تأثير التحول الرقمي على التمويل التشاركي

المعلومة القانونية

*محمد الحليمي

  • طالب باحث في سلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بطنجة.

ساهمت الطفرة الحالية في التقنيات المالية الجديدة والخدمات الرقمية والمنصات الإلكترونية التجارية إلى تسهيل وتيسير استمرارية المعاملات المالية في ظل الأزمة الصحية، كما ساعدت هذه الأخيرة في تسريع جهود الدولة للاستفادة من التكنولوجيا المالية وتعزيز التحول الرقمي في المجال المالي من خلال المدفوعات الإلكترونية، وزيادة استخدام بطاقات الائتمان، والمحافظ الإلكترونية على الهواتف المحمولة، والخدمات المصرفية الهاتفية وغيرها من الخدمات المالية المقدمة الآن.

ولما كـان الـقـطـاع المصـرفي يـشـغـل حـيـزًا كـبـيـرًا في أهـمـيـتـه بـين الـقـطـاعـات الاقـتـصـاديـة الاخـرى كـانت زيـادة اعـتـمـاده عـلـى الانـتـرنـت (أو مـا يـسـمـى بـالـرقـمـنـة) أدعـى وأحـرى بـحـيـث تـشـمـل خـدمـاتـه ومـنـتـجـاتـه وعـمـلـيـاتـه كـافّـة.

ويمكن القول بأن كافة الأنشطة التي تستخدم البيانات الرقمية هي جزء من الاقتصاد الرقمي، وبالتالي يمكن أن يشكل الاقتصاد الرقمي جزءا أساسيا في الاقتصاديات الحديثة لمعظم اقتصاديات  الدول.

وبما أن  المؤسسات المالية التشاركية بـاعـتـبـارهـا جـزءا مهما في الـقـطـاع المصرفي  فـإنّ مـهـمـة الـرقـمـنـة عـلـيـهـا  كانت أصـعـب مـن نـظـيـرتـها (المصارف العادية )، وذلـك لأن مـنـتـجـاتـهـا قـائـمـة عـلـى الـتـصـرفـات الـشـرعـيّـة مـن بـيـع وإجـارة ورهـن وغـيـر ذلـك، كـمـا أن هـذه الـتـصـرفـات مـحكـمـة بـضـوابـط لازمة لـبـقـائـهـا في دائـرة الـشـرعـيـة مـن تـسـلّـم وتـسـلـيـم وغيرها، وكل ذلك يلزم الحذر والدقة في رقمنة هذه المنتجات حتى لا تخرج عن شرعيتها.

والتمويل التشاركي لحق الركب ولم يبق بمعزل عن هذا التطور وتعامل هذا الوافد الجديد بكل ما يتضمنه من تحديات وإشكالات وفق مبادئ الاقتصاد الاسلامي المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.

وقد جاءت هذه الدراسة لتكشف عن الجوانب التي تبني تفاعل قطاع المال الإسلامي مع منظومة الاقتصاد الرقمي من خلال الإجابة عن السؤال المحوري التالي:

كيف يمكن أن تعزز رقمنة القطاع المصرفي من تنامي التمويل التشاركي في ظل الأزمة الصحية وما بعدها؟

ولتحقيق أهداف هذا البحث حاولت تقسيم هذا البحث إلى محورين:

حيث سأتطرق في المحور الأول إلى مفهوم الاقتصاد الرقمي وتأثيره على القطاع البنكي.

وأسلط الضوء في الثاني على متطلبات رقمنة صيغ التمويل التشاركية وصورها.

المحور الأول : مفهوم الاقتصاد الرقمي وتأثيره على القطاع البنكي

يعد ظهور هذا النوع من الاقتصاد إلى التطورات التي شهدها الاقتصاد العالمي، و بالرجوع إلى تعريف الاقتصاد الرقمي، فقد تعددت الآراء حول إيجاد تعريف شامل له.

فيقصد بالاقتصاد الرقمي ” ذلك التفاعل والتكامل والتنسيق المستمر بين تكنولوجيا المعلومات والاتصال من جهة، وبين الاقتصاد القومي والقطاعي والدولي من جهة أخرى،  بما يحقق الشفافية والفورية  لجميع المؤشرات الاقتصادية المساندة لجميع القرارات الاقتصادية والتجارية والمالية في الدولة خلال فترة ما  “.[1]

كما يعرف كذلك بأنه ذاك النوع من الاقتصاد الذي يقوم في مجمل عملياته على المعلومات، ويستند في أغلب خطواته على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي ألغت كل الحدود والحواجز أمام تدفق المعلومات والسلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال من وإلى أي نقطة في العالم، وفي أي وقت [2].

ويتميز الاقتصاد الرقمي بدخول تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في مختلف الأنشطة الاقتصادية. ويسمح  بإرسال واستقبال أي مبلغ من العملات الإلكترونية لحظياً في أي زمان ومكان. كما يوفر الاقتصاد الرقمي ميزة الإفصاح والشفافية والحياد لجميع المعلومات الخاصة بمعاملات العملة الرقمية.

ومن أهم مميزاته أن تتحول البضائع والمنتجات من الشكل المادي المحسوس إلى الشكل الرقمي،[3] حيث يسهل تخزينها في شكل أرقام تتجسد في عدة مجالات، لذلك ينبغي النظر إلى المحتوى الرقمي ضمن سياق البيئة والآليات الهادفة إلى استحداثه وتخزينه وإيصاله وتقديمه، بل يجب أن يتجاوز فهمنا للمحتوى الرقمي إلى ما هو أبعد من التكنولوجيا لتشمل البعد القانوني.

وفي غمرة هذه الأزمة الصحية التي ما زلنا نعيش فصولها، فقد ساهمت هذه الجائحة بشكل كبير في إدخال الرقمنة في عدة مجالات، وتم تسريعها في مجالات أخرى. ومن أجل تدبير عدد كبير من شؤون الحياة اليومية لجأت فئات واسعة من المجتمع لحلول رقمية سواء تعلق الأمر بالتعليم عن بعد، أم بتدبير سير بعض الخدمات الإدارية أو اقتناء الحاجات اليومية من خلال خدمات المنصات والتطبيقات التجارية الإلكترونية، أو المعاملات البنكية . [4]

وقد تأثر القطاع البنكي بهذا التحول لكن بشكل متفاوت، فالبنوك التقليدية كانت أكثر استعدادا للتحول الرقمي لانهم مهندسو إنشائها . [5]

أما بخصوص القطاع المصرفي ذو الطابع التشاركي فهو بدوره تأثر بالتحول الرقمي رغم كونه لم يعمل بكامل طاقته بعد، ولم تصل منتجاته الموافقة مع الشريعة الإسلامية إلى علم المهتمين بخدمات هذا النوع من التمويل.

وفي حالة توظيف التقنيات الحديثة المتعلقة بالإعلام والاتصال فسيستقطب القطاع المصرفي التشاركي شريحة كبيرة من المشمولين بالخدمات المصرفية خلال السنوات القادمة.

كما ساهمت التكنولوجيا المالية في تقليل تكاليف المعاملات الشرعية للبنوك التشاركية، حيث أن تكاليف هذه الاخيرة عاليا نوعا ما إذا ما قارناها بالبنوك التقليدية بسبب نظام التملك والحيازة. ولهذا فرقمنة هذه المعاملات ستساهم بشكل كبير في منافسة البنوك الكلاسيكية باعتبار أن معاملاتها شرعية وتكاليفها أقل.[6]

هذا التأثير ليس له طابع إيجابي فقط، فله سلبياته كذلك من بينها:

كما مر معنا سابقا فإن الرقمنة ستساهم كثيرا في خفض التكاليف، لكن هذا التخفيض سيكون سيفا ذو حدين، فالبنوك التي ستتحول إلى الرقمنة وتعتمد على الذكاء الاصطناعي في معاملاتها، ففي إطار تخفيض تكاليفها ستستغني عن عدد كبير من الموظفين، وبالتالي سيكون هنالك اختلال اقتصادي واجتماعي مهم.

ولنجاح هذه التجربة وعدم اختلال الموازين الاقتصادية والاجتماعية سنرى في المحور الثاني متطلبات نجاح هذا النموذج الاقتصادي المتميز.

المحور الثاني : متطلبات رقمنة صيغ التمويل التشاركية وصورها.

من أجل رقمنة القطاع البنكي بصفة عامة والمصارف التشاركية بصفة خاصة فقد دعت الضرورة لاستكمال المسار التشريعي والقانوني لهذه المؤسسات، لأن التطور التكنولوجي المتسارع في الميدان المالي يجب أن يواكبه تطور تشريعي لايقل عنه، لهذا وجب تحديث الترسانة القانونية المنظمة لهذا الميدان، كما أنه ولنفس الغرض فيلزم إعادة صياغة عقود منتجات التمويل التشاركي بما يناسب البيئة التطبيقية للمنتجات الرقمية، ويحفظ حقوق المتعاملين من الضياع، واتباع المنهج الاستباقي وجميع الوسائل التي من شأنها حماية الأنظمة المالية الإلكترونية انطلاقًا من مقصد حفظ المال في الشريعة الإسلامية  [7].

و باعتبار أن البنوك التشاركية قائمة في أساس بنيانها على الالتزام بمعاملات متوافقة مع الشريعة الإسلامية، فإنه لا يمكن أن يطرح أي منتج بدون أن يمر بالرقابة الشرعية . [8]

لكن هذه الرقابة لا تصح إلا لمن كان مؤهلا لذلك، وتحدي هذا القطاع يكمن في تكوين وتدريب موظفي هذه الهيئات الرقابية في مجال التكنولوجيا المالية، بحيث يصبحون أكثر قدرة على تطوير المزيد من الصيغ التمويلية ذات الطابع الرقمي.

كما أنه لإنجاح هذا المشروع فمن الضروري إنشاء منصات رقمية تتفق ونوعية هذه الصيغ التشاركية، مع اتسامها بالدقة والسرعة.

بالإضافة إلى تكوين الموظفين في المجال الرقمي واستفادتهم  من التقنيات الحديثة في مجال الابتكار في صناعة التمويل الإسلامي.

لكن و بالرجوع إلى ما تم ذكره فإن هذه المتطلبات إن لم يصاحبها العمل على حماية المعطيات الرقمية لزبناء هذه البنوك، لأن تزايد الجرائم السيبرانية أفرز نوعا من عدم الثقة في إجراء المعاملات البنكية بطريقة رقمية . [9]

وبما أن التمويل التشاركي في المغرب قائم على منتوج المرابحة أكثر، فقد تأثرت هذه الصيغة بالتحولات الرقمية في القطاع البنكي، وخصوصا أن الأزمة الصحية التي أرخت بظلالها على دول العالم ساهمت بشكل كبير في تسريع تنزيل التكنولوجيا المالية المتعلقة بالصيرفة التشاركية  . [10]

ولهذا فالنوافذ التشاركية أصبحت تتعامل مع زبنائها بمنصات رقمية،[11] بحيث يعبر الزبون عن رغبته في شراء منزل أو سيارة أو أي سلعة اخرى…

ويختار المنتوج الذي يرغب به، ويرسل الطلب إلى مؤسسة الائتمان، فإذا رأى البنك أن بيانات الزبون مكتملة، وشروط العقد متوفرة فإنه يعطي الموافقة المبدئية للزبون من أجل إتمام العقد النهائي.

خاتمة :

يتبين مما سبق ذكره  أن الاقتصاد الرقمي يضع الشبكة العنكبوتية وكل ما يتعلق بها من تكنولوجيا المعلومات في خدمة النظام المالي الدولي، ويشجع على الابتكار ويركز على تكوين العنصر البشري  وتمكينه من فهم مجال التكنولوجيا المالية.

وقد ساهم كذلك في معالجة المشاكل التي تتعلق بالنظام البنكي العالمي، فضلا عن النظام البنكي التشاركي، وهو ما يملي على الهيئات الائتمانية التشاركية أن تتحول إلى رقمنة مختلف عملياتها بالكامل لتتماشى مع متطلبات العصر، وأن لا تفقد قدرتها التنافسية مع الهيئات الائتمانية التقليدية، ويصبح اللجوء إلى هذه الأخيرة عند الضرورة التي لا محيد عنها.

قائمة المراجع :

  • فريد النجار- الاقتصاد الرقمي- الطبعة لأولى – الدار الجامعية- مصر 2007
  • زهير غراية مستقبل صناعة التمويل الإسلامي في ظل التوجه العالمي نحو الاقتصاد الرقمي– جامعة الجوف المملكة العربية السعودية –تاريخ النشر 31/12/2019
  • الحسين اكو- جائحة كورونا وسؤال التحول الرقمي بالمغرب- – مؤلف جماعي – عن المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات
  • سامر قنطقجي- البنوك المركزية أكثر استعدادا للثورة الرقمية لانهم مهندسو إنشائها، وجهة نظر أوروبية حول العملة الرقمية للبنك المركزي- مجلة الاقتصاد الإسلامي العالمية – العدد 99 شهر آب/أغسطس
  • مراد بوضاية- المصارف اللإسلامية الرقمية- رؤية مقاصدية- مجلة بيت المشورة العدد 11 دولة قطر ـ أكتوبر 2019
  • منتصر عبد الله الزيات- رقمنة صيغ التمويل الإسلامي في ظل أزمة كورونا- العدد رقم 100- شتنبر 2020
  • موقع أمنية بنك تاريخ الولوج الاثنين 29 مارس 2021
  • https://www.umniabank.ma
  • عدنان مصطفى البار- الإقتصاد الرقمي- منتدى أسبار الدولي- تاريخ الولوج 24/03/2021 الساعة 12: 44

 

 [1]    فريد النجار- الاقتصاد الرقمي- الطبعة لأولى – الدار الجامعية- مصر 2007

 [2] عدنان مصطفى البار- الإقتصاد الرقمي- منتدى أسبار الدولي– تاريخ الولوج 24/03/2021 الساعة 12: 44

[3] زهير غراية مستقبل صناعة التمويل الإسلامي في ظل التوجه العالمي نحو الاقتصاد الرقمي– جامعة الجوف المملكة العربية السعودية –تاريخ النشر 31/12/2019 –ص : 265

 [4]  جائحة كورونا وسؤال التحول الرقمي بالمغرب- الحسين اكو- مؤلف جماعي – عن المركز المغربي للأبحاث وتحليل السياسات- ص : 89

[5]   البنوك المركزية أكثر استعدادا للثورة الرقمية لانهم مهندسو إنشائها، وجهة نظر أوروبية حول العملة الرقمية للبنك المركزي- سامر قنطقجي- مجلة الاقتصاد الإسلامي العالمية – العدد 99 شهر آب/أغسطس- ص : 45

[6] زهير غراية مستقبل صناعة التمويل الإسلامي في ظل التوجه العالمي نحو الاقتصاد الرقمي  مرجع سابق- ص: 275

[7]  مراد بوضاية- المصارف اللإسلامية الرقمية- رؤية مقاصدية- مجلة بيت المشورة العدد 11 دولة قطر ـ أكتوبر 2019 –ص : 131

[8] منتصر عبد الله الزيات- رقمنة صيغ التمويل الإسلامي في ظل أزمة كورونا- العدد رقم 100- شتنبر 2020-ص:  130

 مراد بوضاية- المصارف اللإسلامية الرقمية- رؤية مقاصدية- مجلة بيت المشورة العدد 11 مرجع سابق – ص : 132[9]

[10]  منتصر عبد الله الزيات- رقمنة صيغ التمويل الإسلامي في ظل أزمة كورونا- العدد رقم 100- مرجع سابق -ص:  131

[11] موقع أمنية بنك تاريخ الولوج الاثنين 29 مارس 2021

https://www.umniabank.ma/murabaha/ar/outils

قد يعجبك ايضا