الأم البديلة بين الشرعية والتجريم: نافذة إنسانية أم تجارة سرية

المعلومة القانونية

*بشرى الوهاب

خريجة ماستر المهن القانونية والقضائية بكلية الحقوق طنجة.

عرف العلم المعاصر تقدما ساحقا ،فخاضـه الإنسـان بـذلك الإشـعاع الربــاني الــذي زوده االله بــه -ألا وهــو العقـل –  الى ايجاد حل لمشكلة  تؤرق الكثير من الازواج فجــاءت النتــائج مذهلة [1]، وكانت المساعدة الطبية على الانجاب بمثابة سفينة نجاة للعديد من الازواج الذين يعانون من مشكلة العقم او تأخر الانجاب لدى الجنسين [2]او احدهما، ولما كان لابد من وجود طرف ثالث الى جانب الزوجين بات اللجوء الى الام البديلة ضرورة ملحة وبذلك انشرهذا المفهوم انطلاقا من مبدأ الغاية تبرر الوسيلة ، حيث اخدت هذه الطريقة تنتشر في الغرب وتسللت الى عالمنا الاسلامي فيما بعد ،كل هذا يحيلنا الى التساؤل حول مفهوم الام البديلة او الحمل البديل او الحمل لاجل الغير او امومة الامومة ،فهو عبارة عن حل طبي يتم اللجوء اليه لمساعدة النساء غير القادرات على الحمل والانجاب بسبب مشاكل صحية حيث تتم عملية الاخصاب خارج الجسم بتلقيح بويضة المراة بماء زوجها في المختبر قبل ان تتم زراعة واحدة او اكثر من تلك البويضة المخصبة في رحم امراة متطوعة لتنمو وتستكمل فترة الحمل وهنا يطلق على هذه المرأة بالأم البديلة بينما تكون صاحبة البويضة هي الام البيولوجية،

وهذا مايضعنا امام شرعية هذه العملية، خاصة وانها تطرح خطر الاعتياد عليها من طرف الام البديلة كونها تدر دخلا مهما عليها ،لكون التطوع يكون مقابل تعويض تحصل عليه الام البديلة،وعليه تضاربت الاراء حول اجازة هذه العملية من  تحريمها وتعالت الاصوات المبررة بجوازها بضرورة تقنين العملية بعد ازدياد عدد اللاجئين اليها، ومنه نجد انفسنا امام بحر من التساؤلات، فما علة  التحريم والاجازة لعملية تاجير الرحم ؟ وهل بالفعل هي تجارة عالمية ؟واي موقف للمشرع المغربي من مثل هذه العمليات ؟

 

المحورالاول :الام البديلة علة الشرعية والتحريم

تضاربت الاراء حول من يجيز استئجار الرحم من تحريمه وكثر النقاش في هذا الموضوع ،فإذا اخدنا على سبيل المثال علماء الازهر،يؤكدون ان الاسلام يحرم ذلك ودليلهم قوله تعالى ” فلينظر الانسان مما خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب” والصلب يعني صلب الرجل والترائب ترائب المراة وبالتالي يكون الاب الحقيقي هو صاحب الماء الدافق وهي النطفة والام صاحبة البويضة ومسالة الرحم فتتعلق بالام البديلة التي يتغدى الجنين من رحمها فيصير ابنها بالدم وبالغداء، حيث ينسب المولود لصاحبة الرحم التي ولدته ،اذ يرى كثير من الباحثين ان الايات القرآنية الكريمة واضحة في ذلك “والله اخرجكم من بطون امهاتكم لاتعلمون شيئا” “ووصينا الانسان بوالديه حملته امه وهنا على وهن “فالتي تحمل الجنين ويخرج منها وتضعه كرها [3]هي والدته الحقيقية  لتكون العلة في تحريمه انه يثير شبهة اختلاط الانساب من ناحية ، ومن ناحية اخرى الام البديلة خلال فترة الحمل تكون محرمة على زجها الحقيقي الامر الذي يحرمه من حقوقه الزوجية مما يولد المشاكل في بيتهما والتي قد تصل الى الطلاق وغيرها من الامور [4] ،هذا وتتخده البعض وسيلة لحماية جسدها من الم الولادة والحفاظ على جمال جسدها دون وجود مشاكل من قبل العقم اوغيره،

فيما يرى المجيزين له على انه نافذة انسانية تساعد  النساء في منحهن فرصة الشعور بالامومة (المراة صاحبة البويضة ) باعتباره حق من حقوقها في الحصول على اطفال، وانه من حق الام البديلة كذالك التصرف في جسدها بحرية وكيفما ارادت دون التدخل فيه ،ومن الناحية الاسلامية لكل داء دواء والسعي وراء الحصول على دواء لمشكلة خلقت في الانسان لاتدعو الى كل هذه الضجة  فالتداوي حل يمكن من الاستمرار في الحياة دون مشاكل نفسية كما انه يحافظ على الحياة الزوجية والاستقرار الاسري .

المحور الثاني :الام البديلة تجارة مربحة ؟

لو اردنا القول بان الام البديلة نافذة انسانية ،الا ان الارقام المهولة التي يعرفها العالم نتيجة اللجوء الى هذه العملية بات يدق ناقوس الخطر ويطرح في المقابل سؤال تحوله الى تجارة مربحة لدى بعضهن باعتباره مصدرا يدر مبالغ مهمة من المال ،خاصة وانه يعرف انشارا واسعا في الطبقة الفقيرة من المجتمع الشيء يسلط الضوء على استغلال اجساد بشرية لتحقيق رغبة نفسية تختلف مرجعيتها من امراة الى اخرى، فعلى سبيل المثال في المغرب قدمت رشيدة الورياغلي النائبة الالمانية السابقة ورئيسة المركز المغرب لحقوق الانسان في مدينة طنجة معطيات مهمة حول عدد الارحام التي يتم تأجيرها والتي يقدرعددها بما يقارب 600 امراة مغربية سنويا في غياب الرقابة على  المستشفيات[5]، وعليه ولوعي المشرع بخطورة هذا الامر كان لابد من وضع اطار قانوني لتقنين هذه العملية وتجريم كل الافعال المخالفة لمقتضيات هذا القانون الذي سنناقش بعض مضامينه في المحور التالي  .

المحور الثالث  : موقف المشرع المغربي من تاجير الرحم

نتيحة لحساسية هذا الموضوع من جهة وخطورته من جهة اخرى تدخل المشرغ المغربي بوضع اطار قانوني وهو القانون 47.14 حيث سنعرض في هذا المحور اهم مضامين هذا القانون 47.14المتعلق بالمساعدة الطبية على الانجاب (الصادر في 11 مارس 2019) والذي يهدف من خلاله المشرع  الى تقنين هذه العملية،حيث يسمح هذا القانون  بتقديم المساعدة الطبية على الانجاب من خلال تدارك العجز او الضعف في الخصوبة ذي الطبيعة المرضية التي تم تشخيصها طبيا، هذا القانون لم يغفل عن تحديد مفهومه بكونه استقبال امرأة داخل رحمها للقيحة ناتجة عن الاخصاب الانبوبي لأمشاج من زوجين واستكمال الحمل الى نهايته قصد تسليم المولود بعد الولادة الى والديه البيولوجيين .

وقد اكد هذا القانون على ضرورة احترام مجموعة من الشروط قبل اللجوء الى هذه العملية اذ لا يمكن ممارسة المساعدة الطبية على الإنجاب “إلا في إطار احترام كرامة الإنسان والمحافظة على حياته وسلامته الجسدية والنفسية وخصوصيته وسرية معطياته، وكذا في احترام سرية المعطيات ذات الطابع الشخصي المتعلقة به، طبقا للنصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل هذاو لم يغفل القانون ذاته، من تنصيص عقوبات في حالة الاخلال بشروط الاستفادة من المساعدة الطبية على الإنجاب، وهذه العقوبات على الشكل التالي:

السجن من عشر سنوات إلى عشرين سنة، وبغرامة من 500 ألف درهم إلى مليون درهم، كعقوبة نظير القيام بأحد الممارسات الممنوعة، كالاستنساخ التناسلي أو انتقاء النسل أو التبرع بالأمشاج واللواقح والأنسجة التناسلية أو بيعها أو الحمل من أجل الغير، بالإضافة إلى إجراء أي بحث على اللواقح أو الأجنة البشرية، أو استحداث لقيحة بشرية لأغراض تجارية أو صناعية أو لأغراض أخرى غير أغراض المساعدة الطبية، كما ينظمها نفس القانون

ويعاقب كذلك، بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات وبغرامة من 50 ألفا إلى 100 ألف درهم، على القيام بعدد من الممارسات الممنوعة في إطار المساعدة الطبية على الإنجاب، كالقيام بتقنيات المساعدة الطبية على الإنجاب دون الحصول على طلب من الزوجين معا، وتصدير اللواقح والأمشاج والأنسجة التناسلية إلى الخارج أو استيراد اللواقح نحو التراب الوطني [6]

 

خلاصة القول سيضل هذا الموضوع يطرح نقشا واسعا، ومن وجهة نظري ان المال والبنون زينة الحياة الدنيا ،الا ان الحياة دار ابتلاء وعليه في المحن منح وفي المنع فرصة للتعويض من الحرمان فكما الاباء بحاجة الى ابناء كذلك الابناء بحاجة الى اباء ،واليتيم والمتخلى عنه  بحاجة الى رعاية من الوالدين فهنا يكمن التعويض اذ تجد الام المحرومة ابنا على ارض خصبة بحاجةالى رعاية وحماية وفي المقابل  الام بحاجة الى ان تلامس اصابع يد صغيرة وهو وجه اخر للانسانية يحقق حلمين في حلم واحد ،لأن الغاية الاسمى هي البحث عن اسباب المنع ،فرحمة الله وعدله كفيلة بجعل المتأمل في اقداره يدرك الحكمة والعلة .

 

 

[1] استئجار الرحم حقيقته –دوافعه –حكمه إعداد نايف بن عمار آل وقيان

[2] ساجدة طه محمود تاجير الارحام واثره في نظر الشريعة والطب والقانون

[3] كريمة عبود جبر استئجار كتاب استئجار الارحام والاثار المترتبة عليها من مجلة ابحاث كلية التربية الاساسية المجلد 9 العدد3

[4]موقع العربية

[5]موقع كش24

[6] للاطلاع على اهم مضامين القانون

47.14www.bibliotdroit.com/2019/04/4714.htm

قد يعجبك ايضا