إشكاليات الاختصاص النوعي بين القضاء الاستعجالي الإداري والقضاء التجاري على مستوى إيقاف إجراءات تحصيل الدين الضريبي

إشكاليات الاختصاص النوعي بين القضاء الاستعجالي الإداري والقضاء التجاري على مستوى إيقاف إجراءات تحصيل الدين الضريبي -الحجز على الأصل التجاري نموذجا-

المعلومة القانونية

*إيمان البوزيدي،

  • طالبة باحثة بكلية العلوم القانونية والإجتماعية -جامعة محمد الأول بوجدة-

لقد حرص المشرع المغربي على منح الملزم بالدين الضريبي ضمانات قضائية مهمة، تسمح للقضاء ببسط رقابته على الإجراءات التي يقوم بها المحاسب العمومي، وذلك من أجل الموازنة بين ثنائية ضمان حماية الملزم من جهة، وضمان الفعالية والنجاعة في استخلاص الدين العمومي من جهة أخرى. إلا أن مقتضيات مدونة تحصيل الديون العمومية[1]  تعكس نوعا من عدم الوضوح في ما يخص القواعد المنظمة لتوزيع الاختصاص بين القضاء الاستعجالي الإداري والقضاء التجاري في حال المطالبة بإيقاف التنفيذ المؤقت للإجراءات العادية لتحصيل الدين الضريبي والتي تعتبر تلك المكنة المخولة للقابض في توقيع الحجز التنفيذي على ممتلكات المدين الملزم بغية استخلاص الدين العموم.

وقد يشمل هذا التنفيذ الحجز على العقار، أو حجز الأصل التجاري الذي يعتبر المحور الأساسي في  هذه الدراسة، والذي يعرف بكونه “مال منقول معنوي يشمل جميع الأموال المنقولة المخصصة لممارسة نشاط تجاري أو عدة أنشطة تجارية” حسب المادة 79 من مدونة التجارة[2]، وحسب المادة 80 من نفس القانون، فإن هذا الأصل التجاري “يشمل أيضا كل الأموال الأخرى الضرورية لاستغلال الأصل كالاسم التجاري والشعار والحق في الكراء والأثاث التجاري والبضائع والمعدات والأدوات وبراءات الاختراع والرخص وعلامات الصنع والتجارة والخدمة والرسوم والنماذج الصناعية وبصفة عامة كل حقوق الملكية الصناعية أو الأدبية أو الفنية الملحقة بالأصل”.

فكيف عمل القضاء على تأويل النصوص القانونية لتحديد اختصاص كل من القضائين بشكل واضح تجاوزا لإشكاليات الاختصاص النوعي في التنفيذ على هذا الأصل أو جزء منه؟

في محاولة لدراسة الموضوع سنعمد إلى تقسيمه إلى مطلبين:

  • المطلب الأول: نطاق الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية وإشكالية الحجز على بعض منقولات الأصل التجاري
  • المطلب الثاني: إشكالية الاختصاص في إيقاف التنفيذ على الأصل التجاري بسبب بطلان مسطرة الحجز

 

المطلب الأول: نطاق الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية وإشكالية الحجز على بعض منقولات الأصل التجاري

يعتبر التنفيذ على الأصل التجاري من ضمن الإجراءات التي يرجع أمر البت فيها إلى المحاكم التجارية كأصل (الفقرة الأولى)، وما دام أن القاعدة الفقهية التي تؤكد أن “لكل قاعدة استثناءاتها” تبقى مفعلة على عمومها دون وجه تخصيص، فإنه يرد على هذه القاعدة أيضا استثناءات كانت السبب الرئيس في خلق إشكاليات الاختصاص النوعي بين القضاء الاستعجالي الإداري والقضاء التجاري، حيث يتقاطع اختصاص قاضي المستعجلات الإداري مع الأخير كلما تعلق الأمر مثلا بحالة إيقاف إجراءات بيع منقولات الأصل التجاري في نطاق محدد وضيق (الفقرة الثانية).

الفقرة الأولى: الاختصاص النوعي للمحاكم التجارية في حجز وبيع الأصل التجاري لتحصيل الدين الضريبي

لم يتطرق القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية إلى جميع إجراءات الحجز والبيع المتعلق بالأصل التجاري[3]، واكتفى بنص المادة 68 منه على أنه يتم تنفيذ حجز الأموال التجارية وبيعها وفقا للشروط والأحكام المنصوص عليها بمدونة التجارة، وقد تم تعديل هذا الفصل بمقتضى قانون المالية لسنة 2005[4] الذي نص في ما معناه أنه “يتم حجز الأصول التجارية طبقا لأحكام الفقرة 3 من الفصل 455 من قانون المسطرة المدنية من لدن مأموري التبليغ والتنفيذ التابعين للخزينة تنفيذا للترخيص المشار إليه في المادة 37 أعلاه، بناء على طلب من المحاسب المكلف بالتحصيل[5]. ينفذ بيع الأصول التجارية وفق الشروط والإشكال المنصوص عليها في القانون 15.95 المتعلق بمدونة التجارة (…)”[6].

وقد ساير العمل القضائي ذلك حيث منح هو الآخر الاختصاص إلى المحاكم التجارية استنادا إلى المادة 68 أعلاه، إضافة إلى المادة 5 من القانون المحدث للمحاكم التجارية[7] التي تسند الاختصاص في النزاعات المتعلقة بالأصول التجارية إلى المحكمة التجارية، والمادة 11 من نفس القانون التي تنص على أن الدعاوى المتعلقة بالإجراءات التحفظية تعرض على المحاكم التجارية التي يوجد بدائرتها موضوع هذا الإجراء، بمعنى أن كل إجراء تحفظي يطلب تمهيدا لبيع الأصل التجاري، يجب تقديمه أمام المحكمة التجارية[8].

حيث أكد المجلس الأعلى في قرار له “أن الطلب المذكور لا يتعلق في حقيقته بتحصيل دين مستحق للخزينة العامة حتى يكون الاختصاص للمحاكم الإدارية (…) وإنما يتعلق ببيع أصل تجاري وإن كان من أجل استيفاء ضرائب، فإن النظر في هذا الطلب تختص به المحاكم التجارية (…) فإن المحاكم الإدارية غير مختصة نوعيا”[9]. وعلى نفس ذلك التوجه سار المجلس الأعلى في قرار آخر جاء فيه ما يلي: “لكن، حيث إن حجز الأصول التجارية وبيعها وكما استند إليه عن صواب الحكم المستأنف تطبق عليه مقتضيات القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة وذلك بإحالة صريحة من المادة 68 من القانون رقم 15.97 المكون لمدونة تحصيل الديون العمومية وأن المحكمة التجارية بالتالي هي المختصة نوعيا بالبت في تقدير لزومية بيع الأصل التجاري من عدمها، مما يجعل ما أثير بدون أساس”[10].

وقضت محكمة النقض أيضا بنفس الحل عندما ذهبت إلى تقرير اختصاص القضاء التجاري بشأن حجز الأصول التجارية وبيعها لسداد الديون العمومية إذ جاء في حيثيات قرارها ما يلي: “لكن حيث أنه بالرجوع إلى المقال الافتتاحي للدعوى يتضح جليا أنه يرمي إلى الحكم ببيع الأصل التجاري عدد 65 المملوك من طرف شركة “أوبرج بوسيجور” من أجل استيفاء الدين والفوائد والصوائر خلافا لما ورد في الاستئناف.

وبناء على مقتضيات المادة 68 من مدونة تحصيل الديون العمومية التي أحالت بشأن حجز الأصول التجارية وبيعها لسداد الديون العمومية على مدونة التجارة، فإن البت في الدعوى يرجع إلى المحكمة التجارية المصدرة للحكم المستأنف، والمحكمة لما نحت هذا المنحى صادفت الصواب وحكمها واجب التأييد”[11].

الفقرة الثانية: إشكالية الاختصاص النوعي في إيقاف الحجز على منقولات الأصل التجاري لتحصيل الدين الضريبي

في مقابل وضوح التوجه السابق لكل من القانون والعمل القضائي، والتسليم بالقاعدة التي تنص على أنه يجوز للقابض المالي توقيع الحجز على منقولات الأصل التجاري لتأمين استخلاص الدين العمومي من جهة، بنفس الدرجة التي تخوله توقيع حجز على هذا الأصل برمته تبعا لمقدار الدين العمومي المعني بالتنفيذ من جهة أخرى، فإن نقطة التنازع محل الدراسة تثور في الحالة التي يقوم فيها العون المكلف بالتحصيل بحجز “بعض” منقولات الأصل التجاري، فيعتبر المدين صاحب الأصل التجاري أن بيع المنقولات بمعزل عن الأصل كله سوف يضر به وينقص من قيمته الشيء الذي يضطره إلى رفع دعوى أمام المحكمة التجارية للمطالبة ببيع الأصل التجاري ككل، ويتقدم بطلب إيقاف إجراءات بيع المحجوز أمام القضاء الإداري، وذلك خشية بيع منقولاته المحجوزة من طرف القابض المالي في إطار الامتياز المخول له على المنقول[12]، علما أنه بالرجوع إلى المادة 8 من القانون المحدث للمحاكم الإدارية يمنح الاختصاص بالبت في جميع المنازعات المتعلقة بتحصيل الديون العمومية إلى المحاكم الإدارية، وكذلك المادة 114 من مدونة التحصيل التي تسند الاختصاص في منازعات التحصيل التي تنشأ عن تطبيق القانون 15.97 للمحاكم الإدارية.

فهل يكون رئيس المحكمة الإدارية في هذه الحالة مختصا بالبت في طلب إيقاف إجراءات تنفيذ بيع منقولات الأصل التجاري مع وجود دعوى أمام المحكمة التجارية تتعلق ببيع الأصل التجاري ككل؟ أم أن المحكمة التجارية هي المختصة بذلك في إطار اختصاصها بالنزاع برمته[13]؟

إن الإجابة عن هذه الإشكاليات تفرض التمييز الواضح بين نطاق اختصاص رئيس المحكمة الإدارية للبت في طلب إيقاف إجراءات تنفيذ بيع الأصل التجاري وبين نطاق اختصاص المحكمة التجارية.

ففي الحالة الأولى يكون للقاضي الاستعجالي بالمحكمة الإدارية اختصاص إيقاف إجراءات بيع منقولات الأصل التجاري إلى حين البت إداريا أو قضائيا في جوهر النزاع، حيث أعلنت المحكمة الإدارية بالرباط اختصاصها في ذلك، وقضت في أمرها بما يلي:  “وحيث يهدف الطلب إلى استصدار أمر بإيقاف إجراءات بيع المنقولات موضوع الحجز لغاية تنفيذ الحجز على الأصل التجاري بجميع عناصره المادية والمعنوية؛

وحيث استقر عمل قاضي المستعجلات بهذه المحكمة على قبول المطالبة بإيقاف إجراءات تنفيذ الدين العمومي كإجراء وقتي إلى غاية البت إداريا أو قضائيا في جوهر النزاع في إطار القواعد العامة للاستعجال؛

وحيث يؤخذ من ظاهر أوراق الملف ومستنداته أن القابض أوقع حجزا على منقولات الأصل التجاري من خلال المحضر المؤرخ في 5 ماي 2009 وأن ذلك يعد بمثابة ضمانة بين يدي القابض المالي لتأمين استخلاص الدين الضريبي وأن بيع هذه المنقولات من شأنها تقليص قيمة الأصل التجاري ككل بجميع عناصره المادية والمعنوية لذلك نرتأي حفاظا على حقوق الأطراف الأمر بإيقاف إجراءات بيع منقولات الأصل التجاري لغاية تنفيذ الحجز على الأصل التجاري بجميع عناصره المادية والمعنوية موضوع الحجز”[14].

في مقابل ذلك، وفي الحالة الثانية لا ينعقد الاختصاص لقاضي المستعجلات الإداري للبت في طلب إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل كلما قضت المحكمة التجارية بأحقية المحاسب المكلف بالتحصيل في استخلاص الدين الضريبي عن طريق بيع الأصل التجاري للمدين، ، وهو ما أيده توجه رئيس المحكمة الإدارية بالرباط بصفته قاضيا للمستعجلات حين قضى بأن “الطلب يهدف إلى الحكم بإيقاف المتابعات القضائية المترتبة عن الضريبة المفروضة على المدعي، التي هي موضوع منازعة قضائية في الملف عدد 280/01 ش؛ وحيث أدلى المدعي لاحقا بنسخة من حكم رقم 1036 بتاريخ 04/06/2003 الصادر عن المحكمة التجارية بالرباط، القاضي بالإذن للقابض ببيع الأصل التجاري للمدين لاستخلاص الديون الضريبية؛

وحيث إنه أمام صدور هذا الحكم الأخير يكون قاضي المستعجلات الإداري قد أضحى غير مختص للبت في طلب إيقاف تنفيذ إجراءات التحصيل، طالما أن المحكمة التجارية قد أقرت بأحقية القابض المالي في استخلاص الدين الضريبي، عن طريق الأصل التجاري للمدعي ويبقى في وسع هذا الأخير الطعن في هذا الحكم أو المطالبة بإيقاف تنفيذه حسب الأحوال أمام الجهة القضائية المختصة؛ وحيث يتعين أمام هذه المعطيات، التصريح بعدم اختصاص قاضي المستعجلات الإداري للبت في الطلب مع إبقاء الصائر على عاتق رافعه”[15].

كما ينتفي اختصاص القاضي الاستعجالي الإداري في إيقاف التنفيذ على الأصل التجاري، في الحالة التي تقضي فيها المحكمة التجارية بالبيع الإجمالي لهذا الأصل، بحيث تكون الجهة القضائية المختصة في إيقاف إجراءات التنفيذ هي المحكمة التي يباشر أمامها، وهو التوجه الذي انعكس في أمر قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية بالدار البيضاء حيث جاء فيه: “بعد الاطلاع على وثائق الملف تبين للمحكمة أن الطالب استصدر حكما من المحكمة التجارية بالدار البيضاء، تحت عدد 11734 بتاريخ 18/03/2007 قضى بالبيع الإجمالي للأصل التجاري وأن البت في الطلب يقتضي الغوص في أصل الحق الموازي للتطاول على اختصاص المحكمة المصدرة للحكم، فضلا على أن المحكمة المختصة للبت في إيقاف إجراءات التنفيذ هي المحكمة التي يباشر أمامها.

وحيث أنه تبعا لذلك يكون الطلب المقدم بهذا الخصوص إلى قاضي الأمور المستعجلة الإداري قد قدم إلى جهة غير مختصة فيتعين بالتالي التصريح بعدم اختصاصنا للبت فيه مع إبقاء الصائر على رافعه”[16].

المطلب الثاني: إشكالية الاختصاص في إيقاف التنفيذ على الأصل التجاري بسبب بطلان مسطرة الحجز

لا يقتصر التقاطع بين القضاء الاستعجالي الإداري والقضاء التجاري على إجراءات الحجز على منقولات الأصل التجاري فقط، بل تثار في نطاق آخر إشكالية الاختصاص عند الدفع بإيقاف التنفيذ على الأصل التجاري بسبب بطلان مسطرة الحجز، فمتى تكون المحكمة التجارية مختصة بالبت في الإيقاف ومتى يختص في ذلك رئيس المحكمة الإدارية؟

لقد طرحت على القضاء الاستعجالي الإداري نازلة من نفس الشاكلة تتعلق بإيقاف إجراءات مسطرة الحجز المضروب على الأصل التجاري  لعدم تبليغ المعني بالأمر بالإنذار بدون صائر والإنذار القانوني مناط الحجز بدعوى تقديم دعوى أمام قضاء الموضوع تتعلق ببطلان مسطرة الحجز، وتبين أثناء النظر في طلب إيقاف إجراءات الحجز أن هنالك دعوى مرفوعة أمام المحكمة التجارية تتعلق ببيع الأصل التجاري برمته مرفوعة من طرف القابض المالي لاستخلاص الدين الضريبي موضوع الحجز، إلا أن أمر رئيس المحكمة الإدارية بفاس بعدما تبين له من ظاهر أوراق الملف عدم جدية السبب المتعلق ببطلان مسطرة الحجز على الأصل التجاري لعدم التبليغ بالإنذار القانوني مناط الحجز، قضى بعدم اختصاصه للبت لصالح المحكمة التجارية.

وجاء في الأمر ما يلي “علما بأن الأمر في هاته النازلة كما هو ظاهر من وقائعها يتعلق بدعوى بيع الأصل التجاري برمته معروض على القضاء التجاري في إطار مقتضيات الفصل 68 من القانون 15.97 ومدونة التجارة وخصوصا البنود 111 و112 و113 من القانون 53.95 وأن تقديم دعوى بشأن بطلان مسطرة الحجز للإخلال بإجراءات تبليغ الإنذار القانوني المتطلب في الحجز يقتضي تقديم المطالبة بإيقاف البت أمام القضاء التجاري لغاية البت في دعوى بطلان مسطرة الحجز الواقع على الأصل التجاري وأن مثل هذا الطلب يوازي  المطالبة بإيقاف تنفيذ بيع منقولات الأصل التجاري لغاية البت في دعوى الموضوع مما يبقى معه الطلب غير مقبول”[17].

وقد افترض الأستاذ محمد قصري في هذا الأمر الاستعجالي، لو أن القاضي الاستعجالي الإداري بدا له من ظاهر مستندات ملف الموضوع الذي يتعلق ببطلان مسطرة الحجز الواقع على الأصل التجاري، أن هاته المسطرة مشوبة بإخلالات قانونية تتمثل في عدم التبليغ بالإنذار القانوني وعدم توجيه الإشعار بدون صائر قبله، وبالتالي سوف تكون مشوبة بالبطلان أمام محكمة الموضوع، فيتعين في ضوء ذلك إيقاف إجراءات بيع منقولات الأصل التجاري لغاية البت في الموضوع، معتقدا أن الآثار القانونية التي يمكن أن تترتب على مثل هذا الأمر الصادر عن المحكمة الإدارية  هو إيقاف بت المحكمة التجارية لغاية الحكم النهائي في نزاع الموضوع المتعلق ببطلان مسطرة الحجز من طرف القضاء الإداري[18].

وقد عكس حكم محكمة الاستئناف التجارية هذا الأثر الذي عبر عنه سابقا الأستاذ محمد قصري، حين قضت بأن “دعوى المنازعة في الدين الضريبي أمام المحكمة الإدارية لا توقف دعوى بيع الأصل التجاري اللهم إذا صدر حكم أو أمر بإيقاف أداء الجزء المتنازع فيه، وأن تكون مطالبه بالإيقاف قد رفعت داخل الأجل المنصوص عليه في القوانين والأنظمة الجاري بها العمل وهو الشيء الذي أكده المجلس الأعلى في قراره عدد 593 المؤرخ في 23/05/2007 ملف عدد 2/03/2006، لذلك فإن إيقاف البت في هذه الدعوى غير مرتكز على أساس إذ يتعين على المستأنفة إيقاف أداء الجزء المتنازع فيه أمام المحكمة الإدارية”[19].

وعليه، يمكن تأييد فكرة أنه لا يمكن القول بأن بت المحكمة التجارية في طلب بيع الأصل التجاري يمكن أن يحجب الاختصاص عن القاضي الإداري سواء كمحكمة موضوع أو كقضاء استعجالي مادام أن الإجراءات التي كانت سابقة لعملية حجز الأصل التجاري والتي تمت من طرف القابض المالي مما تختص بتقييمها المحكمة الإدارية المختصة مكانيا كأصل، لأن إجراءات حجز الأصل التجاري الجارية مسطرة بيعه أمام المحكمة التجارية سوف تكون مشوبة بالبطلان، وإذا تبين لقاضي المستعجلات من ظاهر أوراق الملف جدية النزاع حول ذلك سوف يقضي بإيقاف إجراءات بيع الأصل التجاري.

كما ذهبت محكمة الاستئناف التجارية إلى نفي اختصاصها لصالح القضاء الإداري في الإجراءات التي كانت سابقة لعملية حجز الأصل التجاري حيث قضت أن “ادعاء سقوط الدين الصرفي بالتقادم وتقديم شكاية بشأن ذلك للمديرية الجهوية للضرائب يتعين إثارته أمام المحكمة الإدارية المختصة لا أمام المحكمة التجارية المطلوب بيع الأصل التجاري بدائرتها مادام عمل هاته الأخيرة لا يتعدى المراقبة القانونية لطلب بيع الأصل التجاري وفق أحكام المادة 113 من مدونة التحصيل”[20].

عطفا على ما سلف، فإن القاضي الاستعجالي الإداري يبسط رقابته للنظر في تحديد قيمة الأصل التجاري خشية اندثار عناصره[21]، كما يخول له البت في كل حالة تشمل إيقاف التنفيذ  بسبب الدفع ببطلان الإجراءات التي كانت سابقة لعملية حجز الأصل التجاري والتي تمت من طرف القابض المالي، حيث جاء في أمر إدارية الرباط “أن عدم احترام مبدأ تدرج المتابعات قبل مباشرة الحجز التنفيذي على الأصل التجاري يجعل إجراءات التحصيل الجبري مشوبة بالبطلان، والطلب حول إيقاف إجراءات بيعه مؤسسا تفاديا للأضرار التي تعذر تداركها بعد تفويت المحجوز”[22].

الخاتمة

لقد أبان العمل القضائي بين المحاكم التجارية والقضاء الاستعجالي مع رقابة محكمة النقض عليهما معا، عن حجم التفصيلات والتدقيقات التي تحدد نطاقات اختصاص كل منهما في ما يتعلق بإيقاف التنفيذ على الأصل التجاري باعتباره إجراء من الإجراءات العادية لاستخلاص الدين الضريبي، مما يرسم صورة واضحة عن حدود اختصاصهما، ولا يقتصر هذا التنازع في الاختصاص بينهما فقط بل يثور أيضا بين القضاء الاستعجالي الإداري والقضاء العادي في ما يتعلق بإيقاف الحجز على العقار موضوع مسطرة تحصيل الديون العمومية الذي حاول فيه العمل القضائي هو الآخر تحديد نطاق تدخل كل واحد منهما.

————————————————–

[1] – ظهير شريف رقم 1.00.175 صادر في 28 من محرم 1421 ( 3 ماي 2000) بتنفيذ القانون رقم 15.97 بمثابة مدونة تحصيل الديون العمومية، جريدة رسمية، عدد 4800 بتاريخ  28 محرم 1421 (3 ماي 2000)، ص. 6521.

[2] – ظهير شريف رقم 1.96.83 صادر في 15 من ربيع الأول 1417 (فاتح أغسطس 1996) بتنفيذ القانون رقم 15.95 المتعلق بمدونة التجارة، جريدة رسمية، عدد 4418 بتاريخ  19 جمادى الأولى 1417 (3 أكتوبر 1996)، ص. 2187.

[3]– عبد المجيد الزلال، دور القضاء في النزاعات الناشئة عن تطبيق مدونة تحصيل الديون العمومية، رسالة لنيل دبلوم السلك العالي في التدبير الإداري، المدرسة الوطنية العليا للإدارة، الرباط، السنة الدراسية 2004-2005، ص. 51.

[4]– ظهير شريف رقم 1.04.255 صادر في 16 ذو العقدة 1425 (29 ديسمبر 2004)، بتنفيذ قانون المالية رقم 26.04 للسنة المالية 2005، جريدة رسمية، عدد 5278 بتاريخ 17 ذو القعدة 1425 (30 دجنبر2004)، ص. 4141.

[5]– أصبح القابض المالي بمقتضى ذلك التعديل الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من 1/1/2005 في غنى عن استصدار أمر قضائي بحجز الأصل التجاري حيث حول إيقاع  الحجز مباشرة على الأصل التجاري أسوة بالامتياز المقرر له بالنسبة للمنقولات، غير أن طلب البيع لا يتأتى إلا في إطار مدونة التجارة وخاصة المواد 111 و 112 و113 منها. لمزيد من التوسع راجع محمد قصري، “إيقاف تنفيذ الدين العمومي أمام القضاء الاستعجالي”، “إيقاف تنفيذ الدين العمومي أمام القضاء الاستعجالي”، مجلة المحاكم الإدارية، عدد 3، ماي 2008، ص. 56.

[6]– محمد قصري، المرجع السابق، ص. 56.

[7]– ظهير شريف رقم 1.97.65 صادر في 4 شوال 1413 (12 فبراير1997)، بتنفيذ القانون رقم 53.95 يقضي بإحداث محاكم تجارية، جريدة رسمية عدد 4482 بتاريخ 8 محرم 1418 (15 ماي 1997)، ص. 1141.

[8]– يونس الصالحي، تنازع الاختصاص بين القضاء الإداري والتجاري بشأن تحصيل الديون العمومية عن طريق حجز وبيع الأصل التجاري، مجلة Route Educational & Social journal، عدد 7، يوليوز 2020، ص. 118 وما بعدها.

[9]– م. الأعلى، غ. إد، قرار عدد 189 بتاريخ  30/11/2000، ملف إداري، عدد1999/1/4/1161، يونس الصالحي، المرجع السابق، ص. 119.

[10]– م. الأعلى، غ. إد، قرار عدد 186 بتاريخ 27/03/2003، ملف إداري، عدد 281/4/1/2003، المطبعة والمكتبة العالمية ضد الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مجلة قضاء المجلس الأعلى عدد 61، يناير 2003، ص. 206 وما بعدها.

[11]– م. النقض، غ. م، قرار عدد 9/2012 بتاريخ 05/01/2012، ملف مدني، عدد 2001/1/4/1562، أورده سعيد المريني، “أي دور للمساطر الخاصة في الرفع من نجاعة تحصيل الغرامات والإدانات النقدية؟”، مجلة مغرب القانون الإلكترونية Maroclaw.com، تاريخ الولوج 16/08/2021.

[12]– يونس الصالحي، “تنازع الاختصاص بين القضاء الإداري والتجاري بشأن تحصيل الديون العمومية عن طريق حجز وبيع الأصل التجاري”، المرجع السابق، ص. 119.

[13]– محمد قصري، “إيقاف تنفيذ الدين العمومي أمام القضاء الاستعجالي”، المرجع السابق، ص. 56 وما بعدها.

[14]– م. إد، الرباط، أمر عدد 778 بتاريخ 08/09/2007، ملف إداري، عدد 581/01/09، أورده سي محمد الحيان، “رقابة قاضي الأمور المستعجلة الإداري لمسطرة تحصيل الديون العمومية بالمغرب”، مجلة المنارة للدراسات القانونية والإدارية، عدد خاص، 2018، ص. 54.

[15]– م. إد، الرباط، أمر عدد 07 بتاريخ 14/01/2004، ملف إداري، عدد 167/03، أورده محمد أمين الإدريسي، دور القضاء الاستعجالي في إيقاف تحصيل الدين الضريبي، رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة في القانون العام والعلوم السياسية، تخصص التدبير الإداري والمالي، كلية الحقوق أكدال ،جامعة محمد الخامس، الرباط، السنة الجامعية 2007-2008، ص. 155.

[16]– م. إد، الدار البيضاء، أمر عدد 101 بتاريخ 18/03/2008، ملف إداري عدد 93/1/2008، أورده محمد أمين الإدريسي، دور القضاء الاستعجالي في إيقاف تحصيل الدين الضريبي، المرجع السابق، ص. 156.

[17]– م. إد، فاس، أمر عدد 04/1125، ملف إداري، عدد 04/32 س، مؤسسة الودعيري ضد الخزينة العامة، أورده محمد قصري، “إيقاف تنفيذ الدين العمومي أمام القضاء الاستعجالي”، المرجع السابق، ص. 58.

[18]– محمد قصري، “إيقاف تنفيذ الدين العمومي أمام القضاء الاستعجالي”، المرجع السابق، ص. 59.

[19]– م. استئناف التجارية، فاس، قرار عدد 1800 بتاريخ 16/12/2008، ملف تجاري، عدد 08/1504،  شركة أزداد للنقل ضد قابض فاس الأطلس، الأصول التجارية، مجموع قرارات من الموقع الإلكتروني Adala.justice.ma، تاريخ الولوج: 16/08/2021.

[20]– م. استئناف التجارية، فاس، قرار عدد 1545 بتاريخ 30/10/2008، ملف تجاري، عدد 133/2008، ميلود بوزغدة ضد قباضة تطوان باب التوت، المرجع السابق.

[21]– م. إد، الرباط، أمر عدد 249 بتاريخ 21/06/2006، ملف إداري، عدد 06-253 س، أورده سي محمد الحيان، “رقابة قاضي الأمور المستعجلة الإداري لمسطرة تحصيل الديون العمومية بالمغرب”، المرجع السابق، ص. 55.

[22]– م. إد، الرباط، أمر عدد 51 بتاريخ 05/02/2007، ملف إداري، عدد 07-16 س، سبق ذكره.

قد يعجبك ايضا