مبدأ المعاملة بالمثل في ضوء مستجدات وتطورات العلاقات المغربية الأوروبية

المعلومة القانونية

*محمد البغدادي،

باحث في مركز الدكتوراه،

في تخصص القانون الخاص،

كلية الحقوق بطنجة.

معلوم أن مبدأ المعاملة بالمثل في العلاقات الدولية يقوم على الثقة والمصداقية والصراحة والوضوح السياسي، بما يضمن الندية والاحترام المتبادل وتبادل المصالح لكل دولة على حدى، فمن حق أي دولة أن تطلب من الدول الأخرى كنتيجة لتساويها قانوناً، احترام كيانها المادي ومركزها السياسي والإداري والاجتماعي وعقائدها الدينية وكل ما هو متعلق بسير شئونها العامة ومراعاة كرامتها واعتبارها.

وبالعودة إلى  مبدأ المعاملة بالمثل في تاريخ الشراكة المغربية الأوروبية، نجد أن المغرب منذ سنة 2008 حصل على الوضع المتقدم وتم إحداث لجنة برلمانية مشتركة وإجراء لقاء سنوي بنيويورك بواشنطن وإلى حدود 27 يونيو 2019 ، حيث أنه دخل مع الاتحاد الأوروبي إلى منعطف جديد تحت مظلة التعاون الاستراتيجي المتجدد، إلا أن هذه العلاقات المغربية الأوروبية تشوبها نوع من الغموض أو النقص نتيجة مجموعة من الاعتبارات وبفعل صعوبة الجوار وحساسة الملفات العالقة، هذا بالإضافة إلى استحضار جمود قرارات محكمة العدل الأوروبية سنة 2015، خاصة وأن المغرب عرف في السنوات الأخيرة توترات مع العلاقات المغربية الألمانية والإسبانية، حيث كشفت مراسلة من وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج يوم الاثنين 1 مارس 2021  حول تعليق كل أشكال التواصل والتفاعل والتعاون في جميع الحالات وبأيّ شكل من الأشكال مع السفارة الألمانية وهيئات التعاون الألمانية والمؤسسات السياسية التابعة لها.[1]

كما أبان بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج  المؤرخ في 6 ماي 2021 على أن ألمانيا سجلت موقفا سلبيا بشأن قضية الصحراء المغربية، إذ جاء هذا الموقف العدائي في أعقاب الإعلان الرئاسي الأميركي، الذي اعترف بسيادة المغرب على صحرائه، وهو ما يعتبر موقفا خطيراً لم يتم تفسيره لحد الآن؛ وبالمثل، تعمل السلطات الألمانية بتواطؤ مع مدان سابق بارتكاب أعمال إرهابية، ولا سيما من خلال الكشف عن معلومات حساسة قدمتها أجهزة الأمن المغربية إلى نظيرتها الألمانية؛ وبالإضافة إلى ذلك، هناك محاربة مستمرة، ولا هوادة فيها للدور الإقليمي الذي يلعبه المغرب، وتحديدا دور المغرب في الملف الليبي، وذلك بمحاولة استبعاد المملكة من دون مبرر من المشاركة في بعض الاجتماعات الإقليمية المخصصة لهذا الملف، كتلك التي عقدت في برلين.

وتأسيسا على ما سبق، وبسبب هذا العداء المستمر وغير المقبول، قررت المملكة المغربية، استدعاء سفيرة العاهل المغربي الملك محمد السادس لدى برلين للتشاور.[2]

كما عبر بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة  المقيمين بالخارج المؤرخ في 25 أبريل 2021 على أن المملكة المغربية تعرب عن أسفها لموقف إسبانيا التي تستضيف على ترابها المدعو إبراهيم غالي، زعيم ميليشيات “البوليساريو” الانفصالية، المتهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.

كما يعبر المغرب عن خيبة أمله من هذا الموقف الذي يتنافى مع روح الشراكة وحسن الجوار، والذي يهم قضية أساسية للشعب المغربي ولقواه الحية.، حيث تم استدعاء السفير الإسباني بالرباط إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج لإبلاغه بهذا الموقف وطلب التفسيرات اللازمة بشأن موقف حكومته.[3]

كما أن البرلمان الأوروبي أصدر يوم الجمعة 4 يونيو 2021 مشروع القرار المتعلق بملف القاصرين تحت عنوان خرق اتفاقية حقوق الطفل واستغلال السلطات المغربية لأزمة الهجرة في سبتة استنادا لتوجهات المادة 114 من النظام الداخلي للبرلمان الأوروبي وقرار البرلمان الأوروبي المتعلق بحقوق الطفل سنة 2019 واتفاقية حقوق الطفل واتفاقية الشراكة بين الإتحاد الأوروبي والمغرب.[4] والملاحظ بأن هذه المرجعيات المذكورة أعلاه لا تعطي الحق للبرلمان

الأوروبي في استخدام ملف القاصرين في الأزمة الحاصلة بين المغرب وإسبانيا، وذلك لأهداف سياسية بحيث تحاول الحكومة الإسبانية التشويش وتعميم النقاش والهروب إلى الأمام ومحاولة إضفاء الطابع الحقوقي على الأزمة، حيث أن البرلمان الأوروبي ليس من اختصاصه صلاحية إقحام توثرات العلاقات المغربية الإسبانية  لكونه لا يتوفر على الطابع السيادي فوق المفوضية الأوروبية والمجلس الأوروبي، هذا فضلا عن أن المغرب ليس دولة أوروبية ، وكذا اعتماد البرلمان الأوروبي من خلال كتابة منهجية القرار المتعلق بملف القاصرين على تقارير إعلامية إسبانية وعدم مراسلة البرلمان المغربي على اعتبار أنه هو المؤسسة المخاطب إليها واستفساره عن الحيثيات والمعطيات بشأن ملف القاصرين.

كما أن الحكومة الإسبانية قدمت ملتمسا للبرلمان الأوروبي يوم الخميس 10 يونيو 2021 والذي صادق عيله ، حيث تحاول من خلاله تصعيد الأزمة بين المغرب وإسبانيا داخل الاتحاد الأوروبي، خاصة وأنه تم رفضه بشكل قاطع من طرف بعض دول هذا الاتحاد باعتبار أن الأزمة  السياسية تتعلق بالبلدين، وهذا ما أكده بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج المؤرخ في 11 يونيو 2021 الذي شدد على أن القرار الذي اعتمده البرلمان الأوروبي  لا يغير من الطبيعة السياسية للازمة الثنائية بين المغرب وإسبانيا، كما أن في الواقع، لا يمكن لأحد في أوروبا أن يشكك في جودة الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في جميع المجالات، بما في ذلك الهجرة، فالأرقام الموجودة تؤكد ذلك منذ سنة 2017، مكّن التعاون في مجال الهجرة من إجهاض أكثر من 14000 محاولة هجرة غير نظامية، وتفكيك 5000 شبكة تهريب، وإنقاذ أكثر من 80500 مهاجر في البحر ومنع عدة محاولات اعتداء لا حصر لها.[5]هذا فضلا عن قيام المغرب يوم الثلاثاء 8 يونيو2021 بمنع الطرق والموانئ الإسبانية من عملية مرحبا 2021.

وفي هذا السياق، فإن السؤال الذي يثار بقوة هو: متى ستتوقف الأزمات السياسية الثنائية في ظل غياب الوضوح السياسي الثابت والحازم في الشراكة الإستراتيجية المغربية الأوروبية وضربا في الصميم مبدأ المعاملة بالمثل؟

المراجع والإحالات:

[1] مراسلة وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج المؤرخة في 1 مارس 2021.

[2] بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج المؤرخ في 6 ماي 2021

[3] بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج المؤرخ في 25 أبريل 2021.

[4] مشروع القرار البرلمان الأوروبي المتعلق بملف القاصرين تحت عنوان خرق اتفاقية حقوق الطفل واستغلال السلطات المغربية لأزمة الهجرة في سبتة المؤرخ في 4 يونيو 2021.

[5] بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج المؤرخ في 11 يونيو 2021.

قد يعجبك ايضا