القضاء الإداري بين تطبيق القانون للإدارة واستمرار في الحفاظ على حق المواطن

المعلومة القانونية

*محمد البغدادي

  • باحث في مركز الدكتوراه، تخصص القانون الخاص، كلية الحقوق بطنجة.

تشكل إحداث المحاكم الإدارية بالمملكة المغربية من جهة، محطة هامة في تاريخ النظام القضائي المغربي إلى جانب الغرفة الإدارية بمحكمة النقض، ومن جهة أخرى طفرة إيجابية وقفزة نوعية في تاريخ المغرب المعاصر، وقد كان وراء هذه المبادرة الحقوقية الكبرى الإرادة السامية للملك الراحل الحسن الثاني، و جاء إنشاء هذه المحاكم في سياق توطيد دولة الحق والقانون وتوفير الضمانات القضائية بشأن العلاقة بين المواطن صاحب الحق والإدارة مطبقة القانون، وذلك انسجاما ما تقتضيه متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي يعرفها المغرب المعاصر.

ونظرا لأهمية الواقع العملي في إبراز الدور الايجابي للقضاء الإداري في ترسيخ مبدأ المشروعية وتكريس العديد من القواعد والمبادئ القانونية الهامة في الميدان الإداري، فإن الإشكال الذي يثار بقوة: كيف حافظ القضاء الإداري عبر درجاته على حق المواطن والاستمرار في الحفاظ عليه وحق الإدارة كذلك في أن تكون إدارة قوية متمسكة بالقانون؟.

ومن أهم القواعد والمبادئ القانونية الهامة في الميدان الإداري التي على الإدارة أن تلتزم بها وعلى القضاء الإداري أن يسير في نهجها من خلال تطبيق القانون والمبادئ العامة للقانون ومبادئ العدل والإنصاف والمبادئ الدستورية تحقيقا للأمن القضائي وحماية لحق الفرد أو الموظف الذي يتعامل مع الإدارة هي:

-بالنسبة للمسؤولية الإدارية التي جسدت مبدأ المشروعية، فإن القضاء الإداري تم إعطاء قواعد وهي أنه تم الحكم على الدولة فيما يخص ضحايا على الأعمال الإرهابية، وذلك ضمانا لحق الضحية على أساس نظرية المخاطر، حفاظا على حقوق هؤلاء الضحايا وتغطية الأضرار، شريطة إثبات الضرر والعلاقة السببية دون مناقشة الخطأ من طرف الإدارة  أو الدولة في قضايا الأعمال الإرهابية، تفعيلا لنهج القضاء الإداري سياسة ما تسمى بأنسنة المسؤولية.

-أما بخصوص المسؤولية الطبية، فإن القضاء الإداري حفاظا على السلامة الصحية للمواطن المغربي، اعتبر على أن الطبيب هو موظف، عليه أداء الخدمة المنوطة به وفق لنظام طبي دقيق، وعليه الاهتمام بالمريض، والاعتناء بصحته، وبذل جميع المجهودات، وبالتالي حكم بتعويض الدولة لكون مرفق الصحة ارتكب خطأ تجلى في عدم القيام على وجه المطلوب.

-بخصوص القرار الإداري، فإن السلطة الإدارية وهي بصدد تحقيق المصلحة العامة، لابد لها من سلوك قنوات للوصول إلى هذه المصلحة، وهذه القنوات عبارة إما عن القرارات الإدارية أو العقود الإدارية أو أعمال مادية صرفة تستدعيها الضرورة لإشباع الحاجات العامة للمجتمع، حيث يتدخل القضاء الإداري لوزن هذا القرار بميزان المشروعية للوصول إلى التوازن بين حماية هذا الفرد أو المواطن في تعامله مع الإدارة والتي عليها أن تكون إدارة قوية متمسكة بالقانون، وهذا ما نسميه كذلك بمبدأ المشروعية، فهو ركيزة أساسية في بسط الرقابة القضائية على أعمال الإدارة وفي بناء النظام القانوني للدولة ككل.

-وعلاقة بموضوع المنفعة العامة ، حيث انتهت محكمة النقض لأول مرة إلى إلغاء مرسوم إعلان المنفعة العامة والتي قررت:”إذا كانت الإدارة تتوفر على السلطة التقديرية في خصوص المنفعة العامة التي تسعى إلى تحقيقها من وراء نزع الملكية، فإن ذلك لا يمنع القضاء الإداري من مراقبة مضمون وأعراض المنفعة العامة المذكورة وما إذا كان المنزوع ملكيته كما هو الحال في نازلة الحال يسعى إلى تحقيق نفس الأغراض والأهداف بموافقة الإدارة المسبقة لإنجاز هذا المشروع وتركها تحقق جزءا منه وتنفق مبالغ هامة لا يمكن أن تسعى إلى نزع الملكية للمنفعة العامة لتحقيق نفس الأغراض، وإلا فإنها تكون مشتطة في استعمال السلطة.”

كما قررت ذات المحكمة أن الاتجاه الحديث في القضاء الإداري لا يكتفي بالنظر إلى المنفعة المتوخاة من نزع الملكية نظرة مجردة، بل يتجاوز ذلك إلى النظر في ما يعود به القرار من فائدة تحقق أكبر قدر من المصلحة العامة، ويمكن القاضي الإداري في هذا المجال أن يوازن بين الفوائد التي يستحقها المشروع المزمع إنشاؤه والمصالح الخاصة التي سيمس بها، حيث يمكن تقسيم قرار نزع الملكية في ضوء مزاياه وسلبياته والمقارنة بين المصالح المتعرضة بين الإدارة والخواص في إطار المشروعية المخولة للقاضي الإلغاء عن طريق إجراء من إجراءات التحقيق مثلا.”

وفي إطار رقابته لتصميم التهيئة باعتبار أن النص القانوني المصادق على مشروع تصميم التهيئة يعتبر بمثابة إعلان للمنفعة العامة واعتبارا لأن الإدارة وما أثبته الواقع العملي والإحصاءات الثابتة بأن الإدارات والجماعات تفرط في تقدير الحاجيات المرتبطة بالتهيئة الحضرية والمبالغة في إدراج عدد كبير من التجهيزات العامة مقابل تواضع نسب التنفيذ.

-كما كرست محكمة النقض في إطار دعوى الاعتداء المادي مجموعة من القواعد والمبادئ التي تضمن لمنزوع ملكيته التعويض العادل وسرعة استفائه لذلك التعويض هي:

– الثمن الاحتياطي المقترح من طرف اللجنة الإدارية للتقييم غير ملزم للقضاء الإداري الشامل، وإنما يخضع التعويض لسلطته التقديرية.

-تدخل القضاء الإداري الشامل لرفع اليد عن التعويض المودع لصندوق الإيداع والتدبير إذا ثبت اشتطاط الإدارة في وضع يدها عليه.

-اعتبر القضاء الإداري الشامل أن الاستيلاء على العقار دون أن يكون مرتبطا بأي إجراء من إجراءات نزع الملكية يعتبر نزعا للملكية، وكذلك الحال عند عدم الإدلاء بما يفيد استكمال إجراءات نزع الملكية وكذلك عندما تقوم الإدارة بإجراءات نزع الملكية بعد أن تضع يدها على العقار فاعتبره القضاء الإداري وعلى رأسه محكمة النقض صورا من صور الاعتداء المادي.

-يتم تحديد التعويض العادل عند تاريخ تقديم الطلب.

-دعوى التعويض لا تخضع للتقادم.”

ولذلك أعتقد أن رقابة القضاء الإداري المغربي يجب أن تتجاوز حتى مبدأ الموازنة وتعتمد أساسا أخرى تراقب من خلالها جدية تصميم التهيئة وإمكانية تنزيله والإمكانيات المادية للجماعات المعنية به.

-وقد استقر القضاء الإداري كذلك على اختصاصه بالنزاعات المتعلقة بمحو أو إنهاء آثار تصميم التهيئة بعد مرور 10 سنوات وبإلغاء القرارات التي تذهب خلافا ذلك.

-كما استبعدت محكمة النقض تطبيق المادة 90 من قانون رقم 12.90 المتعلق بالتعمير التي نصت على أنه يبقى لتصاميم التهيئة التي تكون قد تمت الموافقة عليها في تاريخ نشر هذا القانون مفعولها المنصوص عليه في ظهير 30 يوليوز 1952 في شأن التعمير إلى نشر النص الموافق بموجبه على تصميم التهيئة الجديد التي تحل محلها.

واعتبرت أن الفصل 13 من القانون القديم لم يكن يتضمن ما يدل بأي شكل بأن تصميم التهيئة المصادق عليه يكون له آثار دائمة بدوامه. وقد منح المشرع للإدارة كذلك الحق في احتلال العقارات الخاصة بالأفراد بصفة مؤقتة.

وبالتالي ، فإن تدخل القضاء الإداري الشامل باعتباره الوسيلة التي تتيح للقضاء الإداري، ليس فقط مجرد بحث مدى مشروعية العمل الإداري، وإنما يتجاوز ذلك إلى تصحيح وحسم المركز القانوني الذاتي للطاعن، وذلك بتعديل العمل الإداري أو تبديله إذا ثبت بطبيعة الحال عدم مشروعيته أو صحته.

قد يعجبك ايضا