قراءة في المادة 23 من قانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة
المعلومة القانونية
*ذ. عزيز نداعلي
- باحث في الدراسات القانونية والقضائية.
قراءة في المادة 23 من قانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة[1]
تنص المادة 1 من القانون 28.08 على أن “محاماة مهنة حرة، مستقلة، تساعد القضاء، وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء.”
الملاحظ أن المادة الأولى جعلت من مهمة تحقيق العدالة تنصرف على مهنة المحاماة برمتها، باعتبارها كيانا متمتعا بالشخصية المدنية طبقا لنص المادة 4 من نفس القانون. ويستخلص من ذلك أن من بين الالتزامات التي ألقاها المشرع عاتق المحامين أفرادا وهيئات، المساهمة في تحقيق العدالة بالمفهوم الواسع الذي يشمل عنصر سيادة القانون. [2]
فإذا كان المحامي جزء من أسرة القضاء، والقاضي قوامها، وكاتب الضبط مناط لتحققها واقعا لا تنظيرا، بتنزيل مقاربة المحامي للقضية حسب مركزه القانوني، وقناعة القاضي بالحجج والأدلة، ومطابقة الوقائع المعروضة عليه للنص القانوني قيد التكييف، تتحقق بذلك غاية العدلة وكنهها.
غير أن القاضي والموظف قد ينقطع عن العمل، إما بإحالة القاضي على التقاعد، أو بتقديمهما لاستقالتهما، والتفكير في تغيير الوجهة صوب مهنة المحاماة، إلا أنه يصطدم بمقتضيات المادة 23 من قانون المهنة التي تحدد مجموعة من المحددات والموانع التي تحول دون ذلك، فيصبح بعدما كان من أسرة القضاء، يطارده هذا الأخير بالمنع لكونه اختار خيارا مخالفا، فمن اختار لا يرجع.
فنص مقتضيات المادة 23 من ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20 من شوال 1429 (20 أكتوبر 2008) بتنفيذ القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، أنه ” لا يجوز لـقدماء القضاة والموظفين ورجال السـلطة أو الذين مارسوا مـهـامـهـا أن يـقـيــدوا في لـوائح الـتـمـرين أو يـســجـلـوا في جـدول الـهـيـئـة المحـدثة لـدى آخر مـحكـمة الاسـتئـناف الـتي زاولوا مـهامـهم في دائرتـها قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ انقطاعهم عن العمل بها.
يحظر عليهم، بعد تسجيلهم في أي هيئة أخرى، أن يمارسوا خلال نفس الفترة أي شكل من أشكال النشاط بتلك الدائرة.
لا يفرض أي قيد بالنسبة لقدماء قضاة المجلس الأعلى، وقدماء الموظفين ورجال السلطة الذين كانت مهامهم تشمل جميع أنحاء المملكة.“
قبل سبر أغوار هذه المادة لا بد من استطلاعها قبل التعديل لنقف على أهم التعديلات التي طالتها بحكم ضعف التمثيليات النقابية للموظفين، في الحفاظ على المكتسبات القانونية التي راكمتها النصوص القانونية، والانجرار نحو المطالب المادية الضيقة التي لا تلبي أبسط احتياجاتهم الاجتماعية.
كانت المادة 23 من ظهير شريف رقم 162.93.1 الصادر بتاريخ 10 شتنبر 1993 بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة تنص على ما يلي: لا يجوز لـقدماء القضاة والموظفين من رجال السـلطة أو الذين مارسوا مـهـامـهـا أن يـقـيــدوا في لـوائح الـتـمـرين أو يـســجـلـوا في جـدول الـهـيـئـة المحـدثة لـدى محاكم الاسـتئـناف الـتي زاولوا مـهامـهم في دوائرها قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ انقطاعهم عن العمل بها.
يحظر عليهم، بعد تسجيلهم في أي هيئة أخرى، أن يمارسوا خلال نفس الفترة أي شكل من أشكال النشاط بسائر تلك الدوائر.
لا يفرض أي قيد بالنسبة لقدماء قضاة المجلس الأعلى، وقدماء موظفين السلطة الذين كانت مهامهم تشمل جميع أنحاء المملكة.“
والمادة السادسة – التي تعادل المادة 23 موضوع الدراسة – من مرسوم ملكي بمثابة قانون رقم 816.65 بتاريخ 19 دجنبر 1968[3] تنظم بموجبه نقابات المحامين ومزاولة مهنة المحاماة في فقراته الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة التي تنص علي ما يلي:
..غير أن القضاة السابقين يمنع قبولهم في التمرين وتسجيلهم بنقابات المحامين لدى المحاكم طيلة ثلاث سنوات بعد تاريخ توقفهم عن مزاولة مهامهم وذلك في دائرة الحدود المبينة بعده:
قضاة محاكم السدد: دائرة نفوذ المحكمة الإقليمية التي مارسوا مهامهم فيها.
قضاة المحاكم الإقليمية: دائرة نفوذ المحكمة الإقليمية التي مارسوا مهامهم فيها.
قضاة محاكم الاستئناف: دائرة نفوذ محكمة الاستئناف التي مارسوا مهامهم فيها.
ولا يفرض أي قيد على حقوق قضاة المجلس الأعلى.
ويجري نفس المنع على الموظفين من رجال السلطة أو الذين مارسوا مهام السلطة. غير أنه لا يفرض أي قيد على حقوق الموظف إذا كانت هذه المهام تشمل جميع أنحاء المملكة.
ويجري مجلس الهيئة بحثا حول أخلاق المرشح ماعدا إذا رأى هذا المجلس بناء على ما لأعضائه من معرفة شخصية أن المرشح يتوفر على الأخلاق اللازم التحلي بها لمزاولة المهنة.
نلحظ من خلال استقراء النص القانوني قيد الدراسة أنه طالته تعديلات جوهرية سايرت توجهات المشرع على مستوى التعديلات التي عرفها التنظيم القضائي للمملكة لسنة 1974، وحذف الفقرة السابعة من مرسوم ملكي بمثابة قانون رقم 816.65 بتاريخ 19 دجنبر 1968 وتضمينها بالقوانين الداخلية لكل هيئة على حدى، وكذا على مستوى تعديلات حاولت التضييق وحصر ومنع فئة هامة من الموظفين من ولوج المهنة بمبررات لا تستند على أي أساس، إلا لكونهم موظفين إعمالا لقاعدة من اختار لا يرجع.
وبإجراء مقارنة بسيطة لثنايا المادة 23 من النص القانوني الملغى رقم 162.93.1 الصادر بتاريخ 10 شتنبر 1 993، ونص المادة بالقانون المعدل رقم 28.08 الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 2008 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، يمكن الوقوف على أوجه الاختلاف بين النصين، ونبرز بعد ذلك الفهم الذي ما زال شائعا في العمل القضائي ببعض المحاكم والذي يعمد إلى فهم النص بعيدا عن توجهات المشرع وغايته.
بعرض المادة 23 من ظهير شريف رقم 162.93.1 الصادر بتاريخ 10 شتنبر 1993 بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة الملغى تنص على ما يلي:
لا يجوز لـقدماء القضاة والموظفين من رجال السـلطة أو الذين مارسوا مـهـامـهـا أن يـقـيــدوا في لـوائح الـتـمـرين أو يـســجـلـوا في جـدول الـهـيـئـة المحـدثة لـدى محاكم الاسـتئـناف الـتي زاولوا مـهامـهم في دوائرها قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ انقطاعهم عن العمل بها.
يحظر عليهم، بعد تسجيلهم في أي هيئة أخرى، أن يمارسوا خلال نفس الفترة أي شكل من أشكال النشاط بسائر تلك الدوائر.
لا يفرض أي قيد بالنسبة لقدماء قضاة المجلس الأعلى، وقدماء موظفين السلطة الذين كانت مهامهم تشمل جميع أنحاء المملكة.“
يمكن الوقوف من خلال هذه الورقة على نقطتين غايتين في الأهمية، يتعلقان بالمنع من مزاولة المهنة إما لاعتبارات وظيفية، أو لاعتبارات زمكانية.
- المنع الوظيفي
باستقراء هذه المادة أعلاه التي تنص على أنه: لا يجوز لـقدماء القضاة والموظفين من رجال السـلطة.. تؤكد على أن المنع كان يطول قدماء القضاة والموظفين من رجال السلطة. وبالرجوع إلى ظهير شريف رقم 67.08.1 صادر في 31 يوليو 2008 في شأن هيئة رجال السلطة، حددهم بمقتضى المادة 1 تنص على ما يلي: تحـدث بوزارة الداخـلية هـيئة لـرجال السـلطة تـضم أربعـة أطر موزعة على الدرجات التالية:
ـ إطار العمال ويضم درجة عامل ممتاز ودرجة عامل
ـ إطار الباشوات ويضم درجة باشا ممتاز ودرجة باشا
ـ إطار القواد ويضم درجة قائد ممتاز ودرجة قائد
ـ إطـار خلفـاء القواد ويضم درجـة خليـفة قائد ممـتاز ودرجة خـليفة قائد من الدرجة الأولى
ودرجة خليفة قائد من الدرجة الثانية.
إذن حصر القانون الملغى الفئة الأولى من رجال السلطة الآنف ذكرهم، وعرج على الفئة الثانية وهم الذين مارسوا مـهـام السلطة، هنا كان النص يكتنفه الغموض، إذ أن رجل السلطة هو من له الحق في ممارسة هذه السلطة من دون تعسف أو شطط، إلا أن البعض أدخل في زمرة هذه الطائفة الوزراء، الكتاب العامون، مدراء الدواوين، المفتشون العامون، القباض، وغيرهم كثير ممن يمارسون سلطة إدارية بتكليف أو بتفويض.
هذا بخصوص المادة 23 من القانون رقم 162.93.1 الصادر بتاريخ 10 شتنبر 1993 بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة الملغاة، سنعرج الآن على مقتضيات المادة 23 من القانون رقم 28.08 المعدل للمادة 23 من القانون الملغى، بالنص على ما يلي:
لا يجوز لـقدماء القضاة والموظفين ورجال السـلطة أو الذين مارسوا مـهـامـهـا أن يـقـيــدوا في لـوائح الـتـمـرين أو يـســجـلـوا في جـدول الـهـيـئـة المحـدثة لـدى آخر مـحكـمة الاسـتئـناف الـتي زاولوا مـهامـهم في دائرتـها قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ انقطاعهم عن العمل بها.
يحظر عليهم، بعد تسجيلهم في أي هيئة أخرى، أن يمارسوا خلال نفس الفترة أي شكل من أشكال النشاط بتلك الدائرة.
لا يفرض أي قيد بالنسبة لقدماء قضاة المجلس الأعلى، وقدماء الموظفين ورجال السلطة الذين كانت مهامهم تشمل جميع أنحاء المملكة.“
هذا النص ” لا يجوز لـقدماء القضاة والموظفين ورجال السـلطة أو الذين مارسوا مـهـامـهـا..” عرّف فئة الموظفين بال، على خلاف سابقه عرّف الموظفين من رجال السلطة أو من زاولوا مهامها، هنا نلحظ وسّع المشرع من سقف المنع والتقييد بضمه لفئة الموظفين من دون توفرهم على أي سلطة، أو مزاولتهم لها، وهنا يظهر بجلاء قوة الضغط الذي مارسته جهات ما، لحصر ومنع فئة مهمة من الموظفين ممن لا سلطة لهم من ولوج مهنة المحاماة من خلال التقييد الوظيفي.
- المنع المكاني والزماني
- المنع المكاني
الملاحظ من خلال المادة 23 من القانون رقم 28.08 أن المشرع حاول تحديد نطاق المنع المكاني (أن يـقـيــدوا في لـوائح الـتـمـرين أو يـســجـلـوا في جـدول الـهـيـئـة المحـدثة لـدى آخر مـحكـمة الاسـتئـناف الـتي زاولوا مـهامـهم في دائرتـها) بمعنى أن التسجيل في جدول الهيئة بالنسبة لقدماء القضاة أو التقييد في لوائح التمرين بالنسبة للموظفين ورجال السلطة أو الذين يمارسونها، لا يحق لهم ذلك لدى هيئة المحامين المحدثة لدى آخر محكمة الاستئناف التي زاولوا مهامهم بدائرتها.
هذا على خلاف نص المادة 23 من القانون رقم 162.93.1 الصادر بتاريخ 10 شتنبر 1993 بمثابة قانون يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة الملغاة التي أجملت القول “.. أن يـقـيــدوا في لـوائح الـتـمـرين أو يـســجـلـوا في جـدول الـهـيـئـة المحـدثة لـدى محاكم الاسـتئـناف الـتي زاولوا مـهامـهم في دوائرها..” بمعنى أنه يمنع على قدماء القضاة والموظفين ورجال السـلطة أو الذين مارسوا مـهـامـهـا، الذين سبق أن زاولوا مهامهم داخل النفود الترابي لمجموعة من محاكم الاستئناف التسجيل أو التقييد حسب الأحوال في جدول الهيئة المحدث لدى دوائر هذه المحاكم.
فالمفردات والعبارات المستعملة في كلا الفصلين توحي إلى مراد المشرع وغايته، ولا يمكن التوسع في تفسير النص الجديد بالمعنى الذي كان يشير إليه النص الملغى، عبارة آخر مـحكـمة الاسـتئـناف تعادلها في النص الملغى محاكم الاسـتئـناف، وعبارة “ زاولوا مـهامـهم في دائرتـها” تعادلها في النص الملغى “زاولوا مـهامـهم في دوائرها” من هنا يتضح أن قصد المشرع حدد النطاق المكاني في آخر محكمة الاستئناف زالوا – قدماء القضاة والموظفين ورجال السـلطة أو الذين مارسوا مـهـامـهـا – مهامهم بدائرتها.
وبالمثال يتضح المقال نفترض أن قاضيا زاول مهامه بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء، ثم انتقل إلى محكمة الاستئناف بالرباط ثم محكمة الاستئناف بمراكش، وأحيل على التقاعد، ورغب في التسجيل في جدول هيئة المحامين، لا يجوز ذلك بكل من هيئة المحامين بالدار البيضاء، وهيئة المحامين بالرباط، وهيئة المحامين بمراكش، استنادا إلى القانون الملغى، في حين المادة 23 من القانون الحالي 28.08 حددت نطاق المنع في آخر محكمة استئناف، وهي أنه لا يحق له التسجيل بجدول هيئة المحامين بمراكش فقط، مع احترام التقييد الزماني، وهذا على خلاف ما ذهب إليه قرار محكمة الاستئناف بالرباط بالقول ” وحيث إن ما نعاه الطاعن على المقرر المطعون فيه من أسباب لا يقوم على أساس، إذ أنه بالاطلاع على المقرر المطعون فيه وعلى وضعية الطاعن المهنية والإدارية كما هي مفصلة بمقاله، اتضح أنه كان يعمل كمستشار بمحكمة الاستئناف بالرباط ثم انتقل إلى محكمة الاستئناف بالقنيطرة قضى بها فترة وجيزة، ثم أحيل على التقاعد، والحالة هاته أنه لم يعزز طلبه بما يفيد انقطاعه عن مزاولة مهامه القضائية بالدائرة القضائية بمحكمة الاستئناف بالرباط الراغب في التسجيل ضمن جدول هيئة المحامين الرسميين بها وفق ما يقتضيه الفصل 23 من القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة” [4]
- المنع الزماني
سياق الفقرة الأولى من المادة 23 من قانون المحاماة يؤكد على ما يلي: لا يجوز لـقدماء القضاة والموظفين ورجال السـلطة أو الذين مارسوا مـهـامـهـا أن يـقـيــدوا في لـوائح الـتـمـرين أو يـســجـلـوا في جـدول الـهـيـئـة المحـدثة لـدى آخر مـحكـمة الاسـتئـناف الـتي زاولوا مـهامـهم في دائرتـها قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ انقطاعهم عن العمل بها.
فعبارات المشرع من الدقة بمكان إذ أنه لا يجوز التوسع في تفسير النص على الهوى، على اعتبار أن قصد المشرع حال دون تقييد قدماء القضاة والموظفين ورجال السـلطة أو الذين مارسوا مـهـامـهـا لدى آخر محكمة الاستئناف التي زاولوا مهامهم الوظيفية والإدارية في دائرتها قبل مضي ثلاث سنوات من تاريخ انقطاعهم عن العمل بها.
إذ لو كان قصد المشرع انصب على المنع من كل دوائر محاكم الاستئناف التي زاولوا مهامهم بهن، لما سعى إلى تعديل المادة بإضافة عبارة لدى آخر محكمة الاستئناف، كما احتفظ بنفس مدة المنع الزماني -–ثلاث سنوات من تاريخ الانقطاع عن العمل -–وأن قراءة النص قراءة مجتزأة توحي إلى فهم غامض للنص، فضمير بها الوارد في ختام الفقرة يعود على محكمة الاستئناف التي مارس بها القاضي أو الموظف مهامه.
وهذا خلاف ما ذهب إليه قرار محكمة الاستئناف بالرباط بالقول ” وحيث إنه على عكس ما تمسك به الطاعن، فمقتضى الفصل المذكور يستشف منه أن غاية المشرع انصرفت إلى عدم جواز تسجيل قدماء القضاة والموظفين ورجال السلطة في جدول الهيئة المحدثة لدى آخر محكمة استئناف زاولوا مهامهم في دائرتها قبل مضي مدة ثلاث سنوات من تاريخ انقطاعهم عن العمل بها، علما بأن الطاعن يتمسك بتسجيله ضمن جدول هيئة المحامين الرسميين بالرباط، والحالة هاته أن طلبه يفتقر لشرط انقطاعه عن العمل بدائرة نفوذ هذه المحكمة لمدة ثلاث سنوات، علما أيضا بأن الاستثناء الوارد على شرط المدة أعلاه يستفيد منه فقط القضاة الممارسين بمحكمة النقض سندا للفقرة الأخيرة من الفصل المذكور[5].
غير أن الحيثية التي اعتمدتها غرفة المشورة بمحكمة الاستئناف بالرباط لم تبرز بكون الطاعن انقطع عن العمل بمحكمة الاستئناف بالقنيطرة وهي بالنسبة له آخر محكمة الاستئناف زاول بها مهامه، وأن المادة 23 من القانون المنظم فسر تفسيرا غير صائب وحمل النص ما لا يحتمل، كما ان النص القانوني قيد الدراسة لم يحدد المدة الواجب قضاؤها بآخر محكمة استئناف زاول بها مهامه، حتى يتسنى قبول تسجيله بهيئة المحامين التي يرغب في التسجيل بها، وان شرط ثلاث سنوات جاءت حصرا على رغبته بالتسجيل بهيئة المحامين بآخر محكمة استئناف مارس بها مهامه (أي هيئة المحامين بالقنيطرة).
من خلال القراءة المتواضعة لمقتضيات هذه المادة التي توظف في غير قصد الشارع من قبل بعض هيئات المحامين، ومسايرة غرفة المشورة لدى محاكم الاستئناف لهذا التوجه الذي لا يستند إلى أي أساس بصريح نص المادة 23 وخاصة الفقرة الأولى، التي تعتبر في نظرها من النظام العام، وهذا على خلاف الفقرة الثانية التي تنص على ما يلي: يحظر عليهم، بعد تسجيلهم في أي هيئة أخرى، أن يمارسوا خلال نفس الفترة أي شكل من أشكال النشاط بتلك الدائرة. التي تخرق في واضحة النهار (وعلى عينك با بن عدي) ولا تحرك نقابات هيئة المحامين ساكنا.
هذا الأمر يجعلنا أمام خيارين اثنين لتجاوز الخلاف:
الخيار الأول: دعوة محكمة النقض إلى تبني اجتهاد قضائي يحسم الخلاف فيما ذهب إليه قصد الشارع، ويوضح الصورة بالنسبة لفئة مهمة من القضاة والموظفين الراغبين في الالتحاق بمهنة النبل والأخلاق، وممارسة مهام الدفاع في احترام تام لكل الضوابط الأخلاقية والأعراف المهنية المُرعية.
الخيار الثاني: دعوة المشرع إلى التفكير في إعادة صياغة للمادة 23 من قانون مهنة المحاماة لإزالة الخلاف، وتوضيح الصورة بما يحقق الأمن القانوني في الولوج لمهنة المحاماة بشكل يسير دون تعقيدات، اعترافا وعرفانا، وبما يحقق قيمة مضافة لهيئات المحامين بضمهم لقامات قضائية، وكوادر إدارية اكتسبت تجربة ميدانية من شأنها أن تنمي مقدرات هيئة الدفاع العلمية والفكرية، خذمة لأسرة العدالة في نهاية المطاف.
الإحالات والمراجع:
[1] ) ظهير شريف رقم 1.08.101 صادر في 20 شوال 1429 (20 أكتوبر2008) بتنفيذ القانون رقم 28.08 المتعلق بتعديل القانون المنظم لمهنة المحاماة، الجريدة الرسمية عدد 5680 بتاريخ 06نونبر 2008 ص 4044
[2] ) مقال “دور المحامي في التصدي لخرق القانون” ل ذ النقيب عمر الخيراوي
[3] ) الجريدة الرسمية عدد 2932 بتاريخ 08 يناير 1969 الصفحة عدد 82
قرار محكمة الاستئناف بالرباط رقم 11 بتاريخ 16/01/2020 غير منشور( [4]
[5] ) نفس القرار السابق