سباق الاستقرار الاستراتيجي عبر العالم على ضوء قمة حلف ناتو 2030 في بروكسيل

المعلومة القانونية

*محمد البغدادي

  • باحث في مركز الدكتوراه
  • تخصص القانون الخاص
  • كلية الحقوق بطنجة.

في سباق غير مسبوق بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم في تاريخ العلاقات الاقتصادية بين واشنطن وبكين وجسامة الحرب التجارية التي تجمع بينهما  والتهديدات المتزايدة لروسيا ومكافحة الإرهاب والمخاطر السيبرانية، بادرت الولايات المتحدة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة إلى تقوية علاقاتها مع حلفائها وشركائها وعقد العديد من القمم الكبرى لمعالجة الملفات والأزمات الجيو الإستراتيجية والسياسية ذات الاهتمام المشترك تحقيقا للاستقرار الاستراتيجي عبر العالم[1] ، خاصة  قمة حلف ناتو في بروكسيل بتاريخ 14 يونيو 2021 وقمة أمريكية تركية أو روسية، بالإضافة إلى عقد قمة أمريكية أوروبية في ظل تفاقم العلاقات الصينية الأوروبية.[2]

وتجدر الإشارة إلى أن الخلاف الأمريكي الأوروبي على آلية التعامل مع الملف الإيراني النووي لا يرتبط فقط في اختلاف وجهات النظر ، وإنما تعكس خلافا استراتيجيا، وذلك لعدة عوامل عديدة يمكن أن تهدد العلاقات الأوروبية الأمريكية في حلف شمال الأطلسي وتتجسد أساسا في الخلاف حول نسب تمويل الميزانية حلف شمال الأطلسي السنوية وفرض إدارة الرئيس ترامب رسوما جمركية مرتفعة على الاتحاد الأوروبي والدعوة لتشكيل جيش أوروبي موحد على اعتبار أن أوروبا تعتبر منطقة استراتيجية حسب المنظور الأمريكي نظرا لأهمية المضايق البحرية فيها التي تتيح الوصول إلى العمق الاستراتيجي لروسيا والصين.

كما أن مخطط روسيا والصين التوسعي يشكل عامل تماسك في علاقة أوروبا مع واشنطن وتم تأكيد الالتزام العسكري المشترك تجاه بعض القضايا من خلال حلف الناتو، في الوقت الذي نجد الاتحاد الأوروبي  يرفض عقد قمة مع روسيا كدول البلطيق وهولندا ،وذلك بفعل الضغط والتحكم  لأمريكي  من خلال كتلة الفيزكراد فيما يتعلق بالهجرة واللجوء والعلاقات الأوروبية الروسية وبرامج تنموية أوروبية على بلدان أوروبا الشرقية.[3]

وتهدف قمة الثلاثاء بتاريخ 15 يونيو 2021 إلى الدخول في حقبة جديدة من التعاون بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية، والذي وصل إلى أدنى مستوى له على الإطلاق خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، حيث ستنكب إلى مناقشة 6  قضايا اقتصادية على ضوء قمة حلف ناتو في بروكسيل ، وتتمثل في التالي:

-الرسوم التجارية

-تتطلع القمة إلى تسوية الخلافات التجارية التي نشأت بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة خلال حقبة ترامب، والتي شهدت فرض تعريفات بمقدار 25٪ على الصلب و10٪ على الألومنيوم، تمثل 6.4 مليار دولار من حجم التجارة، وفقا للمفوضية الأوروبية. كخطوة مضادة ، فرضت بروكسل رسوما إضافية على قائمة الواردات الأمريكية ، مثل الصلب وزبدة الفول السوداني والويسكي والدراجات النارية والجينز بقيمة 2.8 مليار يورو هذا الشهر، حيث كان من المفترض أن يضيف الاتحاد الأوروبي 3.6 مليار يورو كرسوم انتقامية لتعويض الضرر بالكامل ، لكن الزيادة تأجلت في ماي الماضي لإعطاء فرصة للحوار للنجاح.

نزاع بوينج – إيرباص

نقلت “رويترز” عن مصادر مطلعة أن القمة ستناقش خلاف دام 17 عاما بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن دعم صناعة الطائرات . كما قالت الممثلة التجارية الأمريكية كاثرين تاي إنها ناقشت النزاع في أول اجتماع مباشر مع نظيرها الأوروبي فالديس دومبرفسكيس.

وبحسب رويترز، فإن المفوضية الأوروبية، التي تشرف على سياسة التجارة للاتحاد الأوروبي، حريصة على إيجاد حل بحلول 11 يوليوزالمقبل، وهو موعد انتهاء تعليق رسوم جمركية بين الجانبين تم الاتفاق عليه في مارس الماضي.

هذه الرسوم الجمركية تفرض على بضائع قيمتها 11.5 مليار دولار  جرى فرضها على مراحل بدءا من 2019. ويعود أصل الخلاف إلى اتهام الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بعضهما البعض بتقديم دعم غير قانوني لعمالقة المجال الجوي لكل منهما.

واستهدفت الولايات المتحدة صادرات أوروبية تصل قيمتها إلى 7.5 مليار دولار، وفي المقابل سمحت منظمة التجارة العالمية في وقت لاحق للاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات مضادة بشأن 4 مليارات دولار من الصادرات الأمريكية، ولكن تم تعليق الرسوم الجمركية مؤقتا في مارس المنصرم، وهذا ما أوضحه ديفيد أوسوليفان ، الذي شغل منصب سفير الاتحاد الأوروبي لدى الولايات المتحدة من 2014 إلى 2019 ، لـ”يورونيوز”: “أعتقد أن الوقت قد حان الآن للتفاوض على تسوية نزاع إيرباص وبوينج، فأمر معقد وصعب، ونحن بحاجة إلى محاولة إيجاد حل في الأسابيع المقبلة”.

الصين على الطاولة

هناك خلافات حادة بين الولايات المتحدة  الأمريكية وحلفائها بشأن التعامل مع الصين، وذلك بعدما دعا الرئيس جو بايدن دول أوروبا واليابان لمواجهة نفوذ الصين الاقتصادي والأمني المتزايد، بعرض مئات المليارات على الدول النامية من التمويل كبديل للاعتماد على شبكة الطرق والسكك الحديدية والموانئ الصينية، حسبما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز.

وبحسب الصحيفة الأمريكية فهذه هي المرة الأولى التي تناقش فيها أغنى دول العالم تنظيم بديل مباشر لطريق الحزام والطريق الصيني، وهي مبادرة استثمار وإقراض واسعة من قبل الصين تنتشر في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وفي أوروبا نفسها.

براءات اختراع لقاح كورونا

تطرقت القمة الأوروبية الأمريكية أيضا إلى مسائل مثل العمل على مكافحة تغير المناخ والاستجابة العالمية لوباء فيروس كورونا، خاصة بعد التزمت مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، الأسبوع الماضي، بالتبرع بمليار جرعة من جرعات اللقاح للدول ذات الدخل المتوسط والمنخفض.

ووفق “يورو نيوز” هناك استياء أوروبي من المصادقة الأمريكية المفاجئة على الإعفاءات من براءات الاختراع.

خصوصية البيانات

يقول ديفيد أوسوليفان إن هناك نزاعا آخر حول خصوصية البيانات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ، فهناك آلية تسمح بنقل البيانات بحرية على جانبي المحيط الأطلسي.

ولكن اعتبرت محكمة العدل الأوروبية العام الماضي أن النظام الحالي غير صالح، مستندة إلى أن مستوى حماية البيانات في أمريكا لا يعادل اللائحة العامة لحماية البيانات الخاصة بالكتلة. الأوروبية.

تداعيات بريكست

سيتطرق القادة خلال الاجتماع إلى التوترات المحيطة ببروتوكول أيرلندا الشمالية ، الذي هددت المملكة المتحدة بانتهاكه إذا لم تلبي بروكسل مطالب لندن بالمرونة في تدفق البضائع بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

ويسمح بروتوكول أيرلندا الشمالية بالبقاء تحت بعض قواعد الاتحاد الأوروبي في محاولة لضمان عدم وجود حدود صلبة على جزيرة أيرلندا، يسمح. لكن هذا يعني أنه يجب أن تكون هناك بيانات جمركية على البضائع التي تدخل أيرلندا الشمالية من بريطانيا، بما في ذلك عمليات التحقق من بعض المنتجات، حيث ألقت الشركات باللوم على المتطلبات الجديدة لما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بسبب النقص الأخير في بعض المنتجات في محلات السوبر ماركت في أيرلندا الشمالية[4] وفي هذا السياق، فإن السؤال الذي يثار بقوة هو: ما مآل العلاقات الأمريكية الروسية في أفق تحقيق الاستقرار الاستراتيجي في ظل التحالف الصيني -الروسي –التركي ورفض الاتحاد الأوروبي عقد حوار مع الجانب الروسي؟

الإحالات والمصادر:

[1] الاستقرار الاستراتيجي :هو مصطلح برز في القمة الأمريكية الروسية في العلاقات الثنائية  التي جمعت بين بايدن وبوتن للحد من التسلح وتخفيف مخاطره يوم الأربعاء 16 يونيو2021.

[2] مداخلة حسين الوائلي، العلاقات الروسية الأوروبية ،مشاركة في برنامج قناة RT ، يوم 26 يونيو2021.

[3] مداخلة ديمتري بابيتش، العلاقات الروسية الأوروبية ،مشاركة في برنامج قناة RT ، يوم 26 يونيو2021.

[4]  مداخلة إدموند غريب، العلاقات الروسية الأوروبية ،مشاركة في برنامج قناة RT ، يوم 26 يونيو2021.

قد يعجبك ايضا