز انتشار الأخبار الزائفة وانتشار الصور ومقاطع الفيديو المفبركة ،  و بالتالي هذه المنصات شكلت تحديا كبيرا أمام المجتمع والسلطات، كونها غير خاضعة للرقابة والتدقيق على غرار وسائل الإعلام التقليدية، مما جعلها تربة خصبة لنشر الأخبار الزائفة والمضللة، خصوصا في الظريفات التي تتسم ببروز حدث يشغل الرأي العام الدولي والوطني و هذا ما رأيناه الآن في ضل وباء كورونا حيث كثرت العديد من الأخبار الزائفة حول هذا الموضوع .

و كشفت دراسة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا سنة 2018، أن انتشار الأخبار الكاذبة والإشاعات على وسائل التواصل الاجتماعي أسرع بكثير من الأخبار الحقيقية، حيث أوضحت الدراسة أن علة هذا الانتشار، ترجع إلى قدرة هذا النوع من الأخبار الكاذبة أو المضلّلة على خلق مشاعر الخوف أو الاندهاش الكبير لدى القراء والمتابعين، مما يضاعِف إقبال الناس على قراءتها ومشاركتها مع آخرين، ووجد هذا النوع من الأخبار ضالته في انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، بسبب سهولة الولوج إليها، ووفرة الإمكانيات اللوجستية والتقنية كاللوائح الإلكترونية والهواتف الذكية، حيث أصبحت تعرف طفرةً مضاعفة وعابرة للحدود، وذلك لطبيعة هذه المنصات المساعدة على النشر دون تكلفة ودون رقابة. [2] و بالتالي  تعد الأخبار الزائفة أو كما يطلق عليها “The Fake News”  من أخطر الأسلحة فتكا بالمجتمعات والدول، وذلك بما تشكله من خطر على عقل ونفسية الإنسان، واستقرار وأمن المجتمع، خصوصا مع انتشارها غير المتحكم فيه، في ظل هيمنة مواقع التواصل الاجتماعي على الحيز الأكبر منها، وهو ما يتطلب حزما في مواجهتها وتوعية الرأي العام بكيفيات التعاطي معها .

و هذا ما يدفعنا لطرح الإشكالية التالية إلى أي حد استطاع القضاء المغربي الحد من انتشار الأخبار الزائفة ؟

سنعالج هذه الإشكالية من خلال المحورين التاليين :

المحور الأول : ماهية الأخبار الزائفة

المحور الثاني : المواجهة القانونية للأخبار الزائفة في ظل الأزمات (كورونا)

 

المحور الأول : ماهية الأخبار الزائفة

ارتبطت ظاهرة الأخبار الزائفة  « Fakenews »بظهور وسائل الإعلام، غير أن انتشار وسائل الاتصال الحديثة بمختلف أصنافها، والتطور التقني الكبير الذي شهدته العقود الأخيرة في مجال الاتصالات، وسرعة نقل وتدفق المعلومات، كل هذه العوامل شكلت بيئة آمنة تنتشر وتروج من خلالها الشائعات والأخبار الزائفة والمضللة بهدف تحقيق مكاسب.

ويعزى الفضل في ظهور وبروز مصطلح الأخبار الكاذبة عبر المنصات الرقمية إلى مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية أواخر سنة 2016،   حيث ساهمت في تعزيز حالات الارتباك وخطابات الكراهية. وغالبا ما تهدد هذه الأخبار حرية الصحافة والمؤسسات الصحفية بصفة عامة.

وتتمتع الأخبار الزائفة بقدرة كبيرة على تشويه الواقع والتأثير على حياة الأشخاص، وهو ما تجلى خاصة خلال الفترة التي تلت الانتخابات الأمريكية أو الانتخابات الفرنسية، وكذلك إثر استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو مثلما حدث أيضا في الآونة الأخيرة إبان الحركة الانفصالية الكتالونية.[3]

في الواقع، على الرغم من وجود هذا النوع من الأخبار الكاذبة والمضللة منذ القديم، إلا أنه في الوقت الراهن ومع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي، اكتسب هذا النوع من الأخبار قوة كبيرة، بما أن نشرها على شبكة الإنترنت لا يكلف الكثير.

خلال إحدى المقابلات التي أجراها ترامب مع الشبكة الإخبارية الأمريكية “سي إن إن”، بعد انتخابه كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية، صرح قائلا: “لست أنا المسؤول عن اختراع مصطلح “الأخبار الزائفة”، لأنني كنت أعتقد أن هناك أشخاصا آخرين قد استخدموه أيضا على مر السنين. فكل ما فعلته هو جعل هذه العبارة أكثر وضوحا، لأن مجتمعنا، للأسف، يعج بهذا النوع من الأخبار وهذا مؤسف حقا”.

و قد حددت  كلير ورادل Claire Wardle، الباحثة بمشروع “فيرست درافت First Draft” لمكافحة الأخبار الزائفة حول العالم، في مقال لها في فبراير الماضي (2017)  بعنوان “الأمر ليس سهلا عندما يتعلق بالأخبار الزائفة” [4].

وتحدد الباحثة في علوم الاعلام كلير واردل من First Draft News سبعة أنواع من الأخبار الزائفة:

  1. السخرية أو الباروديا (“ليست هناك نية لإلحاق الأذى، إنما إمكان الخداع قائمة”)
  2. الربط الخاطئ (العناوين الرئيسة أو المواد البصرية أو العناوين الفرعية وكلام الصور لا تدعم المضمون)
  3. المضمون المضلل (استخدام مضلل للمعلومات بهدف وضع مسألة أو شخص ما في إطار معين)
  4. المضمون الخاطئ (عندما يتم نشر مضمون حقيقي عبر الاستعانة بمعلومات سياقية خاطئة)
  5. المضمون التدجيلي (عند انتحال صفة مصادر حقيقية” عبر اختلاق مصادر كاذبة)
  6. المضمون الذي جرى التلاعب به (عندما يتم التلاعب بمعلومات أو صور حقيقية بهدف الخداع، كما هو الحال عند تعديل الصور والتلاعب بها لأغراض معيّنة)
  7. المضمون الملفّق (المضمون الجديد كاذب مئة في المئة، بهدف الخداع والتسبّب بالأذيّة) [5].

ويرى عالم النفس الأمريكي الدكتور “Keith ABLOW” أن نشر وتصديق الأخبار المفبركة ظاهرة لها جذورها الثقافية القديمة، لكن منصات التواصل الاجتماعي جعلتنا هدفا أسهل وسلبتنا الوقت الكافي للتحقق من الأخبار بسبب سرعة وكثافة الشبكات الاجتماعية.

أما الباحث الفرنسي جان-نويل كابفيرير فيرى قال  أن الشائعات تنتشر في كل مكان بغض النظر عن طبيعة البيئة التي تحكم حياتنا الاجتماعية، ويشير في كتابه (الشائعات: الوسيلة الإعلامية الأقدم) إلى تقارب التعريفات التي قدمها الباحثون لمصطلح الشائعة، والتي تتفق في اعتبار الشائعة معلومة تضيف عناصر جديدة إلى شخص ما أو حدث حالي، كما أن الغرض من الشائعة هو أن يتم تصديقها، ففي العادة لا تسرد الشائعة بغية التسلية، بل ترمي إلى الإقناع.

كما تعرف شبكة الصحافة الأخلاقية مصطلح الخبر الزائف بأنه “خبر مختلق عمداً يتم نشره بقصد خداع طرف آخر وحثه على تصديق الأكاذيب أو التشكيك في الحقائق التي يمكن إثباتها”.

وعرفت صحيفة New York Times الـFake news على أنها “نوع من الصحافة الصفراء أو الدعاية التي تتكوّن من التضليل المتعمد، أو الخدع المنتشرة عبر وسائل الإعلام المطبوعة والإذاعية التقليدية، أو وسائل الاعلام الاجتماعية على الانترنت”.

جايمس أندرسون في الموسوعة اللغوية في محطة CBS 60، عرف الخبر الزائف بأنه “مصطلح حديث نسبيا، أو معزول، أو كلمة، أو عبارة قد تكون في طور الاستخدام المشترك، ولكن لم يتم قبولها بالكامل في اللغة السائدة”. وغالبا ما تعزى المصطلحات الجديدة مباشرة إلى شخص معين أو فترة أو حدث. [6]

وقد طرح فانج ليو وآندرو بارتون من جامعة كوينزلاند بأستراليا نموذجًا لإعادة نشر الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي في فترات الأزمات والكوارث، جمع بين نموذجي نشر الشائعات واحتمالية التفسير Elaboration Likelihood model.

وحدد الباحثان خمسة أشياء رئيسية تحكم اتجاه الأفراد لإعادة نشر محتوى الشائعة، وهي: القلق، أي تعبيرات الذعر والقلق التي يشعر المتلقي بأنها تعبر عما يشعر به في تلك الفترة ما يدفعه لإعادة نشر الشائعة. والانخراط الشخصي، أي أن تعبر الشائعة عن تجربة شخصية أو شهادة عيان. وغموض المحتوى وغموض المرسل، حيث يميل الناس للبحث عن مصادر ذات مصداقية لديهم أكثر من اهتمامهم بالمحتوى نفسه. وأخيرا الجاذبية، إذ يميل الأفراد للتأثر بالمحتوى الذي يتضمن صورًا أو فيديو إلى جانب النصوص.

عموما يمكن تعريف الأخبار الزائفة هي التــي تكــون مبنيــة علــى تزييــف الحقيقــة وهدفهــا التضليــل والتشــويه يصعــب تمييــز فبركتهــا.

كما أن هذه الأخبار الزائفة تعمل  على نشر  معلومات مضللة تجعل الجميع يعتقد أنها فعلا أخبار حقيقية. وإلى جانب دور مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيز نشر هذه الأخبار، التي تسهل انتشار هذه الدعايات بسرعة البرق قبل أن يتم تكذيبها، حيث الأخبار الزائفة تمتاز بسرعة الانتشار أكثر من الأخبار الصحيحة بستة أضعاف .[7]

و للأخبار الزائفة عدة مصادر متنوعة من بينها

1_ الأخبار المزيفة في مبدأ التضليل والتمويه:

ويكون الهدف الأساسي لها هو تضليل القارئ ونشر الفكرة من دون ترك فرصة للقارئ للتحقق من صحة هذه الأخبار أو عدمها.

2_  زيف المصادر المعتمد عليها

حيث يتبع هذا الأسلوب من قبل الصحف ومواقع الإعلانات والأخبار التي تهدف إلى نشر صور ومواقف لأشخاص أو جهات والتعليق عليها بشكل مختلف كليا عن المقصد الحقيقي للصورة أو الموقف أو الرأي للشخص المعلن عنه أو الجهة التي تتعلق هذه الأخبار بها.

يكون الهدف في معظم الأحيان هدف كيدي أو رد بطريقة إثارة شائعة او فضيحة عن شخص ما، بالطبع هنا تكون الأمور عبارة عن تصفية حسابات ولكن بشكل مختلف، تبعا لسياسات المواقع الإخبارية وانتماءاتها و مواقف الأشخاص أو الجهات الذين يقفون تحت مجهر الصحفيين وتحت أرصدة الراصدين.

3_ التلاعب في العناوين

يكون هذا العنصر من أهم وابرز المصادر التي تعتمد عليها الأخبار الزائفة في الانتشار، فكما يقول المثل المحلي المعروف “المكتوب مبين من عنوانه” ففي الواقع كم من قارئ يكمل قراءته لخبر ما بأدق التفاصيل لغاية الكلمة الأخيرة؟ كم قارئ يتفحص ويدقق في محتوى الخبر ويقرأ ما بين السطور؟ كم قارئ فعليا لديه الوقت الكافي ليقرأ أكثر من مجرد العنوان الرئيسي لخبر ما؟ في الحقيقة، يستغل المعلنون وأصحاب المنصات الإخبارية هذا الأمر في بث أفكار مشوهة في محتوى العنوان ومن ثم ذكر التفاصيل للخبر في نص الخبر نفسه، حيث أن ما يجب أن يكون هو أن يصف العنوان ما يشكله الخبر بأصدق وأدق طريقة، فكما نرى وكما ينتشر هذه الأيام هو أبعد ما يكون عن الحقيقة، فتبعثر مفهوم الشفافية في نقل الخبر بين عجلة الإعلانات وعجلة الكسب المادي، وما بينهم من المصالح العامة والخاصة للمعلنين وللسياسات المتبعة.

4_ أخبار الإنترنت

تشكل الأخبار التي تستهدفها مواقع التواصل الإجتماعي هي أخبار الهدف الرئيسي منها هو إبداء الإعجاب أو تجميع اللايكات فقط ،  الهدف منها هو تجميع أكثر نسبة مشاهدات لكي يصبح الخبر ترند أو تسجل القناة المعلنة أكبر نسبة متابعة وتجميع قاعدة شعبية لها لتضمن بذلك دخل مالي. حيث أن هنالك مواقع مثل يوتيوب تعطي دخل مالي على عدد الإعجاب أو اللايك الذي تحصل عليه، فهناك فيديوهات تحصل على ملايين المشاهدات وبالتالي الكثير من المبالغ المالية يمكن حسابها بطريقة معينة تتبع سياسة موقع اليوتيوب نفسه. [8]

المحور الثاني : المواجهة القانونية للأخبار الزائفة في ظل الأزمات (كورونا)

تعد فترة الأزمات التي قد يمر منها مجتمع ما، أنسب وأفضل بيئة تترعرع فيها الأخبار الزائفة وتنمو فيها الشائعات، وعلى سبيل المثال، ما عشناه خلال هذه الظرفية الإستثنائية بالمغرب منذ ظهور فيروس كورونا ببلادنا، حيث شهدنا عددا كبيرا من المنشورات المتضمنة لأخبار الزائفة، بما فيها فبركة بلاغات رسمية ومؤسساتية لإيهام المتلقي بإصدار هذه المؤسسات لقرارات ومستجدات جديدة، وكذا نشر أخبار  ناقصة وغير كاملة ومشوهة، تهم الحالة الوبائية بالبلاد وما صاحبها من إجراءات مواكبة، ومن النماذج القائمة أيضا، أنه بإعلان حالة الطوارئ الصحية، سارعت بعض الصفحات إلى نشر أخبار عن نفاذ مخزون المحلات والمتاجر الممتازة من المواد الغذائية والأساسية، وما يحتاجه المواطن في حياته اليومية، مما سبب ذعرا وقلقا نفسيا لعدد كبير من المواطنين، ودفعهم إلى الانكباب على هذه المحلات، مما أدى إلى ازدحام منقطع النظير عليها وخلق فوضى داخلها، وخرق شرط التباعد الصحي للوقاية من الإصابة بالفيروس. [9]

و يعتبر  قانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء التي دخل حيز التنفيذ في شتنبر 2018 من قوانين التي يعاقب على الاخبار الزائفة حيث نص الفصل 2_447 يعاقب بالحبس من سنة واحدة إلى ثلاث سنوات و غرامة من 2000 إلى 20.000 درهم ،كل من قام بأي وسيلة بما في ذلك الأنظمة المعلوماتية ، ببث أو توزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو صورته ،دون موافقتهم ،أو قام ببث أو توزيع إدعاءات أو وقائع كاذبة ،بقصد المس بالحياة للاشخاص أو التشهير بهم . [10]

إذن هذا الفصل يعاقب و يتابع ناشري المعلومات الشخصية و كذا الإشاعات و الاخبار الكاذبة ،من أجل الحفاظ على حقوق الأفراد و أيضا من أجل دعم الوعي الجماعي و سلوك المواطنة .

لكن قانون 103.13 هو يأتي لحماية الحياة الخاصة للأفراد و نحن نتحدث عن إطار آخر يرتبط بترويج شائعات  و بالتالي لا يمكن  تصدي للجريمة دون مكافحة الأخبار المزيفة و المفبركة .

و تصدى المشرع المغربي من خلال القسم الثالث -المخصص للعقوبات-من قانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر لجنحة نشر الأخبار الزائفة عبر وسائل التقنية الحديثة.

إذ  تنص الفقرة الأولى من المادة 72 من قانون الصحافة والنشر على أنه” يعاقب بغرامة من 20.000 إلى 200.000 درهم كل من قام بسوء نية بنشر أو إذاعة أو نقل خبر زائف أو إدعاءات أو وقائع غير صحيحة أو مستندات مختلقة أو مدلس فيها منسوبة للغير إذا أخلت بالنظام العام أو أثارت الفزع بين الناس، بأية وسيلة من الوسائل ولاسيما بواسطة الخطب أو الصياح أو التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية و إما بواسطة المكتوبات والمطبوعات المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع أو المعروضة في الأماكن أو الاجتماعات العمومية وإما بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم وإما بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الإلكترونية وأية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية”.

فالظاهر من خلال الفقرة الأولى من المادة 72 أن المشرع المغربي لم يعرف مدلول النشر  كما لم يعرف مفهوم الأخبار الزائفة، وإنما قام بحصر العناصر التكوينية لهاته الجريمة على الشاكلة التالية: العنصر الأول: فعل مادي يقوم به الجاني وهو النشر أو الإذاعة أو نقل خبر زائف أو إدعاءات أو وقائع غير صحيحة (الركن المادي)

. العنصر الثاني: كون الجاني تصرف بسوء نية ( الركن المعنوي)

العنصر الثالث: الإخلال بالنظام العام أو إثارة الفزع بين الناس.

العنصر الرابع: العلانية.

إن المشرع المغربي قد توسع في تحديد مختلف الوسائل التي تشكل العنصر الرابع من الخطب والصياح إلى أي وسيلة تُستعمل لهذا دعامة إلكترونية وما يدخل في حكمها. [11]

إشكال الذي يطرح هنا نظرا  مما تتمتع به مواقع التواصل الاجتماعي من ذاتية، كون الأشخاص القائمين على النشر بواسطتها قد يستعملون أسماء صحافيون ، أو قد يعمدوا إلى تفعيل برامج وطرق تقنية تجعل من الصعوبة بمكان التعرف على هوياتهم الحقيقية.

كما انه لا يمكن تطبيق قانون الصحافة على المواطنين لانه خاص بالصحافيين فقط كما أن قانون الصحافة لا يتماشى مع هذا الجرم لانه لا يضم عقوبات سالبة للحرية، مما يستدعي ضرورة تدخل المشرع من جديد من أجل إيجاد سبل ومنافذ تشريعية تحد من هاته جريمة .

لأن الاخبار الزائفة تؤدي إلى أمور تضرب فيه صميم الامن الاجتماعي للمواطن ،تؤدي إلى خوف المواطنين أكثر من وباء بحد ذاته و تدفع المواطن إلى عدم تجاوب مع التوصيات و النصائح الوقائية التي تقدمها السلطات العمومية،  و في ظل أزمة كورونا كثرت أخبار زائفة لذا كان على المغرب ان يحد منها  فصدر قانون مرسوم 2.20.292

المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ومن أجل التصدي لكل من خالف مقتضيات حالة الطوارئ الصحية ، وبالرجوع للمادة 4 منه التي تنص على أنه “يجب على كل شخص يوجد في منطقة من المناطق التي أعلنت فيها حالة الطوارئ الصحية ، التقيد بالأوامر والقرارت الصادرة عن السلطات العمومية المشار إليها في المادة الثالثة ،يعاقب على مخالفة أحكام الفقرة السابقة بالحبس من شهر إلى ثلاثة أشهر وبغرامة تتراوح بين 300 و 1300 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين ، ذلك دون الإخلال بالعقوبة الجنائية الأشد، ويعاقب بنفس العقوبة كل من عرقل تنفيذ قرارات السلطات العمومية المتخذة تطبيقا لهذا المرسوم بقانون، عن طريق العنف أو التهديد أو التدليس أو الإكراه، وكل من قام بتحريض الغير على مخالفة القرارت المذكورة في هذه الفترة، بواسطة الخطب أو الصياح او التهديدات المفوه بها في الأماكن أو الاجتماعات العمومية، أو بواسطة المكتوبات أو المطبوعات أو الصور أو الأشرطة المبيعة أو الموزعة أو المعروضة للبيع في الأماكن أو الإجتماعات العمومية، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم أو بواسطة مختلف وسائل الإعلام السمعية البصرية أو الالكترونية وأي وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية. [12]

وهي مقتضيات تتماشى مع الظرفية الاستثنائية التي يعرفها المغرب . كما أن هذه المادة الرابعة  نجدها تحدد جزاءات لكل من ارتكب الأفعال الجرمية المحددة أعلاه من خلال عقوبات حبسية وغرامات أو بإحدى هاتين العقوبتين، إلا أنه أورد مقتضيات تخول للقاضي الجنائي إمكانية تكييف الأفعال الجرمية وفق الجريمة التي لها عقوبة أشد، وعلى سبيل المثال طبقا للفصل 308 من القانون الجنائي المتعلق بمقاومة تنفيذ أشغال أمرت بها السلطة العامة والتي يعاقب عليها بعقوبة الحبس من شهرين إلى ستة أشهر، ويلاحظ أن المشرع في إطار مقتضيات المرسوم بقانون وسع من نطاق الوسائل الأكثر استعمالا في عرقلة مهام  السلطات العامة أثناء القيام بمهامها المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية ويدخل في نطاق ذلك أيضا ما يتعلق بإشاعه ونشر الأخبار الزائفة التي من شأنها عرقلة عمل السلطات المكلفة .

بعد صدور قانون الطوارئ الصحية صدر مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة، والذي قدمه وزير العدل و بتشاور و تنسيق مع العديد من المؤسسات الأمنية و القضائية و الحقوقية .

تعرض قانون 22.20 لمجموعة من الانتقادات لبعض الفصول لكن رغم ذلك له بعض إيجابيات لانه يشمل على بعض مقتضيات إيجابية التي نحتاجها خصوصا ما يتعلق في موضوعنا حيث نصت المادة 18  التي تدين من قام “عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو عبر شبكات البث المفتوح أو عبر الشبكات المماثلة، بنشر أو ترويج محتوى إلكتروني يتضمن خبرا زائفا من شأنه التشكيك في جودة وسلامة بعض المنتوجات و البضائع و تقديمها على أنها تشكل تهديدا و خطرا على الصحة و الأمن البيئي”.[13]

و تتراوح العقوبة من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات و غرامة من 5000  إلى 50000 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط.

و  من أمثلة على ترويج الاخبار الزائفة خصوصا في ظل وباء كورونا سيدة تبلغ من العمر 48 عاما “نشرت شريط فيديو على منصات التواصل الاجتماعي، تنفي فيه وجود وباء كورونا المستجد كوفيد-19، وتحرض فيه على عدم تنفيذ توصيات الوقاية والقرارات الاحترازية التي أمرت بها السلطة العامة لتفادي انتشار العدوى، وهي التصريحات الزائفة التي شكلت موضوع شكايات الكترونية تقدم بها عدد من المواطنين أمام النيابة العامة المختصة وأمام مصالح الشرطة القضائية”.و بالتالي تم توقيفها  .

أيضا  قامت عناصر الشرطة القضائية بمدينة طنجة،  توقيف فتاتين للاشتباه في تورطهما في نشر أخبار زائفة والتبليغ عن حالات إصابة بوباء كورونا. وذكر بلاغ المديرية العامة للأمن الوطني، أن مصالح الأمن الوطني كانت قد رصدت شريط فيديو على شبكات التواصل الاجتماعي، تظهر فيه أربع فتيات يربطن الاتصال، بشكل ساخر، بنظام اليقظة الخاص بوباء كورونا المستجد، للتبليغ عن حالات زائفة للإصابة بالوباء. [14]

أما بالنسبة للتشريعات المقارنة بخصوص الأخبار الزائفة  نجد الحكومة الأردنية قدمت مشروعا لتعديل الجرائم الإلكترونية سنة 2015 تضمن تجريم الإشاعات و الأخبار الكاذبة و ذلك من خلال المادة 13  حيث جرمت نشر أو بث الإشاعات و الاخبار الكاذبة بحق أي شخص طبيعي أو معنوي عن قصد و بسوء نية و ذلك بعقوبة تتراوح بين ثلاثة أشهر و سنتين .

أيضا البحريـن كانـت سـباقة فـي هـذا النـوع مـن القوانيـن، فقـد سـعت عـام 2012 إلـى تعديـل المـادة 168 مــن قانــون العقوبــات، المتعلقــة  بإذاعــة ونشــر الأخبار الكاذبــة والحــق فــي حريــة التعبيــر، وإسـاءة اسـتخدام مواقـع التواصل الاجتماعــي  حيث إن العقوبة لا  تزيــد علــى ســنتين، وبالغرامــة التــي لا تتجــاوز مئتــي دينـار، أو إحدى هاتيـن العقوبتين، فــي حــق مــن أذاع عمــدا أخبــاراًكاذبــة مــع علمــه بأنهــا مــن الممكــن أن تحــدث ضــرراً بالأمن الوطنــي أو بالنظــام العــام أو بالصحــة العامــة“. [15].

أيضا  المادة 62 من القانون الفلسطيني التي تعاقب بالسجن ثلاث سنوات لكل من نشر أو ردد قولا أو إشاعة أو خبرا من شأنه أن يسبب خوفا أو رعبا للناس .

أيضا المادة 188 من القانون المصري التي تعاقب بالسجن ايضا كل من نشر عن قصد أو عن  غير قصد أخبارا أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو أوراقا مصطنعة  أو مزوة أو منسوبة كذبا إلى الغير إذا كان من شأن ذلك المس بالسلم العام أو إثارة الفزع بين الناس أو إلحاق الضرر بالمصلحة العامة . [16]

و بالنسبة للقانون الفرنسي نص على هذه الجريمة أيضا ضمن التغير الحاصل في قانون الـصحافة لينص على أنه “نشر أو إعادة نشر اخبار او بيانات أو إشاعات كاذبـة او أوراق مـصطنعة أو مـزورة أو منسوبة إلى الغير ، معاقب عليه بغرامة من 50 فرنك إلى 1000 فرنك ، ويعاقب بالسجن شهرا وبغرامة مـن

500 فرنك إلى 1000  فرنك إذا كان النشر بسوء نية أو كان من شأنه تكدير السلم العام . .

كما أن  منظمة الصحة العالمية في أخير تقرير لها اعتبرت  الاخبار الزائفة كوباء المعلومات .[17]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

خاتمة :

 

لتجنب الأخبار الكاذبة  يجب أن يكون لدينا القدرة على تميزها وعلى امتلاك ما يسمى بمحو الأمية الإعلامي، وهو ما يجعلنا نسأل أنفسنا من الجهة التي يصدر عنها الخبر وما غاياتها وما أهدافها وما هي استراتيجيتها و رسالتها؟ لتتمكن من حصر الحقيقة في أي خبر يعرض أمامك كمشاهد وقارئ، عليك ملاحظة عدة امور عن الخبر مثل تاريخ نشر الخبر، إسم المؤلف والناشر، هل هناك مصادر موثوقة في الخبر، هل هناك توثيق فيديو أو صور او تسجلات صوتية، هل الخبر يصف وجهة رأي أم يمثل حقيقة فعلية، هل هناك رعاة لجهة إصدار الخبر، حيث يكون الخبر في تلك الحالة يهدف إلى تحقيق مكاسب مادية ، وهل يتم دفع مال للكاتب أم انها مدونة غير ربحية؟ كل ذلك والكثير يقع على القارئ أو مستخدم مواقع التواصل الإجتماعي. على المتلقي للمحتوى بشكل عام أن يتحلي بالوعي الكافي  ليتمكن من تقصي الحقيقة في كل ما يعرض عليه.

و يعتبر الاعتماد على الصفحات والمصادر الرسمية والموثوقة دون غيرها أهم سلاح لمواجهة الأخبار الزائفة، إذ من خلالها يظهر جليا صحة الخبر المتداول من عدمه، خصوصا وأن هذه المصادر تعزز الخبر بوثائق أو صور أو فيديوهات رسمية، وتضعك أمام الصورة كاملة،

وتبقى توعية الأفراد والمجتمع بخطورة الأخبار الزائفة و عقوبتها من الطرق الفعالة والناجعة في محاربة هذا النوع من المحتوى والمنشورات، فبوعي الإنسان بخطورة م الأخبار الزائفة والشائعات فإنه يبتعد تدريجيا عنها.

 

 

 

– _عياد أبلال “شبكات التواصل الاجتماعي و صناعة الرأي العام في العالم العربي ” روافد للنشر و التوزيع ، القاهرة ، 2018 ص: 3[1]

– نزار خيرون ” الاخبار الزائفة ..الحرب الجديدة على وعي الشعوب ” مقال منشور في موقع https://www.aljazeera.net/blogs/2020/[2]

– كيف نشأت الاخبار الزائفة و كيف تنتشر و تتطور ؟ مقال منشور في 15 يناير 2018 على الموقع  http://www.almaarefcs.org/4685/315/[3]

– _فاطمة زهراء عبد الفتاح “آليات مكافحة الشائعات في الفضاء  السيبراني ” مقال منشور  يوم الاثين 29 ماي 2017 في موقع

https://futureuae.com/ar-/Mainpage/Item/284[4]

– “التصدي لها واجب أخلاقية …ما هي الاخبار الزائفة او ال FAke news ” مقال منشور في 5 فبراير 2018 على الموقع https://www.google.com/amp/s/www.annahar.com/article/amp[5]

– https://www.google.com/amp/s/www.annahar.com/article/amp   مرجع سابق[6]

– http://www.almaarefcs.org/4685/315/ مرجع سابق[7]

_روان العمد ” الاخبار المفبركة و تأثيرها على المجتمع ” مقال منشور على الموقع https://www.idareact.or[8]

9- نزار خيرون مرجع سابق https://www.aljazeera.net/blogs/2020/[9]

10- تعديل جديد في القانون الجنائي المغربي يعاقب على نشر صور الغير على الفيسبوك أو غيره  https://www.agora.ma/17/08/201[10]

– يوسف ربحي  مرجع سابق  https://www.marocdroit.com/[11]

– مرسوم بقانون رقم  2.20.292 صادر في 28 رجب 1441 ( 23 مارس 2020 ) يتعلق بين احكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية .[12]

– عبد الله النملي ” كيف يحارب المغرب الاخبار الكاذبة حول كورونا ” مقال منشور في 4 أبريل 2020 على الموقع

https://arabicpost.me/opinions/2020/04/07/%D9%83%D9%8A[13]

– قوانين تجرم الصحفيين من بوابة الاخبار الكاذبة “معهد جزيزة الإعلام مقال منشور في 30  يونيو  2019 على الموقع

https://institute.aljazeera.net/ar/ajr/article/78[14]

ملاك خليل ” قوانين تجرم الصحفيين من بوابة الاخبار الكاذبة ” مجلة الصحافة العدد 13 2019[15]

– الاخبار الكاذبة ..تغريد داخل السرب .مجلة الصحافة العدد 13 معهد الجزيرة للاعلام 2019[16]

_ المادة 4 من قانون الصحافة الفرنسية رقم 27 لسنة 1849[17]

قد يعجبك ايضا