الطبيعة القانونية للعملات الإفتراضية البيتكوين ”Bitcoin” نموذجًا

المعلومة القانونية

*الأستاذ/ نادرالخماسي – محامي بتونس وباحث في العلوم القانونية.

تعرضت النقود لعدة متغيرا ت منذ نشأتها؛ بسبب التطور الذي يطرأ على تعاملات البشر،  فمنذ بداية تعامل البشر بتداول وسائل الدفع عن طريق الأطعمة والجلود إلى أن وصلت للتعامل بالمعادن الثمينة كالذهب والفضة، ولصعوبة نقل المعادن الثمينة؛ اتجهت الحكومات إلى إصدار سندا ت وعملا ت ورقية تقوم مقام المعادن الثمينة كوسيلة للتداول وتسوية المدفوعات وذلك لسهولة نقلها وحمايتها من المخاطر.

ومع بداية ثورة التكنولوجيا التي اجتازت جميع التعاملات البشرية بما فيها التعاملات المالية والتحول الإلكتروني للتجارة وتغير وسائل الدفع التقليدية، كان لابد على الدول استحداث النقود الرقمية لمجاراة الشركات الخاصة التي تتميز  بطبيعتها التجارية بقصد تحقيق الربح المالي.[1]

هذا و تحظى العملة الإفتراضية بإنتشار واسع في مختلف أنحاء العالم حيث إعترفت ألمانيا رسميًا بأن “البتكوين ” نوع من النقود[2] كما أقر القضاء الفدرالي الأمريكي بأن “البتكوين ” نوع من أنواع النقود و عملة يمكن إخضاعها للتنظيم الحكومي لكن دون إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بها بشكل رسمي , كما إحتضنت كندا أول جهاز صراف ألي ATM  لعملة البتكوين , كما إتخذت عملت البتكوين سبيلاً للإنتشار في الدول العربية كالأردن و دبي [3].

لكن و أمام هذا الإنتشار الواسع للعملات الإفتراضية في العالم هناك العديد من الدول التي لم تعترف إلى حد الأن بهذا النوع الجديد من العملة و منها القانون الجزائري و القانون التونسي الذي تجاوز ذلك إلى حدود تجريم التعامل بالعملات الإفتراضية و منع التعامل بها .

و عمومًا يرتبط مفهوم العملة بسيادة الدّولة حيث تشكّل العملة الوطنيّة تجسيدا لاستقلاليّة سياستها النّقديّة والماليّة، وتعد عمليّة إصدار النّقود، والمحافظة على استقرار سعر العملة الوطنيّة، من أولى المهام التي تضطلع بها الدّولة ومن أكثرها أهميّة نظرا لحساسيّتها الشّديدة لمختلف التأثيرات الدّاخلية والخارجيّة، وانعكاساتها المباشرة على النّظام الاقتصادي فيها .

هذا و قد تولّى المشرّع التونسي بموجب الفصل 8 من قانون 25 أفريل 2016 و المتعلق بضبط النظام الأساسي للبنك المركزي التونسي بإسناد هذا الأخير صلاحية إصدار العملة التونسي حيث جاء بالفصل المذكور أنه يتولى البنك المركزي التونسي خاصة :

-إصدار العملة و تعهدها و تسهيل تداولها في البلاد التونسية .

و إضافة إلى ذلك فإن القانون التونسي قد نظم كل المسائل التي تتعلق بالعملة سواء في خصوص الصرف أو التجريم و ذلك بالمجلة الجزائية و مجلة الصرف و التجارة الخارجية و مجلة الديوانة و نصوصها التطبيقية .

و عمومًا أمام إنتشار هذا النوع الجديد من العملات في العالم إنقسم فقهاء القانون و الخبراء في المجال المالي و الإقتصادي حول الطبيعة القانونية للعملات الإفتراضية و أمام هذا الغموض حول ماهية العملات الإفتراضية كان لابد من التساؤل حول طبيعتها ؟

للإجابة عن هذا الإشكال كان لابد أن نبين الإطار المفاهيمي للعملة الإفتراضية من جهة قبل التعرض لطبيعتها القانونية و موقف المشرع التونسي منها .

1- مفهوم العملة الإفتراضية :

تعتبر العملة الافتراضية من أحدث إفرازات الثورة الرقمية، وهي تمثل أحد أشكال النقود الرقمية

المتاحة  في العالم الافتراضي، وتعد من النقود الرقمية لأنها موجودة حصرا في الفضاء الرقمي، حيث يتم

انتاجها بواسطة برامج حاسوبيّة وتكون مخزّنة في محافظ الكترونّية، ولا يمكن الوصول إليها إلا بواسطة

الحواسيب أو الهواتف الذّكيّة التي تكون قيد الاتصال بشبكة الأنترنيت، فقد جاء تعريفها في المادة 117 من قانون المالية الجزائري لسنة 2018 بأنها “تلك التي يستعملها مستخدمو الأنترنيت عبر شبكة الأنترنيت، وهي تتميّز بغياب الدعامة المادية كالقطع والأوراق النقدية وعمليات الدفع بالصك أو البطاقة البنكية”.

كما تم تعريف العملة الإفتراضية من قبل بنك التسوية الدولية  BIS    بأنها “منتجات مخزونة القيمة أو مدفوعة مقدما، تكون فيها القيمة المسجلة و المتاحة للمستهلك مخزنة على جهاز إلكترونيّ في حيازته، تلك القيمة يشتريها المستهلك كما يشتري السندات المدفوعة مقدما، وتنخفض هذه القيمة كلما استخدم المستهلك الجهاز الإلكتروني في عمل مشترياته ”

فتكون بذلك جميع العملات الافتراضية رقمية، في حين لا تعتبر جميع النقود الرقمية افتراضية، فالنقود الالكترونية هي أيضا نقود رقمية، إلا أنها تختلف عن النقود الافتراضية في كونها مرادف إلكتروني للنقود التقليدية الورقية، فهي رصيد نقدي ورقي محمل إلكترونيا في بطاقة بلاستيكية Carte Bancaire ممغنطة تصدرها بنوك تقليدية، أو بنوك افتراضية .

هذا تعرف سوق التبادل بالعملات الرقمية حاليا ما يقارب الستين عملة افتراضية، أهمها البتكوين إلى جانب عملات أخرى مثل ليتكوين ( LTC ) ، اثوريوم ( ETH )، زاد كاش ( ZEC )، الريبل ( XPL )،  وداش DASH ) )  ، يتم خلق هذه العملات عبر شبكة الأنترنيت وفقا لآليات محددة عن طريق ما يعرف بالتّعدين  وذلك باستخدام برامج مجانية مفتوحة المصدر يتم تثبيتها على حواسيب المعدنين، وبمجرّد تشغيل البرنامج يكون الحاسوب قيد الاتصال مع شبكة العملة، ليبدأ في القيام بحسابات معقّدة وفك شفرات الحظر، حيث يحتاج المعدّن في هذه العملية إلى حل مجموعة من الخطوات الرياضية والمنطقية المتسلسلة لكشف سلسلة طويلة من الأرقام والحروف تميل إلى التعقيد كلّما ارتفعت الكميّة التي يتم إصدارها  ، وفي حال نجاح الحاسوب في الوصول إلى الحل بشكل صحيح يحصل المستخدم على عدد معين من وحدات العملة الافتراضية المنتجة، التي يتم تخزينها بعد ذلك في المحفظة الرقمية الخاصة به، وكلما تم خلق مجموعة جديدة من القطع النقدية الافتراضية لدى كل مستخدم يتم توزيع هذه المبالغ وفق خوارزمية معينة تجنبها مخاطر التضخم، فمثلا لا يمكن أن تصل القيمة الكلية لعملة بتكوين  المتداولة في السوق لأكثر من 21 مليون وحدة بتكوين حول العالم .[4]

هذا وتتميز العملة التقليدية عن العملة الإفتراضية بكونها عملة ذات وجود مادي ملموس و تصدر عن سلط مختصة ( البنك المركزي في تونس هو الهيكل الوحيد الذي خول له القانون إصدار العملة ) و تحكمها قوانين خاصة و تصدر هاته العملات التقليدية إما في شكل أوراق نقدية أو قطع نقدية “مسكوكات” كما أن لهذه العملة بعد سياسي حيث إنها تعد رمزًا من رموز السيادة و أن الإعتداء عليها هو إعتداء على سيادة الدولة و جريمة من الجرائم التي تقع على أمن الدولة وهو ما إنتهجه القانون التونسي مثلما سنبين ذلك لاحقًا.

هذا و تعد الخصائص التي تميز عملة البتكوين عن العملة التقليدية هي محور الإبتكار  كذلك النظام المميز  لألية عملها القائم على نظام رياضي خوارزمي يضمن أمنها و يعزز من ثقة المستخدمين و المتعاملين به كنظام نقدي بديل و من خصائص عملة البتكوين كأحد أشهر العملات الإفتراضية نجد :

*نظام الإصدار أو ما يعرف بالتعدين  حيث تختلف عملية إصدار عملة البتكوين نهائيا عن النقود القانونية الورقية أو النقود الرقمية التي يتم إصدارها من البنوك المركزية، والتي تستمد سلطة إصدارها من سيادة الدولة التي تخضع لها، في حين أن إصدار عملة البتكوين الافتراضية  تتطلب برامجَ خاصة لعملية إصدارها، وتتم هذه للعامة عبر أجهزة الحاسب الآلي المرتبطة بشبكة الإنترنت، وتتم عملية الإصدار بحلّ مسائلَ معقدة لا يستطيع العقل البشري حلها إلا بواسطة أجهزة الحاسب، وكلما كانت الأخيرة ذات كفاءة عالية زادت عملية التعدين وحصول المعدن على عد د من عملات البتكوين التي يتم تخزينها في محفظة إلكترونية خاصة بالمعدن.[5]

*ضوابط الإصدار حيث تعد عملة البتكوين عملة غيرَ نظامية، أي لا يتم إصدارها من قَبل الجهات

الرسمية كالبنوك المركزية .

2- الطبيعة القانونية للعملات الإفتراضية :

أحدثت العملات الرقمية اختلافا حول مدى اعتبار العملات الرقمية شكلا جديدا من أشكال النقود قانونيا من عدمه و قد إتخذ فقهاء القانون حول العالم  عديد الأراء  فيما يلي حوصلة لأهمها :

الرأي الأول :  يعتبر أن  العملات الرقمية هي  إحدى أشكال النقود القانونية.

الرأي الثاني : يعتبر أن  النقود الرقمية تعد صورة غير مادية للنقود التقليدية  ، فإصدار العملات

الإلكترونية يتم من خلال تحويل شكل النقود من الصيغة الورقية إلى الصيغة الإلكترونية فهي إحلال

شكل النقود محل شكل آخر.

الرأي الثالث : يرى أن العملات الإفتراضية هي أداة إئتمان و طبقا لهذا الرأي فإن العملات الإلكترونيةَ – التي هي عبارة عن الرصيد النقدي المسجل إلكترونيا على بطاقة مختزنة القيمة – تعد ائتمان  لأن هذا الرصيد يعد نوعا من الديون بالنسبة  لمصدرها. ويتمثل الالتزام القانوني لمصدر البطاقة في مواجهة حاملها في الوحدات النقدية والرقمية الإلكترونية المسجلة على البطاقة، ويتشابه ذلك مع حقيقة أن الالتزامَ القانوني للحكومة حيال حائز.

الرأي الرابع : النقود الرقمية تعد شكلا جديدًا من أشكال النقود إذا توافرت ضوابط معينة حيث

يذهب هذا الرأي إلى الضوابط المالية الخاصة بالنقود القانونية المتداولة بين العامة، فيشترط

بعض الشروط والمتمثلة في أنه حتى يصبح الشيء نقودا يجب أن يكون قابلا للقياس والقبول العام

كوسيط للتبادل و وسيلة للدفع وأداة لإبراء الذمة، دون وجود مانع يمنعها من القيام بدورها، وعليه

تعد النقود الرقمية – وَ فق هذا الرأي – شكلا جديدا من أشكال النقود متى توافرت الضوابط التي تم ذكرها.[6]

 

و عموما أمام هذا الإختلاف في الأراء حول الطبيعة القانونية للعملات الإفتراضية تبقى بعض الدول التي لم تحين قوانينها و لم تواكب التطورات العالمية متخوفة من إدخال هذا الصنف من العملات الرقمية إلى نظمها القانونية و منها المشرع التونسي الذي سنبين موقفه من العملات الرقمية .

3- موقف المشرع التونسي من العملات الإفتراضية :

بالبحث  في النصوص القانونية التونسية و تحديدًا  بمجلة الصرف والتجارة الخارجية لسنة 1976 يتبين ما يلي :

حيث تحدد بمقتضى الفصل الاولى والثاني العمليات الحرة التي يمكن من خلالها تصدير رؤوس الاموال وفوضت للبنك المركزي اختصاص انجاز هذه العمليات او بتفويض منه لوسطاء مقبولين

كماجاء الفصل السادس ليلزم الاشخاص الطبيعيين والمعنويين في تونس بايداع  اوراق نقدية اجنبية ومن كل ماهو محرر بنقد اجنبي من شيكات ورسائل اعتمادات نقدية وكمبيالات وسندات تجارية وكل رسوم ديون اخرى لدى وسيط مقبول.

كما  بالفصل 21 من نفس المجلة ان الدفوعات بين المقيمين يجب انجازها في البلاد التونسية الا اذا رخص البنك المركزي التونسي خلاف ذلك، مما يعني انه لا يمكن الدفع الا بالعملة التونسية .

بمعنى أنه لا يمكن للتونسيين بمقتضى القوانين المنظمة للصرف إمتلاك او التعامل بالعملات الإفتراضية .

وعمومًا فإن مخالفة جميع أحكام مجلة التصرف قد ينجر عنها تتبعات جزائية و عقوبات سالبة للحرية , كما أن القضاء التونسي يعتبر أن التعامل بالعملات الإفتراضية يعد من جرائم تبييض الأموال و ذلك في تأويل واسع للنصوص الجزائي التي لم تتحدث مطلقًا عن العملات المشفرة و الإفتراضية كالبتكوين و أمام هذا الفراغ التشريعي الذي لم يواكب التطور العالمي لابد من تدخل سريع للمشرع التونسي لتأطير العملات الإفتراضية قانونيًا و إقتصاديًا.

 

الإحالات والمراجع:

[1] التنظيم القانوني للعملات الرقمية المستحدثة في التشريع الإماراتي والمقارن (دراسة تحليلية مقارنة) عبد الله ناصر عبيد نصيري الزعابي، الصفحة 2

[2] الطبيعة القانونية للعملة الإفتراضية في القانون الجزائري المجلة الجزائرية للقانون و العلوم الصفحة 6

[3] نفس المرجع

[4] – نور الدين صويلحي، “أثر البتكوين Bitcoin والعملات الافتراضية على استقرار النظام النقدي العالمي”، مجلة آفاق

علمية، المركز الجامعي لتمنراست، الجزائر، المجلد: 10 ، عدد 02 ، سنة 2018 ، ص ص 219 – 238 ، ص ص 223 – 225

[5] محمد ديب: تعاملات العملة الافتراضية -دراسة قانونية، المجلة المصرية للدراسات القانونية والاقتصادية، العدد 01

[6] Jean -michel servet -la monnaie contre l’état ou la fable du troc 1988

 

قد يعجبك ايضا