الدور الريادي للمغرب في مجابهة الجريمة المنظمة: الحمولات والأبعاد

المعلومة القانونية

*محمد البغدادي

  • باحث في مركز الدكتوراه، في تخصص القانون الخاص، كلية الحقوق بطنجة.

بات واضحا اليوم ومما لا يدع مجالا للشك أن المملكة المغربية خلال السنوات الأخيرة قامت بعدة مبادرات وإصلاحات لمكافحة الجريمة المنظمة بشتى أنواعها، وذلك تماشيا مع مباحثات رئيس النيابة العامة مع منسقة وكالة مكافحة الاتجار بالبشر بالكونغو الديمقراطي بشأن التجربة المغربية في مجال محاربة جريمة الاتجار بالبشر من خلال تبني المغرب لقانون 27-14 وانخراطه التام في المعاهدات والاتفاقيات ذات الصلة، وكذا الجوانب العملية في تطبيقه من خلال تكوين القضاة وباقي المتدخلين وإحداث خلايا للمواكبة والتتبع  المؤرخة في 8 يوليوز 2021 ومصادقة المجلس الوزاري بتاريخ 28 يونيو 2021  على الاتفاقيات في مجال مكافحة الجريمة الالكترونية ، وانسجاما مع  مذكرة التعاون بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للحسابات المؤرخة في 30 يونيو 2021 ومع خروج القانون رقم 12.18 المغير والمتمم لمجموعة القانون الجنائي ودوره في تعزيز المنظومة القانونية لمكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب على ضوء المعايير الدولية المؤرخ في8 يونيو 2021 والصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 14 يونيو 2021، بالنظر لما يكتسيه هذا الموضوع من أهمية بالغة في مسار مواكبة بلادنا لملائمة نظامها القانوني مع المعايير الدولية وتكريس فعاليته، لاسيما وأنها تخضع اليوم لعملية المتابعة المعززة من طرف مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، فإن الدولة المغربية اعتمدت منذ سنة 2004 على العديد من الإجراءات والتدابير المتعلقة بإطلاق الأوراش الإصلاحية الكبرى في المجالات القضائية والأمنية والعسكرية والجنائية والرقابية والدينية ومرورا بدسترة المفهوم الجديد للسلطة وآليات الحكامة الجيدة ووصولا بإنشاء المكتب المركزي للأبحاث القضائية سنة 2015  وبإحداث مكتب برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب والتدريب في إفريقيا بالرباط بتاريخ 24 يونيو 2021 وفي إطار تنزيل ملاحظات مجموعة العمل المالي لشمال لإفريقيا والشرق الأوسط الواردة في تقرير التقييم المتبادل الذي خضعت له بلادنا خلال سنة 2018  وتحقيقا  للأمن الاقتصادي للدول، بالنظر لما يترتب عنها من مخاطر جسيمة تمس بالأساس المصلحة الاقتصادية العامة للدولة، بالاعتداء على نظامها الاقتصادي والمالي حيث يعمد الجناة إلى احتكار رؤوس الأموال وتوظيفها بشكل غير مشروع مما يترتب عنه التحكم في الحركة الاقتصادية للبلاد، حيث يؤدي إخفاء وتمويه الأموال غير المشروعة وإضفاء الشرعية عليها إلى خلق نوع من الاقتصاد الوهمي وضرب القدرة التنافسية للأنشطة المشروعة، مما ينعكس بشكل مباشر على عدة مجالات اقتصادية واجتماعية وسياسية، وبالتالي التأثير سلبا على مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة، فإن المقتضيات الجديدة التي جاء بها القانون رقم 12.18 لا سيما ما يتعلق بالرفع من الحد الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص في جريمة غسل الأموال من شأنها أن تساهم بشكل فعال في تحقيق الردع والحد من تفشي هذه الجريمة باعتبار ذلك وسيلة ناجعة لمعاقبة المتورطين في هذه الجريمة حيث تصل الغرامة إلى 500.000 درهم في حدها الأقصى بالإضافة إلى مصادرة جميع العائدات المتحصلة من الجريمة مما سيحول دون انتفاع الجناة من عائدات الجريمة.

كما وسع التعديل الجديد المدخل على القانون لائحة الجرائم الأصلية لجريمة غسل الأموال ولو إرتكبت خارج التراب الوطني، وذلك بإضافة جرائم الأسواق المالية وجريمة البيع وتقديم الخدمات بشكل هرمي إلى لائحة الجرائم الأصلية، وهي بحق مقتضيات سوف تغطي الفراغ التشريعي الذي كانت تعرفه الترسانة القانونية الوطنية بهذا الخصوص إلى عهد قريب، لما لهذه الأفعال من مخاطر كبيرة بالإضافة إلى أنها تدر مبالغ مالية مهمة يصعب تحديد مصدرها بالنظر إلى كونها تعرف تطورا سريعا مستغلة التقدم الكبير الذي تتيحه الوسائل التكنولوجيا الحديثة.

وفي هذا الإطار لا يمكننا أن نغفل التنويه بما جاءت به مقتضيات المادة 32 من هذا القانون الجديد التي نصت على إحداث لجنة وطنية مكلفة بتطبيق العقوبات المنصوص عليها في قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة بالإرهاب، ليسد المشرع بذلك فراغا تشريحيا محرجا كان يطبع تشريعنا الوطني بهذا الشأن والذي كان سببا في عدة مؤاخذات على بلادنا بهذا الخصوص من طرف المنظمات الدولية لاسيما مجموعة العمل المالي لشمال إفريقيا والشرق الأوسط.

قد يعجبك ايضا