تخليق السلطة القضائية على ضوء مذكرة التعاون بين المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة

المعلومة القانونية

*محمد البغدادي

  • باحث في مركز الدكتوراه
  • في تخصص القانون الخاص
  • كلية الحقوق بطنجة.

في خضم الدينامية التي تعرفها  أوراش تحديث السلطة القضائية وتفعيلا لمخرجات اللقاء التواصلي بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة واللجنة الخاصة بالنموذج التنموي الجديد المؤرخ في 25 يونيو 2021  وتنفيذا لتوجهات العاهل المغربي الملك محمد السادس باعتباره المؤتمن على استقلالية السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية وتنزيلا لمضامين دستور المملكة في الشق المتعلق بالتعاون بين السلطات وإسهامها في تخليق الحياة العامة ومحاربة كل أشكال الفساد وتفعيل مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة وتعزيز آليات الحكامة الجيدة،  بادرت  الدولة المغربية يوم الأربعاء 30 يونيو 2021   إلى توقيع مذكرة تعاون بين الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة والرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات والوكيل العام للملك لديه، خاصة وأن موضوع مكافحة الجرائم المالية يستوجب  تكامل الأدوار وتظافر الجهود لكشف هذا النوع من الجرائم وردع مرتكبيها، لاسيما في مجال التكوين ودعم قدرات قضاة المحاكم المالية وقضاة المحاكم الزجرية، والتنسيق بشأن معالجة الشكايات والوشايات والتقارير ذات الصلة بالجرائم المالية وتبادل الوثائق المتعلقة بها والاجتهادات القضائية المتميزة. في عصر التحولات الاقتصادية والاجتماعية عبر العالم.

وينبغي التذكير أن هذه المذكرة نصت على إحداث لجنة مشتركة تتكون من قضاة، تجتمع دوريا لتدارس سبل التعاون والتنسيق وتنفيذ بنود الاتفاق.[1]

كما تُعَرَّفُ الأخلاق المهنية في الوقت الحالي بكونها : “مجموع القواعد والواجبات التي تنظم اعتماداً على الأخلاق التزامات المنتمين لمهنة من المهن، أو الممارسين لوظيفة من الوظائف في المجتمع. سواء كانت مقررة بمقتضى القانون أو بدونه”.

ومن المهن التي أصبحت تتوفر على مدونات أخلاقية، مهنة القضاء. حيث أصبحت لها مدونات للأخلاق ببعض الدول، كما وُضِعَتْ لها مبادئ بنْغالور للسلوك القضائي (2006) من طرف منظمة الأمم المتحدة.

وأما في المملكة المغربية ، فقد أصبحت مدونة الأخلاقيات القضائية مفروضة بمقتضى القانون  والتي تم نشرها  في الجريدة الرسمية بتاريخ 8 مارس 2021، حيث نصت المادة 106 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، أن المجلس “يضع بعد استشارة الجمعيات المهنية للقضاة مدونة للأخلاقيات القضائية، تتضمن القيم والمبادئ والقواعد التي يتعين على القضاة الالتزام بها أثناء ممارستهم لمهامهم ومسؤولياتهم القضائية  “.

وقد حددت المادة المذكورة أهداف مدونة الأخلاقيات في الحفاظ على استقلالية القضاة ونزاهتهم وتجردهم من جهة. وفي صيانة هبة القضاء، والتقيد بأخلاقه النبيلة والالتزام بحسن تطبيق قواعد سير العدالة من جهة ثانية. وحماية حقوق المتقاضين وحسن معاملتهم من جهة ثالثة. بالإضافة إلى استمرارية مرفق القضاء وضمان حسن سيره من جهة رابعة.

كما قررت نفس المادة (106 من القانون التنظيمي للمجلس)، وضع لجنة خاصة بالأخلاقيات بالمجلس، تتولى تتبع ومراقبة التزام القضاة بالمدونة المذكورة.

وقد نصت مدونة الأخلاقيات القضائية ديباجتها على الأسس التي استُحْضِرَت خلال وضع المدونة ويتعلق الأمر ب :

  1. مساعدة القضاة على معرفةٍ أحْسَنَ للواجبات الأخلاقية لمهنتهم. وتوفير إطار مرجعي يوجه سلوكهم الأخلاقي، بما يتلاءم مع رسالة القضاء؛
  2. استحضار إكراهات العولمة التي تواجه بها مهمة إنتاج العدالة. ولاسيما ما تطرحه وسائل الاتصال الحديثة والتكنولوجية وشبكات التواصل الاجتماعي من صعوبات؛
  3. استحضار خصوصيات النظام القضائي بالمغرب، واعتماد الدستور والتوجيهات الملكية والقانون التنظيمي للمجلس والنظام الأساسي للقضاة، والالتزامات الدولية للمملكة، في إعداد المدونة؛
  4. فتح الباب في مرحلة الإعداد، “للجمعيات المهنية للقضاة للإدلاء بتقارير موضوعاتية حول أخلاقيات المهنة”؛
  5. دعم لجنة الأخلاقيات بمؤسسات جهوية تتمثل في المسؤولين القضائيين لمحاكم الاستئناف، الذين أَسْندت لهم المدونة مهمة مستشاري الأخلاقيات.

ومن جهة أخرى فقد عدَّدَتِ المدونة تسعة مبادئ أساسية اعتبرتها مبادئ أخلاقية تقوم عليها مهنة القضاء، ويتعين على القضاة الالتزام بها، وهي :

  1. الاستقلال في ممارسة مهنة القضاء، وعدم الخضوع لأي سلطة سوى سلطة الضمير والتطبيق العادل للقانون والالتزام بقواعد العدالة والإنصاف؛
  2. الحياد والتجرد في أداء الوظائف القضائية، دون تحيز
    أو تحامل أو محاباة تجاه أي طرف، والتجرد من القناعات الإيديولوجية المختلفة؛
  3. المساواة بين الأطراف دون تمييز كيفما كان أساسه؛
  4. النزاهة، التي تقتضي الابتعاد عن كل سلوك مشين، ورفض الإغراءات؛
  5. الكفاءة والاجتهاد، الأمر الذي يَقتضي مواكبة المستجدات القانونية والاجتهاد القضائي والممارسات القضائية الفضلى، والحرص على ضمان جودة الأحكام وإعطاء العناية للقضايا التي يكلف بها القاضي؛
  6. الجرأة والشجاعة الأدبية، التي تتمثل في القدرة على التعبير عن القناعات القانونية والدفاع عنها بشجاعة. والقدرة على مقاومة الحرج والتردد في اتخاذ القرار الملائم المستمد من الحق والقانون؛
  7. التحفظ، ويقصد به حرصُ القاضي على الاتزان والرصانة في سلوكه وتعبيره، والعزوفُ عن إبداء آراء
    أو مواقف يكون من شأنها المساس بثقة المتقاضي في استقلال وحياد القضاء؛
  8. اللباقة وحسن المظهر. ويراد بها – التصرف السليم للقاضي، الذي يجسد التزامَهُ بالقيم الإنسانية وآداب التعامل والتحلي بالخصال الحميدة، وإظهار الاحترام المتبادل مع محيطه والحرص على الظهور بمظهر لائق؛
  9. التضامن، ويراد به وحدة الجسم القضائي وتضامن المنتمين إليه في تبادل النصح عند الإخلال بالمبادئ والقيم القضائية، والامتناع عن المساس باستمرارية المرفق القضائي.

وأخيراً، فإن المدونة قد ذكَّرت بمقتضيات المادة 52 من القانون التنظيمي للمجلس المتعلقة بلجنة الأخلاقيات ودعم استقلال القضاء، وحددت مهامها في تلقي الإحالات التي يرفعها القضاة للمجلس بشأن محاولة التأثير. وعينت الرؤساء الأولين لمحاكم الاستئناف والوكلاء العامين لديها بمثابة مستشارين للأخلاقيات بالدوائر الاستئنافية، يناط بهم تعميم المدونة وحث القضاة على الالتزام بمقتضياتها، ومساعدتهم بالنصح والتوجيه للوفاء بالتزاماتهم الأخلاقية. بالإضافة إلى إبلاغ لجنة الأخلاقيات بالمجلس بالخروقات الأخلاقية، وتقديم المقترحات والتوصيات المتعلقة بحسن تطبيق المدونة.[2]

 

الإحالات والمصادر:

[1] بلاغ مشترك  بشأن مذكرة التعاون بين المجلس الأعلى للحسابات والمجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة المؤرخ في 30 يونيو 2021.

[2] الظهير الشريف منشور بالجريدة الرسمية عدد 6969 بتاريخ 24 رجب 1442)8 مارس2021)، ص :1796.

قد يعجبك ايضا