القطاع غير المهيكل في المغرب: بين إكراهات إدماج الاقتصاد الوطني وتحديات ضمان الحماية الاجتماعية

المعلومة القانونية

*محمد البغدادي،

باحث في مركز الدكتوراه،

في تخصص القانون الخاص،

كلية الحقوق بطنجة.

لا شك أن القطاع غير المهيكل أصبح محط الأنظار واهتمام ملكي خلال السنوات الأخيرة، وذلك بالنظر أولا إلى أهمية هذا القطاع ودوره الأساسي في إنتاج الثروة وتوزيعها بشكل عادل بين مختلف الشرائح الاجتماعية ، وبالنظر ثانيا إلى موقعه داخل النسيج الاقتصادي المغربي، خاصة وأن زمن كورونا أثبت على ضرورة إدماج هذا القطاع  ضمن القانون الإطار رقم 09.21 المتعلق بالحماية الاجتماعية المؤرخ في 23 مارس 2021، حيث ينقسم إلى نوعين رئيسيين:

1-القطاع غير المهيكل المعيشي ، ويتضح ذلك من خلال تنظيم اللوائح والقوائم المستفيدين من التعويضات من صندوق كوفيد 19 المستجد كالحرفيون والتجار الصغار والباعة المتجولين وأنشطة خدماتية معينة ويصل عددهم تقريبا 5 مليون شخصا.

2-مقاولات تعمل في واضحة النهار من أجل التصدير وتتعامل بعقود المناولة  سواء تعلق الأمر مع شركات كبرى أو مع شركات خارج المغرب، حيث تشغل عشرات العمال، وبها مئات وآلاف ملايين من الدراهم.[1]

فبالنسبة للمعطيات الإحصائية، ساهم القطاع غير المهيكل في تشغيل حوالي 2,4 مليون شخص سنة 2013 ، وبحوالي 12 % من الناتج الداخلي الإجمالي.

وفي إطار العمل هيكلة هذا القطاع، أحدثت الحكومة السابقة نظاما خاصا بالمقاول الذاتي يتضمن تسهيلات وتحفيزات من أجل مساعدة الشباب على تأسيس مقاولات وتيسير ولوجهم إلى سوق الشغل، بالإضافة إلى تشجيع القطاع غير المهيكل على الاندماج في النسيج الاقتصادي المنظم حتى يتمكن من الاستفادة من المزايا الاجتماعية والجبائية والولوج إلى التمويلات المتاحة. ومنذ الانطلاق الفعلي لهذا النظام في يناير  2016، تم إحداث حوالي 30.000 مقاولة ذاتية.

ولتعزيز هذه الانجازات، فإن الحكومة واعية بكون القطاع غير المهيكل يعتبر أكثر تعقيدا، حيث يتداخل فيه مجموعة من العوامل، منها ما هو مرتبط بالإصلاح الضريبي وبالولوج إلى التمويل وبالسياسة التجارية.

لذلك، فإن البرنامج الحكومي يقترح اعتماد وتفعيل استراتيجية وطنية لتشجيع اندماج القطاع غير المهيكل في النسيج الاقتصادي الوطني بشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتقوم هذه الإستراتيجية على ترصيد الحصيلة الإيجابية لمبادرة تشجيع الانخراط في “نظام المقاول الذاتي” وتأخذ بعين الاعتبار البعدين الاقتصادي والاجتماعي. وينتظر أن يتم مواكبة انتقال 100 ألف مقاول ذاتي إلى القطاع المهيكل في غضون السنوات الأربعة المقبلة.

وحسب الحكومة المغربية خلال سنة 2017، فإنها عازمة كل العزم  على امتصاص القطاع غير المنظم الذي لا يمكن أن يتم بمجرد اتخاذ تدابير ضريبية قد لا يكون لها وقع كبير، بل يجب أن يتم استيعابها في سياق التحول الهيكلي للاقتصاد الوطني بما يمكن من زيادة إنتاجيته الإجمالية، وذلك من خلال تحسين مناخ الأعمال، ولاسيما فيما يخص تسجيل إنشاء المؤسسات، وإصلاح قانون الشغل، وتعزيز التحفيزات الضريبية لتشجيع الانتقال من القطاع غير المهيكل إلى القطاع المهيكل، وتيسير الحصول على التمويل، بما في ذلك تحسين نظام المعلومات الخاص بالقروض، وتحفيز الشباب على إحداث المقاولات الذاتية.[2]

وفي هذا السياق، ترأس العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم  الأربعاء 14 أبريل 2021 بشأن  حفل إطلاق تنزيل مشروع تعميم  الحماية الاجتماعية وتوقيع الاتفاقيات الأولى المتعلقة به، حيث سيستفيد  من هذا الورش الملكي، في مرحلة أولى، الفلاحون وحرفيو ومهنيو  الصناعة التقليدية والتجار، والمهنيون ومقدمو الخدمات المستقلون،  الخاضعون لنظام المساهمة المهنية الموحدة ولنظام المقاول الذاتي أو  لنظام المحاسبة، ليشمل في مرحلة ثانية فئات أخرى، في أفق التعميم  الفعلي للحماية الاجتماعية لفائدة كل المغاربة، حيث يشكل ثورة اجتماعية حقيقية، لما سيكون له من آثار مباشرة وملموسة في تحسين  ظروف عيش المواطنين، وصيانة كرامة جميع المغاربة، وتحصين  الفئات الهشة، لاسيما في سياق ما أصبح يعرفه العالم من تقلبات اقتصادية ومخاطر صحية”.

كما يشكل تنزيل هذا المشروع المجتمعي الهام نقطة بداية لتحقيق تطلعات  العاهل المغربي الملك محمد السادس في ما يخص الاستجابة  لتحدي تعميم الحماية الاجتماعية على كافة فئات المجتمع المغربي، كما  يمثل رافعة لإدماج القطاع غير المهيكل في نسيج الاقتصاد الوطني، بما يوفر الحماية للطبقة العاملة ويصون حقوقها، ومنعطفا حاسما في مسار تحقيق التنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية والمجالية.

لائحة الإحالات:

[1] مداخلة محمد الشرقي في موضوع حول منظومة الحماية الاجتماعية ودمج القطاع غير المهيكل، مشاركة في برنامج قناة ميد1 تيفي ، يوم 12 فبراير 2021.

[2] اجتماع الجلسة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة لدى مجلس النواب بشأن جواب رئيس الحكومة الدكتور سعد الدين العثماني عن السؤال المحوري حول القطاع غير المهيكل يوم الإثنين 27 نونبر 2017.

قد يعجبك ايضا