إجبارية جواز التلقيح: ضرورة صحية أم تقييد للحرية؟

المعلومة القانونية

*زكية ديدوح

  • طالبة باحثة بسلك ماستر المهن القانونية والقضائية.

مقدمة

إن انتشار فيروس كورونا وضع العالم بأسره في أزمة صحية تمخضت عنها أزمة اجتماعية واقتصادية عانت ولازالت تعاني منها البشرية الويلات.

وفي إطار المجهودات المبذولة على المستويين الوطني والدولي لمكافحة انتشار هذا الفيروس وللقضاء عليه بصفة نهائية لعودة الحياة إلى مجراها الطبيعي، وجدت الدول أن السبيل الوحيد والأوحد لتحقيق ذلك هو تلقيح مواطنيها ضد هذا الفيروس، وذلك بطبيعة الحال إلى جانب باقي الإجراءات الاحترازية الأخرى التي توصي بها منظمة الصحة العالمية والخبراء العالميين والحكومات.

فتلقيح الأفراد باللقاحات التي صنعتها المختبرات الدولية إذا هو الحل الذي سعت ولازالت تسعى من خلاله سائر دول العالم إلى بلوغ المناعة الجماعية وبالتالي القضاء على هذا الوباء أو على الأقل محاولة اكتساب مناعة قادرة على مواجهته ومقاومة تطوره وشراسته لنصل في النهاية إلى إحدى هاتين النتيجتين. إما القضاء على هذا الفيروس بصفة نهائية في جميع أرجاء الكرة الأرضية، وإما رفع عنه طابع الخطورة والغموض ليغدو مرضا عاديا.

ومنذ أن بدأ المغرب يستورد اللقاح بأنواعه المختلفة، تميزت هذه المرحلة، شأنها شأن المراحل السابقة التي أبان فيها الشعب المغربي على درجة كبيرة من التضامن والوعي بمدى أهمية انخراط الجميع للخروج من هذه الازمة الصحية العالمية، بإقبال كبير من المواطنين بمختلف أعمارهم على أخذ جرعات اللقاح وما يؤكد ذلك أن عدد الملقحين وإلى حدود كتابة هذه الأسطر فاق 21.000.000 مغربي استفادوا من الجرعتين الأولى والثانية[1].

وإن كانت لغة الأرقام هذه تدل على شيء فهي تدل أولا وأخيرا على انخراط مختلف شرائح الشعب المغربي إلى جانب المؤسسة الملكية والحكومة ومختلف المتدخلين في هذا المجال، في الحرب ضد كورونا في محاولة جادة ومسؤولة منهم لكسبها والخروج منها في أسرع وقت ممكن وبأقل الخسائر الممكنة.

وإذا كان التلقيح إذا، هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة الصحية العالمية عن طريق حماية الصحة العامة، وبلوغ المناعة الجماعية ضد هذا الفيروس، فإنه وبالرغم من ذلك لا يجب أن يؤدي “أخذه” إلى المساس بالحقوق والحريات المكفولة للأفراد سواء على مستوى المواثيق الدولية أو على مستوى النصوص الدستورية أو القوانين الخاصة.

وفي إطار المجهودات المبذولة في هذا الشأن من طرف الحكومة أصدرت مؤخرا بلاغا بتاريخ 19/10/2021 يقضي بفرض إجبارية جواز التلقيح.

وإذا كان لا مجال بتاتا للحديث عن شرعية إصدار هذا البلاغ باعتباره مؤسسا على سند قانوني الذي هو المادة الثالثة من مرسوم قانون رقم 2.20.292 المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية والذي يجد بدوره مرجعيته القانونية في الفصل 21 من الدستور، فإن السؤال الذي يثار هنا هو مدى مطابقة مضامينه للوثيقة الدستورية وللقوانين الخاصة؟

لأجل ذلك، سنتناول الموضوع في محورين على الشكل التالي:

المحور الأول: إجبارية جواز التلقيح ومقتضيات الدستور بين التعارض والتطابق

المحور الثاني: إجبارية جواز التلقيح والقوانين الخاصة تعارض أم تطابق 

المحور الأول: إجبارية جواز التلقيح ومقتضيات الدستور بين التعارض والتطابق

يعتبر التلقيح حسب منظمة الصحة العالمية والخبراء العالميين في هذا الشأن حلا ناجعا وفعالا للقضاء على فيروس كورونا ومواجهته.

فالحق في السلامة الجسدية هو حق مكفول دستوريا ولا يحق لأي شخص أو جهة كيفما كانت أن تنتهكه. وإلى ذلك أشار المشرع الدستوري في الفصل 22 بقوله: “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص، في أي ظرف، ومن قبل أي جهة كيفما كانت، خاصة أو عامة”.

بمعنى أن كل شخص حر في جسده، فالتلقيح اختياريا ولا يحق لأحد أن يفرضه عليك أو أن يلقحك غصبا عنك أو أن يعاقبك لأنك لم تتلقح، وأي مساس بذلك هو خرق للدستور وللقانون بصفة عامة.

ووعيا من الحكومة المغربية بذلك، نجدها وعلى غرار نظيراتها في مختلف الدول الديمقراطية في العالم تركت للمواطنين الحق في الاختيار بين التلقيح وعدم التلقيح، أو على الأقل هذا ما كان معمولا به منذ أن بدأ المغرب في الحملة الوطنية للتلقيح ضد فيروس كورونا.

لكن يبدو أن الحكومة تراجعت عن منح هذا الحق للمواطنين بدون سابق إنذار، فبعدما كان المواطن المغربي حرا في أخذ اللقاح من عدمه، في إطار ممارسته لحقوقه المخولة له بموجب الدستور، منذ بدأ عملية التلقيح إلى غاية يوم الإثنين 18 أكتوبر 2021، أصبح يوم الخميس 2021/10/21 مجبرا على ذلك بصورة ضمنية وهذا ما يتضح جليا من خلال البلاغ الصادر عن الحكومة بتاريخ 2021/10/19القاضي بفرض إجبارية جواز التلقيح.

مما يتضح معه، أن الحكومة تجنبت خرق القانون من خلال أنها جعلت التلقيح اختياريا، لكن في المقابل فرضت جواز التلقيح كشرط للتنقل والولوج للإدارات العمومية والخاصة. وما دامت الوسيلة الوحيدة للحصول على جواز التلقيح هي “التلقيح” فهي إذا جعلت التلقيح إجباريا بطريقة غير مباشرة، وبالتالي فهي سقطت فيما حاولت تفاديه وتجنبه.

وهذا البلاغ بالإضافة إلى أنه يعكس ارتباك الحكومة وتسرعها في إصدار هكذا بلاغات لا معنى لها في هذه الظرفية حيث الأمور تسير كلها على ما يرام فيما يتعلق بمحاربة تفشي وباء كورونا، فهو يمس الأفراد في حقوقهم وحرياتهم المخولة لهم بموجب الدستور المغربي والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والتي صادق عليها المغرب، وهنا تكمن خطورة الأمر.

وفي هذا الصدد، جاء في بلاغ الحكومة المتعلق بفرض إجبارية جواز التلقيح ما يلي: “… قد قررت الحكومة ابتداء من يوم الخميس 21 أكتوبر 2021، اعتماد مقاربة احترازية جديدة قوامها “جواز التلقيح” كوثيقة معتمدة من طرف السلطات الصحية، وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من التدابير.

وتشمل هذه التدابير السماح للأشخاص بالتنقل بين العمالات والأقاليم، عبر وسائل النقل الخاصة أو العمومية، شريطة الإدلاء حصريا بـ “جواز التلقيح”، واعتماد “جواز التلقيح” كوثيقة للسفر إلى الخارج وإلغاء رخصة التنقل المسلمة من طرف السلطات المحلية المختصة في هذا الشأن”.

وبالرجوع إلى الفصل 24 من الدستور وبالضبط الفقرة الأخيرة منه نجدها تنص على ما يلي: “حرية التنقل عبر التراب الوطني والاستقرار فيه، والخروج منه، والعودة إليه، مضمونة للجميع وفق القانون”.

انطلاقا من مقتضيات الفصل أعلاه، يتضح أنه من بين الحقوق المخولة للأفراد حرية التنقل عبر التراب الوطني، وبالتالي يحق للفرد بمقتضى هذا الحق أن ينتقل من مكان إلى آخر عبر أرجاء التراب الوطني، وأن يخرج من البلاد، ويعود إليها، وأن يختار مكان إقامته[2].

والرقي بهذا الحق إلى مرتبة الحق الدستوري يعكس الأهمية التي أعطاها المشرع له إيمانا منه بأهميته في حياة الأفراد على اعتباره من الحقوق الشخصية الأساسية وهو الركيزة الأساسية التي تستند عليها باقي الحقوق والحريات العامة ومن دونه يتعذر ممارسة باقي الحقوق والحريات.

كما أن الحق في الحركة والتنقل يعتبر من الحقوق الأساسية التي نصت عليها الشرعية الدولية في قوانينها ومواثقها مثل:

– الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948 الذي نص في المادة 13 منه على أنه: لكل فرد الحق في حرية التنقل وفي اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة، وأن لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده وفي العودة إلى بلده.

– العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966[3]: الذي نص في المادة 12 منه على أن الحق في الحركة هو حق لكل إنسان مقيم بصفة قانونية داخل إقليم دولة معينة، وفي اختيار مكان إقامته ضمن ذلك الإقليم، وله الحرية في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، ولا يجوز حرمان أحد من حق الدخول إلى بلاده.

وعليه، يتضح لنا أن البلاغ الحكومي القاضي بحرمان الأشخاص الذين لا يتوافرون على جواز التلقيح من الولوج إلى الأماكن العمومية والتنقل بين العمالات والأقاليم عبر وسائل النقل العمومية أو الخاصة يتعارض كليا مع ما نص عليه الفصل 24 من الدستور من جهة وما نصت عليه المواثيق الدولية من جهة أخرى.

فإذا كان هذا البلاغ حسب المؤيدين له جاء في إطار التدابير التي يمكن للحكومة أن تتخذها من أجل محاربة تفشي وباء كورونا، فإنها سبق لها أن قررت فرض الحجر المنزلي الشامل ولم نر معارضين لهذا القرار لأنه جاء في وقت كانت فيه الوضعية الوبائية حقا تقتضي ذلك، لكن اليوم وأمام استقرار الوضع الوبائي بسبب التطور الإيجابي الذي تعرفه الحملة الوطنية للتلقيح، ونحن أمام تراجع تدريجي ملحوظ في منحى الإصابة بفيروس كورونا، يبقى اعتماد إجبارية التلقيح عن طريق فرض إجبارية جواز التلقيح وبالتالي السير بالأمور إلى ما لا يحمد عقباه من خلال المس بحقوق الأفراد وحرياتهم، لا يمكن تفسيره إلا بكون الحكومة لا تدرس الآثار الاجتماعية لقراراتها السياسية.

كما يضيف البلاغ، ضرورة إدلاء الموظفين والمستخدمين ومرتفقي الإدارات بـ “جواز التلقيح” لولوج الإدارات العمومية والشبه عمومية والخاصة، وضرورة الإدلاء “بجواز التلقيح” لولوج المؤسسات الفندقية والسياحية والمطاعم والمقاهي والفضاءات المغلقة والمحلات التجارية وقاعات الرياضة والحمامات.

وحسب هذا البلاغ فالمواطنين غير المتوفرين على جواز التلقيح لا يمكنهم الولوج إلى الإدارات العمومية، واشتراط الجواز للدخول لها يعني منع المواطنين من الاستفادة من الخدمات التي تقدمها والولوج إليها، في خرق مباشر منها للدستور، ويتعلق الأمر بالفصل 154.

والذي نص فيه المشرع الدستوري على أنه: “يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليهـا، والإنصـاف فـي تغطيـة التـراب الـوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات…”.

من خلال مقتضيات هذا الفصل يتضح لنا أنه ينص على مجموعة من المبادئ التي تقوم عليها المرافق العمومية، ومن بين هذه المبادئ نجد مبدأ المساواة أمامها.

وبمقتضى هذا المبدأ فجميع المواطنين من حقهم الاستفادة من خدمات المرافق العمومية والولوج إليها على قدم المساواة دون تمييز بينهم لأي سبب كان. على اعتبار أن النص الدستوري جاء مطلقا ولم يقيد هذه المساواة بأي شرط أو تدبير كيفما كان نوعه.

وعليه، فحتى لو كان جواز التلقيح تدبيرا وقائيا فلا يجب أن يقف حائلا دون استفادة المواطنين من الخدمات التي تقدمها المرافق العامة ومنعهم من الدخول إليها بهذه الحجة. لما في ذلك من مس مباشر بحقهم في المساواة أمامها، ولما لهذا المبدأ من أهمية جعلت المشرع يرتقي به إلى مصاف قاعدة دستورية، على اعتباره من المبادئ الأساسية التي تحكم المرافق العامة والمنبثق من المبدأ العام للمساواة المنصوص عليه في جل التشريعات السماوية والوضعية.

وإذا كانت إجبارية جواز التلقيح تتعارض مع مقتضيات الدستور، فماذا عن القوانين الخاصة؟

المحور الثاني: إجبارية جواز التلقيح والقوانين الخاصة تعارض أم تطابق

تنص المادة 03 من مرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية على ما يلي: “على الرغم من جميع الأحكام التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، تقوم الحكومة، خلال فترة إعلان حالة الطوارئ، باتخاذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، وذلك بموجب مراسيم ومقررات تنظيمية وإدارية، أو بواسطة مناشير وبلاغات، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، وتعبئة جميع الوسائل المتاحة لحماية حياة الأشخاص وضمان سلامتهم.

لا تحول التدابير المتخذة المذكورة دون ضمان استمرارية المرافق العمومية الحيوية، وتأمين الخدمات التي تقدمها للمرتفقين”.

فإذا كان البلاغ القاضي بفرض إجبارية جواز التلقيح منبثق من هذه المادة التي تعتبر السند القانوني له، فكي يحافظ على طابعه القانوني هذا لا يجب أن يتعارض والسند الذي أسس عليه.

وهنا نجد أن البلاغ يتعارض مع هذه المادة لأن هذه الأخيرة نصت على أن الحكومة يمكن أن تتخذ جميع التدابير اللازمة التي تقتضيها هذه الحالة، بموجب…، من أجل التدخل الفوري والعاجل للحيلولة دون تفاقم الحالة الوبائية للمرض، مما يتضح معه أن هذه الصلاحية الممنوحة للحكومة مقيدة بضرورة توافر عنصر الاستعجال والذي يتمثل في تفاقم الوضعية الوبائية للمرض، في حين أن الواقع يبين عدم وجود مؤشرات تدل على تفاقم الوضعية الوبائية أو أية حالة استعجالية أخرى، بل على العكس من ذلك فالوضعية الوبائية مستقرة وهناك تراجع في عدد الإصابات بفيروس كورونا، وهذا ما جاء في البلاغ: “تعزيزا للتطور الإيجابي الذي تعرفه الحملة الوطنية للتلقيح، وأخذا بعين الاعتبار التراجع التدريجي في منحى الإصابة بفيروس كورونا بفضل التدابير المتخذة من طرف السلطات العمومية…”.

وهنا يطرح السؤال حول ما إذا كان تحسن الوضعية الوبائية يعتبر حالة استعجالية تتطلب تدخل الحكومة لتتخذ ما تراه مناسبا؟

والحال حسب مرسوم قانون حالة الطوارئ الصحية أن الإجراءات التي يمكن أن تتخذها الحكومة يجب يكون الهدف منها هو الحيلولة دون تفاقم الوضعية الوبائية. مما يتضح معه غياب حالة الاستعجال.

كما أن البلاغ ألزم “جميع المسؤولين في القطاعين العام والخاص الحرص على التنزيل السليم لكل هذه الإجراءات، تحت مسؤوليتهم القانونية المباشرة”.

وبمقتضى ذلك فقد تم إسناد مهمة التأكد من حمل المواطن لجواز التلقيح من عدمه للمسؤولين عن الفضاءات الخاصة والمرافق العمومية، وهذه المسألة تطرح مشاكل سواء من الناحية العملية أو القانونية.

من الناحية العملية: يمكن إجمال هذه المشاكل في صعوبة تنزيل مضامين هذا البلاغ على أرض الواقع، وحتى في الحالات الممكنة فتنزيله سيجر معه مشاكل أكبر بكثير من عدم التوفر على جواز التلقيح.

من الناحية القانونية: كما نعلم جميعا فجواز التلقيح يتضمن معلومات شخصية (الاسم الشخصي والاسم العائلي ورقم البطاقة الوطنية للتعريف وتاريخ الازدياد وتاريخ ونوع اللقاح)، وهذه المعلومات لا يمكن أن يطلع عليها الجميع حماية للحياة الخاصة للأفراد المحمية بموجب الدستور[4] والتي تندرج ضمنها المعطيات الشخصية. على اعتبار أن هذه المهمة موكولة بموجب القانون للسلطة العمومية بشكل مطلق ولا يمكن أن تسند للأغيار.

وهو نفس الامر بالنسبة للوثيقة المسلمة للأشخاص الذين تم إعفاؤهم من التلقيح بسبب إصابتهم ببعض الأمراض المزمنة أو نوعا من أنواع الحساسية والتي تتضمن بالإضافة إلى المعلومات المتعلقة بالهوية، سبب الإعفاء.

فمن غير المعقول والمقبول لا منطقيا ولا قانونيا أن تسند الحكومة بموجب البلاغ المذكور مهمة التأكد من حمل جواز التلقيح لأشخاص عاديين غير مؤطرين قانونا ولا مؤهلين للاطلاع على المعطيات الشخصية. على اعتبار أن هذه المهمة موكولة للسلطة العمومية بشكل حصري كما سبق الذكر، خاصة إذا ما استحضرنا في أذهاننا أنه أحيانا تمارس هذه المهمة من طرف المخول لهم قانونا ذلك، ومع ذلك نكون أمام الشطط في استعمال السلطة، فما بالك اليوم تمنح هذه المهمة لأشخاص عاديين كغيرهم من المواطنين!

وهذا العبث لا يتوقف عند هذا الحد فقط، فالواقع العملي بين أن الأشخاص الذين لا يتوافرون على جواز التلقيح تحرر لهم محاضر ويؤدون غرامات قدرها 300 درهم، السؤال الذي يثار هنا هو ما هو السند القانوني المعتمد عليه؟ ومتى أصبح عدم التوافر على جواز التلقيح جريمة؟  ألا يتعارض ذلك مع أحد أهم المبادئ التي يقوم عليها القانون الجنائي والمتمثل في “مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”.

وفي هذا الصدد، نقول إن مبدأ لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص والذي يعتبر من أبرز المبادئ التي يقوم عليها القانون الجنائي يراد به أنه لا يمكن أن يعاقب الشخص على فعل لا يعتبر جريمة بصريح القانون ولا يمكن كذلك الحكم عليه بعقوبات لم يقررها القانون.

وقد نص المشرع الجنائي المغربي على هذا المبدأ في الفصل 4 من مجموعة القانون الجنائي بقوله: “لا يؤاخذ أحد على فعل لم يكن جريمة بصريح القانون ولا معاقبته بعقوبات لم يقررها القانون”.

مما يعني، أن الأصل في الأفعال الإباحة إلا تلك التي تدخل المشرع واعتبرها جريمة وقرر عقوبات له.

وهكذا يتضح أن ما يتم القيام به اليوم في إطار تنزيل مضامين البلاغ على أرض الواقع (تحرير المحاضر وإجبار المواطنين على أداء غرامات قدرها 300 درهم) يتعارض مع المبدأ المذكور وهو تصرف غير قانوني ويمكن اعتباره اعتداء على المواطنين في ذمتهم المالية.

خاتمة

وختاما، يمكن القول إنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ننكر الدور الذي يقوم به التلقيح في محاربة فيروس كورونا والقضاء عليه، وهذا ما بينه الواقع من خلال التراجع الملحوظ في عدد الإصابات وفي الحالات الخطيرة بعد اعتماد بلادنا على التلقيح.

فانخراط الجميع بكامل إرادتهم وحريتهم في الحملة الوطنية للتلقيح سيؤدي لا محالة إلى القضاء على هذا الفيروس عن طريق اكتساب المناعة الجماعية وبالتالي ستعود الحياة إلى مجراها الطبيعي. لكن وفي انتظار تحقيق ذلك لا يجب أن يؤدي هذا الأمر إلى المساس بحقوق الأفراد وحرياتهم المكفولة لهم بموجب الدستور.

وإن حاولنا على قدر المستطاع أن نبين تعارض اعتماد إجبارية جواز التلقيح مع مقتضيات الدستور وبعض القوانين الخاصة، إلا أننا لسنا ضد التلقيح كعملية وقائية يبقى الهدف الأول والأخير منها محاربة تفشي وباء كورونا. بقدر ما أننا ضد فرض إجبارية جواز التلقيح في وقت لم يكن لهذا الفرض أي داع.

وعليه، فإن كنا نشيد ونؤيد المجهودات المبذولة من طرف الجميع لمواجهة فيروس كورونا، فإننا في المقابل نرفض جملة وتفصيلا أن يتم المساس بحقوق الأفراد، وأن يتم زرع التفرقة بينهم على أساس حمل جواز التلقيح من عدمه. ونرجو أن يتم محاربة هذا الفيروس في ظل احترام تام ودقيق لحقوق الأفراد وحرياتهم.

لائحة الإحالات والمراجع:

[1]  حسب ما أعلنت عنه وزارة الصحة والحماية الاجتماعية المغربية عبر بوابتها الرسمية لفيروس كورونا بالمغرب، أنظر الرابط التالي:

http://www.covidmaroc.ma/Pages/LESINFOAR.aspx

[2]  كريم لحرش، الدستور الجديد للمملكة المغربية، شرح وتحليل، بدون ذكر المطبعة والطبعة، ص: 41.

[3]  قام المغرب بإيداع أدوات التصديق في 03 ماي 1979 حيث صادق عليه بظهير رقم 1-78-4 الصادر في 27 مارس 1979، ودخل حيز النفاذ وطنيا في 03 غشت 1979 وصدر في الجريدة الرسمية عدد 3525 بتاريخ 21 ماي 1980.

[4]   نص المشرع الدستوري المغربي في الفصل 24 على ما يلي: “لكل شخص الحق في حماية حياته الخاصة”.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والمقالات عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: alkanounia.info@gmail.com

قد يعجبك ايضا