الاغتصاب الزوجي : الاغتصاب المباح

المعلومة القانونية

*الأستاذ لمراني علوي زكرياء،

  • محامي متمرن بهيئة المحامي مكناس.

في سابقة قضائية، قضت غرفة الجنايات الاستئنافية بمحكمة الاستئناف بطنجة (قرار رقم 232 الصادر بتاريخ 09/04/2019 في ملف عدد 203/2612/2019 ) بقرار يقضي بإلغاء حكم ابتدائي صادر عن غرفة الجنايات الابتدائية لدى نفس المحكمة ، قضى بإدانة الزوج بسنتين سجنا نافذا وغرامة مالية قدرها 2000 درهم مع تعويض لفائدة الزوجة المشتكية حدد في 30 ألف درهم، بعدما إدانته من أجل العنف الزوجي و الإيذاء طبقا للفصلين 401 و 404 نظرا لوجود عقد زواج،  لكن الغرفة الجنايات الاستئنافية قامت بإعادة تكييف فعل عنف الزوجي إلى الاغتصاب زوجي، و القول بادانة الزوج من أجل جناية الاغتصاب الناتج عنه افتضاض، رغم وجود عقد زواج يربطه بالضحية. الاستناد إلى الفصلين 488 و486 من القانون الجنائي المغربي، مع جعل العقوبة سنتين موقوفة التنفيذ و الإشهاد على التنازل عن المطالب المدنية.

من خلال هذا التوجه القضائي وفي ظل غياب قانون في غرفة النوم، هل يمكن أن نتحدث عن وجود إغتصاب زوجي بالرغم من أن هناك من إعتبر أن الاغتصاب الذي اعتمدته المحكمة لا يرقى إلى المفهوم المتداول للاغتصاب؟ وهل يحق للزوج ممارسة الجنس مع زوجته رغما عنها؟ أم أن الزواج يبرر الجنس القسري؟ وكيف السبيل لإثبات هذه الجريمة التي تقع في أماكن مغلقة، وفي لحظات خاصة؟

في البدء تجدر الإشارة إلى أن موضوع الاغتصاب الزوجي يعرف تضارب بين اتجاه يرى أن إجبار الزوج لزوجته على القيام بالعلاقة الجنسية حتى ولو كان دون رغبتها “حقا مشروعا” ، فيما يراه آخرون جرما يستوجب العقاب.

إن معظم الجدل الذي دار في الآونة الأخيرة حول الاغتصاب الزوجي بدأ دينيا ، إذ لا يعترف كثيرون بهذا المصطلح ولا يجدون فكرة الاغتصاب قائمة بين المتزوجين.

في مصر مثلا تدخلت مؤسسة الأزهر و أصدرت بيانا في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة في 2018 جاء فيه ” لا يعقل أن نقف صامتين أمام صورة من صور العنف ضد المرأة، مثل الضرب و الإساءة النفسية و الاغتصاب الزوجي”.

أما في المغرب يعد الحديث عن الاغتصاب الزوجي “تابو” وعندما تكشف عنه النساء المعنفات يلاحقن بالوصم الاجتماعي، الشيء الذي نتج عنه غياب إحصائيات أو أرقام رسمية ترصد العنف الجنسي أو الاغتصاب الزوجي بفعل الموروث الثقافي و الأجتماعي و عدم القدرة على كسر جدار الصمت من خلال غياب ثقافة البوح للعائلة أو التشكي لدى الجهات المختصة قانونا. رغم الجهود الجبارة التي يقوم بها الطيف الحقوق و المجتمع المدني في سبيل الكشف و إزالة الستار عن هذا العنف الممارس على المرأة والذي يبقى لوحده غير كافي لإيجاد حل حقيقي لهذا المشكل الحقوقي.

أما على المستوى الدولي فقد صدر تقرير عن منظمة الصحة العالمية في سنة 2013  أوردت فيه أن 35 من النساء حول العالم تعرضن لاعتداء جنسي أو جسدي من أزواجهن، كما تعرضت واحدة من بين كل عشر نساء -120 مليون امرأة – للاغتصاب الزوجي.

عموما إن محاولة تشخيص ماهية الاغتصاب الزوجي تفرض علينا تحديد موقعه، هل هو “سلوك مرضي” يدخل في إطار العبودية والتعذيب والسادية، أي الشعور المتطرف لدى الإنسان المصاب برغبة وميول لتعذيب الآخرين وما يرافق ذلك من لذة غريزية، أم هو فعل مباح تماشيا مع الدين الإسلامي الذي نص في عدة أحاد يث نبوية على تبرير هذا السلوك، كقوله عليه الصلاة و السلام: “والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق زوجها كله، حتى لو سألها وهي على قتب لم تمنعه”، و المقصود بالقتب هو سراج البعير وهي صيغة مبالغة توضح أن لأعذر للمرأة في الامتناع سوى الحيض والمرض. في مقابل ذلك هناك نصوص قرآنية وأحاديث تحث على انه لا يكلف أحدا غير طاقته.

إن الزواج علاقة مقدسة ولكل من الزوجين دوره، فالزواج علاقة مبنية على أساس الاحترام والود في كل الأديان السماوية، وليس معناه أن للزوج الحق فى ممارسة العلاقة الخاصة في أي وقت بدون موافقة الزوجة، وليس معنى الزواج أن تتخلى الزوجة عن حقها في الرفض أو القبول، فالاغتصاب هو الاغتصاب حتى وإن كان داخل إطار العلاقة الزوجية.

1- المقصود بالاغتصاب الزوجي:

يمكن تعريف الاغتصاب الزوجي، بأنه فعل جنسي غير مرغوب فيه من جانب الزوج دون موافقة الزوجة، يتم فيه استخدام القوة أو التهديد أو الترهيب أو تحت تأثير مواد مخدرة، وتشمل أيضا بعض الأوضاع الجنسية التى تعتبرها المرأة مهينة ومؤلمة لها وترفضها بجانب كونها غير شرعية.

وهو كذلك نوع من العنف ممتزج بالجنس ويقوم به الزوج حال شعوره أحيانا بالتقصير فى واجباته الأسرية، لذلك في بعض الأحيان يلجأ إلى العلاقة الخاصة مع الزوجة بعنف وغصب لإثبات رجولته وقوته ولتغطية المشاعر السلبية التى يشعر بها من ضعف وقهر، لذلك فإن ممارسة الحب شيء والاغتصاب شيء آخر تماماً، حيث تشعر المرأة بالدونية وأنها عديمة القيمة والأهمية مع أن الواقع يقول العكس وتبدأ الزوجة في كره نفسها وجسمها.

إن إكراه أحد الزوجين الطرفَ الآخر على إقامة علاقة جنسية رغما عن إرادته هو “سلوك مرضي” بإعتبار أن الرجل الذي يجد لذة في ممارسة الجنس بالغصب والعنف ويستمتع بآلام شريكته في علاقة مليئة بالدموع والصراخ هو شخص غير سوي.

عموما، إن الاغتصاب الزوجي يعد من أكثر أنواع العنف الممارس ضد الزوجات، والذي يتسبب في تدمير الحالة النفسية والصحية للآلاف منهن، ويضعُهُن بسبب الثقافة السائدة التي تجبر الزوج على إثبات رجولته أثناء العلاقة الزوجية بأي شكل كان وأن على الزوجة الإذعان له تحت ضغط هائل؛ حيث يسود إعتقاد خاطئ أن للزوج الحق فى ممارسة الجنس مع زوجته وقتما شاء دون إعتبار لرغبة الزوجة أو رضاها أو حالتها النفسية أو الجسدية، وأن على الزوجة الإذعان لرغبة الزوج حتى لو لم تشأ وأن للزوج الحق فى إجبارها على ممارسة الجنس معه بأي طريقة يرغبها حتى لو كانت طريقة غير صحية.

إن من بين المبررات التي تساهم في عملية إخماد أصوات المغتصَبات من الزوجات، نجد الخوف من الفضيحة، بالإضافة إلى غياب دعم أهل الزوجة في أحيان كثيرة لرفض الاعتراف بهذه الجريمة وعدم رغبتهم فى مناقشة مثل هذه التفاصيل مع إبنتهم، وعدم رغبتهم بشكل أساسي فى أن تصبح إبنتهم مطلقة أو تبليغ الشرطة أو النيابة العامة.

2- صور الاغتصاب الزوجي:

هناك أكثر من طريقة للإجبار على ممارسة الجنس وليس العنف وحده، فهناك التهديد والمنع والحرمان كلها عوامل تؤدي إلى إعدام إرادة الضحية، وبالتالي تكون الموافقة تحت تأثير الخوف.

3- إثبات الاغتصاب الزوجي:

إن مشكل الإثبات يحضر بقوة، من خلال صعوبة إثبات هذه الجريمة التي تُرتَكب في أماكن مغلقة وفي لحظات خاصة. لكن رغم كل ذلك فإن صعوبة إثبات هذه الجريمة لا يعني التغاضي عنها، بل إن هذه الصعوبة تطال جريمة الاغتصاب بشكل عام، حيث يتم إثبات ذلك من خلال القرائن المتعلقة بالواقعة وظروفها وعلاقة الطرفين. أمام هذا الوضع يمكن الاستعانة بالشواهد الطبية التي تبين حجم الضرر الجسدي وشواهدَ نفسيةٍ تشهد على الصدمات التي تؤثر على الزوجات. و هو ما أخذت به محكمة الاستئناف بطنجة في القرار المشار إليه أعلاه (قرار رقم 232 الصادر بتاريخ 09/04/2019 في ملف عدد 203/2612/2019 ) حيث أدلت الزوجة بشهادة طبية تثبت إصابتها بتمزق مهبلي نتج عن علاقة جنسية عنيفة.

في الختام:

لا يسعنا إلا أنستبشر خيرا في هذا التوجه القضائي، رغم السؤال الذي لازال يطفو إلى سطح النقاش، حول هل سيبقى الاغتصاب الزوجي “جريمة “خارج إطار القانون أم أنها “جريمة” مشروعة إلى أن يتصدى لها القضاء الجنائي.

من هذا الأساس وفي باب فرضية التجريم، فإن هناك العديد من المخاوف التي قد تطرح حول الصيغة التي ستكون عليها عملية ضبط هذه الممارسات الجنسية، بمعنى أخر هل تجريم هذه الممارسة معناه أن الزوج يلزمه الحصول على إقرار بالموافقة على ” العلاقة ” في كل مرة ضمان له ضد اتهامه بهذه الجريمة في وقت لاحق أم أنه سيتم اشتراط  الزمان و المكان الذي ستتم فيه العلاقة في عقود الزوج حماية للطرفين .. إلى غيرها من الإشكالات التي تحتاج إلى جواب خلال صناعة التشريع.

قد يعجبك ايضا