الإختصاص الإستعجالي في مادة الإعتداء المادي: بين السلطات و القيود

المعلومة القانونية

*إبراهيم بعلي،

طالب باحث في سلك ماستر قانون العقار و التعمير،

الرباط – السويسي.

مقدمة

تعتبر مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة إمتياز منحه المشرع للإدارة من أجل الإدخال في ملكيتها العقارات التي تحتاجها لتنفيذ برامجها و سياستها العمرانية، و إقامة مشاريع أو منشآت تقتضيها المصلحة العامة  للمجتمع ككل، على إعتبار المبدأ المعمول به هو تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، لكن سلوك الإدارة هاته المساطر لا يتأتى بشكل إعتباطي على إعتبار أنه يمس بأقدس حق، ألا و هو حق الملكية المنصوص عليها في المواثيق الدولية و كذا دساتير الدول، مما يحتم معه إتباع الإدارة لمجموعة من الإجراءات المسطرة من قبل المشرع تفاديا المساس بحقوق الأفراد، و المشرع المغربي كان محتاطا لهذا الأمر و أصدر عدة قوانين منذ فجر الحماية الفرنسية، ليستقر الأمر في قانون 7.81 المتعلق بنزع الملكية من أجل المنفعة العامة و الإحتلال المؤقت، و الذي يوضح للإدارة الإجراءات الواجب إتباعها لنزع ملكية أرض ما و إقامة ما تريد إقامته فوقها، و ذلك من خلال مسطرة إدارية يدور في فلكها إصدار قرار المنفعة العامة ثم مقرر التخلي في حالة لم يتم تحديد العقار المراد نزعه بدقة، ثم مرحلة قضائية من خلال دعوى الحيازة و دعوى نقل الملكية، ثم لا يمكننا إغفال منح تعويض للمنزوعة ملكيته.

لكن مهما حاولت الإدارة إتخاد الحيطة و الحذر و تطبيق القانون حق تطبيق، فإنه في غالب الأحيان تخرج عن السبيل الذي رسمه المشرع لها في مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، مما يقلب الموازين من مسطرة نزع الملكية من أجل المنفعة العامة و التي تحتكم إلى مبدأ الشرعية و المشروعية و ذات مرجعية دستورية تقر بها قوانين الدول، إلى إعتداء مادي يفقد صلته بالشرعية و المشروعية و ليس له أية مرجعية دستورية.

و بهذا تجد الإدارة نفسها أمام إعتداء المادي لا سند قانوني له، برغم من أن مبدأ الشرعية يقتضي ضرورة خضوع الجميع لأحكام القانون بمفهومه العام، فالإدارة رغم ما تتوفر عليه من سلطات و إمتيازات تستهذف المصلحة العامة فهي ملزمة بإحترام القانون في كل ما تقوم به من أنشطة و مايصدر عنها من تصرفات، إلا أن تصرفاتها لا تكون دائما سليمة و قانونية، إذ أنها في بعض الأحيان، قد تلتجئ تحت ذرائع الإستعجال و تعقد مسطرة نزع الملكية و طولها إلى الإعتداء على أملاك الأفراد دون سند قانوني أو ترخيص من الملاك يبرر ذلك، مستغلة في ذلك المصلحة العامة، و يترتب على مخالفتها هذه إتصاف عملها بعدم الشرعية أو منعدم الإتصال بتطبيق النصوص التشريعية و التنظيمية.

و فيما يخص تعريف الإعتداء المادي نجد الفقيه  De laubadére   الذي عرف الإعتداء المادي بأنه ” إعتداء يقع أثناء تنفيذ الإدارة لعمل مادي يتضمن عدم مشروعية على حق الملكية أو على حرية عامة ” كما نجد كذلك من بين الفقهاء الذين عرفوا الإعتداء المادي العميد ” هوريو” حيث عرفه بأنه ” قيام الإدارة بأعمال خارج حدود سلطاتها أو خارج نطاق الإجراءات التي حددها القانون لها ” مؤكدا أنه ينطوي على إغتصاب للسلطة، كل تصرف من جانب الإدارة تعتدي من خلاله على مبدأ الفصل بين السلطات أو يصدر من شخص ليست له سلطة إصدار القرارات الإدارية أصلا.

أما الأستاذ Desgranges   فإعتبر الإعتداء المادي بمثابة ” التصرف المادي أو القرار التنفيذي المنعدم الذي تقوم به الإدارة خارج حدود سلطتها، إما لأنه محرم عليها و إما لتخلف السبب و الوقائع القانونية التي لابد من توافرها ليحفظ التصرف بطبيعته الإدارية”[1].

و بهذا فالإعتداء المادي هو خروج الإدارة عن القانون بحيث يفتقد التصرف لمبدأ الشرعية و  لا يحتكم لأي مرجعية دستورية و يجعل الإدارة تمس بحق الملكية دون موجب قانوني يبرر ذلك.

و مسألة الإختصاص القضائي في مجال الاعتداء المادي عرفت خلافات كثيرة فقها وقضاء، خاصة بعد إحداث المحاكم الإدارية بين  اتجاه يسند الإختصاص للمحاكم العادية والآخر للمحاكم الإدارية، إلا أنه أصبحت محسومة في الوقت الحالي بالنظر لتواتر الإجتهادات القضائية التي حسمت في اختصاص القضاء الإداري في مجال الاعتداء المادي، وأصبح الاختصاص  يتأرجح بين القضاء الإستعجالي وقضاء الموضوع سواء فيما يتعلق بإنهاء الاعتداء أو إيقافه أو التعويض عنه وذلك خلافا لما هو عليه الشأن في القضاء الفرنسي.

وهكذا، ففي ظل المغرب الخاضع للحماية الفرنسية، وفي فترة ما قبل إحداث المجلس الأعلى، كانت المحاكم العصرية الإبتدائية منها والإستئنافية تمارس اختصاصا مزدوجا، فهي تبت في النزاعات الإدارية إلى جانب القضايا المدنية المعروضة عليها، وذلك استنادا إلى مقتضيات الفصل الثامن من الظهير المؤرخ في 12  غشت 1913  المتعلق بالتنظيم القضائي الذي أسند لها الاختصاص بالبت في بعض القضايا الإدارية المحدودة، مستثنيا في ذلك دعاوى من أهمها دعاوى الإلغاء التي كانت ترفع أمام مجلس الدولة الفرنسي فيما يتعلق بالوظيفة العمومية فقط، وذلك بموجب ظهير 1.9.1928 ، إلى جانب الطعن بالنقض أمام هذا المجلس نفسه أو أمام محكمة النقض حسب طبيعة النزاع المعروض[2].

ويكتسي موضوع الاختصاص القضائي في مجال الإعتداء المادي أهمية قصوى، سواء تعلق الأمر بالحقل النظري أو التطبيق العملي، وهذه الأهمية اكتسبها من حق الملكية الذي يخول لصاحبه جميع السلطات من إستعمال و إستغلال و تصرف، والقانون يحميه حماية شاملة، و ذلك من خلال منع الغير من الاعتداء على ملكية الأفراد و خاصة الإدارة المعتدية، ولو تم ذلك سيجد المعتدي نفسه أمام قبضة القضاء الإداري بشقيه الإستعجالي وقضاء الموضوع من أجل إيقاف أو منع التصرف الإداري غير المشروع ورفعه والتعويض عنه، مما يظهر معه الدور الهام الذي أنيط به في حماية الملكية الخاصة ومعاملة الإدارة بنقيض قصدها وسوء نيتها، ومعاقبتها عن عدم استخدامها لإمتيازاتها المقررة بمقتضى القانون وخروجها عنه.

وانطلاقًا من ذلك يمكننا طرح الإشكالية التالية:

ما مدى مقدرة السلطة القضائية المختصة ولا سيما القضاء الإداري الإستعجالي على التصدي لهذا الخروج الصارخ للإدارة  عن حدود القانون، و ردعها  بهذف التراجع عن قيامها بهذه الاعتداءات التي تقوم بها تحت لواء المنفعة العامة؟

لمعالجة هذه الإشكالية ارتأينا الإعتماد على التصميم التالي:

المطلب الأول : إختصاص قاضي المستعجلات في مادة الإعتداء المادي

المطلب الثاني : القيود الواردة على إختصاصات قاضي المستعجلات في الإعتداء المادي

 

 

 

 

 

 

 

 

المطلب الأول: إختصاص قاضي المستعجلات في موضوع الإعتداء المادي

إستناذا على منح الإختصاص للمحاكم الإدارية للنظر في قضايا الإعتداء المادي، فإنه من المسلم به يختص رئيسها أو من يقوم مقامه بمهامه كقاضي الأمور المستعجلة و ذلك في الحدود المرسومة له من قبل المشرع، فبمجرد ما يجد الفرد – المعتدى على ملكيته – نفسه أمام خطر محدق فتبقى له الوجهة الوحيدة هي القضاء المستعجل.

و لهذا كان من المحتم به إسناد الصلاحيات لقاضي الأمور المستعجلة لدى المحكمة الإدارية من أجل فرض نوع من الرقابة على تعسفات الإدارة، و في هذا الخصوص نصت المادة 19 من قانون 90.41 على أنه ” يختص رئيس المحكمة الإدارية أو من ينوب عنه بصفته قاضيا للمستعجلات و الأوامر القضائية بالنظر في الطلبات الوقتية و التحفظية“.

و تعتبر هذه المادة اللبنة الأولى لبناء صرح القضاء الإستعجالي الإداري ببلادنا و تشكل  تجديدا مهما بالمقارنة مع مقتضيات قانون المسطرة المدنية المتعلقة بنفس الموضوع التي تنص على منح إختصاص البت في القضايا الإستعجالية في حالة ما إذا عاق الرئيس مانع قانوني لأقدم القضاة، مفترضا فيه الخبرة و الإلمام بالميدان، بالإضافة إلى إسناده صراحة هذا الإختصاص إلى رئيس المحكمة بإعتباره المختص الأصيل، و أكد المشرع أن هذا الأخير له الصلاحية في ممارسته شخصيا أو أن ينيب عنه غيره من القضاة و لم يربط ذلك بتعرض رئيس المحكمة لعائق يمنعه من ممارسة مهامه، إذ يمكن أن ينيب عنه لهذه الغاية غيره من القضاة في جميع الحالات و دون سبب معين، كما لم يشترط القدم في من ينوب عن رئيس المحكمة و إنما سمح لهذا الأخير بأن ينيب عنه من يشاء من القضاة لتولي إختصاصات القضاء المستعجل[3].

و جاء نفس الأمر في الفصل السادس من قانون 80.03 المحدث بموجبه محاكم الإستئناف الإدارية حيث نص على أنه ” يمارس الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف الإدارية أو نائبه مهام قاضي المستعجلات إن كان النزاع معروضا عليه”.

من خلال هذه المنطلقات التشريعية التي تسند الإختصاص إلى رئيس المحكمة بصفته  قاضي أمور المستعجلة، و تأكيدا على هذا نستحضر الأمر الإستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بمراكش و الذي جاء فيه “… كما أن الإجراء المطلوب يعتبر من الإجراءات الوقتية و التحفظية التي تستهذف حماية مصالح صاحب الشأن و درء خطر محدق بحقوقه و ذلك بصفة مؤقتة، و بالتالي فإن أمر البت فيه يرجع إلى قاضي المستعجلات الذي تبقى له صلاحية الإستجابة إليه متى تأكد من توفر الشروط الموجبة لذلك و منها على الخصوص قيام حالة الإستعجال و جدية الطلب [4].

فسلطات قاضي المستعجلات و هو ينظر في دعاوى الإعتداء المادي تتوسع، إذ لا يقف عند حق التحقق من وجود الإعتداء أو الكشف عنه، بل تصل إلى حد توجيه مجموعة من الأوامر إلى الإدارة، سواء الأمر بالطرد و الإفراغ من العقار المحتل ( الفقرة الأولى ) أو الأمر بوقف الإعتداء المادي و إزالته ( الفقرة الثانية ) ثم الأمر بالغرامة التهديدية (الفقرة الثالتة).

الفقرة الأولى : الأمر بالطرد و الإفراغ من العقار المحتل

فيما يخص الأمر بالطرد و الإفراغ من العقار المحتل فهو من الإخصاصات الأساسية المسندة لقاضي الأمور المستعجلة، بإعتبارها تكتسي طابع الإستعجال و من شأن التماطل حول سلوك هذا الإجراء أن يؤدي إلى تفاقم إعتداء الإدارة على حقوق الأفراد، لذا وجب التدخل السريع لتكبيل أفعالها التي لا علاقة لها  بالمشروعية و لا تستند لأي مرجعية دستورية أو قانونية تخول لها الإجراء التي أقدمت عليه.

و المشرع المغربي خول رئيس المحكمة الإدارية بصفته قاضيا للأمور المستعجلة هذا الإختصاص لردع الإدارة و الحفاظ على الملكية العقارية، و ضمان حقوق المعتدى على ملكيتهم.

و فيما يخص سلطات القاضي بخصوص الإعتداء المادي في التشريع الجزائري فهو موكول كذلك للقاضي الإداري للتصدي لحالات التعسف و ترتيب المسؤولية الشخصية للموظف الذي نفد التصرف فضلا عن مسؤولية الإدارة، فمن خلال هذا الإختصاص ينظر القاضي الإداري في مشروعية القرار الإداري و يحكم بما يدفع الإعتداء من رد الحيازة و الطرد و وقف الأعمال الجديدة و غير ذلك، و في حالة إحتلال الإدارة لملكية الغير يمكن للقاضي أن يأمر بإخلاء الأماكن، و هذا ما قضت به الغرفة الإدارية بالمحكمة العليا في إحدى القضايا ضد والي الجزائر حيث يتعلق الأمر بقرار إخلاء إتخده و نفذه الوالي فتقدمت إحدى السيدات أمام القضاء الإداري المختص من أجل إستعادة المسكن، فأتبت القضاء الإداري وجود حالة التعدي و أمر بإعادة المدعية إلى المسكن[5].

و بهذا يتضح لنا أن المشرع الجزائري سار على منوال المشرع المغربي في إسناذ الإختصاص لقاضي الأمور المستعجلة على مستوى المحكمة الإدارية، و ذلك بإصدار الأمر بطرد الإدارة المعتدية المنحرفة عن السبيل الذي يرسمها لها المشرع في النصوص القانونية، بالإضافة إلى الأمر بإفراغ العقار المحتل.

و إذا كانت الجزائر و المغرب أخدوا بالقضاء الإداري فإنه هناك من التشريعات من سلكت مسلكا مغايرا كفرنسا و سوريا، و في هذا الإطار يقول أحد الأساتذة ” لقد أجمع الفقه و إستقر القضاء على أن القاضي العادي ( قاصدا بذلك الفقه و القضاء السوريين ) هو المختص حصرا بإزالة كافة الأثار المترتبة على قيام الإعتداء المادي[6].

و في هذا الصدد كذلك قضت محكمة النقض بأن “ إحتلال ملك الغير بدون حق ولا سند من طرف الجماعة المحلية و بناء فيها بناءات تجارية و إجتماعية يشكل وضعا غير قانوني تقضي المصلحة العامة و كذلك مصلحة المالك جعل حد له في أقرب وقت، الأمر الذي يعطي لدعوى الإفراغ صبغة الإستعجال يختص قاضي المستعجلات بالنظر فيها”[7].

و مما جاء في أمر قاضي المستعجلات بمحكمة مصر الكلية، و التي أقترنت بحكمها الصادر في 18/9/938 المتضمن ما يلي ” و من حيث إن العمل الإداري الحقيقي الذي لا تشوبه شائبة في إحدى نواحيه القانونية، هو الذي يستفيد وحده من الحصانة الإدارية المقررة له“.

هذا عن الأمر بالطرد و الإفراغ من العقار المحتل فمذا عن وقف الإعتداء المادي و إزالته؟

الفقرة الثانية : الأمر بوقف الإعتداء المادي و إزالته

من الإختصاصات المسنذة كذلك لقاضي الأمور المستعجلة لدى المحكمة الإدارية نجد إصدار الأمر بوقف الإعتداء المادي و إزالته، و لعل الغاية الأساسية و فلسفة المشرع من منحه هذا الإختصاص يتجلى في وضع حد للإعتداء الذي أقدمت عليه الإدارة قبل أن يزداد الأمر سوءا و تزداد الخسارة الاحقة بالمعتدى على ملكيته.

حيث لا يغامر أي شك في كون أن صاحب المصلحة -أي الشخص المعتدى على ملكه-، يستطيع دائما أن يطلب من قاضي الأمور المستعجلة الأمر بوقف الإعتداء المادي أو إزالته متى تم الشروع فيه، أو منع القيام به إذا لم يتم بعد، كما لو أن الإدارة كانت تحضر له فقط[8].

و في هذا الإطار يمكننا الإستدلال بحكم لإدارية الدار البيضاء و الذي جاء في حيتياته ” و حيث من الثابت فقها و قضاء أن لقاضي الأمور المستعجلة الحق في وضع حد لكل عمل أو عنف أو إعتداء مادي، و ذلك بإرجاع الأطراف إلى نفس الأوضاع التي كانوا عليها قبل حدوث ذلك العمل، و يندرج ضمن ذلك قيام الإدارة بأشغال بإرادتها المنفردة لفائدة مرفق عمومي دون سلوك مسطرة نزع الملكية…[9].

و في هذا الإطار أقرت المحكمة الإدارية بمراكش بأنه “ يجوز للقاضي الإستعجالي أن يأمر برفع الإعتداء المادي الناتج عن إقامة بناء فوق ملك الغير دون سند قانوني أو بدون سبب[10]

و من خلال هذا يتضح بجلاء أنه يحق للقضاء الإستعجالي الإداري إصدار الأمر بوقف الأشغال و إرجاع الأطراف إلى الحالة التي كانوا عليها، و هي خطوة خطاها المشرع في سبيل حماية الملكية العقارية بإعتبار حق الملكية حق مقدس الذي يجب صيانته من كل إعتداء و هيمنة للسلطة نازعة الملكية و عدم إستعمال نفوذها و سلطتها، و يمكنها ممارسة إختصاصاتها لكن في حدود الصلاحيات التي أوكلها لها المشرع، فالتمسك بالإمتياز يقابله التمسك بالواجب و حين غياب الواجب لا يجوز التمتع بالإمتياز.

و جاء في أحد اوامر قاضي الأمور المستعجلة ما يلي ” حيث أنه مما لا جدال فيه أن الأشغال التي أتخدت في الأرض موضوع الصك العقاري عدد… قد وقع القيام بها بدون أن يسبقها صور قرار يبرر إحتلالها مؤقتا أو قرار يحدد توقيت تلك الأعمال.

و حيث إن إستناذ الإدارة على نظرية نزع الملكية غير المباشر لا يمكن أن يعفيها من الإجراءات المذكورة أعلاه أو يعوضها، و أن الأعمال التي تقوم بها تكتسي صفة العنف، و حيث يتعين و الحالة هذه إيقاف الأعمال [11].

و قد قضت محكمة النقض [12] بأنه ” للقضاء الإستعجالي الحق إما في وقف الإعتداء المادي و إزالته إذا تم البدء فيه أو منع القيام به إذا لم يتم بعد أو إذا كانت الإدارة تهيئ له“، كما إنتهت أيضا في قرارها صادر بتاريخ فاتح يوليوز 2009 إلى إلغاء الأمر الإستعجالي المستأنف أمامها و تصديا بالأمر برفع حالة الإعتداء المادي الواقع على عقار المستأنفين و ذلك بإخلاء الإدارة المدعى عليها منه و كل محتل بإذنها معتبرة أنه يسوغ للقضاء المستعجل وضع حد لكل إحتلال لا يرتكز على أي سبب مشروع.[13]

و يتوخى القضاء الإستعجالي الإداري من إختصاصه الأمر بإيقاف الأشغال إذا كانت في بدايتها أو إذا كانت الإدارة بصدد التحضير و التهييئ لها فقط، تحقيق أهداف منها :

  • الحد من إستمرار الأشغال التي قد يؤدي إلى إحداث تغييرات على العقار موضوع الإعتداء يصعب تداركها و إزالتها في إطار تصحيح المراكز القانونية التي يقتضيها إنهاء حالة الإعتداء.
  • حماية المال العام و ذلك لأن من شأن إيقاف الأشغال الحيلولة دون قطعها أشواطا كبيرة في وضعية غير شرعية كما أن من شأن كذلك تجنيب الإدارة مصاريف التعويضات التي تترتب عن تمام تلك الأشغال[14].

الفقرة الثالتة: الأمر بالغرامة التهديدية

جل التشريعات لن تعرف الغرامة التهديدية، تاركة ذلك للفقه القانوني، الذي يجمع أنها مبلغ من المال، يحكم القاضي على المدين بدفعه عن كل يوم أو أسبوع أو شهر، أو أي وحدة زمنية أخرى يمتنع فيها المدين عن التنفيذ العيني الذي حكم به مقترنا بتلك الغرامة، و قد عرفت بأنها مبلغ من النقود يحكم به القاضي على المدين عن كل فترة زمنية معينة لا يتم فيها تنفيذ المدين لإلتزامه عينا حيث يكون التنفيذ العيني يقتضي تدخلا شخصيا من جانبه ،كما عرفت بأنها عقوبة مالية تبعية تحدد بصفة عامة عن كل يوم تأخير و يصدرها القاضي بقصد ضمان حسن تنفيذ حكمه، أو حتى بقصد حسن تنفيذ أي إجراء من إجراءات التحقيق[15].

و من خلال هذا يمكننا تعريف الغرامة التهديدية بأنها هي سلطة خولها القانون للقاضي من أجل إجبار المدين – أو الممتنع عن التنفيذ – على تنفيذ ما تعهد به أو العدول عن ما هو يقدم عليه بغير موجب قانوني، و مثال على ذلك فرضها على الإدارة المعتدية على ملكية الأشخاص.

و تمثل الغرامة التهديدية أسلوبا من أساليب التنفيذ غير المباشر الذي يسلكه القضاء لحمل المحكوم ضدهم على تنفيذ الإلتزام أو الإمتناع عن العمل و هو الإجراء المنظم حاليا بالمغرب بمقتضى المادة 488 من قانون المسطرة المدنية و الذي يقرر على أنه ” إذا رفض المنفذ أداء إلتزام بعمل أو خالف إلتزاما بالإمتناع عن عمل أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره و أخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها…”

و قد جاء في أمر صادر عن المحكمة الإدارية بالرباط ما يلي ” و حيث إنه إذا كانت الغرامة التهديدية تؤسس في مواجهة المنفذ عليه الممتنع بدون مبرر عن التنفيذ فإقترانها بالمطالبة بإيقاف الأشغال، تجعلها سابقة لأوانها و يبقى الطلب حوله غير مؤسس و بالتالي غير مقبول[16].

و تجدر الإشارة أن القضاء العادي المغربي سبق له أن حكم بالغرامة التهديدية ضد الأشخاص المعنوية العامة، فقد إستجابت المحكمة الإبتدائية بالصويرة في حكمها الصادر بتاريخ 10 دجنبر 1992 لطلب المدعي الرامي إلى الإستحقاق و الإفراغ، و في نفس الوقت بفرض غرامة تهديدية يوميا مبلغها 20 درهما[17].

كما سبق للمحاكم الإدارية و محاكم الإستئناف الإدارية أن سارت في نفس الإتجاه، فقد أيدت محكمة الإسئناف الإدارية بالرباط الأمر الإستعجالي الصادر عن رئيس المحكمة الإدارية بفاس بوقف أشغال بناء المقاطعة الأولى لإمزورن الذي تقوم بها ولاية جهة تازة الحسيمة تاونات تحت طائلة غرامة تهديدية قدرها 1000.00 درهم عن كل يوم تأخير في التنفيذ. و مما جاء في قرار محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط ما يلي ” و حيث من جهة ثانية، و بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية يستفاذ منها بأنه إذا رفض المنفذ عليه أداء إلتزام بعمل أو خالف إلتزاما بالإمتناع عن العمل أثبت عون التنفيذ ذلك في محضره و أخبر الرئيس الذي يحكم بغرامة تهديدية ما لم يكن سبق الحكم بها، مما يدل على أن الغرامة التهديدية يمكن الحكم بها مع الطلب الأصلي ما دام أن سريانها لا يكون إلا إبتداء من تاريخ الإمتناع عن تنفيذ الأمر الصادر ضدها… [18]

و في الأخير يجب علينا التنويه عن هذا الأمر فيما يخص التشريع السوري و الذين يطلقون عليه الأمر بتوجيه التهديدات المالية، و يجمعان على قاعدة أن القضاء بشقيه العادي و الإداري لا يمكنه أن يوجه إلى الإدارة مثل هذه التهديدات في الحالات العادية، أي في تصرفاتها المشروعة، أما في حالة فعل الغصب، فالأمر على خلافه و القضاء العادي يتمتع بتلك السلطة[19].

و ما أسند الإختصاص للقضاء العادي في التشريع السوري بفرض الغرامة المالية، أسند له كذلك إختصاص الحكم بالتعويض و تأخد بعين الإعتبار الأضرار المباشرة و غير المباشرة.

 

 

 

 

 

المطلب الثاني : القيود الواردة على إختصاصات قاضي المستعجلات في الإعتداء المادي

إن سلطات قاضي المستعجلات الإداري في مادة رفع الإعتداء المادي في مجال نزع الملكية واسعة و لا يحد منها إلا بعض القيود، تتجلى أساسا في مدى إلتزام قاضي المستعجلات بالمادة 25 من قانون المسطرة المدنية ( الفقرة الأولى ) ثم يجب على الإدارة الإلتزام بالقواعد العامة للقضاء الإستعجالي ( الفقرة الثانية )  ليستقر الأمر في حماية المنشآت العامة كقيد يرد على إختصاصات قاضي المستعجلات ( الفقرة الثالتة ).

 الفقرة الأولى : مدى إلتزام قاضي المستعجلات بالمادة 25 من قانون المسطرة المدنية

ينص الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية على ” يمنع على المحاكم عدا إذا كانت هناك مقتضيات قانونية مخالفة أن تنظر ولو بصفة تبعية في جميع الطلبات التي من شأنها أن تعرقل عمل الإدارات العمومية للدولة أو الجماعات العمومية الأخرى أو أن تلغي إحدى قراراته.

ولا يجوز للجهات القضائية أن تبت في دستورية القوانين”

سيرا على منوال هذا الفصل جاء قرار لمحكمة النقض ” وضعت الإدارة المغربية بمدينة أكادير يدها على قطعة أرضية مملوكة لأحد الخواص و مسجلة بإسمه في السجلات العقارية و شيدت فوقها مدرسة لتعليم الأطفال الصغار، أي حولتها إلى مرفق عمومي يهذف إلى إشباع حاجات عامة، و بدون أن تتبع في ذلك إجراءات نزع الملكية من أجل المنفعة العامة، و قد طلب صاحب الأرض من قاضي الأمور المستعجلة أن يصدر أمرا قصد طرد الإدارة من أرضه على أساس أن تصرفها يمثل إعتداء ماديا لا يسمح به القانون، و بالفعل فقد إستجاب قضاء الأمور المستعجلة لطلب صاحب الأمر و أمر بطرد الإدارة منها، و قد أيدت محكمة الإستئناف هذا الأمر”

إلا أن المجلس الأعلى ( محكمة النقض حاليا ) نقض قرار محكمة الإستئناف و مما جاء في حيثيات قراراه “إن طرد الدولة المغربية من الأرض التي شيدت فوقها مدرسة للتعليم، و الذي أضحى مرفقا عموميا يهدف إلى تحقيق مصلحة عامة هي من صميم عمل الإدارة، من شأن الإستجابة لطلب المدعي عرقلة الإدارة العمومية للدولة وهو ما يمنع على محاكم المملكة النظر فيه ولو بصفة تبعية، و يخرج عن إختصاصها الموضوعي الذي يعتبر إختصاص قضاء الإستعجال مستمدا منه طبقا لأحكام الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية مما يعتبر معه الأمر الإستعجالي المستأنف القاضي بطرد الدولة المغربية من أرض النزاع غير مستند على أساس صحيح”[20].

و قد ألقى هذا الإجتهاد إنتقادا شديدا من لدن الفقه، و في هذا الصدد نجد الأستاذ عبد الله درميش في تعليق منه على هذا القرار و الذي قال ” أن الأعمال الإدارية التي تحظى بالحماية القانونية طبقا للفصل 25 من قانون المسطرة المدنية، هي الأعمال التي تقوم بها الإدارة في دائرة القانون، و هو ما عبر عنه المشرع بعمل الإدارات العمومية، أما الأعمال التي تصل إلى درجة الإستيلاء المادي دون سلوك مسطرة قانونية أو وجود ظروف خاصة فهي أعمال مادية تزول عنها الحماية القانونية، و يرجع النظر للإختصاص فيها للمحاكم العادية بحكم أنها حامية الحقوق الفردية و الملكية الخاصة، و يكون إختصاص هذه المحاكم واسعا لا يقتصر على التعويض و إنما خروجا على القاعدة العامة بالحكم على الإدارة بالقيام بعمل كالطرد أو الهدم أو الإمتناع عن عمل كإيقاف عملية البناء”[21]

و يرى الأستاذ محمد الكشبور أنه لا مجال لتطبيق الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية أو التمسك به في القضية التي تم عرض وقائعها أعلاه، ذلك أن الإدارة المغربية قد تصرفت تصرفا ماديا و في غير إطار شرعي تكون قد أسقطت عنها الإمتيازات التي يخولها لها القانون العام في الأحوال العادية، و بالخصوص الحماية المنصوص من خلال الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية [22].

إلا أن الإجتهاد القضائي في عمومه يسير عكس ما ذهبت إليه محكمة النقض في قرارها أعلاه، من ذلك قرارا صادرا عن نفس المحكمة و الذي جاء فيه “ ما قصده المشرع في الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية بعمل الإدارات العمومية الذي لا يجوز للمحاكم تعطيله هو العمل المؤسس على حد أدنى من المشروعية، و فيما يخص التصرف في العقارات، و بالذات أن يكون التصرف الإداري يعتمد إما على سند غير منازع فيه جديا و إما على حق تخوله المسطرة القانونية المحددة لنزع الملكية للمنفعة العامة ولا شيئ في ذلك في النازلة[23].

و سارت محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط على نفس النهج حيت قضت في أحد قراراتها بأنه ” إذا كان الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية يمنع على المحاكم عرقلة عمل الإدارة، فإن هذا المنع يخص الأعمال المشروعة التي تقوم بها الإدارة و التي لا يمكن للقضاء القيام بعرقلتها تحقيقا للصالح العام، أما إذا قامت الإدارة بعمل غير مشروع يتمثل في الإعتداء المادي على ملك الغير بدون سند قانوني، فإن الفصل أعلاه لا يمكن أن يحد من صلاحية القضاء من أجل وضع حد لهذا العمل غير المشروع[24].

و هناك أحكام و أوامر إستعجالية أخرى تصب في هذا المجرى أوردها أستاذنا أحمد أجعون، و ذلك من قبيل الأمر الإستعجالي الصادر عن إدارية مكناس عدد 2/94 بتاريخ 13 شتنبر 1994، و حكم إدارية مكناس بتاريخ فاتح يونيو 1995، و كذا إدارية وجدة في الأمر الإستعجالي الصادر عنها تحت عدد 45/96 بتاريخ 25 يوليوز 1996، و يستنتج مما سبق أن مقتضيات الفصل 25 لاتعني المحاكم الإدارية في شيئ، و بالتالي فسلطة القاضي الإداري واسعة ولا تحد منها المقتضيات السابقة، سواء بصفته قاضيا عاديا أو بصفته قاضيا للأمور المستعجلة [25].

و قد أثار هذا الفصل إنتباه كثير من الفقه و من بينها الأراء التي حاولنا بسطها أعلاه، و من خلال تفحص  فحوى هذا الفصل الذي يعتبر من وجهة نظرنا سيفا حاذا أمام المحاكم و يشكل مرتع و التربة الخصبة لمارسة الإدارة ما تشاء من إعتداء و دون بسط أي رقابة على أعمالها التي تتسم بعدم المشروعية، و إذا تم إستبعاده من مجال الإعتداء المادي فهو يحمل رسالة ضمنية تمس بحق الملكية و دسترته، و يشكل ستار على الأفعال غير المشروعة للإدارة دون أدنى رقابة.

و إذا كان الفصل 25 من قانون المسطرة المدنية يشكل قيد على القضاء الإستعجالي و دريعة للإدارة، فإنه لا يستأتر وحده بهذه المكانة فكذلك على الإدارة إحترام القواعد العامة للقضاء الإستعجالي، فما معنى هذا ؟

الفقرة الثانية : يجب على الإدارة الإلتزام بالقواعد العامة للقضاء الإستعجالي

جاء في الفصل 150  من قانون المسطرة المدنية على أنه ” يمكن أن يقدم الطلب  [ أي الطلب الإستعجالي ] في غير الأيام و الساعات المعنية للقضاء المستعجل في حالة الإستعجال القصوى سواء إلى قاضي المستعجلات أو إلى مقر المحكمة و قبل التقييد في سجل كتابة الضبط  ولو بموطنه، و يعين القاضي فورا اليوم و الساعة التي ينظر فيها الطلب .

يمكن له أن يبت حتى في أيام الآحاد و أيام العطل “.

و من خلال هذا يتضح أن المشرع يؤكد على توفر الإستعجال حتى يمكن لرئيس المحكمة الإدارية العمل بصفته كقاضيا للأمور المستعجلة و إستفادة المدعي من إمتيازات هذه السلط، حيث إن من خلال هذا الفصل يتبين أن المشرع خول للمعتدى على ملكيته إمتيازات أكثر مما يوفرها قضاء الموضوع الذي يتسم بالبطئ و التعقيد.

و لهذا لكي ينعقد الإختصاص للقضاء الإستعجالي الإداري و كما هو معلوم لا بد من توافر الشروط العامة للقضاء الإستعجالي، و هي شرط الإستعجال و شرط عدم المساس بأصل الحق أي الجوهر، و متى إنتفى هاذان الشرطان يصرح قاضي الأمور المستعجلة برفض الطلب، حيث جاء في أمر إستعجالي ما يلي ” و حيث إنه طالما أن الأشغال، وفق خلاصات الخبير لم تخترق عقار المدعية، الأمر الذي ينفي معه شرط جوهري ينعقد بمقتضاه الإختصاص للقاضي الإستعجالي للبت في الطلب و هو ضرورة توافر عنصر الإستعجال المعروف بكونه الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه، و إضافة إلى ذلك فإن الإستجابة للطلب الحالي سيترتب عنه هدر للمال العام حتى و لئن أقيم المرفق العمومي فوق عقار الطالبة غصبا بالنظر للمراحل المتقدمة للأشغال المنجزة و يبقى من حق هذه الأخيرة رفع دعوى في الموضوع للمطالبة بالتعويض في إطار المسؤولية الإدارية [26].

و جاء في قرار أخر صادر عن محكمة الإستئناف بالدوحة ما يلي ” و حيث أن الإستعجال – بإعتباره شرطا لإختصاص القضاء المستعجل الإداري منه و العادي – هو الخطر الحقيقي المحدق بالحق المراد المحافظة عليه، و الذي يلزم درؤه عنه بسرعة لا تكون عادة في التقاضي العادي و لو قصرت مواعيده، و يتوفر في كل حالة إذا قصد من الإجراء المستعجل فيها منع ضرر مؤكد يتعذر تعويضه أو بإصلاحه أو اتفاقهم، غير أن مجرد التأخير في رفع الدعوى المستعجلة لا يؤثر بذاته في طبيعة الحق المستعجل أو يغير من ماهيته و يجعله في عداد الحقوق العادية، خصوصا إن كان التأخير في رفع الدعوى يرجع إلى أن صاحب الحق يرغب في الحصول على حقه بالطرق الودية أو لأنه لم يلجأ إلى التقاضي إلا لتعنت خصمه في أداء الحق و مراوغته فيه بغرض كسب الوقت، إذ لا يعقل أن تكون الرحمة بالمدين…[27].

في نفس الإتجاه قضت الغرفة الإدارية بمحكمة النقض في قضية الوكيل القضائي للمحكمة ضد يزة بنت حسن أن مناقشة ظروف النزاع و ملابساته أكد أن الإدارة بصدد إنهاء بناء مستوصف فوق القطعة المتنازع عليها مؤكدة أن دخولها للبقعة الأرضية كان عن طريق الهبة الشيئ الذي يعني” أن عنصر الإستعجال الذي يبرر تدخل قاضي المستعجلات لم يعد قائما و أنه في مثل هذه الحالة يتعين اللجوء إلى محكمة الموضوع أي المحكمة الإدارية نفسها صاحبة الإختصاص للبت في هذا الطلب”[28].

و هذا أمر منطقي حيث أنه لا يعقل عرقلة رئيس المحكمة بقضية من القضايا وهي لا يتوفر فيها إستعجال ما أو خطر محدق بحقوق المالك، ما دام له الوقت الكافي لرفع دعواه أمام قضاء الموضوع، و ما قيل عن الإستعجال يقال عن الجدية حيث لا يمكن تضليل العدالة بأمر على أنه إستعجالي و هو غير ذلك، و نرى كذلك بأن هاذين العنصرين مترابطين مع بعضهما البعض إرتباطا وجودا و عدما، فعند وجود الإستعجال فإنه حتما سيكون أمر جدي و العكس صحيح.

الفقرة الثالثة : حماية المنشآت العامة كقيد يرد على إختصاصات قاضي المستعجلات

من القيود التي تحد من صلاحيات القاضي الإستعجالي الإداري في مادة الإعتداء المادي، مبدأ حماية المنشآت العامة، حيث يتوقف أحيانا وضع حد لحالة الإعتداء المادي و إرجاع الأمور إلى نصابها عندما يتعلق الأمر بأشغال عامة قد إنتهت بالفعل أو على وشك الإنتهاء.

و إن وضع حد لحالة الإعتداء المادي و إرجاع الأمور إلى حالها، يستتبع أحيانا الحكم على الإدارة بهدم المنشآت التي تكون قد أقامتها بطريقة غير مشروعة على الملكية الخاصة، غير أن سلطة الهدم هذه تتوقف في بعض الأحيان عندما يتعلق الأمر بأشغال عامة قد إنتهت بالفعل، أما إذا كان العمل لا يزال قائما فيها فيمكن للقاضي أن يصدر أوامره بإيقاف تلك الأعمال[29]، و بهذا يتبين لنا أن إستمرار تلك الأعمال أو إيقافها يبقى رهين بدرجة البناء التي وصلت إليها المنشآة هل هي لا زالت في طور البناء، أم إنتهت الأشغال بها، و السلطة التقديرية تبقى لرئيس المحكمة بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة.

و من التوجيهات التطبيقية التي صارت في نفس النهج ما ذهبت إليه المحكمة الإدارية بالرباط في أمر إستعجالي صادر في 29 يونيو 2011 إلى أن المنشآة العامة المحدثة على وجه سليم لا يمكن هذمها، و في هذا الإطار يمكننا الإستدلال بحكم لإدارية الدار البيضاء و الذي جاء في حيتياته ” و حيث من الثابت فقها و قضاء أن لقاضي الأمور المستعجلة الحق في وضع حد لكل عمل عنف أو إعتداء مادي، و ذلك بإرجاع الأطراف إلى نفس الأوضاع التي كانوا عليها قبل حدوث ذلك العمل، و يندرج ضمن ذلك قيام الإدارة بأشغال بإرادتها المنفردة لفائدة مرفق عمومي دون سلوك مسطرة نزع الملكية.. فإن ذلك يبقى رهينا بمدى تقدم تلك الأشغال، و حيث إن الثابت من ظاهر المستندات أن الأشغال المطلوب الأمر بإيقافها بلغت حدا مقدما و أن من شأن إيقافها هدر المال العام، الأمر الذي يتعين معه التصريح برفض الطلب[30]

و في حكم صدر عن رئيس المحكمة الإدارية بفاس بصفته قاضيا للمستعجلات جاء فيه ” … و حيث إن الإدارة المدعى عليها لما عمدت إلى وضع يدها على عقار المدعين المحفظ في إسمهم و المستحق لهم قانونا دون إتباع الإجراءات القانونية المقررة في قانون نزع الملكية أو الإحتلال المؤقت و دون أن تدلي بسند مقبول لإحتلالها للعقار المذكور، فإن فعلها يعد عملا غير مشروع و غصبا ترتب عنه أضرار بالفريق المدعي.

و ذلك خطر داهم يشكل حالة الإستعجال الني تبرر تدخل القاضي الإستعجالي لوضع حد لهذا الغصب، علما بأن عنصر الزمن لا يؤثر على توافر حالة الإستعجال إعتبارا لكون الأمر يتعلق بعقار محفظ يستغل من طرف العموم، كما أقامت بناء بنفس العقار، فإن طردها منه يترتب عنه عرقلة سير المرفق العام بشكل واضح في الوقت الذي كان على الفريق المدعي أن يتدخل قبل فوات الأوان لوضع حد للغصب المذكور عن طريق إيقاف الأشغال.

و أن ذلك التفريط منه بحقوقه المسطرية سيجعل من الطرد أمرا غير مستساغ على ضوء واقع النزاع، و من هنا ينبغي إعمال قاعدة أنه إذا تعارضت المصلحة العامة مع المصلحة الخاصة، قدمت المصلحة العامة، و لا تضار بإعتبار أحقية الفريق المدعي في طلب التعويض عن الغصب… 

و من المبادئ المقررة في القانون العام و المجمع عليها فقها و قضاء، أن المنشأة العامة متى أحدثت فعلا و دون تدخل من المالك للعقار لحماية عقاره قبل إحداثها فإنه لا يجوز إزالتها مطلقا لأنها تصبح ملكا عاما ولا يؤثر فيها ما يمكن أن ينسب للإدارة من غصب و إعتداء على العقار المقامة عليه هذه المنشأة و الذي يخول صاحبه إمكانية المطالبة بالتعويض عما لحقه من ضرر من جراء هذا الغصب و الإعتداء [31].

خاتمة

من خلال ما تقدم، فإن الإختصاص موكول للقضاء الإستعجالي الإداري وقفا و رفعا و تعويضا، و هي سلطات يستأثر بها رئيس المحكمة بوصفه قاضيا للأمور المستعجلة سواء على المحكمة الإبتدائية الإداية أو محكمة الإستئناف الإدارية و ذلك في سبيل حماية الملكية العقارية، و من خلال هذا  نحن بدورنا ندلي بدلونا في هذا المقام بالإستنتاجات التالية:

  • إن الإعتداء المادي لا يرقى إلى درجة القرار الإداري فهذا الأخير له مقوماته و أركانه التي تميزه
  • فالقرار المعدوم لا أثر له و لا يمكن للإدارة أن تتمسك به فهو يصبح عملا عاديا، و بهذا يسلب الإدارة ثوب السلطان و تصبح كأنها فرد عادي.
  • فالحكم بالإلغاء هو الذي يعدم القرار غير المشروع أما القرار المعدوم فهو غير موجود أصلا و لا حاجة بالحكم بإلغائه و لا يمكننا نعته بالقرار إطلاقا، بل هو تصرف منعدم الصلة بالشرعية و المشروعية.
  • فيما يخص الفصل 25 و الذي أثار إنتباه كثير من الفقه و من بينها الأراء التي حاولنا بسطها أعلاه، و من خلال تفحص فحوى هذا الفصل الذي يعتبر من وجهة نظرنا سيفا حاذا أمام المحاكم و يشكل مرتع و التربة الخصبة لمارسة الإدارة ما تشاء من إعتداء و دون بسط أي رقابة على أعمالها التي تتسم بعد المشروعية، و إذا تم إستبعاده من مجال الإعتداء المادي فهو يحمل رسالة ضمنية تمس بحق الملكية و دسترته، و يشكل ستار على الأفعال غير المشروعة للإدارة دون أدنى رقابة.
  • و من خلال هذا وجب إعادة تعديل المادة 8 من القانون 90.41   بشكل واضح وصريح بشكل يسند الاختصاص للقضاء الإداري في كل ما يتعلق بالاعتداء المادي وقفا ورفعا وتعويضا لتكريس الأمر تشريعيا دون أن يبقى مجرد اجتهاد قضائي و الحد من تأويلات الباحثين.

 

[1]  أحمد أجعون ” الإعتداء المادي على الملكية العقارية الإشكالات العملية و الحلول القضائية ” مطبعة المعارف الجديدة الرباط ، الطبعة الأولى 2015، الصفحة 10  و 11 .

[2] عبد الكريم بولال ،” الإعتداء المادي للإدارة على الملكية العقارية بين تنظير الفقه وتطبيقات القضاء الإداري” رسالة لنيل دبلوم الماستر في القانون العام، جامعة سيدي محمد  بن عبد الله، كلية العلوم القانونية  والاقتصادية والاجتماعية -فاس- السنة الجامعية 2013-2014 ، الصفحة 6

[3] أحمد أجعون ” الإعتداء المادي على الملكية العقارية الإشكالات العملية و الحلول القضائية ” المرجع السابق، الصفحة 102.

[4]  أمر إستعجالي صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بمراكش في الملف رقم 318/7101/2015 بتاريخ 27/01/2016 أورده رضوان قافو ” القضاء الإستعجالي في المادة الإدارية ” المرجع السابق، الصفحة 49.

[5] أحسن غربي ” نظرية الإعتداء المادي في القانون الإداري ” مقال منشور في مجلة التواصل في الإفقتضاد و الإدارة و القانون، عدد 39 سبتمبر 2014 ، الصفحة 222/ 223 .

[6]  برهان خليل زربق ” نظرية فعل الغصب الإعتداء المادي في القانون الإداري” المكتبة القانونية دمشق، الطبعة الأولى، سنة2014  الصفحة 163.

[7]  قرار محكمة النقض عدد 155 الصادر بتاريخ 1 يوليوز 1983 ملف مدني عدد 85764 بين ورثة الحاج إدريسربنيخلف و وزير الداخلية، أورده أحمد أجعون” الإعتداء المادي على الملكية العقارية الإشكالات العملية و الحلول القضائية” المرجع السابق الصفحة 104.

[8]  محمد الكشبور” نزع الملكية من أجل المنفعة العامة” دون ذكر مكان الطبع، الطبعة الثانية 2007 ،  الصفحة 125.

[9]  حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في الملف عدد 422/2005 حكم رقم 478 الصادر بتاريخ 18/10/2005 أورده طارق النالي ” دعوى الإعتداء المادي على الملكية العقارية” رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون الخاص، ماستر الدراسات العقارية، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية، طنجة، السنة الجامعية 2015/2016، الصفحة 89.

[10]  أمر إستعجالي عدد 42 بتاريخ 17/09/1996 بادو الحاج التهامي ضد المجلس البلدي للعطاوية، منشور بالمجلة المغربية للإدارة المحلية و التنمية عدد 18 . يناير – مارسر1997 الصفحة 157 و ما بعدها، أورده محمد أيت بوزيد ” حماية القاضي الإداري الإستعجالي للملكية من خلال الإذن بالحيازة و رفع الإعتداء المادي ” رسالة لنيل شهادة الماستر في القضاء الإداري، كلية العلوم القانونية و الإقتصادية و الإجتماعية، جامعة محمد الخامس بالرباط، السنة الجامعية 2014/2015، الصفحة 79.

و في نفس الإطار أصدر قاضي المستعجلات بالمحكمة الإدارية بمكناس أمرا تحت عدد 19/1996 في الملف 29/96/1 بتاريخ 14/10/1996 بإيقاف أشغال الورش و البناء المقام بهذف بناء إعدادية، و جاء في قرار صادر عنومحكمة الإستئنافرالإدارية بالرباط تحت عدد 1 بتاريخ 8/1/2007 في الملف 20/06/2 ” إن الخطر المحدق بصاحب العقار يتمثل في قيام وزارة التربية الوطنية بالبناء فوق العقار المذكور دون سلوك المسطرة القانونية مما يجعل الإجراء الوقتي المطلوب المتمثل في إيقاف الأشغال يتوفر فيه عنصر الإستعجال، لأن التمادي في البناء قد يزيد من الضرر الاحق بصاحب الملك كما أن الإجراء المطلوب لا مساس له بجوهر الحق، فيكون الإختصاص بالتالي منعقدا لقاضي المستعجلات للأمر بإيقاف أشغال البناء الجارية على أرض المستأنف عليها و له ما يبرره واقعا و قانونا….” أوامر أوردها محمد أيت بوزيد، المرجع السابق، الصفحة 79.

[11]   أمر صادر عن قاضي الأمور المستعجلة منشور بمجلة المحاماة المغربية عدد 4 الصفحة 91 أورده الأستاذ كشبور ” نزع الملكية لأجل المنفعة العامة ” المرجع السابق، الصفحة 164.

[12]  قرار محكمة النقض ( الغرفة الإدارية ) رقم 2355 بتاريخ 1989.10.09 ملف عدد 88152، أورده أحمد أجعون ” الإعتداء المادي على الملكية العقارية الإشكالات العملية و الحلول القضائية” المرجع السابق، الصفحة 105

[13]  قرار عدد 665 بتاريخ 01/7/2009 ملف عدد 1117/4/1/2006 أورده أحمد أجعون ” الإعتداء المادي على الملكية العقارية الإشكالات العملية و الحلول القضائية” المرجع السابق، الصفحة 105

[14]  في التشريع السوري كذلك تم إعطاء الصلاحية للقضاء العادي في توجيه الأوامر إلى الإدارة و هي من أنجع الوسائل و أشدها للضغط على الإدارة، إذ بواسطتها يتمكن القضاء العادي من إزالة أثار الإعتداء المادي و تم تحدد أنواع هذه الضغوط في الأشكال و المضاهر التالية :

  • الرد ( يطلق عليه في المغرب بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه )
  • الهدم.
  • الطرد.
  • الإخلاء من العقار.

[15]   آمال يعيش تمام ” سلطات القاضي الإداري في توجيه أوامر الإدارة ” دكتورة مقدمة لنيل شهادة دكتوراه في العلوم القانونية، تخصص قانون عام، كلية الحقوق و العلوم السياسية، جامعة محمد خيضر بسكرة ،الجزائر ، السنة الجامعية 2011/2012 الصفحة 311.

[16]  أمر إستعجالي رقم 167 بتاريخ 16/04/2008 في الملف رقم 137/08 محمد أيت بوزيد، المرجع السابق، الصفحة 86.

[17] ملف عدد 122 أورده أحمد أجعون” الإعتداء المادي على الملكية العقارية الإشكالات العملية و الحلول القضائية ” المرجع السابق، الصفحة 106.

[18]  أمر عدد 5175/469 في الملف عدد 4010/87 أورده أحمد أجعون ” الإعتداء المادي على الملكية العقارية الإشكالات العملية و الحلول القضائية” المرجع السابق، الصفحة 106.

[19] برهان خليل زربق ” نظرية فعل الغصب الإعتداء المادي في القانون الإداري ” المرجع السابق، الصفحة 163.

[20]  قرار عدد 117 صادر بتاريخ 24/02/1982 في الملف المدني عدد 69038 منشور بمجلة القضاء و القانون عدد 133-134 يوليوز 1984 الصفحة 195،أورده محمد كشبور ” نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ” المرجع السابق، الصفحة 164.

[21] طارق النالي، المرجع السابق، الصفحة 86.

[22]  محمد الكشبور ” نزع الملكية من أجل المنفعة العامة ” المرجع السابق، الصفحة 165.

[23]  طارق النالي، المرجع السابق، الصفحة 86.

[24] قرار محكمة الإستئناف الإدارية بالرباط عدد 105 بتاريخ 12 مارس 2007 في  الملف رقم 80/06/02 أورده أحمد أجعون ” الإعتداء المادي على الملكية العقارية الإشكالات العملية و الحلول القضائية ” المرجع السابق، الصفحة 110.

[25]   أوامر و قرارات  أشار إليها الأستاذ أحمد أجعون ” الإعتداء المادي على الملكية العقارية الإشكالات العملية و الحلول القضائية ” المرجع السابق، الصفحة 109.

[26]  أمر إستعجالي صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بمراكش في الملف رقم 435/7101/2015 بتاريخ 13/04/2016، أورده رضوان قافو ” القضاء الإستعجالي في المادة الإدارية” المرجع السابق الصفحة 49 و 50 .

[27]   قرار صادر عن محكمة الإستئناف بالدوحة بتاريخ 5 يناير 1995 رقم القضية 194/1994 ، مجموعة المبادئ القانونية و الأحكام الصادرة عن محكمة الإستئناف، مطابع علي بن علي 2004 الصفحة 551 و ما بعدها أشار إليه محمد الكشبور ” الإعتداء المادي الإداري على الملكية العقارية ” المرجع السابق، الصفحة 85 ، الهامش 130.

[28]    قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض رقم 1650 بتاريخ 4/12/1997 أورده أحمد أجعون ” الإعتداء المادي على الملكية العقارية الإشكالات العملية و الحلول القضائية” المرجع السابق، الصفحة 116.

[29]  أحمد أجعون ” الإعتداء المادي على الملكية العقارية  الإشكالات العملية ز الحلول القضائية” المرجع السابق، الصفحة 117.

[30]  حكم المحكمة الإدارية بالدار البيضاء في الملف عدد 422/2005 حكم رقم 478 الصادر بتاريخ 18/10/2005 أورده طارق النالي ” دعوى الإعتداء المادي على الملكية العقارية”، المرجع السابق، الصفحة 89.

[31]  أمر إستعجالي عدد 92/95 المؤرخ في 11/7/1995 في الملف عدد 62/95 منشور بمجلة الحقوق المغربية دلائل ” الأعمال القضائية ” الدليل الثاني ماي 2005 الطبعة الأولى، مطبعة الأهداف بالرباط، الصفحة 159 ، أورده طارق النايل، المرجع السابق، الصفحة 88.

قد يعجبك ايضا