الحجز على الأموال العمومية عن طريق مسطرة الحجز لدى الغير: التطور الإشكالات و الأفاق

المعلومة القانونية

*أحمد العلولي،

باحث في القانون العام بجامعة سيدي محمد بن عبد الله فاس، حاصل على شهادة الماستر في المنازعات الإدارية

مقدمة:

تكتسي الأحكام الصادرة عن القضاء الإداري كسائر الأحكام القطعية حجية الشيء المحكوم به و بالتالي يشكل الامتناع عن تنفيذها مسا بحق الأشخاص الصادرة لفائدتهم و أيضا تحقيرا للسلطة القضائية التي أصدرتها، و كما و صفة الأستاذ محمد أمين بن عبد الله:

‘’L’inexécution des décisions de justice par l’Administration constitue une importante zone d’ombre du contentieux administratif[1].

و نظرا للأهمية الكبيرة التي تتمتع بها الأموال العمومية نصت أغلب التشريعات المقارنة على أهمية حماياتها و تكريس مبدأ عدم جواز التصرف فيها بما يتعارض و النفع العام و عدم جواز الحجز عليها[2]، وهكذا نجد أن القاضي الإداري المغربي قد سعى مبدئيا في مراحله الأولى في عمومه إلى تأمين حماية خاصة للمال العمومي تحت ذريعة أن الأموال العمومية لا يجوز الحجز عليها أو تفويتها، حيث أن القاضي الإداري و في مراحله الأولى من التطبيق لم يكن له متيسرا الضرب على هذه القاعدة العامة الراسخة في القانون المقارن، و لم يكن له متيسرا كذلك أن يستجيب بسهولة لدفع الإدارة و تكريس مبدأ يصب عليه الفقه كامل انتقاداته، كما لم يكن له متيسرا من جهة أخرى أن يغض الطرف عن الأسباب التي أدت إلى إحداث هذه المحاكم، معتمدا في ذلك إلى خطاب الملك الحسن الثاني عند تنصيب أعضاء المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان.

و تنفيذ الأحكام الإدارية أثار مجموعة من التساؤلات في العديد من الدول و خاصة النامية منها حول موضوع عدم تنفيذها بالسرعة المطلوبة و كذا كيفية تنفيذ الحكم الإداري، فبقاء الأحكام و القرارات القضائية دون تنفيذ هو ضرب في مبدأ الشرعية في الدولة، فما الجدوى من اجتهاد القاضي الإداري في إيجاد الحلول الناجعة بما يتلاءم و صون الحقوق و الحريات المشروعة اذا كان أحكامه  مصيرها ”الموت”، فما يطمح اليه كل متقاض من رفع دعواه لدى القضاء الإداري ليس هو إغناء الاجتهاد القضائي في المادة الإدارية بل استصدار حكم لصالحه يحمي المعتدى عليه من طرف الإدارة مع ترجمة منطوقه على أرض الواقع بتنفيذه[3].

كل هذه الصعوبات القانونية و الواقعية التي كانت تعترض عملية التنفيذ من طرف أشخاص القانون العام للأحكام النهائية الصادرة ضدهم، دفعت القضاء من خلال تكييفه لوسائل التنفيذ المنصوص عليها في الباب الثالث من قانون المسطرة المدنية[4]، إلى الإقرار التدريجي لكل الوسائل اتجاه الإدارة لإجبارها على تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها، بدءا بالغرامة التهديدية، ثم الحجز لدى المحاسبين العموميين التابعين للخزينة العامة للمملكة على الحسابات الخصوصية و على الاعتمادات المالية المدرجة بميزانيات الإدارات المحجوز عليها، وصولا إلى الحجز على حساب الخزينة لدى بنك المغرب الذي أصبح أداة تنفيذ متأخرات الإدارة.

فمن خلال استقراء الأحكام المتعلقة بالتنفيذ يتضح أن القضاء الإداري قد عدد مساطر التنفيذ الجبري ضد الإدارة قبل أن يستقر على مسطرة الحجز لدى الغير بالنظر إلى فعاليتها و سرعة ترتيب أثارها القانونية بصفة استعجالية.

لذلك أصبح الحجز من الوسائل التنفيذية الجبرية التي يمكن اللجوء اليها في مواجهة الإدارة بناءا على سند تنفيذي أو بأمر يصدره رئيس المحكمة طبقا للفصل 491 من قانون المسطرة المدنية، و لفد تواترت الاجتهادات القضائية على اعتبار مسطرة الحجز لدى الغير تعد وسيلة من وسائل التنفيذ الجبري التي يمكن لكل دائن يتوفر على دين ثابت أو سند تنفيذي اللجوء اليها. و لقد عرف الحجز على الأموال العمومية تطورا لافتا حيث عرفت عدد الأحكام القضائية الصادرة عن مختلف المحاكم المغربية ضد الإدارات و المؤسسات العمومية التابعة للدولة و الجماعات الترابية[5]، حيث وصلت خلال الثلاث السنوات الأخيرة إلى عشرة ملايين درهم.[6].

هذا التطور جعل الدولة تتدخل بمقتضى قانون مالية 2020 إلى التنصيص الصريح على عدم جواز الحجز على أموال الدولة و الجماعات الترابية معللة هذا المقتضى بكونه يهدد التوازنات المالية للدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية، إذ لم تتم برمجة كيفية تنفيذ تلك الأحكام بشكل يراعي إكراهات الميزانية العامة و محدودية المداخيل.

و المتبع للمنازعات الإدارية سيلاحظ بدون شك أن الحجز على الأموال العمومية عامة و خاصة عن طريق مسطرة الحجز لدى الغير أثار مجموعة من الإشكالات العملية النابعة من خصوصية المنازعة الإدارية، فما هي أهم الإشكالات التي تعترض هذه المسطرة؟ و كيف تعامل القاضي الإداري مع هذه الإشكالات؟  وما هي أفاق تنفيذ الأحكام في أفق المادة 9 من قانون مالية 2020؟

لمعالجة هذا الموضوع سيتم اعتماد التصميم الاتي:

المحور الأول: الحجز على الحسابات الخصوصية كمناط للتنفيذ في مواجهة أشخاص القانون العام

كما سبقت الإشارة لقد مرت مسطرة الحجز لدى الغير كوسيلة لإجبار الإدارة على التنفيذ بعدة مراحل و اتخذ القضاء بشأنه مجموعة من المواقف، ففي البداية كانت هناك اجتهادات قضائية قارة تنص على عدم جواز الحجز على الأموال العمومية[7]، ثم استقر بعد ذلك على إمكانية الحجز على الحسابات الخصوصية كمرحلة أولى، و لقد وجد القاضي الإداري مبرر الحجز على الحسابات الخصوصية للخزينة في حيثيات القرار الصادر عن الغرفة الادرية بالمجلس الأعلى و الذي كان أكثر وضوحا و ترسيخا للحقوق حيث جاء فيه:” إن الإدارة في مجال نزع الملكية للمنفعة العامة ترصد مسبقا أموالا لتغطية التعويضات الناتجة عن نزع ملكية أراضي الخواص و هي بذلك تخرج بإرادتها هذه الأموال من ذمتها المالية لتخصصها للتعويض عن نزع  الملكية، و بالتالي فإنها تضفي عليها صيغة خصوصية تجعلها قابلة للتنفيذ عليها[8].

و في نفس الاتجاه امر القاضي الإداري بالمصادقة على الحجز المضروب على حساب المكتب الوطني للسكك الحديدية المفتوح لدى الخازن العام للمملكة… و أمر تبعا لذلك الخزينة العامة للمملكة بصفتها محجوز لديها تسليم المبلغ المذكور إلى كتابة الضبط للمحكمة الإدارية لتسلمه للطالب و فق الإجراءات المقررة قانونا[9].

و في  قضية فاطمة العنصري ضد المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي باللوكوس، ففي هذه القضية صدر حكم ابتدائي يقضي بأداء المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي باللوكس لفائدة المدعية تعويضا مدنيا قدره8.000.000  درهم مع النفاذ المعجل في حدود الربع، لكن المكتب المحكوم عليه امتنع عن التنفيذ، وأمام هذا الرفض لجأت المدعية إلى مسطرة الحجز لدى الغير، وتم بناء على الحكم الابتدائي المشار إليه والذي يشكل سندا تنفيذيا حجز المبلغ المحدد في الربع والمشمول بالنفاذ المعجل على حساب المكتب المذكور بين يدي الخزينة العامة للمملكة. و تقدمت المدعية إلى السيد رئيس المحكمة الإدارية بالرباط بصفته هذه بطلب تلتمس فيه التصديق على هذا الحجز، فاستجاب رئيس المحكمة لهذا الطلب، وأصدر أمرا يجيز فيه حجز أموال المؤسسات العمومية في حالة رفضها بدون مبرر تنفيذ حكم قضائي صادر في مواجهتها في غياب نص قانوني صريح يمنع من ذلك.

حيث برر القاضي الدفع المقدم من طرف المكتب بكونه مؤسسة عمومية وأن أمواله أموال عامة لا يجوز الحجز عليها بأنه بالرغم من أن أموال المكتب تقدم كإعانات من طرف الدولة إلا أنه بمجرد تحويلها لحساب المكتب بصفته مؤسسة عمومية فإنها تدخل في الذمة المالية لهذا الشخص المعنوي الذي له كيان ذاتي خاص ويستقل تماما عن ميزانية الدولة، وهذا يجعل مصدر أمواله لا اعتبار له في إمكانية حجزها. وأضاف أن السبب الرئيسي في عدم جواز الحجز على الأموال العمومية هو كونها مليئة الذمة أي أنها قادرة على الوفاء بكل ديونها مما يجعل الدائن في مأمن من عسرها ولا يخشى على حقوقه من الضياع، ولا حاجة له في اللجوء للحجز على أموالها، إلا أن هذا المبدأ لا يؤخذ على إطلاقتيه حيث يستبعد تماما في حالة امتناع الإدارة عن الإذعان لحكم صادر في مواجهتها، إذ لا يجوز الاحتماء وراء هذا المبدأ لشكل حكم حائز لقوة الأمر المقضي به ولإضاعة حق. كما أنه لا يوجد أي نص قانوني يعفي أي محكوم عليه من تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهته سواء كانت مؤسسة عمومية أو غيرها ما دام الحكم مذيل بالصيغة التنفيذية[10].

 

المحور الثاني: التوجه القضائي للحجز على الميزانية العامة

بعدما كان الأمر يقتصر على الحسابات الخصوصية بعلة انتفاء صفة المال العام عنها بعد تخصيصيها، ذهب العمل القضائي إلى إجازة الحجز على الميزانية العامة للدولة. و لقد اعتبرت القوانين الحديثة أن الأموال المملوكة للدولة أو احدى المرافق التابعة لها أموال مرصودة لخدمة المنفعة العامة، و هاته الأخيرة إما أن تكون اعتبارا لطبيعة المال أو بنص في القانون و بالتالي القول بكون أن الأموال المحتفظة بهذه الصفة لا تصلح لأن تكون محلا للحجز.

و في هذا الاتجاه اعتبر’’ لافيرير’’ بأن دائن الدولة لن يكون بحاجة أصلا لاستخدام طرفي التنفيذ ضد أشخاص القانون العام على إعتبار أن الدولة مليئة الذمة و لا يمكن تصور عسرها[11].

لكن يرى بعض الفقه أن هذا المبدأ ينطبق على الدولة التي تبادر إلى الالتزام بأحكام القضاء و خضوعها تلقائيا لمبدأ المشروعية بحيث يعتبر من المبادئ المثالية، فان ذلك لا يصدق في كثير من الأحيان، إذ تكرار امتناع الدولة عن تنفيذ الأحكام الصادرة في مواجهتها يزداد بصفة مستمرة، و قر البعض بأن التنفيذ الجبري للأحكام لا ينظر اليه إلى عسر أو يسر المدين بقدر ما ينظر اليه إلى إمكانية الوفاء بالالتزام. و هذا الاتجاه هو ما بدأ ينحو اليه القاضي الإداري المغربي معتمدا في ذلك على مجموعة من المبررات[12]:

  • إن مبدأ عدم جواز الحجز على الأموال العمومية ليس مقررا إلا لغاية تفادي عرقلة السير العادي للمرفق العام، باعتبار أن هذه الأموال من مستلزمات ممارسة نشاطه، ولكون الدولة مليئة الذمة، و ليس لأن أموالها أمولا عمومية، ما دام لا يوجد نص قانوني يمنع حجزها، لكن اذا ثبت امتناع الإدارة عن تنفيذ حكم قضائي بدون مبرر فان ملاءة الذمة المالية تصبح غير مجدية بالنسبة للتنفيذ الذي يرغب فيه من صدر الحكم لفائدته، و في هاته الحالة يجوز القيام بالتنفيذ الجبري للأموال العمومية، نظرا لصبغة الإلزام التي تفرضها بحكم القانون الأحكام القضائية القابلة للتنفيذ؛
  • تطبيق القضاء للمقتضيات القانونية المتعلقة بالحجز لدى الغير لا يعتبر تعد على السلطة التشريعية، لأن ذلك يدخل ضمن مهمته الدستورية؛
  • من واجب القضاء مواجهة الإدارة في حالة امتناعها بدون مبرر عن تنفيذ حكم صدر في مواجهتها بكافة وسائل التنفيذ الجبرية الممكنة، و لا يعتبر قيامه بذلك تعد على السلطة التنفيذية.

و كمثال على ذلك نورد القرار[13] الصادر عن استئنافية الرباط و الذي جاء فيه:” و حيث في ما يخص السبب الأخير، المتصل بفساد التعليل لكون المال المحجوز له صبغة عمومية و لا يقبل الحجز، فان العمل القضائي تواتر على أن قاعدة عدم جواز الأموال العمومية للحجز تجد مجال تطبيقها في الحالة التي يؤدي فيها الحجز إلى عرقلة السير العادي للمرفق العمومي على أساس أن المبالغ المحجوزة هي مرصودة لنفقات محددة و عليها تتوقف استمراريته في أداء خدماته، و أيضا من منطلق أن أشخاص القانون العام يفترض فيها ملاءة الذمة و لا يخشى عسرها كما يفترض فيها كذلك الرضوخ للأحكام الصادرة ضدها و تنفيذها تجسيدا لمبدأ المشروعية و احترام قوة الشيء المقضي به، و ليس باعتبار أن الأموال العامة غير قابلة للحجز مادام لا يوجد أي نص قانوني صريح يمنه ذلك.

و حيث إنه تبعا لذلك، فإنه في حالة الإمتناع من طرف الشخص العام عن تنفيذ الحكم القضائي الصادر ضده رغم صيرورته نهائيا و دون وجود مبررات معقولة لذلك الامتناع كما هو الشأن في نازلة الحال، فإن ملاءة الذمة المشار اليها أعلاه تصبح غير مجدية في التنفيذ الطوعي كما ينتفي معه أي مانع قانوني يحول دون إجراء الحجز على أموال المستأنف المذكور طالما لم يقم دليل من أوراق الملف على أن  إجراءه سوف يترتب عنه تعطيل مهامه المرفقية و عرقلة أداء وظيفة النفع العام المناطة به، مما تبقى معه جميع الأسباب المثارة في استئناف وزارة الصحة و الخازن الوزاري لديها غير قائمة على أساس.

المحور الثالث: الحجز على حساب الخزينة العامة المفتوح لدى بنك المغرب

في تطور لافت للقضاء الإداري في القضايا التي لها ارتباط بتنفيذ الأحكام القضائية، فقد أصبحت أموال الحساب الوحيد للخزينة موضوع تطبيق الحجز كوسيلة من وسائل التنفيذ الجبري لمتأخرات الدولة و الجماعات الترابية، حيث أصبح لحساب الخزبنة مهمة جديدة تتمثل في ضمان أداء متأخرات الهيئات الإدارية بناء على الأحكام القضائية التي تأمر بالتنفيذ مباشرة على أموال الخزينة المودعة لدى بنك المغرب[14].

و حسب الأستاذ محمد قصري فإن غالبا ما يكون هذا الحجز مترتبا عن حكم سابق بالمصادقة على حجز لدى الغير بين يدي الخزينة، بمعنى أن الحكم الأصلي سند الحجز كان هو الحكم الذي صدر في مواجهة إدارة و اعتبرت ممتنعة عن تنفيذه، فبوشرت في حقها مسطرة الحجز لدى الغير بين يدي الخزينة، و لما لم ينفذ الحكم الأول القاضي بالمصادقة على الحجز أضحت الخزينة هي المخاطبة بالحجز الثاني الذي يتم إيقاعه لدى بنك المغرب[15].

و لقد أثار موضوع الحجز على حساب الخزينة المفتوح لدى بنك المغرب عدة إشكالات سواء فيما يتعلق بالاختصاصات أو فيما يتعلق بشروط الأساسية لمسطرة الحجز لدى الغير.

  • فيما يتعلق بالاختصاص لقد إستقر الرأي على القول بأن رئيس المحكمة يختص بصفته هاته للمصادقة على الحجز و ليس بصفته قاضيا لمستعجلات، لأن الفصل 494 من قانون المسطرة المدنية ينص على أن الاختصاص للتصديق على الحجز لدى الغير قائم لرئيس المحكمة بصفته هذه لا بصفة قاضي المستعجلات و لا بصفة قاضي موضوع.

و قد إستقر الرأي على القول بأن رئيس المحكمة يختص بصفته هاته للتصديق على الحجز و ليس بصفته قاضي المستعجلات على إعتبار إن الحجز و التصديق عليه مما يدخل في إجراءات التنفيذ التي تشرف عليها مؤسسة الرئيس، و هو ما أقرته الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى[16]:” حيث من الواضح أن الطلب الحالي وإن كان يكتسي صبغة الإستعجال فإن ذلك لا يعني أن الاختصاص قائم لرئيس المحكمة بصفته قاضيا للمستعجلات، لأن الفصل 494 من قانون المسطرة المدنية ينص على إن الاختصاص للتصديق على الحجز لدى الغير قائم لرئيس المحكمة بصفته هذه لا بصفته قاضي المستعجلات ولا بصفته محكمة موضوع”.

  • فيما يخص شروط المصادقة على الحجز، فالواقع العملي يلاحظ أن القاضي غالبا ما يكتفي بالمصادقة على الحجز على حساب الخزينة كأمر مسلم دون نقاش أو تحري و في غياب الشروط الأساسية التي سنها الفقه و القانون لمسطرة الحجز لدى الغير[17]، وهكذا فلا يمكن الحديث عن صحة الحجز لدى الغير بمعزل عن وجود علاقة ثلاثية تجمع بين الدائن ” الحاجز Le créancier saisissant” و المدين ” المحجوز عليه Le saisi ” و الغير ” المحجوز بين يديهLe tiers saisi ”.

كما أن الخزينة العامة للمملكة لا تربطها ببنك المغرب أية علاقة مديونية كما لا يمكن إعتبار بنك المغرب بمثابة الغير الذي يجوز الحجز بين يديه على أموال الدولة و الجماعات الترابية[18]. و مع ذلك فإن القاضي اتجه في تفسيره للمادة 448 من قانون المسطرة المدنية، إلى قراءة خاصة لعلاقة بنك المغرب ( المحجوز بين يديه) بالخزينة العامة للمملكة ( المحجوز عليه) و اعتبر أنه لا يشترط أن يكون الطرف الأول مدينا بمبالغ مالية لفائدة الطرف الثاني حتى يمكن الحجز عليها، و انما فقط أن يكون الغير المحجوز بين يديه حائزا لمبالغ أو مستندات تعود للمحجوز عليه و يصح الحجز عليها من طرف القائم بالحجز و التعرض على تسليمها ضمانا لاستيفاء دينه.

و هكذا جاء في قرار لمحكمة الاستئناف الإدارية بالرباط[19] ما يلي:” و حيث من جهة أخرى، فإنه بالرجوع إلى مقتضيات الفصل 448 من قانون المسطرة المدنية يستفاد منه أنه ليس شرطا في صحة الحجز لدى الغير أن تكون العلاقة التي تربط بين المحجوز بين يديه و المحجوز عليه هي علاقة مديونية، أي لا يشترط أن يكون الطرف الأول مدينا بمبالغ مالية لفائدة الطرف الثاني حتى يمكن الحجز عليها، و إنما فقط أن يكون الغير المحجوز بين يديه حائزا لمبالغ أو مستندات تعود للمحجوز عليه و يصح الحجز عليها من طرف القائم بالحجز و التعرض على تسليمها له ضمانا لاستيفاء دينه منه.

و حيث في نازلة الحال، لئن كان الخازن العام( المحجوز بين يديه) يتولى تدبير و مراقبة الحساب المفتوح باسم رئاسة الحكومة( المحجوز عليها)، إلا أن ممارسته لهذه المهام إنما تكون بصفته المحاسب العام الأسمى و تعطيه حق الاعتراض على إستخلاص موارد مالية غير مستحقة أو صرف نفقة غير مبررة رغم صدور قرار بشأنها من طرف الأمر بالصرف، الأمر الذي يعني أنه يمارس صلاحياته باستقلالية تامة عن الولاية المنفذ عليها، و تنتفي معه أية علاقة تبعية تجاهها و بالتالي يجعله ذلك في موقف الغير بالنسبة إليها، يمكن الحجز بين يديه على المبالغ المدرجة في حسابها، طالما أنه يفترض فيها تخصيص اعتمادات مالية كافية لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضدها.

و لقد عرف هذا التوجه معارضة شديدة من بعض الجهات باعتباره يمثل موقفا خطيرا على مالية الدولة و على اعتبار أن هذا الحساب تؤدى منه نفقات استعجالية و سيادية ضرورية كأجور الموظفين و نفقات خدمة الدين العمومي.

المحور الرابع: أفاق الحجز على الأموال العمومية في ظل المادة 9 من قانون مالية 2020

إن تطور حجم الحجوزات على أموال الدولة دفع الدولة عن السلطة التنفيذية إلى محاولة تمرير مسألة منع الحجز على أموال و أملاك الدولة ضمن مشاريع قوانين المالية سواء في الولايات السابقة حيث فشلت عدة مرات بسبب المعارضة الشديدة، سواء في إطار القانون المالي لسنة 2015 من خلال المادة 8 أو من خلال قانون المالية رقم 73.16 سنة 2017.

و على الرغم من الرد القوي و الانتقادات اللاذعة التي تلقتها الحكومة فقد أعادت المحاولة برسم قانون رقم 70.19 لسنة 2020 من خلال المادة 9 التي نصت بصفة صريحة على أنه يمنع الحجز على أموال و أملاك الدولة و المؤسسات العمومية و الجماعات الترابية، مع ربط أية إمكانية لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة بعدة شروط تتعلق بوجود اعتمادات مالية كافية في الميزانية و بمباشرة مسألة التنفيذ أمام الآمر بالصرف دون المحاسب العمومي[20].

و لقد جاءت هذه المادة كالاتي: ”يتعين على الدائنين الحاملين لأحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو الجماعات الترابية ومجموعاتها ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الأمر بالصرف للإدارة العمومية أو الجماعات الترابية المعنية. و في حالة صدور حكم قضائي نهائي قابل للتنفيذ، يلزم الدولة أو جماعة ترابية أو مجموعاتها بأداء مبلغ معين، يتعين الأمر بصرفه داخل أجل أقصاه تسعون (90) يوما ابتداء من تاريخ الإعذار بالتنفيذ في حدود الاعتمادات المالية المفتوحة بالميزانية لهذا الغرض، وفق مبادئ وقواعد المحاسبة العمومية، وإلا يتم الأداء تلقائيا من طرف المحاسب العمومي داخل الآجال المنصوص عليها بالأنظمة الجاري بها العمل في حالة تقاعس الأمر بالصرف عن الأداء بمجرد انصرام الأجل أعلاه. وإذا أدرجت النفقة في اعتمادات تبين أنها غير كافية، يتم عندئذ تنفيذ الحكم القضائي عبر الأمر بصرف المبلغ المعين في حدود الاعتمادات المتوفرة بالميزانية، على أن يقوم الأمر بالصرف وجوبا بتوفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة وذلك في أجل أقصاه أربع (4) سنوات ووفق الشروط المشار إليها أعلاه، دون أن تخضع أموال وممتلكات الدولة والجماعات الترابية ومجموعاتها للحجز لهذه الغاية”. فمن خلال هذه المادة يمكن إبداء بعد الملاحظات :

  • ما نصت عليه الفقرة الأولى من حيث عدم إمكانية المطالبة بالأداء إلا أمام مصالح الأمر بالصرف للإدارة أو الجماعة الترابية و بالتالي تحميل المسؤولية للأمرين بالصرف في تنفيذ الأحكام القضائية و هو ما ينبغي قراءته بترابط مع المادة 8 مكرر من نفس القانون باعتبارهما لبنة أولى في اتجاه تكريس ربط المسؤولية بالمحاسبة.
  • الملاحظة الثانية هي أن هذه المادة ربطت صرف المبالغ بوجود اعتمادات مالية مفتوحة بالميزانية، على أن يتم توفير الاعتمادات اللازمة لأداء المبلغ المتبقي في ميزانيات السنوات اللاحقة و ذلك في أجل أقصاه أربع سنوات.
  • الملاحظة الثالثة حول إدماج أموال وممتلكات الجماعات الترابية لأن قانون المالية يحدد موارد وتكاليف الدولة، ولكن بالمقابل لماذا تم إقحام أموال وممتلكات الجماعات الترابية ومجموعاتها؟ حيث ذهب بعض الباحثين[21] إلى اعتباره مقترحا خارج مجال قانون المالية للأسباب التالية:
  • فمن زاوية القانون التنظيمي للمالية:

فإن المادة 12 حددت تكاليف الدولة في: نفقات الميزانية العامة، نفقات ميزانيات مرافق الدولة المسيرة بصورة مستقلة و نفقات الحسابات الخصوصية للخزينة.

ومن جهتها، تنص المادة 14على أن نفقات التسيير للميزانية العامة تشتمل على «النفقات المتعلقة بتنفيذ القرارات والأحكام القضائية الصادرة ضد الدولة”.

ففي المادتين معا لا وجود للجماعات الترابية، ومن الزاوية الإدارية فالدولة لها شخصيتها الاعتبارية المستقلة عن الجماعات الترابية والمؤسسات العمومية.

كما أن المادة الثالثة من القانون المنظم للجهات، والمادة الثانية من القانون المنظم للعمالات والأقاليم، وكذا المادة الثانية من القانون المنظم للجماعات الترابية، على أنها جماعات ترابية خاضعة للقانون العام، تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري والمالي.

الأمر الذي لا يترك مجالا للشك حول استقلالية الشخصية الاعتبارية والمالية للجماعات الترابية عن مثيلتها لدى الدولة. وبتمتع كل واحدة منها بنظام مالي مستقل عن الأخرى[22].

و لقد أثارت المادة المذكورة جدلا واسعا بين مؤيد و معارض لها، فبالنسبة للمدافعين عن هذه المادة فيدفعون بالفصل 6 من الدستور[23]، و كذا الفصل 126 منه[24]، لكن الرافضين لهذه المادة فيرون أنه إذا كان تنفيذ الأحكام القضائية دستوري فكذلك الأمر بالنسبة لاستمرارية المرفق العام[25]، و يستند المعارضون لهذه المادة على قرار المجلس الدستوري لسنة 2013 المتعلق بالرادارات و التي تم إقحامها في قانون المالية و تم الدفع و إسقاطها من طرف المجلس الدستوري، الشيء الذي يدفعنا للتساؤل حول مدى مخالفة هذه المادة لمقتضيات القانون التنظيمي للمالية؟

ذهب بعض الباحثون إلى أن المادة 9 مخالفة لمقتضيات المادة 6 من القانون التنظيمي للمالية 130.13 الذي تنص على أنه: لا يمكن أن تتضمن قوانين المالية إلا الأحكام المتعلقة بالموارد و التكاليف تهدف على تحسين الشروط المتعلقة بالتحصيل”.

و بالتالي لا يجب إدراج هذه المقتضيات بقانون المالية بل و جب تضمينها في قانون المسطرة المدنية، و تتجلى خطوة هذه المادة في المس بالأمن القانوني للبلاد عبر تضمين مقتضيات تشريعية ضمن قانون المالية في إطار نظرية الفرسان الموازناتية (les Cavaliers Budgétaires)، و هو ما سيفتح المجال أمام السلطة التنفيذية لتمديد دورها التشريعي و تمرير بعض المقتضيات القانونية عبر قانون المالية الذي يتسم مقارنة بالقوانين العادية بخصوصية معينة من الناحية المسطرية و من ناحية المضمون، نظرا لبعده الإجرائي لكونه يحدد بالنسبة لكل سنة مالية طبيعية و مبلغ و تخصيص مجموع موارد و تكاليف الدولة و كذا التوازن الميزانياتي و المالي الناتج عنها و تراعي في ذلك الظرفية الاقتصادية و الاجتماعية.

أما بالنسبة للمؤيدين لهذه المادة فيرون أنها لا تخالف مقتضيات المادة 6 من القانون التنظيمي للمالية، كما يحتجون بالمادة 14 من القانون المذكور[26]، و يرى هذا الاتجاه في قرار المحكمة الدستورية رقم 17/66 في الملف 15/17 بتاريخ 23/12/2017 بشأن قانون المالية 68.17 المتعلق بقانون مالية 2018 سندا له و يتعلق الأمر بمقتضى الانضمام إلى الجمعيات و التعاونيات السكنية” و الذي تم الطعن فيه أمام المحكمة الدستورية و كان جواب المحكمة الدستورية حاسما بشأنه حيث أقرت المحكمة بأحقية الحكومة في فرض و التنصيص على مثل ذلك المقتضى مادام مرتبط بعملية تنظيم الإعفاء الضريبي و تمس بمداخيل الدولة.

و بين مؤيد و معارض يبقى القضاء محكا حقيقيا لتقييم مدى ملائمة القوانين للبيئة التي تطبق فيها  و الفيصل و الحكم و هكذا و في أول امتحان للمادة 9 أمام القضاء أصدر رئيس المحكمة الإدارية بمكناس أمرا يقضي بالحجز على أموال الأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين جهة دارعة تافيلالت باعتبارها مؤسسة عمومية غير مشمولة بتطبيق مقتضيات المادة 9 من قانون مالية 2020 و التي إقتصرت على أموال الدولة و الجماعات الترابية و مجموعاتها.

و كانت الجهة المدعة – المحجوز عليها- قد دفعت بواسطة نائبها بأن طلب المدعية يتعارض مع مقتضيات المادة 9 السالف الذكر و التي تمنع الحجز على أموال الدولة و الجماعات الترابية.

لكن القاضي الإداري اعتبر في حيثيات الأمر أنه” لكن حيث إن المشرع ولئن منع الحجز بصريح المادة 9 من قانون المالية لسنة 2020 فإنه حصر هذا المنع بالنسبة لأموال وممتلكات الدولة و الجماعات الترابية و مجموعاتها فقط دون باقي المؤسسات العمومية الأخرى و التي تدخل ضمنها الجهة المدعية مما يبقى معه الدفع المثار غير مؤسس”.

و يعتبر هذا الأمر من أولى التطبيقات القضائية الصادرة في المغرب بشأن نطاق تطبيق المادة 9 من قانون مالية 2020 و هو أمر يمثل التطبيق السليم لمقتضيات المادة السالفة الذكر، حيث أنه لا يوجد ما يمنع الحجز على أموال المؤسسة المذكورة، خصوصا و أن المادة التاسعة لم تنص على هذا المنع الذي يبقى محصورا بالنسبة لأموال الدولة و الجماعات الترابية.

و لقد توالت الامتحانات و هذه المرة مع أمر إدارية مراكش[27]، و يتعلق الأمر بأداء جماعة ابن جرير لفائدة المدعى تعويضا قدره 200000.00 درهم، و ذلك بناء على حكم صادر عن المحكمة الإدارية بمراكش[28]، و المؤيد استئنافيا بموجب القرار عدد 515 بتاريخ 13/03/2019 في الملف رقم 1760/7206/2018.

ولقد قضى الأمر باستبعاد تطبيق مقتضيات المادة 9 بخصوص منع الحجز على أموال الجماعات الترابية، و لقد علل القاضي الأمر المذكور بما يلي:

حيث يهدف الطلب إلى استصدار أمر بالمصادقة على الحجز لدى الغير في حدود مبلغ 214.948.00 درهم.

و حيث أجابت الجماعة المحجوز عليها بأنها لم تمتنع صراحة عن التنفيذ و أنها مستعدة لتنفيذ منطوق القرار القضائي من خلال برمجة الدين، متمسكة بمقتضيات المادة 9 من قانون المالية لسنة 2020 بدعوى أن أموال و ممتلكات الدولة و الجماعات الترابية و مجموعاتها لا تقبل الحجز، فيما أحجم قابض ابن اجرير عن الإدلاء بأي تصريح رغم التوصل و الإمهال دون جدوى.

لكن القاضي الإداري اعتبر أنه و حيث من جهة أولى، و خلافا لما أثارته الجماعة المحجوز عليها، فإن الإمتناع عن تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الطرف المنفذ عليه يأخذ أشكالا و ممارسات مختلفة ليس من الضروري أن يعلن عن رغبته الصريحة في عدم تنفيذ الحكم حتى يمكن القول بوجود امتناع عن التنفيذ من جانبه و إنما يكفي أن يصدر منه تباطؤ أو تراخ أو تلكؤ في التنفيذ للتحقق من هذه النتيجة السلبية.

و حيث و من جهة أخرى و بعد الاطلاع على محضر الامتناع  المنجز من طرف المفوض القضائي السيد ” حميد شركي” التابع للمحكمة الإبتدائية بابن اجرير تبين لنا أن هذا الأخير قد انتقل، بعد توجيهيه إعذار إلى الجهة المنفذ عليها بتاريخ 24/05/2019، إلى مقر جماعة ابن اجرير وصرح له الكاتب العام للجماعة المذكورة بامتناع هذه الأخيرة عن التنفيذ مادام الحكم مطعون فيه بالنقض.

و حيث إنه و من جهة ثانية، فإنه فضلا عن كون الجهة المنفذ عليها لم تدل بما يفيد مباشرتها للطعن بالنقض، فإنه عملا بمقتضيات الفصل 361 من قانون المسطرة المدنية فإن الطعن بالنقض لا يوقف التنفيذ إلا في حالات ثلاث و هي الأحوال الشخصية و الزور الفرعي و التحفيظ العقاري.

و حيث إنه من جهة ثالثة، فإن صفة الإلزام التي تتمتع بها الأحكام القضائية النهائية على الإدارة، كيفما كان شكلها أو نوعها، تنفيذها في وقت مناسب من تاريخ صدورها أو على الأقل أن يصدر منها تصرف إيجابي يفيد أنها بصدد التنفيذ، كما جاء في ادعاء الجماعة المنفذ عليها بكونها عملت على برمجة الدين، و هو ما لم يقم الدليل عليه في نازلة الحال.

و حيث إنه من جهة رابعة، فإن مبلغ التعويض المحكوم به لفائدة الطالب قد استوفى مسطرة إجراءاته اللازمة، قبل دخول مقتضيات المادة التاسعة من القانون المالي لسنة 2020 المحتج به حيز التنفيذ، من توفر السند التنفيذي و سند الامتناع و تبليغ محضر الحجز إلى المحجوز عليها و المحجوز بين يديه، مما يبقى معه الدفع بمقتضيات المادة التاسعة المذكور بدون أثر.

و حيث إنه من جهة خامسة، فإن الأولوية في التطبيق تعطى للنص الخاص الذي ينظم إجراءات تنفيذ الأحكام القضائية ومن بينها الأحكام الصادرة في مواجهة أشخاص القانون العام و التي تبقى قابلة للتنفيذ الجبري على أموالها.

و حيث من جهة سادسة، فقد استقر العمل القضائي في المادة الإدارية ( قرار الغرفة الإدارية بمحكمة النقض عدد 1/1520 بتاريخ 15/07/09 في الملف الإداري رقم 14/4/3325) على كون قاعدة عدم جواز الحجز على الأموال العمومية تجد مجال تطبيقها في الحالة التي يؤدي فيها الحجز إلى عرقلة السير العادي للمرفق العمومي على أساس أن المبالغ المحجوزة هي مرصودة لنفقات محددة و علبها تتوقف استمراريته في أداء خدماته، و أيضا من منطلق أن أشخاص القانون العام يفترض فيه ملاءة الذمة و لا يخشى عسرها، كما يفترض فيها تنفيذ الأحكام الصادرة ضدها تجسيدا لبدأ المشروعية و إحترام قوة الشيء المقضي به، وأنه فب حالة الامتناع عن التنفيذ دوم مبرر، كما هو الشأن في نازلة الحال، يجعل إجراء الحجز مبررا وسليما.

وحيث إنه من جهة سابعة، فإن إحجام المحجوز بين يديه ( قابض ابن اجرير) عن الإدلاء بأي تصريح يجعله ملزما بعد انتهاء الإجراءات المسطرية بالتسليم الفوري للمبالغ المالية موضوع طلب تصحيح الحجز أو إيداعها بكتابة الضبط بهذه المحكمة لا سيما أمام عدم نفيه واقعة تدبيره لميزانية المحجوز عليها.

و حيث إنه من جهة ثامنة، فمادام أن الحجز لدى الغير الموقع بناء على سند تنفيذي قد استوفى جميع الشروط و الإجراءات المتطلبة قانونا، وفي غياب نفي المحجوز بين يديه تدبيره لميزانية الجماعة المحجوز عليها، فان مقومات المصادقة على الحجز المذكور متوفرة و الطلب حولها جديرا بالاستجابة إليه في حدود مبلغ 214.948.00 درهم.

و في نفس الاتجاه جاء في أمر[29] صادر عن إدارية فاس حيث سن القاضي الإداري قاعدة مفادها ” مسطرة التنفيذ المنظمة بمقتضى المادة التاسعة من قانون المالية رقم 19-70 المالية 2020 تخص الأحكام النهائية الصادرة ضد الدولة أو الجماعات الترابية أو مجموعاتها دون باقي المؤسسات العمومية التي تدخل ضمنها المدعى عليها باعتبارها مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية و الاستقلال المالي و الإداري عملا بمقتضيات المادة الرابعة من القانون رقم 00-01 المتعلق بالتعليم العالي”.

و كان الطالب قد تقدم بمقال بواسطة نائبة إلى كتابة ضبط المحكمة عرضا فيه أنهما استصدرا حكما قضائيا نهائيا من محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط بتاريخ 25/12/2018 تحت عدد 1801 ملف رقم  282/7207/2016 قضى بأداء جامعة سيدي محمد بن عبد الله في شخص رئيسها مبلغا إجماليا قدره 496.000.00 درهم مع الصائر فتح له ملف تنفيذي تحت عدد 183/7601/2019 بتاريخ 06/10/2018 انتهى بتحرير محضر امتناع، و أن المدعين قاما بإيقاع حجز بين يدي الغير في شخص السيد خازن عمالة فاس بناء على السند التنفيذي، وأن الحجز المذكور تم تنفيذه في مواجهة المحجوز لديه خازن عمالة فاس الذي أدلى بتصريح إيجابي، و التمس المدعيان الحكم بالمصادقة على الحجز لدى الغير بين يدي خازن عمالة فاس، و الحكم عليه بصرف مستحقتهما المحجوزة لديه لفائدتهم و المحددة في مبلغ 523.997.00 درهم مع تحميل المدعى عليه الصائر.

و لقد علل القاضي الإداري الأمر المذكور بما يلي:

حيث يرمي الطلب إلى الحكم بالمصادقة على الحجز لدى الغير بين يدي خازن عمالة فاس و أمره بتحويل مبلغ 523.997.00 لفائدتهما.

و حيث دفعت الإدارة المحجوز عليها بكون طلب المصادقة على الحجز سبق البت فيه بمقتضى الأمر الصادر عن هذه المحكمة عدد 205/2019 بتاريخ 19/08/2019 في الملف 42/7103/2019 القاضي بالاستجابة للطلب، كما أن القرار المطلوب تنفيذه لم يصبح بعد نهائيا بعدما تم الطعن فيه بالنقض عملا بأحكام المادة التاسعة من قانون مالية 2020، فضلا على أن هذه المادة منعت الحجز على  أموال و ممتلكات الدولة و حددت الآجال الممنوحة من أجل ذلك و هي تطبق على الدعاوى السارية أثناء دخولها حيز التنفيذ و بأثر فوري طبقا للقواعد العامة في هذا الإطار.

و حيث إنه بخصوص الدفع المتعلق بخرق المادة التاسعة من قانون المالية رقم 70.19 لسنة 2020، فلئن كانت هذه المادة قد نصت على أنه ” يتعين على الدائنين الحاملين لأحكام قضائية تنفيذية نهائية ضد الدولة أو الجماعات الترابية و مجموعاتها ألا يطالبوا بالأداء إلا أمام مصالح الأمر بالصرف للإدارة… و لهذه الأسباب نأمر بالمصادقة على الحجز الموقع بين يدي خازن عمالة فاس على مبلغ 523.997.00 درهم و ذلك بالحساب المفتوح في اسم جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس.

خاتمة:

لقد مرت مسطرة الحجز على الأموال العمومية بمراحل مهمة، فبعدما كان الفقه والقضاء مُجْمِعَيْنِ على عدم جواز الحجز على الأموال والممتلكات العمومية، ولكن مع تمادي الدولة (وزارات وجماعات ترابية) في عدم تنفيذ الأحكام القضائية، خصوصا ذات الصلة بالاعتداء المادي على عقارات الأشخاص، والذي كانت نتيجته الخطاب الشهير لجلالة الملك الراحل في 8 ماي 1990، الذي دعا فيه إلى تمكين المواطنات والمواطنين من آليتين لمواجهة تعسف الإدارة (المحاكم الإدارية) وانتهاكات حقوق الإنسان (المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان)

و بعد تقصير مؤسسات الدولة في تنفيذ الأحكام، بدأ القضاء الإداري في استعمال وسائل جبرية لحمل الإدارة على تنفيذ الأحكام القضائية، وخصوصا الغرامة التهديدية ، والحجز بين يدي الغير حيث شُرِعَ في الحجز على الحسابات الخصوصية، لينتقل إلى الميزانية العامة، لينتَهِيَ بالحجز على حساب الخزينة العامة المفتوح لدى بنك المغرب.

كل هذا التطور حذا بالدولة إلى التنصيص على عدم جواز الحجز على أموالها و الجماعات الترابية و الذي خلق جدلا واسعا، لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن المادة التاسعة من قانون مالية 2020 ليست كما قيل عنها تقف ضد تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة الإدارة و تؤدي إلى تغول هذه الأخيرة، بل على العكس من ذلك، فهذا المقتضى يبقى و سيلة لأجرأة  تنفيذ الأحكام في مواجهة الإدارة و عقلنتها في ظل ارتفاع الحجوزات على أموال الدولة إلى مستويات قياسية الشيء الذي من شأنه تهديد التوازنات المالية، كما أن هذه المادة  تجيب على السؤال المطروح كيف يمكننا أن ننفذ الأحكام ضد أشخاص القانون العام في ظل غياب مسطرة خاصة للتنفيذ ضد هؤلاء في قانون المسطرة المدنية.

لائحة المراجع

  • محمد قصري، تنفيذ الأحكام الإدارية ”الغرامة التهديدية” الحجز”، مجلة رسالة المحاماة، دار القلم للطباعة و النشر، الرباط ، عدد مزدوج 30-31 دجنبر 2009.
  • محمد قصري، أليات تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة القانون العام، مجلة الوكالة القضائية للمملكة، العدد الأول 2018 .
  • آمال المشرفي، الحجز لدى الغير لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد المؤسسات العمومية، تعليق على الأمر الاستعجالي الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط عدد 94/ 1997، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، دار النشر المغربية-الدار البيضاء عدد 24 يوليوز-غشت 1998 .
  • أم كلثوم الزاوي، أي دور للحساب الجاري للخزينة في ظل تطورات تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة، مجلة الخزينة العامة للمملكة، العدد 15 شتنبر 2019.
  • عبد الرفيع زعنون، إشكالات المادة 9 من قانون مالية 2020 و تداعياتها على الأمن القانوني و القضائي، مقال منشور بمجلة القانون و الأعمال ، بتاريخ 24 ديسمبر 2019.
  • إدريس بلماحي ، المادة 9 من مشروع قانون المالية مقال منشور بجريدة هيس بريس، بتاريخ 28 نونبر 2019
  • عرض وريز المالية أمام لجنة المالية و التنمية الاقتصادية حول مشروع قانون المالية رقم 70.19 برسم سنة 2020، الجزء الأول، مجلس النواب 2019.
  • ظهير شريف رقم 91-11-1 صادر في 27 من شعبان 1432 (29 يوليو 2011) بتنفيذ نص الدستور.
  • ظهير شريف رقم 62-15-1 صادر في 14 من شعبان 1436 (2 يونيو 2015) بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 13-130 لقانون المالية.
  • ظهير شريف لمثابة قانون رقم 1.74.447 بتاريخ 11 رمضان 1394 (28 شتنبر 1974) بالمصادقة على نص قانون المسطرة المدنية، جريدة رسمية عدد 3230 مكرر 13 بتاريخ 30 شتنبر 1974 ص 2741.
  • أمر إدارية مراكش رقم 69/2019/7103 في الحكم رقم 02 بتاريخ 15 يناير 2020، ضد جماعة ابن جرير.
  • حكم عدد 601 بتاريخ 12/06/2018 في الملف رقم 163/7112/2018.

 

– Laferrière, Traité du Juridiction administrative et des recours contentieux 1898, Tome 1,

– Mohamed Amine Ben Abdellah, l’astreinte contre l’Administration, Revue  Marocaine d’Administration Locale et de Développement.

[1]–  Mohamed Amine Ben Abdellah, l’astreinte contre l’Administration, Revue  Marocaine d’Administration Locale et de Développement,  page 243.

[2] – إن قاعدة عدم جواز الحجز على أموال الدولة من القواعد الأساسية المكرسة لحماية المال العام بحكم تخصيصه للمنفعة العامة و باعتباره ضامنا للأمن المالي العمومي و مؤسسا لدوام استمرار المرفق العمومي، حيث نجد مجموعة من التشريعات الأجنبية تنص عليها، ك كندا، دول غرب إفريقيا، مصر لبنان، تونس و فرنسا ….

 

[3] -محمد قصري، تنفيذ الأحكام الإدارية  ”الغرامة التهديدية” الحجز”، مجلة رسالة المحاماة، دار القلم للطباعة و النشر، الرباط ، عدد مزدوج 30-31 دجنبر 2009، ص 53.

[4] – نظم المشرع المغربي الحجز لدى الغير في الفصول 488 إلى 496 من قانون المسطرة المدنية والمادتين 148 و 149 من نفس القانون وكذا بعض القوانين الأخرى خاصة المادتين 20 و 21 من قانون المحاكم التجارية و 7 و 19 من قانون المحاكم الإدارية، متى كان النزاع الأصلي يدخل في اختصاص هذه المحكمة أو المحكمة التجارية لكن رغم ذلك فإن الملاحظ في التشريع المغربي أنه لم يعط تعريفا للحجز لدى الغير لأنها تبقى عملا فقهيا وقضائيا لأن وضع تعريف تشريعي يضفي صفة الجمود ويجعلها غير قادرة على مواكبة المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، وقد تم تعريفه من طرف الفقه ” بأنه عقل أموال المدين بين يدي مدين هذا الأخير، إما بواسطة كتابة الضبط بناء على سند تنفيذي أو بناء على طلب عند عدم وجود سند تنفيذي على أن يطالب الحاجز باستخلاص المبالغ المحجوزة مباشرة أو تسليمه نتائج بيع الأشياء المحجوز”.

[5] – تجدر الإشارة إلى أن إشكال عدم تنفيذ أحكام القضاء الإداري الصادرة ضد الإدارة الانتباه بعدما اتضح تزايد عدد الأحكام الغير المنفذة فمن أصل ما يقارب 9000 حكم نهلي صادر عن المحاكم الإدارية منذ إحداثها إلى غاية سنة 2010 تم تنفيذ ما يقارب 3000 فقط أي بنسبة 27 بالمائة فيما ظل الباقي بدون تنفيذ أي نسبة 73 بالمائة.

[6] – عرض وريز المالية أمام لجنة المالية و التنمية الاقتصادية حول مشروع قانون المالية رقم 70.19 برسم سنة 2020، الجزء الأول، مجلس النواب 2019، ص 190.

[7] – انظر قرارات الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى سابقا:

-قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى بتاريخ 06/07/1992؛

– قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى  عدد 510 بتاريخ 22/05/1996؛

– قرار الغرفة الإدارية بالمجلس الأعلى عدد 200 بتاريخ 18/02/1990.

[8] – القرار عدد 556 صادر بتاريخ 22/05/1997 في الملف الإداري عدد 96/1334.

[9] – أمر صادر عن رئيس المحكمة الإدارية بالرباط ، أمر رقم 175 بتاريخ 02/05/2007 في الملف رقم 07/134

[10] – آمال المشرفي، الحجز لدى الغير لتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد المؤسسات العمومية، تعليق على الأمر الاستعجالي الصادر عن المحكمة الإدارية بالرباط عدد 94/ 1997، المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية، عدد 24 يوليوز-غشت 1998 ، دار النشر المغربية-الدار البيضاء، ص 92 -94.

[11] – Laferrière, Traité du Juridiction administrative et des recours contentieux 1898, Tome 1, page 34 .

[12] – محمد قصري، أليات تنفيذ الأحكام القضائية في مواجهة القانون العام، مجلة الوكالة القضائية للمملكة، العدد الأول 2018، ص 67.

[13] – القرار عدد 483 بتاريخ 30/05/2016 في الملف عدد447/7202/2026 ضد وزير الأوقاف و الشؤون الإسلامية ووزارة الصحة، أورده محمد قصري، المرجع نفسه ص68.

[14] –  أم كلثوم الزاوي، أي دور للحساب الجاري للخزينة في ظل تطورات تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة، مجلة الخزينة العامة للمملكة، العدد 15 شتنبر 2019، ص، ص 53 – 54.

[15] – محمد قصري، مرجع سابق، ص 71.

[16] – قرار عدد 600 مؤرخ في 04-05-2000 بالملف الإداري عدد 1967-15-1-97 قضية العنصري فاطمة ضد المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي، أورده محمد قصري مرجع سابق ص 71.

[17] – خلافا لباقي أنواع الحجوزات المنصوص عليها في قانون المسطرة المدنية و التي تتميز بكونها تنشئ رابطة بين شخصين طالب الحجز و المحجوز ضده، فان هذا النوع  يتضمن مبدئيا ثلاثة أطراف الدائن الحائز و المدين الحجوز لديه والمحجوز لديه  أي الطرف الثالث الحائز لمال المدين.

[18] – أم كلثوم الزاوي، مرجع سابق، ص 51.

[19] – قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد عدد 758 بتاريخ 21 نونبر 2016في الملف رقم 780/7202/2010.

[20] – عبد الرفيع زعنون، إشكالات المادة 9 من قانون مالية 2020 و تداعياتها على الأمن القانوني و القضائي، مقال منشور بمجلة القانون و الأعمال ، بتاريخ 24 ديسمبر 2019.

[21] – إدريس بلماحي ، المادة 9 من مشروع قانون المالية مقال منشور بجريدة هيس بريس، بتاريخ 28 نونبر 2019. https://www.hespress.com/writers/451574.html

[22] – إدريس بلماحي، مرجع سابق

[23]– ينص الفصل 6 من دستور 2011 على ما يلي : القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة. والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالامتثال له.

تعمل السلطات العمومية على توفير الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

تعتبر دستورية القواعد القانونية، وتراتبيتها، ووجوب نشرها، مبادئ ملزمة.

ليس للقانون أثر رجعي.

[24]– ينص الفصل 126 من دستور 2011 على ما يلي: الأحكام النهائية الصادرة عن القضاء ملزمة للجميع.

يجب على السلطات العمومية تقديم المساعدة اللازمة أثناء المحاكمة، إذا صدر الأمر إليها بذلك، ويجب عليها المساعدة على تنفيذ الأحكام.

[25]– يتم تنظيم المرافق العمومية على أساس المساواة بين المواطنات والمواطنين في الولوج إليها، والإنصاف في تغطية التراب الوطني، والاستمرارية في أداء الخدمات.

 

[26] –  تشتمل نفقات التسيير على: …. النفقات المتعلقة بتنفيذ القرارات و الأحكام القضائية الصادرة ضدة الدولة…

[27] –  أمر إدارية مراكش رقم 69/2019/7103 في الحكم رقم 02 بتاريخ 15 يناير 2020، ضد جماعة  ابن جرير.

[28] – حكم عدد 601 بتاريخ 12/06/2018 في الملف رقم 163/7112/2018.

-[29] أمر إدارية فاس رقم8/2020 في الملف رقم 1/7103/2020 بتاريخ رقم 22/01/2020.

قد يعجبك ايضا