المقاربة الجديدة للعمل الشرطي: التوفيق بين محاربة الجريمة وصون حقوق الإنسان

المعلومة القانونية

*البلبال عاديل

  • ماستر الحكامة الأمنية و حقوق الإنسان
  • جامعة المولى اسماعيل كلية العلوم القانونية و الاقتصادية و الاجتماعية مكناس.

مقدمة

إذا كانت العقيدة الأمنية في المغربي ظلت متمحورة لسنوات عديدة على تأمين الأمن و محاربة الجريمة بشتى أنواعها، فإنه و مع انخراط المملكة في المنظومة الدولية لحقوق الإنسان أصبحت أجهزة الشرطة ملزمة بتطبيق المعايير و القواعد الدولية الخاصة باحترام أجهزة انفاذ القانون لحقوق الإنسان. فإذا كانت الشرطة هي التجسيد الطبيعي لسلطة المجتمع في أن يدافع عن نفسه دفاعا شرعيا، ضد كل من تسول له نفسه العبث بالنظم، والقوانين التي تحكم الدولة، وقد بينت القوانين والإجراءات أساليب وطرق معالجة كل مخالفة للنظم والقوانين، كما أعطيت الشرطة في سبيل تحقيق ذلك، سلطات خطيرة في مواجهة الأشخاص، والتي قد تؤثر على حقوقهم وحرياتهم، فإنه  كان لابد من وضع ضوابط إجرائية وقانونية تلزم هيئة الشرطة في استخدام سلطاتها. إن الهدف من الضوابط الإجرائية والقانونية ليس الوصول إلى الحقيقة بعيدا عن احترام حرية الإنسان بل يتعين معاملته بهذه الصفة في جميع الإجراءات، مما يتعين معه احترام حريته وتأكيد ضماناتها، فلا  قيمة للحقيقة التي يتم الوصول إليها على حساب الحرية واهدار حقوق الإنسان وكرامته. كما أن صلاحية الشرطة في التفتيش والمصادرة من الصلاحيات الخطيرة التي يجب عند ممارستها الموازنة الدقيقة بين واجب الشرطة في تنفيذ القانون وحفظ النظام ومحاربة الجريمة، وبين واجبها في حماية المجتمع واحترام حقوق الإنسان، خاصة حماية بعض الفئات من المجتمع. إذن فما هي الضوابط القانونية والإجرائية التي تنظم عمل الشرطة بهدف حماية حقوق الإنسان؟ وما هو دورها في مكافحة الجريمة وتعزيز الشعور بالأمن؟ وما هو الدور الإنساني الذي تقوم به اتجاه بعض الفئات من المجتمع؟

للإجابة على هذه الأسئلة ارتأينا لمعالجة هذا الموضوع تقسيمه إلى:

المطلب الأول: الضمانات الأساسية خلال التوقيف والحراسة النظرية لصون الكرامة الإنسانية

الفقرة الأولى: الضمانات الدستورية للحراسة النظرية.

الفقرة الثانية: الضمانات القانونية للحراسة النظرية.

المطلب الثاني: دور الشرطة الزجري و الحمائي لتكريس حقوق الإنسان.

الفقرة الأولى: مكافحة الجريمة وتعزيز الشعور بالأمن.

الفقرة الثانية: دور الشرطة الحمائي اتجاه بعض فئات المجتمع.

المطلب الأول: الضمانات الأساسية خلال التوقيف والحراسة النظرية لصون الكرامة الإنسانية.

إن الحديث عن ضمانات الوضع تحت الحراسة النظرية كمجال من المجالات الماسة بالحق في الحرية والجوانب المتعلقة به، ستدفعنا إلى الوقوف عند الاجراءات الواردة في قانون المسطرة الجنائية وما إذا كانت قد وفقت في الوصول إلى أفضل صيغة لتعزيز التمتع به في وضع يسمح بتقرير حق المجتمع في الجزاء مع الحفاظ على الحقوق والحريات الأساسية ذلك ما سنحاول الإجابة عليه من خلال إبراز الضمانات الدستورية للحراسة النظرية وانعكاسها في قانون المسطرة الجنائية.

الفقرة الأولى: الضمانات الدستورية للحراسة النظرية.

كرس الدستور المغربي مختلف حقوق الإنسان الواردة في الاعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونص على سمو الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها المغرب، على التشريعات الوطنية مؤكدا على العمل على ملاءمة هذه التشريعات مع مقتضياتها.هكذا، يشتمل الدستور على جملة من الضمانات المرتبطة بموضوع الحراسة النظرية والتي تنسجم مع قواعد المحاكمة العادلة، وضمانات الوقاية من التعذيب، ندرجها على الشكل التالي:

  • حقوق الدفاع:

کرست الوثيقة الدستورية حقوق الدفاع من بين المبادئ السامية التي تعكس ضمانة حقيقة لصون الحقوق والحريات، وذلك من خلال الفصلين23 و120 من الدستور، وفي هذا الإطار، ينص الفصل 23 على انه «يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها بداعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت، ويحق له الاستفادة، في أقرب وقت ممكن، من مساعدة قانونية، ومن إمكانية الاتصال بأقاربه، طبقا للقانون». فيما نص الفصل 120 على أن «لكل شخص الحق في محاكمة عادلة، وفي حكم يصدر داخل أجل معقول. ومن خلال القراءة المتأنية لمضمون هذين الفصلين، يتضح أن الدستور المغربي ارتقى بمجموعة من المبادئ المنصوص عليها في المادة الجنائية بشقيها الموضوعي والاجرائي، كما هو الشأن بالنسبة لقرينة البراءة ومبدأ الشرعية الإجرائية … ضمانا لقواعد المحاكمة العادلة .

  • الحق في الاخبار بدواعي الاعتقال

نصت المادة 14 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، على أن من حق كل متهم بجريمة «أن يتم إعلامه سريعا وبالتفصيل، وبلغة يفهمها، بطبيعة التهمة الموجهة إليه وأسبابها»، وتطرق الدستور إلى هذا الحق في الفقرة 3 من الفصل 23 التي تنص على إلزامية إخبار كل شخص تم اعتقاله على الفور وبكيفية يفهمها بدواعي اعتقاله، وهو ما واكبه قانون مسطرة الجنائية في تعديله الأخير المضمن في المادة 66، حيث أوجب المشرع في هذه المادة إخبار المتهم على الفور بلغة أو بلهجة أو إشارة (بالنسبة للمعاق حسيا) يفهمها بالأفعال المنسوبة إليه عند إيقافه، أو وضعه في الحراسة النظرية.

  • الحق في التزام الصمت

نص الفصل 23من الدستور، كما سبقت الإشارة، على أنه «يجب إخبار كل شخص تم اعتقاله، على الفور وبكيفية يفهمها، بدواعي اعتقاله وبحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت، وهكذا تكون للمتهم الحرية الكاملة في الكلام أو الامتناع عنه وعدم الاجابة على الأسئلة الموجهة إليه من طرف أي سلطة وفي أي مرحلة من مراحل الدعوى الجنائية، دون أن يؤخذ سكوته وامتناعه عن إبداء أقواله قرينة على ثبوت التهمة الموجهة إليه، واعتبارا لقرينة البراءة، فكل حمل للمتهم على الكلام أو الاعتراف ثبت انتزاعه بالعنف أو الاكراه يعتبر باطلا .والحق المرتبط بالصمت لا يمكن اعتباره بأي حال من الأحوال قرينة أو دليلا ضده، وفيه ضمانة للموقوف بعدم التسرع بأي تصريح قد يؤثر على مركزه القانوني في القضية مستقبلا لا سيما تحت تأثير الضغط النفسي وعنصر المفاجأة. لكنه ملزم بتقديم المعلومات التي تهم هويته .[1]

الحق في المساعدة القانونية

المساعدة القانونية، كما يتم تعريفها، حق من حقوق الإنسان الذي يجب على الدول أن تكفله. وتعتبر الضمانة الأمثل لحق الوصول لنظام العدالة وحق الدفاع والاستعانة بمحام، بناء على قاعدة المساواة بين الجميع بصرف النظر عن قدراتهم المالية ومكانتهم الاجتماعية أو أي أساس آخر. وقد نص الدستور المغربي في الفصل 23 على ضرورة تمتع كل شخصتم اعتقاله بالحق في المساعدة القانونية في أقرب وقت ممكن. ويمكن أيضا اعتباره من حقوق الدفاع المذكورة في الفصل 120 ( وحقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم )، في سياق الحديث عن المحاكمة العادلة .وقد حددت المسطرة الجنائية، كما سنرى شروط التمتع بهذا الحق .

  • الحق في ظروف اعتقال انسانية

بغض النظر عن نوع الجريمة التي يتابع بها المعتقل تثار بعض الحقوق ذات الصلة بهذه الوضعية والتي لا تنتهي عند ضرورة توفير شروط محاكمة عادلة ومستقلة، ولكن تتجاوز ذلك إلى تأمين ظروف اعتقال إنسانية تحترم كرامة المعتقل وتعيد تأهيله وإدماجه ليكون مواطنا (مجتمعيا ) صالح.وقد نص الدستور على هذا الحق كذلك في الفصل 23 منه، والغاية منه القطع مع انتهاك حقوق الإنسان، حيث يتمتع كل شخص معتقل بحقوق أساسية، وبظروف اعتقال إنسانية. ويمكنه أن يستفيد من برامج للتكوين وإعادة الإدماج .

  • الحق في التعويض

ورد الحق في تعويض تتحمله الدولة في حال الخطأ القضائي لأول مرة في الدستور الجديد في الفصل 122 منه، لكن صياغته (يحق لكل من تضرر من خطأ قضائي الحصول على تعويض تتحمله الدولة) جاءت عامة ويلزمها التوضيح والتدقيق لبيان الشروط المنظمة لهذا الحق، خاصة أن الدستور لم يحل تنظيم هذا الحق على القانون. لذلك فمفهوم الخطأ القضائي يجب تدقيقه: هل يقتصر الخطأ القضائي المتعلق بمقرر قضائي مكتسب لقوة الشيء المقضي به؟  أم هو كل خطأ نتج عن ضرر سواء فيا لإجراءات أو الأبحاث ولو لم يصدر بعد حکم فاصل في الدعوى؟ كما لم حدد طريقة التعويض ومعياره وهل يرتبط التعويض بالضرر الناتج عن الخطأ القضائي؟ وكيف سيقدر التعويض، وهل يجب على المتضرر رفع دعوى قضائية لتعويضه عن الخطأ القضائي؟ أم ستخصص هيئة للنظر فيهذه القضايا؟ وهل ستعرض هذه القضايا تلقائيا أم يجب على المتضرر التمسك بالحق في التعويض؟ وهل سكوت المتضرر عن المطالبة بهذا الحق سيعفي الدولة من تحمله وما هو أمد تقادم هذا الحق؟

الفقرة الثانية: الضمانات القانونية للحراسة النظرية

تنعكس الضمانات الدستورية للحراسة النظرية سواء ما تعلق منها بشروط المحاكمة العادلة أو ضمانة السلامة الجسدية ومنع التعذيب في قانون المسطرة الجنائية.

  • مفهوم الحراسة النظرية :

نصت المادة 66 من قانون المسطرة الجناية على أنه: إذا تطلبت ضرورة بحث أن يحتفظ ضابط الشرطة القضائية بشخص أو عدة أشخاص ممن أشير إليهم في المادة 65 ليكونوا رهن إشارته، فله أن يضعهم تحت الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز 48 ساعة تحسب ابتداء من ساعة توقيفهم، وتشعر النيابة العامة بذلك. وهكذا، فإن المشرع المغربي لم يعرف بشكل واضح مفهوم الوضع تحت الحراسة، غير أنه يقصد به إجراء يحق بمقتضاه لضابط الشرطة القضائية أن يحتفظ بشخص أو عدة أشخاص في مكان معين لضرورة إجراء البحث.

  • شروط الوضع تحت الحراسة النظرية:

نظرا لخطورة هذا الإجراء وعلاقته بالحرية الشخصية للأفراد، قام المشرع بتقييد ممارسة ضابط الشرطة القضائية بتحديد حالات اللجوء إلى هذا الإجراء، حيث لا يمكن اللجوء إليه إلا في قضايا الجنح والجنايات المعاقب عليها بالحبس، وليس في المخالفات والجنح المعاقب عليها بعقوبة الغرامة وحدها. وهكذا فإن اللجوء إلى الحراسة النظرية رهين بضرورة البحث في الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس .

  • مدد الوضع تحت الحراسة النظرية وتمديدها

قيد المشرع السلطة التقديرية لضابط الشرطة القضائية باتخاذ تدابير الوضع تحت الحراسة النظرية من حيث مددها، وهي مدد تختلف تبعا لنوع الجرائم المرتكبة. ويمكن تصنيفها في ثلاثة أنواع : وفق المادة 66، إذا تعلق الأمر بجناية أو جنحة يعاقب عليها بالحبس، وكانت ضرورة البحث تقتضي من ضابط الشرطة القضائية إبقاء شخص رهن إشارته، فله أن يضعه تحت الحراسة النظرية لمدة لا تتجاوز 48 ساعة وتشعر النيابة العامة. ويمكن لوكيل الملك أو الوكيل العام للملك أن يمنح إذنا مكتوبا بتمديد الحراسة النظرية مرة واحدة لمدة 24 ساعة إذا كان الأمر يتعلق بالمس بأمن الدولة الداخلي أو الخارجي، فإن مدة الوضع تحت الحراسة النظرية تحدد في 96 ساعة قابلة للتجديد مرة واحدة بإذن كتابي من النيابة العامة. وفي حالة الجرائم الإرهابية تكون مدة الحراسة النظرية 96 ساعة قابلة للتمديد مرتين لمدة 96 ساعة في كل مرة، بناء على إذن كتابي من النيابة العامة المختصة[2].

  • الحق الاتصال بمحامي[3]

يعتبر الاتصال بالمحامي (ة) من الضمانات المهمة التي نصت عليه المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية، التي تضع على ضابط(ة) الشرطة القضائية واجب اشعار المحامي، وفي حالة طلب الشخص الموقوف توكيل محام في إطار المساعدة القضائية تكون الضابطة القضائية مجبرة على إخبار نقيب هيئة المحامين الذي يتولى تعيين أحد المحامين أو المحاميات كما تنص على ذلك المادة المشار إليها.وبالرجوع إلى المادة 66 من قانون المسطرة الجنائية نجد أن الاتصال بالمحامي(ة) يتم قبل انتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية وبترخيص من النيابة العامة لمدة لا تتجاوز 30 دقيقة، تحت مراقبة ضابط الشرطة القضائية في ظروف تکفل سرية المقابلة. ويمكن لممثل النيابة العامة، كلما تعلق الأمر بجناية، أن يؤخر بصفة استثنائية، اتصال المحامي بموكله بناء على طلب من ضابط الشرطة القضائية، على ألا تتجاوز مدة التأخير12 ساعة إبتداء من انتهاء نصف المدة الأصلية للحراسة النظرية، غير أنه  إذا تعلق الأمر بجريمة إرهابية أو بالجرائم المشار إليها في المادة 108 من قانون المسطرة الجنائية، فإن الاتصال بالمحامي(ة) يتم قبل انقضاء المدة الأصلية للحراسة النظرية. هذا وقد اشترط المشرع أن يتم الاتصال بترخيص من النيابة العامة، غير أنه يمكن لضابط الشرطة القضائية أن يأذن، بصفة استثنائية للمحامي بالشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية، في حالة إذا ما تعذر الحصول على ترخيص النيابة العامة بسبب بعد المسافة. على أن يرفع على الفور، تقريرا بهذا الخصوص إلى النيابة العامة. ويمنع على المحامي (ة) إخبار أي کان  بما راج بينه وبين موكله خلال الاتصال به قبل انقضاء مدة الحراسة النظرية، ويجوز للمحامي(ة) المرخص له بالاتصال بالشخص الموضوع تحت الحراسة النظرية، أن يقدم أثناء مدة تمديد هذه الحراسة وثائق أو ملاحظات كتابية للشرطة القضائية أو للنيابة العامة، قصد إضافتها للمحضر مقابل إشهاد، ويعود للوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالرباط صلاحية الإذن للمحامي(ة) بالاتصال بموكله، كلما تعلق الأمر بجرائم الارهاب، على اعتبار أن محكمة الاستئناف بالرباط هي المختصة بالمتابعة والتحقيق والحكم في الجرائم الإرهابية.

  • ظروف الاحتجاز[4]

يتضمن الفصل 66 من قانون المسطرة الجنائية شروطا يجب الإشارة إليها في سجل الحراسة النظرية ومنها الحالة البدنية والصحية والتغذية المقدمة للموضوع تحت الحراسة النظرية، إضافة إلى تكليف وكيل الملك بمراقبة الأماكن المعدة للحراسة النظرية (مرة في الأسبوع على الأقل) حسب المادة من 45 قانون المسطرة الجنائية، بينما نصت المادة 620 قانون المسطرة الجنائية على جعل هذه المهمة من اختصاص لجنة للمراقبة تحت إشراف العمالة أو الإقليم فيما يخص المعتقلين احتياطيا أومن يمضون فترة عقوبتهم، وتكمن مهمة هذه اللجنة في «السهر على توفير وسائل الصحة والأمن والوقاية من الأمراض وعلى نظام تغذية المحتجزين وظروف حياتهم العادية وكذا المساعدة على إعادة تربيتهم الأخلاقية وإدماجهم اجتماعيا وإحلالهم محلا لائقا بعد الإفراج عنهم. في حين تتأكد المراقبة القضائية من شرعية الاعتقال وكذا ظروف الاحتجاز[5].

الإخبار بدواعي الاعتقال

ورد في المادة 66 قانون المسطرة الجنائية أنه يتعين على ضابط الشرطة القضائية إخبار كل شخص تم القبض عليه أو وضع تحت الحراسة النظرية فورا وبكيفية يفهمها بدواعي الاعتقال وحقوقه، ومن بينها حقه في التزام الصمت والمقصود من الإخبار ليس فقط الإعلام ولكنه يتجاوز ذلك إلى ضرورة استيعاب المشتبه فيه لحجم الأفعال والوقائع المنسوبة إليه وحقيقتها والأسانيد القانونية التي أسست عليها.وكذلك ما توفر للضابطة القضائية من أدلة وشهود وقرائن أدت للاشتباه فيه وإيقافه، حتى يتسنى له تفنيدها ودحضها بكافة وسائل الاثبات.

  • سجل الحراسة النظرية

كما ألزم القانون الضابطة القضائية بان تدون في سجل الحراسة النظرية هذا السبب تفاديا لتغييره . علما أن هذا السجل يراقب ويؤشر عليه منقبل النيابة العامة مرة في الشهر على الأقل .يتضمن هذا السجل معلومات متعلقة بالحراسة النظرية، ومدة الاستنطاق، وساعة بداية الحراسة النظرية، وساعة نهايتها، وأوقات الراحة والحالة البدنية والصحية والتغذية المقدمة له، ويتعين أن يوقع في هذا السجل كل من الشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية، وضابط الشرطة القضائية بمجرد انتهاء مدتها. وفي حالة عدم قدرة المعني بالأمر على التوقيع أو رفضه القيام بذلك، يشير ضابط الشرطة إلى ذلك في السجل كما يتعين عليه أن يرسل، يوميا، إلى النيابة العامة لائحة الأشخاص الذين تم وضعهم تحت الحراسة النظرية خلال الأربع وعشرين (24) ساعة المنصرمة. ويمكن الهدف من كل هذه الإجراءات في تفعيل ضمانات احترام هذه الحقوق وتمكين النيابة العامة والمحكمة من المراقبة .

وبالإضافة إلى هذه الضمانات، أقر المشرع المغربي في قانون المسطرة الجنائية ضمانات أخرى مرتبطة بالسلامة البدنية والنفسية [6].

و من جهة أخرى في إطار تنفيذ المغرب لالتزاماته وفقا للبرتوكول الإختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، نص القانون 76.15 المتعلق بإعادة تنظيم المجلس الوطني لحقوق الإنسان على عدة ضمانات تمكن الالية الوطنية للوقاية من التعذيب بإداء مهامها بفعالية[7].

المطلب الثاني: دور الشرطة الزجري و الحمائي لتكريس حقوق الإنسان.

يعد منع الجريمة والتحري وكشفها هو المهمة الأساسية لأجهزة الشرطة في مختلف الدول، ويضع القانون المغربي هذه المهمة على رأس قائمة المهام والواجبات المنوطة  بالشرطة القضائية، ولكن منع الجريمة والتحري عنها وكشفها و حماية الأشخاص المستضعفة يجب أن يكون محكوم دائما بالالتزام بالقانون، وهذا ما أكد عليه الدستور وقانون المسطرة الجنائية، اللذان يشيران على أن من مهام وواجبات الشرطة ” الوقاية من الجريمة ومكافحتها والبحث عن مرتكبها والقبض عليهم وفقا للقانون“.

الفقرة الأولى: مكافحة الجريمة وتعزيز الشعور بالأمن

يقتضي قيام الشرطة بواجبها في منع الجريمة أو كشفها، أن تقوم بإجراءات معينة تجاه من ارتكبوا الجرائم أو تجاه المشتبهين بارتكابها، وهنا تثور مسألة الموازنة الدقيقة بين واجب الشرطة في منع الجريمة أو التحري عنها، وبين واجبها في أن يتم ذلك مع عدم المساس بحقوق الأفراد التي يكفلها ويحميها القانون وفي كل الأحوال، ينبغي أن تقوم الشرطة بوظيفتها الرئيسية في منع الجريمة واكتشافها، بمراعاة ما تقضي به قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان، وهي قواعد ملزمة لجميع الدول ومنها المغرب، خاصة بعد أن أصبحت تلك القواعد جزءا من النظام القانوني المغربي.

تضطلع المديرية المركزية للشرطة القضائية باعتبارها الجهاز المركزي الوصي على أعمال الشرطة القضائية، بدور الإشراف على عمليات محاربة الجريمة على مستوى مجموع المدن المغربية، وتعبئة المصالح اللاممركزة التابعة للمديرية العامة، والتنسيق مع المصالح التابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، وتنسيق عمل مختلف المصالح الميدانية و اللاممركزة المكلفة بمهام الشرطة القضائية، وتأطير الأبحاث المنجزة بشأن قضايا الإجرام المسجل بالمدار الحضري، والتي تباشرها مصالحها الموزعة عبر عموم التراب الوطنين، وتندرج هذه الأوراش في إطار الاستراتيجية الجديدة للمديرية العامة للأمن الوطني، التي انطلقت منذ 2015، سنة تعيين السيد حموشي على رأس المديرية، والتي تراهن على ضمان أمن المواطنين وسلامة ممتلكاتهم وتعزيز الحضور الأمني في الشارع العام وتنظيم السير والجولان والتقنين بما يضمن تدعيم الإحساس والشعور بالأمن.وفي إطار تنزيل هذه المقاربة الجديدة في  مجال زجر الجريمة، القائمة على تدعيم العمليات الاستباقية الهادفة لمحاربة الإجرام العام والجرائم المتسمة بالعنف، بتنسيق مع مختلف التشكيلات الأمنية التابعة للمديرية العامة للأمن الوطني، المصالح الولائية والجهوية للشرطة القضائية والأمن العمومي والاستعلامات العامة، ونظيراتها بالمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، حيث تمت برمجة عمليات أمنية واسعة النطاق بعدد من مدن المملكة، تحت الإشراف الفعلي للمديرية المركزية للشرطة القضائية، التي جندت لها هذه المديرية العامة موارد بشرية و لوجيستيكية مهمة، مصالحها الأمنية بفرقة الأبحاث والتدخلات التابعة للفرقة الوطنية للشرطة القضائية ومجموعة التدخل السريع التابعة للمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وتهدف هذه العمليات الأمنية الواسعة النطاق على توقيف الأشخاص المتلبسين بجرمهم وكدا المبحوث عنهم في مختلف الجرائم، خاصة الأفعال الإجرامية التي تمس بالإحساس بأمن المواطنين مثل السرقات بالعنف أو تحت التهديد بواسطة السلاح الأبيض، والاعتداءات الجسدية والجنسية، وكذا الجرائم الماسة بالأخلاق العامة والجرائم الجنسية التي تستهدف فئة القاصرين على الخصوص، علاوة على قضايا المخدرات والمؤثرات العقلية والقضايا الاقتصادية والمالية.وبحكم أن العمليات المبرمجة في هذا الإطار تستهدف كذلك الأشخاص المبحوث عنهم المتواجدين خارج النفوذ الترابي لمصالح الأمن الوطني، فإن مديرية الشرطة القضائية تتخذ مجموعة من الإجراءات والتدابير العملية، بالتنسيق التام مع مصالح الدرك الملكي والنيابات العامة المختصة، لتحقيق عنصر المباغتة وبلوغ الأهداف المسطرة لهذه العمليات الأمنية[8].

كما أفردت مديرية الشرطة القضائية عناية خاصة لمجال الشرطة العلمية والتقنية، باعتبارها دعامة أساسية للمصالح الميدانية للشرطة القضائية، حيث تم تحديث مختبراتها وتجهيزها بمعدات متطورة وبأخصائيين متمرسين، كما تم إحداث غرف آمنة لحفظ الأدلة والقرائن والإثباتات العلمية التي يتم رفعها من مسرح الجريمة، وتجهيز سيارات خاصة بهذا الغرض، وذلك حرصا على سلامة هذه الأدلة وضمان حجيتها أمام مختلف الهيئات القضائية.وعلى صعيد آخر، قامت مديرية الشرطة القضائية بتفعيل دور الفرق المختلطة لتأمين وتطهير فضاء المؤسسات التعليمية، حيث تم تسطير أهدافها بدقة، واطلاعها على مختلف الأساليب الإجرامية المسجلة في محيط الفضاء التعليمي، وإرشادها بضرورة تنسيق الجهود مع الأطر التربوية، وهو الأمر الذي مكن من تحقيق نتائج إيجابية في مجال مكافحة الجنوح والانحراف. وفي مجال مكافحة الجريمة وتعزيز الشعور بالأمن، واصلت مصالح الأمن الوطني دعم الوحدات الميدانية لمكافحة الجريمة، حيث تم خلق مصلحة مركزية لمكافحة غسيل الأموال، ومصلحتين على مستوى الفرقة الوطنية للشرطة القضائية تختصان على التوالي بالذكاء الاقتصادي وتحديد والتعرف على العائدات الإجرامية، وإحداث فرقة جديدة لمكافحة العصابات، وأربع فرق حضرية للشرطة القضائية بمراكش والرباط وفاس وسلا، مع اعتماد مراجعة شاملة الهيكلة ومهام خلايا التكفل بالنساء ضحايا العنف والتي يبلغ عددها حاليا 132 خلية على الصعيد الوطني، علاوة على تنصيب لجنة مشتركة بين المديريات المركزية لزيارة ومراقبة جميع أماكن الوضع رهن الحراسة النظرية وتحت المراقبة للقاصرين، وذلك لتأهيلها وتحسين ظروف الايداع، وضمان احترامها لشروط الأمن والسلامة[9].

الفقرة الثانية: دور الشرطة الحمائي اتجاه بعض فئات المجتمع.

إلى جانب مهمة الشرطة في منع الجرائم وكشفها والتحري عنها، ومهمتها في حفظ النظام والأمن كما سبقت الإشارة إليه، يجب أن تقوم الشرطة بمهام الحماية وتقديم المساعدة لمن يحتاجها – على وجه الخصوص للفئات الاجتماعية الأكثر ضعفا. وهي الفئات التي تعد كذلك إما بحكم السن كالقاصرين، أو بحكم الجنس كالنساء، وبحكم الظروف الموضوعية المحيطة بالشخص كضحايا الجريمة، أو الانتقال الاضطراري نتيجة ظروف قاهرة، كاللاجئين والنازحين والمهاجرين.

وتكتسب مهمة الشرطة في خدمة وحماية هذه الفئات المستضعفة أهمية خاصة، بالنظر إلى أنهم أكثر عرضة من غيرهم للتمييز في المعاملة، أو الاستغلال والإساءة، وقد لا يتاح لبعض هذه الفئات الحصول على الوسائل الأساسية للبقاء أو أنهم قد يعجزون عن رعاية أنفسهم، وهو ما يستدعي أن يقوم رجال الشرطة بإيلاء هذه الفئات عناية خاصة.ونعرض فيما يلي بإيجاز، إلى دور الشرطة في تقديم الخدمة وتوفير الحماية لبعض الفئات المستضعفة:

أولا: الشرطة القضائية في خدمة قضايا الأحداث

هناك واجب إضافي يقع على رجال الشرطة القضائية، وهو حماية الأطفال واليافعين أو الأحداث، وذلك بالنظر إلى حاجة هذه الفئة إلى حماية إضافية بسبب عدم اكتمال نموهم من الناحيتين الدهنية والبدنية، مما يجعلهم عرضة للإساءة أو الاستغلال، ويصبحوا ضحايا لأنواع كثيرة من الجرائم وبالمقابل، قد يكون الأطفال أو الأحداث، أحيانا، هم الفاعلون أو المشتبه بهم في ارتكاب الجرائم[10]،وتقضي المعايير القانونية الدولية، التي أصبحت التزاما وطنيا، أن يعامل الأطفال الأحداث سواء كانوا مخالفين للقانون أو ضحايا للجريمة، على نحو تحترم فيه كرامتهم واحتياجاتهم، وأن تسبغ عليهم الحماية من كافة أشكال الإساءة والاستغلال، وهذا يتطلب أن تقوم كل دولة بوضع سياسة شاملة تعكس المعايير الدولية لقضاء الأحداث، وتنفيذ هذه السياسة، وهو ما تم بالفعل من خلال ما جاء من مستجدات لقضايا الأحداث في قانون المسطرة الجنائية” نظام الحراسة النظرية، تدابير الحماية والتهذيب، تدابير الحرية المحروسة، حماية الأطفال الموجودين في وضعية صعبة، والطفل في حالة نزاع مع القانون”[11]، أظف إلى ذلك، إقامة نظام منفصل لقضاء الأحداث.

و المديرية العامة للأمن الوطني انخرطت وبشكل مبكر في مسلسل الاهتمام بقضايا الأحداث عبر خلق مجموعة من الاليات لخدمة قضايا الأحداث على صعيد مديرية الشرطة القضائية، فقد تم إحداث فرقة مكلفة بقضايا الأحداث بمديرية الشرطة القضائية منذ سنة 1965[12]، شعبة الجرائم الماسة بالأخلاق العامة والعائلة، وأسندت إليها مهام تتبع ومراقبة أعمال فرق الأحداث بمختلف المصالح الخارجية وتتولى رصد جميع القضايا ذات الصلة بموضوع الأحداث ووضع خطة عمل قادرة على معالجة الظاهرة. وتعمل هذه الفرقة على نشر الأبحاث على الصعيد الوطني بخصوص الأحداث المختفون أو المتغيبون أو الذين يشكلون موضوع بحث لفائدة العائلة بتنسيق مع قسم نشر وتنشيط الأمان وشعبة البحث لفائدة العائلة وتولى هذه الفرقة بتركيز وتجميع المعلومات عن الإجرام المرتبط بالأحداث، فهي تشكل صلة وصلبين المديرية العامة للأمن الوطني مع باقي القطاعات الحكومية المهتمة بقطاع الطفولة.و تقوم هذه الفرقة بتوجيه خلاصة أعمالها وكذا المعطيات الإحصائية لجهات حكومية مثل وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن والأسرة والطفولة ووزارة الشباب والرياضة ووزارة العدل والهيئات الدولية كاليونيسيف وفعاليات المجتمع المدني، وبوصفها كمكتب مركزي وطني للمنظمة الدولية للشرطة الجنائية (INTERPOL)،  وكونها أيضا كمكتب للاتصال العربي، فإن مديرية الشرطة القضائية تجمع أيضا كل المعلومات المتعلقة بالتعاون الدولي عبر منظمة الانتربول ومجلس وزراء الداخلية العرب[13].

وتدعيما لهذا النهج نظمت المديرية العامة للأمن الوطني حلقة دراسية حول موضوع “تقنيات الاستماع والإنصات للضحايا القاصرين”[14]أشرفت عليها منظمة «فرانكو بول، بالتعاون مع جمعية «أمان»، والمديرية العامة للأمن الوطني أسفرت عن بمجموعة من التوصيات في ما يخص تعامل عناصر الأمن مع هذه الفئة من المجتمع، خاصة في ما يتعلق بالأساليب التواصلية التي يجب استخدامها في التعامل مع الضحايا القاصرين كما ، فرصة لتمكين قوات الشرطة من تقنيات ستسمح لهم بتطوير مقاربة مهنية في التعامل مع الضحايا والشهود الأطفال ومحيطهم، ويعد استحضار فن التواصل ومختلف الأساليب السيكولوجية وأساليب الاستماع الجيدة من أهم هذه التقنيات، مع أهمية التزام الموضوعية، وكل هذا من أجل خلق جو من الثقة بين الشرطي والقاصر.

ثانيا: حماية النساء ضحايا العنف

تحتاج النساء، بوصفهن من الفئات المستضعفة إلى حماية ورعاية إضافية من قبل الشرطة. ذلك أن النساء كثيرا ما يتعرضن للتمييز في المعاملة، وغالبا ما يتم تجاهل حقوقهن، ويواجهن أصناف عديدة ومتفاوتة من العنف داخل وخارج المنازل.ومن الضرورة بمكان أن تقدم الشرطة الحماية والمساعدة للنساء كلما استدعى الأمر ذلك، على أن تراعي الشرطة وهي تقوم بواجبها في الحماية الاحتياجات الخاصة للنساء وجوانب ضعفهن، وبالتالي الحيلولة دون أن يصبحن ضحايا للجريمة.وينبغي التأكيد هنا بشكل خاص على واجب الشرطة في منع تعض النساء للعنف، وهذا أمر بالغ الأهمية نظرا لحساسية النساء لكافة أشكال العنف الجسدي والنفسي واللفظي. وبعبارة واحدة: “العنف الموجه ضد المرأة بسبب كونها امرأة، أو العنف الذي يمس المرأة على نحو جائر. وغالبا ما يكون التحري عن هذه الأعمال مهمة صعبة وحساسة، مما يقتضي أن يكون رجال الشرطة مدربين على التعامل مع هذه الحالات وضحاياها من النساء، بما يتطلبه ذلك من رأفة وحساسية وتضامنن، وفي الأحوال التي تكون فيها النساء موضوع اشتباه في مخالفة القانون، مما قد يقتضي إلقاء القبض عليهن أو تفتيشهن تفتيشا ذاتية، ينبغي أن يتولى ذلك نساء من الشرطة، ويجب أن يكون استجواب النساء واحتجازهن تحت إشراف شرطيات مدربات[15].

فكيف يمكن بلوغ رقي المجتمع وازدهاره، والنساء اللائي يشكلن زهاء نصفه تهدر مصالحهن في غير مراعاة لما منحهن الدينا لحنيف من حقوق، هن بها شقائق الرجال تتناسب ورسالتهن السامية في إنصاف لهن مما قد يتعرضن له من حيف أو عنف، مع أنهن بلغن مستوى نافسن به الذكور، سواء في ميدان العلم أو العمل[16].

باعتبارها فاعلا رئيسيا في مجال صيانة الحقوق الفئوية، فقد كانت المديرية العامة للأمن الوطني حريصة منذ عدة عقود على مواصلة اختياراتها النابعة من الالتزامات الدولية للمملكة المغربية، خصوصا تلك القاضية بتوفير حماية أمنية متكاملة للنساء ضد أشكال العنف الجسدي والمعنوي، وهو المسار الذي يتواصل اليوم ضمن الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للتكفل بالنساء ضحايا العنف وهكذا، وتماشيا مع الأحكام الجديدة الواردة في القانون 13-103، أجرت المديرية العامة للأمن الوطني إصلاحات هيكلية وتنظيمية لآليات عملها، تهدف في الأساس لضمان استجابة فعالة وسريعة للمتغيرات والتطورات لهذه الظاهرة المجتمعية، حيث انتقلت فلسفة عمل مصالح الأمن الوطني من المهام الزجرية الصرفة إلى عمل يستحضر أكثر الجوانب الإنسانية، وهو ما تمثله على أرض الواقع ترسيخ مبادئ وقيم الاستقبال والمواكبة والمساعدة والرعاية، وهي المصطلحات التي تعكس الاهتمام الخاص بحماية النساء من الضحايا، أكثر من الاشتغال على مجرد الزجر الجنائي للعنف كفعل مجرم، وفي المقابل، لا بد من التذكير بأن عمل مصالح الأمن الوطني في مجال حماية النساء ضحايا العنف ليس مسألة وليدة الحاضر، بلهو اختيار استراتيجي يعود لعدة عقود، بحيث عرفت سنة [17]2007، إحداث خلايا خاصة باستقبال النساء ضحايا العنف على مستوى المصالح اللامركزية للشرطة القضائية .

بالإضافة إلى هاتين الفئتين، يحظى كل من الضحايا والشهود بعناية وحماية الشرطة.

خاتمة:

إن القطيعة مع المفهوم التقليدي للشرطة كقوة عمومية وأداة في يد السلطة، هدفها النهائي هو محاربة الجريمة و الحفاظ على النظام من الاضطراب من جهة، وحماية المؤسسات القائمة من جهة أخرى، أدت إلى ظهور مفهوم «الشرطة مرفق عمومي» أساسه الحفاظ على دينامية الشرطة في الحفاظ على النظام العام والمؤسسات، بالإضافة إلى أن تركز اهتماماتها على المواطنين، وذلك بأن تصبح في خدمتهم وأن تحسن الاستجابة في تمتيعهم بحقوقهم وممارستهم لحرياتهم.

فالحديث إذن عن التبني الفعلي لمبادئ الحكامة الأمنية داخل جهاز الشرطة المغربي والقطع مع السياسة القمعية التي كانت سائدة فيما مضى، هو أمر متوفر ويمكن الافتخار بما تم تحقيقه في هذا المجال، ذلك أن الجهاز الشرطة أصبح جهازا منفتحا على جميع المتغيرات وكذلك المحيط الداخلي والخارجي حيت عملت المديرية العامة للأمن الوطني على تجسيد المفهوم الجديد للسلطة الذي يهدف إلى احترام وترسيخ قيم المواطنة الفاضلة وحقوق الإنسان والحكامة الجيدة، وهو ما جعلها تضاعف من مجهوداتها لإتمام أوراشها الإصلاحية القائمة على سياسة الانفتاح والحوار والتواصل، وهي سياسة تروم احترام وإشراك المواطن وكافة هيئات المجتمع المدني في صياغة الخيارات والرؤى الأمنية التي تتماشى وتفعيل معاني إعلانات حقوق الإنسان وجعلها ثقافة ملموسة وواقعا معاشا داخل سلوكيات الأجهزة الأمنية.

 

[1]: يجد ضابط الشرطة القضائية نفسه معنيا بضرورة تعميق الأبحاث والتحريات بشأن القضايا المعروضة عليه مساعدة منه للقضاء على الوصول إلى الحقيقة من جهة، كما أنه ملزم، من جهة ثانية، بضرورة الالتزام بصيانة حقوق الأشخاص المقبوض عليهم أو الموضوعين رهن تدبير الحراسة النظرية وعدم المساس بها وفي مقدمتها الحق في التزام الصمت .

[2]: والملاحظ في هذا الشأن أن الشخص الموضوع رهن الحراسة النظرية لا يتوفر على أي وسيلة للتظلم من قرار النيابة العامة بتمديد مدة الحراسة النظرية في حقه، كما لا يملك ضابط الشرطة القضائية وسيلة للتظلم من رفض النيابة العامة تمديد الحراسة النظرية

[3] : ياسين الشيباني. الشرطة وحقوق الإنسان: المعايير القانونية الدولية والوطنية التي تحكم تعامل الشرطة مع الناس. اصدارات مواطنة الحقوقية. كتيب 2. 2018. ص: 28.

[4] : مركز دراسات حقوق الإنسان والديموقراطية: الضمانات الأساسية خلال الحراسة النظرية بالمغرب. مطبعة البيضاوي. الطبع الأولى.2020 ص: 48-49.

[5]: ويقوم بها حسب الحالات:قضاة النيابة العامة.قضاة التحقيق.قضاة الأحداث. قضاة تطبيق العقوبات.رئيس الغرفة الجنحية لدى محكمة الاستئناف.

[6]: •منع التعذيب الجسدي والنفسي

يحظر على ضباط الشرطة القضائية، في إطار الأبحاث والتحريات التي ينجزونها، اللجوء إلى تعذيب المتهم أثناء استنطاقه تمهیدیا، وتفادي كل  ما من شأنه المس بكرامته كإنسان، وذلك تطبيقا لما نص عليه الدستور واتفاقية مناهضة التعذيب التي صادق عليها المغرب فضلا عن مجموعة القانون الجنائي المغربي وخاصة في الفرع الثالث حول شطط الموظفين في استعمال سلطتهم إزاء الأفراد وممارسة التعذيب ( الفصول 224-232). ويندرج في إطار حق السلامة الجسدية أيضا حق المشتبه فيه في التغذية المقدمة إليه. فعلى إثر التعديل الذي طال قانون المسطرة الجنائية، وخاصة المادة 66، تم إدراج مسألة التغذية المقدمة للأشخاص تحت الحراسة النظرية، ورصد الاعتماد المالي المخصص لذلك، بعد أن كان يعتمد أساسا على عائلات الموضعين في الحراسة النظرية في تزويدهم بالتغذية. كما يشمل حق السلامة الجسدية والنفسية تخصيص أوقات للاستجواب وأوقات الراحة تفاديا للإرهاق النفسي الذي من شأنه أن يؤثر على مركز المعتقلين القانوني في القضية .

  • اشعار العائلة

يجب على ضابط الشرطة القضائية أن يقوم بإشعار عائلة المتهم فور اتخاذ قرار وضعه تحت الحراسة النظرية بأية وسيلة من الوسائل، لإخبارهم بمكان تواجده وسبب الاحتفاظ به لدى مصالح الشرطة، وينبغي عليه أن يشير إلى ذلك في المحضر.

  • التدخل الطبي لفائدة الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية

نظم قانون المسطرة الجنائية التدخل الطبي لفائدة الأشخاص الموضوعين تحت الحراسة النظرية من خلال عدد من المواد الهادفة إلى تنزيل المبادئ الفضلي الواردة في المواثيق الدولية ذات الصلة . وهكذا نصت المادة 73 من قانون المسطرة الجنائية في فقرتها الثانية على أنه وإذا تعلق الأمر بالتلبس بجناية، يحق للمحامي المختار او المعين أن يحضر الاستنطاق، كما يحق له أن يلتمس إجراء فحص طبي على موكله. ويتعين على الوكيل العام للملك، إذا طلب منه إجراء فحص طبي أو عاين بنفسه أثارا تبرر أن يخضع المشتبه فيه لذلك الفحص. إذا تعلق الأمر بحدث يحمل أثارا ظاهرة للعنف، أو إذا اشتكى من وقوع عنف عليه، يجب على ممثل النيابة العامة، وقبل بداية الاستنطاق، إحالته على فحص طبي. ويمكن لحامي الحدث أن يطلب إجراء الفحص المشار إليه، وإذا كانت المادة 73 تتحدث عن الضمانات بالنسبة لحالة التلبس بجناية، فإن المادة 74 تضمنت نفس المقتضيات بخصوص التلبس بجنحة التي تدخل في اختصاص وكيل الملك .

  • الرقابة القضائية

يمثل الوضع تحت الحراسة النظرية من أخطر الإجراءات التمهيدية التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية، باعتبارها تمس مباشرة الحرية الشخصية للمتهم. لذلك ألزم المشرع وكيل الملك بالقيام بزيارة تفقدية لأماكن الاحتجاز مرتين في الشهر على الأقل، مع إمكانية القيام بذلك متی شاء كما تنص على ذلك المادة 45 من قانون المسطرة الجنائية.

[7] : – القيام بزيارات منتظمة لمختلف أماكن الحرمان من الحرية، وبدون سابق إشعار. – تعاون السلطات العمومية المكلفة بأماكن الحرمان من الحرية: تمكينهم من المعلومات والولوج إلى جميع هذه الأماكن، وإجراء مقابلات على انفراد مع المعتقلين.

[8]: وتدعيما لهذه الخطة الاستباقية، أحدثت المديرية العامة للأمن الوطني فرقا متخصصة للتدخل في الحالات الطارئة بكل من فاس وسلا، في انتظار تعميمها وطنيا، وتسمى بالفرق الجهوية للتدخل BRI، تتكون من عناصر لها كفاءات بدنية، ومجهزة بسيارات ومعدات تمكنها من التدخل في القضايا الكبرى، من قبيل اختطاف واحتجاز الرهائن، ومكافحة شبكات الإجرام المنظم وغيرها.

[9]: وبلغة الأرقام أعلنت المديرية العامة للأمن الوطني أنه تم في إطار مخطط العمل الخاص بالوقاية من الجريمة ومكافحتها، للفترة الممتدة من 15 ماي 2015 إلى غاية 14 ماي 2018، تمت إحالة مليون و636 ألف و824 شخصا يشتبه في تورطهم في قضايا إجرامية مختلفة على النيابات العامة، موضحة أن نسبة الزجر المسجلة، وهي نسبة استجلاء حقيقة الجرائم، بلغت ما يناهز 92 بالمائة. وذكرت المديرية العامة للأمن الوطني في بلاغ أن مخطط العمل الخاص بالوقاية من الجريمة ومكافحتها، حظي بأهمية بالغة في استراتيجية العمل التي اعتمدتها خلال هذه الفترة، وذلك تدعيم الإحساس بالأمن لدى المواطنين والأجانب السياح والمقيمين من جهة، وزجر مختلف أنواع الجرائم وضبط مرتكبيها من جهة ثانية. وفي هذا الصدد، يوضح البلاغ، أسفرت عمليات التفتيش والحجز خلال نفس الفترة عن ضبط 79 ألف و958 سكينا وغيرها من الأدوات الحادة، و6 ألاف و979 سيارة وسبعة ألاف و73 دراجة نارية استخدمت في تسهيل ارتكاب جرائم أو تحصلت من عائداتها الإجرامية، وسجل المصدر ذاته أن مصالح الشرطة اوقفت 465 ألف و458 شخصا كانوا يشكلون مذكرات بجث على المستوى الوطني، و883 شخصا لارتباطهم بقضايا الهجرة غير الشرعية، أما بخصوص مكافحة الإتجار بالمخدرات  والمؤثرات العقلية تم توقيف 282 ألف و338 شخص. بخصوص حصيلة 2020 انظر مجلة الشرطة عدد 38 دجنبر 2020 ص 13/14.

[10]: والمرجعية القانونية الدولية الرئيسية فيما يتعلق بحقوق الأطفال الأحداث، هي اتفاقية حقوق الطفل، ويقصد بالطفل وفقا لهذه الاتفاقية كل من لم يبلغ 18 عاما من العمر، ما لم يكن قد بلغ سن الرشد وفقا للقانون الوطني. وقد أصبحت هذه الاتفاقية بعد مصادقة المغرب عليها۔ ملزمة لبلادنا، وبالتالي لكافة الجهات القضائية والأمنية، لأن مخالفة أحكامها تستوجب المسؤولية الدولية وتستتبع المساءلة القانونية لمن ينتهك أحكامها.

[11]: عصام المديني. مرشد الشرطة القضائية في أساليب البحث والتحري وطرق الاستدلال الجنائي. مرجع سابق. ص: 134-135.

[12]: نفس المرجع. ص: 135.

[13]: كما تم إحداث سنة 2001 خلية خاصة بالأحداث تتولى تتبع وضبط جميع القضايا المرتبطة بالأحداث من أجل استغلالها مع باقي القطاعات المتدخلة في هذا المجال، وقامت بتعيين نقط مركزية، وأسند هذا الدور إلى ممثلين في كل من مديرية الشرطة القضائية والمعهد الملكي للشرطة. كما بادرت مع أو إلى خلق فرقة تابعة لمديرية الشرطة القضائية تعنى بالإجرام المعلوماتي واستاد الدعم التقي والعلمي المرتبط بأبحاث الشرطة القضائية عن طريق إنجاز تقارير خبرة موضوع الحواسيب والأقراص المدمجة والذاكرات المحمولة والهواتف النقالة المحجوزة من طرف مختلف الأجهزة الأمنية بغرض اكتشاف وجمع الأدلة الجنائية لاستغلالها لفائدة البحث أو كدليل مرتبط ببعض الجرائم المعلوماتية.

[14]: حمزة جولال. هسبريس بتصرف. مجلة الشرطة. عدد 16. ماي 2016.ص: 12-13.

[15]: وتشكل ظاهرة العنف ضد النساء مصدر قلق مشترك بين الدول والمنظمات المحلية والدولية، وذلك راجع إلى تداعياتها المصنفة كوباء يؤثر على جميع الفئات المجتمعية والعمرية، وهو التأثير الذي يتجاوز الضحية إلى المجتمع ككل. فحسب المعطيات الإحصائية التي نشرتها منظمة الأمم المتحدة خلال السنوات الأخيرة، تعاني واحدة من بين ثلاثة نساء حول العالم من العنف، أما في المغرب، أفرزت الإحصائيات المتعلقة بسنة 2019 أن %57 من المغربيات سبق أن تعرضن لممارسات عنيفة خلال مراحل حياتهن، وهي الأرقام المتوافقة مع نتائج المسح الوطني حول انتشار العنف ضد النساء الذي سبق أن أنجزته المفوضية السامية للتخطيط.

[16]: من الخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين لثورة الملك والشعب.

[17] : خاص .خلايا التكفل بالنساء .مجلة الشرطة. عدد 35.مارس 2020. ص: 10.

قد يعجبك ايضا