تأثير القوة القاهرة علي عقود الكراء التجاري في ضوء الاجتهاد القضائي: كوفيد 19 المستجد أنمودجا

المعلومة القانونية:

*ذ/ المصطفى لحسيني،

محامي متمرن بهيئة المحامين الجديدة.

لا يختلف إثنان على أن لوباء كورونا ( كوفيد19)،[1] ومثلها في ذلك باقي الأوبئة التي اجتاحت العالم من قبل[2]، آثارا عديدة تجاوزت هي الأخرى الجانب الصحي لِتَمس بتداعياتها كلا من الجانب الإقتصادي والإجتماعي والسياسي والأمني وكذا التشريعي. الشيء الذي أسال الكثير من الحبر بهذا الخصوص من طرف المتخصصين الإقتصاديين والقانونيين والسياسيين، كل في مجال اختصاصه.

ومن الناحية القانونية، يعتبر فيروس كورونا (كوفيد 19 ) واقعة مادية صرفة، تختلف أثارها على أحكام القانون الداخلي، سواء كان عاما أو خاصا.

فمن حيث القانون العام، يعد فيروس كورونا جائحة كونية[3] وحالة من حالات الاستثناء التي تخول لسلطة العمومية اختصاصات استتنائية من أجل ضمان السلامة الصحية للأفراد،[4] وإتخاد إجراءات وتدابير قفزا عن القواعد العامة المألوفة؛ حيث اتخد المغرب قيودا تحد مجموعة من الحقوق كالحق في الاجتماع والتجمع لأغراض مشروعة معينة، أو الحق في التجول، وهذا جاء به المرسومين المتعلقين  بحالة الطوارئ الصحية.[5]

ومن حيث القانون الخاص، فإن وباء كورونا أثر على العديد من العلاقات التعاقدية منها ما هو تجاري ومدني، الامر الذي جعل المعاملات التعاقدية تعرف نوعا من الاختلالات في تنفيذ الالتزامات التبادلية، من بينها عقود الكراء التجاري[6] بسبب إغلاق المحلات التجارية، وفرض الحجر الصحي[7] ومنع المواطنين من مغادرة منازلهم، وتقييد حركة السير والجولان داخل الوطن وخارجه.[8]

ويجب التأكيد على أن قرار إغلاق المحالات التجارية، سيسبب تصدعا للمراكز المالية لهؤلاء التجار، الشيء الذي سيجعل الوفاء بالإلتزاماتهم التعاقدية والقانوينة بمناسبة عقد الكراء التجاري، بين الإستحالة المطلقة والجزئية. و بذلك سيؤدي لا محال إلى نشوب نزاعات بين الأطراف المتعاقدة بسبب الآثار الذي سيخلفها الفيروس، بشأن عدم الوفاء الأطراف بإلتزاماتهم المترتبة عن كراء المحلات الممارس فيها النشاط التجاري.

أمام هذا الوضع، فإن المكري والمكتري للمحلات التجارية، يعانون الأمرين بتوقف نشاطهم التجاري من جهة وتراكم ديون الوجبات الكرائية فضلا على بعض الإلتزامات الفرعية من جهة اخرى.

في ظل هذه الأوضاع نتسائل الأن عن الوسائل التي وضعها المشرع لتعامل مع مثل هذه الحالات، من أجل حماية أطراف العلاقة التعاقدية الذين أصيبت ذممهم المالية بضرر جراء هذه الجائحة والإجراءات التي اتخدتها السلطة العمومية.

في هذا السياق لا يخرج الموضوع عن نظريتين أساسيتين، نظـريـة الـقـوة الـقـاهـرة، ونظرية الظروف الطارئة،[9] كما أجمع على ذلك أغلب الباحثين من الناحية النظرية لتوفر هذا الفيروس على الشروط المتطلبة قانونا لنظريتين معا، لكننا سنقتصر في هذه الدراسة على نظرية القوة القاهرة فقط.

لذلك من الواجب دراسة ما إذا كان فيروس كورونا (كوفيد 19) و الإجراءات التي إتخذتها الدولة بمناسبته، إعتباره  قوة قاهرة مستجمعة الأركان والشروط، يستحيل معها تنفيذ الالتزامات التعاقدية، ومن تم تحرر المدين من الوفاء كليا او جزئيا.

لتحليل هذه الإشكالية ، سنحاول وضع مقاربة قانونية بين جائحة[10] كورونا  وعقود الكراء التجاري وبيان ما إذا كان هذا الفيروس يشكل قوة قاهرة (المحور الأول)، مع توضيح أثاره على عقود الكراء التجاري (المحور الثاني).

 

المحور الاول : التكييف القانوني لفيروس كورونا في عقود الكراء التجاري

يعتبر فيروس كورونا واقعة مادية صرفه لها آثار سلبية واضحة، يمكن رصد ملامحها على عقود الكراء التجاري، من خلال الركود الذي اصاب هذا القطاع الحيوي الأمر الذي جعل التجار امام استحالة مطلقة أو على الأقل من المستحيل تنفيذ الالتزاماتهم التعاقدية في الوقت المتفق عليه.

هل هذا الأمر لوحده كافي ليدفع المدين في عقد الكراء التجاري بالقوة القاهرة لتحلل من إلتزاماته العقدية والقانونية أو على الأقل التخفيف منها؟ للإجابة عن هذا التساؤل بات علينا وجوبا التطرق (أولا) لمفهوم القوة القاهرة ومناقشة شروطها (ثانيا) على أن نخلص إلى تكييف القانوني لفيروس كورونا (ثالثا).

 

أولا: مفهوم القوة القاهرة

لقد نظم المشرع القوة القاهرة في الفرع الثاني من القسم الرابع من قانون الإلتزامات والعقود، وعرفها من خلال مقضيات الفصل 269 من قانون الإلتزامات والعقود بأنها كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية (الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد) وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.

ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.

وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين.”

ونستشف من خلال قرائتنا لهذا الفصل ان القوة القاهرة هي ذلك الحادث أو الواقعة التي لا يمكن يتوقعها الإنسان عادة، ويستحيل مقاومتها أو دفعها ولا يكون للمدين يد في تحقيقها علاوة على أن المشرع أعطى أمثلة على القوة القاهرة وجاء بها على سبيل المثال لا الحصر الشيء الذي يدل على أن القوة القاهرة واقعة وليست قانون.[11]

وإضافة إلى التعريف الذي نص عليه المشرع أعلاه يلتقي مع كل من التعريف الذي أعطاه الفقيه الروماني ألبيان ULPIEN، الذي عرف القوة القاهرة بأنها:

“كل ما مالم يكن في وسع الأدمي أن يتوقعه وإذا أمكن توقعه لا يمكن مقاومته”

وكذلك الفقيه الفرنسي يفورمانطيل عرف القوة القوة القاهرةبأنها ” كل واقعة تنشأ باستقلال عن إرادة المدين، ولا يكون بإستطاعة هذا المدين توقعها أو منع حدوثها، ويترتب عليها أن يستحيل عليه مطلقا الوفاء بالتزامه…”[12]

وبالتالي فإن الواقعة المكونة للقوة القاهرة ترتكز على ثلاث شروط أساسية والتي للمدين    ان يتمسك بها للإستفادة من أثارها وهي:

عــدم الـتوقـع.

استحالة الدفع.

عدم صدور الخطأ من المدين المتمسك بالقوة القاهرة.

 

ثانيا: شروط القوة القاهرة على ضوء جائحة كورونا

1/  شرط عدم التوقع.

يجد هذا الشرط سنده في الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود، يرتبط   بأحد أطراف العلاقة التعاقدية (المدين) في عقد الكراء التجاري،ويقصد به أن الفعل يأتي بصفة مفاجفة ومباغتة، بحيث لا يترك للأطراف فرصة التصدي للفعل، أما في المقابل إذا كانت هناك إمكانية توقع حصوله فلا يعتبر من قبيل القوة القاهرة، تطبيقا لما نص عليه المشرع.

إن مسألة التوقع أو عدم التوقع مسألة ترتبط أساسا بشخص المتعاقد، وبتصوره الذهني. لكن فيروس كورونا قد يطرح بعض الإشكالات بخصوص هذا الشرط، من حيت زمان التوقع  لكن القاعدة فيما يخص المسؤولية العقدية يكون وقت ابرام العقد[13]، فمتى كان الحادث غير ممكن التوقع وقت التعاقد، كان هذا وحده كافيا حتى لو امكن توقعه بعد التعاقد وقبل التنفيذ.[14]

وبخصوص هذا الفيروس لم يكن بالإمكان توقعه نهائيا نظرا الى السرعة التي ظهر بها وانتشاره بصورة سريعة عجزت مختلف دول العالم عن التصدي له، لذلك نعتبر أن شرط عدم التوقع في هذه الجائحة متوفر. وفي جميع الحالات فإن شرط عدم التوقع مسألة واقعية وموضوعية يرجع استخلاصها للسلطة التقديرية للقضاء.[15]

 

2/  عدم القدرة على الدفع

نص المشرع على هذا الشرط في نفس الفصل المومأ إليه أعلاه ويفيذ أن المدين لا تكون له القدرة على رد تلك القوة القاهرة التي أضرت او يمنعت هذا الاخير من الإنتفاع بالمحل التجاري موضوع عقد الكراء.

وهو نفس الأمر لفيروس كورونا كواقعة مادية من الإستحالة لشخص المدين دفعها في ضل عجز المؤسسات الدولية لحد الساعة إيجاد علاج لها، فضلا عنلإجراءات والتدابير التي قامت بها الدولة كواقعة قانونية، التي قيدت الحركة، وفرض الحجر الصحي وإغلاق المحلات التجارية وتقييد حركة المستهلكين، وإغلاق الحدود في وجه الجالية المغربية والأجانب والتنقل بين المدن، الشيء الذي يجعل المدين في عقد الكراء التجاري اما استحالة من تنفيذ التزامه خلال سريان فترة الحجر الصحي تحت عقوبات زجرية وغرامات مالية.[16]

3/  عدم صدور الخطأ من المدين المتمسك بالقوة القاهرة.

عملا بمقتضيات الفقرة الأخيرة من الفصل 269 من قانون الالتزامات  والعقود :”… لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين”.

وكذالك مقتضيات الفصل 95 من نفس القانون الذي ينص على أنه : ” لا حمل للمسؤولية المدنية… عن … قوة قاهرة لم يسبقها او يصطحبها فعل يؤاخذ به المدعى عليه “.

وأنتهاءا بالفصل 709 من نفس القانون الذي نص في فقرته الأولى:” إذا منع المكتري … بسبب … قوة قاهرة، كان له حق الإعفاء من الكراء أو استرداده من المكري، إذا كان قد سبقه له. وذلك بشرط:

أولا: ألا يكون الحادث الفجائي أو القوة القاهرة، قد حدث نتيجة خطإه؛ ”

ومنه نستنتجان الواقعة التي يتسبب في وقوعها المدين بفعله أو خطإه، لا يمكن اعتبارها بأي حال من الاحول قوة قاهرة تعفيه من المسؤولية العقدية، لأن قواعد العدالة ولإنصاف تقضي بأن لا حق للشخص في الإستفادة من خطإه.

لكن هذا الشرط لا يستقيم وحالة فيروس كورونا وغير مطلوب منطقيا، مع إعلان منظمة الصحة العالمية بكونه وباء دولي الأثار القاتلة للوباء، وقرارات السلطة بفرض الحجر الصحي وإغلاق المحلات التجارية، يعتبر من قبيل القوة القاهرة.

 

ثالثا: التكييف القانوني لأثر جائحة كورونا في عقود الكراء التجاري.

إن جل التشريعات التي تأخد بنظرية القوة القاهرة، لم تجعلها محصورة على وقائع محددة دون غيرها فكل واقعة تحققت بشأنها الشروط المحددة في انعدام التوقع واستحالة الدفع، واستقلال الواقعة عن إرادة المدين، وجعلت التنفيذ مستحيلا إلا وعدت حالة من حالات القوة القاهرة. وبناءً على ما تقدم بات من الواضح أن فيروس كورونا يصح وصفه بالقوة القاهرة.

وفي هذا السياق هناك عدد من الدول إعتبرت فيروس كورونا (كوفيد 19) قوة قاهرة، بما فيها المغرب، وهو ما أكدته دورية السيد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، الموجهة لمختلف المؤسسات والمقاولات العمومية المغربية من أجل اتخاذ مجموعة من الإجراءات لتسهيل إبرام الصفقات العمومية والطلبيات في ظل الوضع الذي يمر منه المغرب بسبب فيروس كورونا المستجد، التي جاء فيها ما يلي:

” أنه يمكن للمؤسسات والمقاولات العمومية الاستناد إلى ظروف القوة القاهرة لمنح مهلة إضافية تعادل حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها في المغرب”[17].

وهو نفس التوجه الذي ذهبت إليه فرنسا، حيث أعلن وزير الاقتصاد والمالية الفرنسي  يوم 28 فبراير الماضي بعد اجتماع مع الشركاء الاقتصاديين أن فيروس كورونا يعد قوة قاهرة بالنسبة للمقاولات، مؤكدا أنهم لن يطبقوا غرامات التأخير في التنفيذ على الشركات المرتبطة بعقود مع الدولة، وطرح إمكانية اللجوء إلى الخدمات الجزئية وإعطاء مهل لأداء الأعباء الاجتماعية والضريبية بالنسبة للمقاولات التي يثبت تضررها من آثار هذا الوباء.[18]

واعتبر القضاء الفرنسي في قرار حديث صادر عن الغرفة السادسة لمحكمة الإستئناف “كولمار” أقر بشكل صريح بأن جائحة كورونا تعتبر بمثابة قوة قاهرة يمكن التمسك بها على هذا الإساس.[19]

هذا بخصوص واقعة كورونا في ذاتها، لكن الإجراءات المتخدة من طرف الحكومة بسبب هذه الجائحة من حجر صحي وإغلاق الشركات والمحلات التجارية، هل يمكن تكييفها بأنها قوة قاهرة؟

إن هذه النقطة بالذات نص عليها المشرع صراحة وهو يعالج مفهوم وحالات القوة القاهرة في الفصل 269 من ظهير الإلتزامات والعقود، حينما جعل من فعل السلطة الذي يجعل تنفيذ الإلتزام مستحيلا قوة قاهرة.

وهذا ما يعرف بنظرية فعل الأمير[20] أي ان هذه المحالات التجارية تم إغلاقها و إيقافها عن العمل بقرار إداري صادر عن السلطة العمومية المختصة بسبب تفشي جائحة فيروس (كوفيد 19 ) المستجد؛ وهذا ما ذهبت إليه الغرفة الاجتماعية بمحكمة النقض في إحدى قراراتها، حيث إعتبرت… نظرية فعل الأمير وهي كل إجراء مشروع وغير متوقع يصدر عن جهة ثالثة غير طرفي العقد ينجم عنه الإضرار بالمركز المالي للمقاول بسبب تصرح الإدارة ….[21]

وبالتالي فإن هذا القرار الصادر عن السلطة العامة يتسم بالقهر والإجبار لا يمكن مخالفته أو الخروج عنه تحت طائلة المواجهة بعقوبات سالبة للحرية وغرامات مالية.

 

 

المحور الثاني: أثر القوة القاهرة على عقود الكراء التجاري في ظل وباء كورونا .

 

يعتبر عقد الكراء التجاري كباقي العقود الرضائية، التي تعتبر شريعة بين المتعاقدين[22]، والتي تنبني على ثلاثة أسس، على رأسها ما هو قـانـونـي يتجسد في احترام مبدأ سلطان الارادة بإعتباره الركيزة الأساسية لمختلف التصرفات القانونية والطابع الأخلاقـي والديني المتمثل في احترام العهود إضافة إلى الطابع الاجتماعي والاقتصادي، الذي يظهر في وجوب استقرار المعاملات الذي يتحتم ان يسود في كل مجتمع.

لكن هذه القوة الملزمة مقيدة في حدود معقولة بما تستوجبه العدالة التعاقدية، لذلك فالالتزام التعاقدي الذي يصبح مستحيل التنفيذ استحالة مطلقة أو جزئية لظروف خارجة عن إرادة الأطراف،يمكن أن تخضع لإعادة النظر في هذا العقد، بحيث لا يمكن الحديث عن القوة للملزمة للعقد في ظل ما هو خارج عن إرادة الأطراف، وهو ما يسقط على فيروس كورونا (كوفيد 19).[23]

وبالتالي سنحاول قدر الإمكان ملامسة النقط الرئيسية التي من شأنها أن تتأثر بفعل القوة القاهرة بدءا من عقد الكراء التجاري بصفة عامة( أولا) مرورا بالوجيبة الكرائية بإعتبارها إلتزاما رئيسيا في العقد (ثانيا) إنتهاءا بالأجال المنصوص عليها في الكراء التجاري (ثالثا).

 

أولا: أثر القوة القاهرة على عقد الكراء التجاري بشكل عام

إن فيروس كورونا بإعتباره قوة قاهرة، لم يجعل عقد الكراء التجاري مستحيل إستحالة مطلقة إلا في جزء منه، وهذه الإستحالة مؤقتة غير نهائية نظرا لطبيعة العقد الزمنية من جهة ووقتية فيروس كورونا المحكوم بالزوال من جهة أخرى.[24]

هذه الحالة فطن لها المشرع ونظمها من خلال مقتضيات الفصل 336 من ظهير الإلتزامات والعقود والتي تقضي بما يلي:

” إذا كانت الاستحالة جزئية لم ينقض الالتزام إلا جزئيا. فإذا كان من طبيعة هذا الالتزام أن لا يقبل الانقسام إلا مع ضرر للدائن، كان له الخيار بين أن يقبل الوفاء الجزئي وبين أن يفسخ الالتزام في مجموعه.”

إن محور عقد الكراء التجاري بالنسبة للمكتري هو الإنتفاع بالمحل التجاري في ما اعد له، الأمر الذي يجعل هذه الإستحالة تنصب على هذا الجزء في فترة من الزمن، الشيء الذي يمنع المكتري بالإنتفاع بالمحل مدة معينة من الزمن.

وهذه الإستحالة الجزئية بسبب جائحة كورونا، هي استحالة  الموقوتة في الزمن، بحيث لا تستغرق مدة عقد الكراء التجاري كاملة، فهي مرتبطة أساسا بمدة الحجر الصحي الذي نص عليها المرسوم المتعلق بحالة الطوارئ الصحية.[25]

ثانيا: آثر القوة القاهرة على عدم أداء وجبات الكراء خلال مدة انتشار فيروس كورونا.

تعتبر الوجيبة الكرائية من أهم الإلتزامات الملقاة على عاتق المكتري وأخطرها، لجعلها من قبل المشرع في قانون الكراء التجاري رقم 49.16 من أسباب الإفراغ بل أكثر من ذلك فهي تعفي المكري بأداء أي تعويض للمكتري مقابل إفراغه، وهو مانصت عليه الفقرة الأولى من المادة الثامنة[26] منه في حالة ” إذا لم يؤدي المكتري داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ توصله بالإنذار، وكان مجموع ما بذمته على الأقل ثلاثة أشهر.”

أمام حدة هذا لمقتضى التشريعي الذي من شأن تطبيقه في الظروف الحالية القاهرة، سؤدي إلى إعدام الحركة الإقتصادية ويزيد من تأزم الأوضاع الإجتماعية للمكترين، لفقدانهم محلاتهم التجارية وتعريضهم للضياع؛ الشيء الذي يدفعنا إلى التساؤل عن السبل القانونية المتاحة لحماية المكترين؟

نص المشرع في الفصل 269 من قانون الإلتزامات والعقود على أن من بين حالات القوة القاهرة فعل السلطة، هذه الحالة التي بين المقصود منها في الفصل 652 من نفس القانون فيما يخص عقود الكراء  والذي ينص على مايلي:

” أعمال الإدارة العامة التي تتم وفقا لما يقضي به القانون والتي يترتب عنها نقص كبير في انتفاع المكتري، كالأشغال التي تنفذها الإدارة والقرارات التي تصدرها، تبيح له أن يطلب، على حسب الأحوال، إما فسخ العقد أو إنقاصا في الكراء متناسبا مع ذلك النقص.

ويجوز أن يترتب على المكري التعويض عنها، إذا كانت ناتجة بسبب فعل أو خطأ يعزى إليه. وكل ذلك ما لم يتفق الطرفان على خلافه.”

وبالتالي فالقاعدة العامة أن القوة القاهرة ومتى تحققت كل الشروط التي يتطلبها المشرع بشأنها كما مر معنا، عدت سببا كافيا بوحده لإنهاء الإلتزام التعاقدي، أو على الأقل تأجيل تنفيذه إذا لم يكن في ذلك ضرر قد يصيب المكري أو المكتري[27].

والحال على أنه ليس هناك من الناحية القانونية ما يمنع الطرفين – المكري والمكتري- من الإتفاق مجددا على تمديد أجل تنفيذ أداء الوجيبة الكرائية وبشروط جديدة تراعي الظروف القاهرة التي يمر منها المغرب، والضرر الذي لحق المكتري من عدم إنتفاعه بمحل العقد؛ و بحيث يتوقف الإلتزام العقدي فلا ينفذ إلا بعد إنتهاء الأجل الجديد، أو القيام بإبرام عقد جديد مكانه ويضع المتعاقدان في الإعتبار من خلاله ما أستجد من ظروف قاهرة بخصوص وباء كورونا وكذالك حالة الطوارئ الصحية.[28]

اعتقد أنه من العدالة والإنصاف أن يتم تعليق أداء واجبات الكراء للمحلات التجارية التي تم إغلاقها في هذه الفترة دون تعويض[29] المكرين لاحقا عن هذا التعليق، وإعادة النظر في هذه الوجيبات الكرائية بما يتناسب مع ما لحق المكتري من ضرر جراء حرمانه من حقه في استعمال محله التجاري .

ويمكن للتجار المتضررين من الإغلاق الإداري المطالبة بحلول الصندوق الخاص بتدبير[30] بجائحة كورونا مكانهم في أداء الوجيبة الكرائية ولم لا المطالبة بتعويضهم ولو جزئيا عن فقدان الأرباح المتوقعة لضمان استمرار النشاط التجاري مستقبلا.[31]

 

ثالثا: تأثير القوة القاهرة على الأجال في الكراء التجاري

كثير هي تلك المناسبات التي نص فيها المشرع من خلال قانون 49.16 المتعلق بالكراء التجاري على العديد من الآجال، التي تحكم التصرفات العقدية والقانونية المرتبطة بالكراء التجاري؛ والتي يجب أن تنفذ في داخلها ويرتب عدم تنفيذها داخل هذه الآجال أثار قانونية تبدأ بالتعويض، إلى الفسخ الالتزامات، هذه الآجال من النظام العام وهي أجالات سقوط غير قابل للتوقف او الإنقطاع[32]؛ ويجب  على المدين ان ينفد إلتزامه داخل الأجل المحدد.

إن أثر القوة القاهرة في التشريع المغربي على الأجال، هي على نقيض ما يذهب إليه البعض، بكونها تعلق وتوقف تنفيذ الالتزام وتأجيله، على غرار المشرع الفرنسي الذي  نص في الفصل 1218 من القانون المدني الفرنسي، فالأمر بالنسبة للمشرع المغربي على خلاف ذلك وحصر الأثر في عدم المطالبة بالتعويض عندما يتم التأخير المدين في تنفيذ الالتزام.[33]

وبالتالي فاعتبار فيروس كورونا قوة قاهرة في المغرب، من أجل تمديد أو توقيف الأجال لن يجدي نفعا، الأمر الذي سيخلق مشاكل  من ناحية عدم تنفيذ المكتري والمكري التزاماتهم  بعضهم البعض, أو في علاقتهم مع المؤسسات الإدارية, او في علاقتهم مع القانون. لأنه يوجد دائما للالتزامات طرف آخر له هو كذلك مصالحه المرتبطة بضرورة بتنفيذ تلك الالتزامات في آجالها.[34]

وعليه إن تمديد أو توقيف كل الآجال المنصوص عليها في قانون الكراء التجاري رهين بتدخل من قبل المشرع، من اجل اصدار مرسوم قانون ينص على تمديد او توقف الآجال بجميع أنواعها وفي كل الميادين بما يضمن مصالح الجميع في شفافية تامة، وهو ما تنبه إليه المشرع من خلال مرسوم قانون رقم 292.20.2 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 يتعلق المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية حيث جاء في مادته السادسة ما يلي:

“يوقف سريان مفعول جميع الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل خلال فترة حالة الطوارئ الصحية المعلن عنها، ويستأنف احتسابها ابتداء من اليوم الموالي ليوم رفع حالة الطوارئ المذكورة .”

يبدو من خلال هذه المادة، وكما هو واضح من دلالة منطوقها، أنها تحدد نطاق تطبيقها من حيث الموضوع في الآجال المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الشيء الذي يستغرق معه موضوع الكراء التجاري ويوقف كل الأجالات المنصوص عليها في قانون الكراء التجاري 49.16  إلى حين رفع حالة الطوارئ الصحية.

خـتـامـا:

أمام إستفحال وباء كورونا (كوفيد 19)، وما عقبه من إجراءات احترازية طارئة ومشددة،  لا يمكن إلا ووصفه بالقوة القاهرة، من أجل توفير على الأقل الحماية لأطراف عقد الكراء التجاري وإعادة استقرار العلاقات التعاقدية والمراكز المالية في العقود الكراء التجاري.

فمن الواضح أن مبدأ سلطان الإرادة الذي جعل حقوق الأفراد مقدسة وأرضية صلبة على حساب حقوق المجتمع التي تعد الأسمى، الشيء الذي سؤدي إلى خلق أوضاع شادة سيتمخض عنها ظلم كبير للمكترين بإعتبارهم طرف ضعيف في العقد، الأمر الذي سينعكس سلبا عن الإقتصاد الوطني.

وبهذا بات من الضروري العمل على صياغة تشريعية تنسجم مع الظروف التي يعيشها البلاد بعيدا عن القواعد المتصلبة، ونفس الأمر بالنسبة للقضاء فالباب مفتوح لتأصيل ولإجتهاد من أجل إنشاء قواعد قانونية من صلب الواقع العملي.

 

 

 

 

 

 

[1] حسب تعريف منظمة الصحة العالمية فيروسات كورونا هي سلالة واسعة من الفيروسات التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان. ومن المعروف أن عدداً من فيروسات كورونا تسبب لدى البشر أمراض تنفسية تتراوح حدتها من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد وخامة مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) والمتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة (سارس). ويسبب فيروس كورونا المُكتشف مؤخراً مرض كوفيد-19.

[2] وعلى رأس هذه الأوبئة مايلي:

  • الطاعون الأنطوني:

في عام 165ميلادية تم تسجيل الطاعون الأنطوني، تسبب في وفاة ما لا يقل عن ألفي شخص يوميا حينئذ.

  • طاعون جستنيان:

انتشر في كافة أنحاء الإمبراطورية البيزنطية في آسيا وأفريقيا وأوروبا بين عامي 541 و 542، وقد أسفر عن سقوط عدد كبير من الضحايا ، وذلك بحسب منظمة الصحة العالمية.     .

  • الطاعون الأسود:

ظهر بأوروبا عامي 1348 و 1349 ما عرف باسم الطاعون الأسود الذي أسفر عن مقتل نحو 20 مليون شخص.

  • الكوليرا :

في عام 1820 فتكت الكوليرا بالكثيرين في جنوب شرق آسيا وبلغ عدد الضحايا أكثر من 100 ألف شخص.

  • أيــبــولا:

في ديسمبر/ 2013، ظهر هذا الوباء في غينيا وانتشر إلى ليبيريا وسيراليون المجاورتين، ليعرف بعدها باسم “فيروس إيبولا في غرب أفريقيا.

  • المصدر: مقال حول تاريخ الأوبئة في العالم بموقع منشور بموقع بي بي سي تاريخ الزيارة 02/05/2020 رابط المقال:   https://cutt.us/GW7Vv

[3] في 30 يناير 2020 ، اعتبرت منظمة الصحة العالمية “كوفيد 19 ″ يشكل حالة طوارئ صحية دولية.؛ المصدر / الموقع الإلكتروني الرسمي لمنظمة الصحة العالمية: https://www.who.int

[4] الفصل 31 من الدستور2011 . و المواد 4 و 7 و 8 من القانون 34.09 المتعلق بالمنظمة الصحية وعرض العلاجات..

[5] يتعلق الأمر بمرسوم بقانون رقم 2.20.292 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية وإجراءات الإعلان عنها، ومرسوم رقم 2.20.293 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد -19

[6] نظم المشرع هذه العقود بموجب قانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري او الصناعي أو الحرفي الذي صدر بتنفيذ الظهير الشريف رقم 1.16.99 بتاريخ 13 من شوال 1437( 18يوليو 2016) .

[7] فيما يخص الأساس القانوني للحجر الصحي فإنه يلزم الرجوع بالأساس إلى المرسوم الملكي رقم 554 بتاريخ 26 يونيو 1967 بمثابة قانون المتعلق بوجوب التصريح ببعض الأمراض واتخاذ تدابير وقائية للقضاء على هذه الأمراض والمنشو ر بالجريدة الرسمية بتاريخ 5 يوليو 1967 .

[8]  المادة الأولى من مرسوم رقم 2.20.293 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا كوفيد -19.

[9] محمد الكشبور في كتابه “نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة، دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1993. الصفحة 13.

[10]  تعريف الجائحة في  معجم لسان العرب لابن منظور هي الشدّة والنازلة العظيمة التي تَجتاح المالَ من سَنَةٍ أَو فتنة. وكل ما استأْصله: فقد جاحَه واجْتاحَه. وجاحَ اللهُ ماله وأَجاحَه، بمعنىً، أَي أَهلكه بالجائحة. الأَزهري عن أَبي عبيد: الجائحة المصيبة تحلّ بالرجل في ماله فتَجْتاحُه كُلَّه؛ قال ابن شمل: أَصابتهم جائحة أَي سَنَة شديدة اجتاحت أَموالهم، فلم تَدَعْ لهم وَجاحاً، والوَجاحُ: بقية الشيء من مال أو غيره. ابن الأَعرابي: جاحَ يَجوحُ جَوْحاً إِذا هَلَكَ مالُ أَقربائه. وجاحَ يَجُوح إِذا عَدَل عن المَحَجَّة إِلى غيرها؛ ونزلت بفلان جائِحة من الجَوائِح. الجزء الثاني الصفحة 431.

[11] مقال لنا في موضوع:  أثر القوة القاهرة على الكراء الفلاحي منشور بمجلة القانون والأعمال، رابط المقال  https://www.droitetentreprise.com

[12] هذه لتعاريف المشار إليها في:

محمد الكشبور في كتابه “نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة، دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج، م.س. ص27و28.

[13] وهو نفس النهج الذي يسلكه القضاء الفرنسي حيث إعابرت محكمة saint-Denis de la réunion في حكمها صادر بتاريخ 29نونبر2009 في الملف عدد 08/02114 الذي قضى بانعدام حالة القوة القاهرة عندما يكون الوباء سابق على العلاقة التعاقدية، حيث ذهبت المحكمة إلى اعتبار أن الوباء ” chikungunya” سنة 2006 قد تفشى قبل قيام العلاقة التعاقدية، مما لا يعتبر الدفع بالقوة القاهرة سببا سليما في رد المطالبة بالتعويض.

[14] هذا ما أكده الفصل  269 من قانون الإلتزامات والعقود الفقرة قبل الاخيرة نصت على: “ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.”

[15] يقول الأستاذ عبدالرزاق السنهوري حول الموضوع في مؤلفه الوسيط في شرح القانون المدني نضرية الالتزام ” ….أن معيار عدم التوقع معيار موضوعي لا شخصي ، ومن تم لا فلا يكفي ان  الفعل او الواقعة المكونة لحالة القوة القاهرة مما لا يمكن للمدين بالذات ان يتوقعه او ان يتلافاه، و انما يجب ان يكون عدم التوقع هذا قائما بالنسبة لاي مدين كان متى وجد في نفس الظروف التي يوجد فيها المدعى عليه…..”

[16] محمد الكشبور في كتابه “نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة، دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج، مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1993. الصفحة 33.

[17] الموضوع منشور بالموقع التالي http://hespress.com/%C3%A9conomie/465747.html.1

[18] الأستاذ محمد الخضراوي: الأثار القانونية لفيروس كورونا المستجد على الإلتزامات التعاقدية مقال منشور بسلسلةإحياء علوم القانون مؤلف جماعي حول الدولة والقانون في زمن جائحة كورونا عدد ماي 2020 الطبعة الأولى 2020 مكتبة دار السلام للطباعة والنشر الرباط . الصفحة 276.

[19] قرار صادر عن الغرفة السادسة لمحكمة الاستئناف كولمار الفرنسية بتاريخ 12 مارس 2020 ، تم الإطلاع عليه بتاريخ 02/05/2020  منشور بالموقع الإلكتروني:  https//www.lexis360.fr

[20]  يعرف فقهاء القانون الاداري عمل نظرية فعل الامير بانه :(عمل يصدر من السلطة العامة من دون خطأ من جانبها من شانه ان يؤثر على التزامات المتعاقد مع الادارة ويؤدي الى التزام جهة الادارة بتعويض المتعاقد المتضرر عن الاضرار التي تلحقه بما يعيد التوازن المالي للعقد ) .

ويطلق على نظرية عمل الامير ايضا نظرية المخاطر الادارية ، ومقتضى ذلك انه قد يصدر من الادارة بشكل مباشر او غير مباشر قرار من شأنه ان يؤدي الى تعديل شروط العقد او ظروف تنفيذه كاصدار قانون او لائحة او قيام الادارة باشغال عامة من شانها ان تعرقل تنفيذ العقد او ان تلحق اضراراً مادية بالمتعاقد مع الادارة اثناء فترة التنفيذ واستنادا الى نظرية عمل الامير فان المتعاقد المتضرر في هذه الحالة يستحق تعويضا عن تلك الاضرار  مقال للأستاذة منال داود العكيدي حول حول نظرية عمل الأ مير تم الإطلاع على المقال بالموقع الإلكتروني ” https://www.mohamah.net/ بتاريخ 08/05/202 على الساعة 00.00.

[21] قرار عدد 285 الصادر بتاريخ 27 مارس 2018 في ملف اجتماعي عدد 3151 / 5 / 1 / 2017 ، منشور بنشرة قرارات محكمة النقض الغرفة الاجتماعية، عدد 37 ، ص: 52 – 53

[22] تجد هذه القاعدة أساسها في الفصل 230 من ظهير الإلتزامات والعقود الذي نص: “الالتزامات التعاقدية المنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها، ولا يجوز إلغاؤها إلا برضاهما معا أو في الحالات المنصوص عليها في القانون.”

[23] ذ- مروان بوسيف: مقال منشور مؤلف جماعي حول” الدولة والقانون في زمن جائحة كورونا”   بعنوان: مآل تنفيذ الإلتزامات التعاقدية في ظل فيروس كورونا – كوفيد 19 -بين اعتباره قوة قاهرة أم ظرف طارئ. م س ص 328.

[24] قد يقول قائل بخصوص فيروس كورونا على أنه لا يعدو إلا أن يكون ظرف طارئ لإتسامه بالوقتية والزوال، لكن نحن نقول بخلاف ذلك لأن المشرع أخد ضمنيا بالقوة القاهرة المؤقتة عندما أشار من خلال أحكام الفصل 268 من قانون الالتزامات والعقود، إلى تأخير تنفيذ الإلتزام، فضلا على مقتضيات الفقرة الثانية من الفصل 243 من نفس القانون، وغني عن البيان بالرجوع الى الفصل 269 من قانون الالتزامات والعقود حينما عرف المشرع القوة القاهرة وأورد صراحة بعض الامثلة للقوة القاهرة كالظواهر الطبيعية من الفيضانات والجفاف، والعواصف والحرائق والجراد، هذه الظواهر التي تتسم بالتأقيت عادة.

[25]  راجع بهذا الخصوص أستاذنا محمد الكشبور “نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة، دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج” م.س.ص.73

[26] للإشارة لقد تقدم الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، بمقترح قانون يرمي إلى تعديل المادة الثامنة من القانون رقم 49.16 المتعلق بكراء العقارات أو المحلات المخصصة للاستعمال التجاري أو الصناعي أو الحرفي.

حيث أصبحت تنص بعد التعديل على:

لا يلزم المكري بأداء أي تعويض للمكتري مقابل الإفراغ في الحالات الآتية :
1 إذا لم يؤد المكتري الوجيبة الكرائية داخل أجل خمسة عشر يوما من تاريخ توصله بالإنذار، وكان مجموع ما بذمته على الأقل ثلاثة أشهر من الكراء؛
2 ……………………
3 ……………………
4 …………………..
7……………………

استثناءً من مقتضيات الفقرة الأولى أعلاه ، تعد المبالغ الكرائية العالقة بذمة المكتري عن الفترة المتعلقة بحالة الطوارئ الصحية المنصوص عليها بمرسوم بقانون عدد 2.20.293 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا – كوفيد 19 ، دينا عاديا يستوفى بالمساطر القانونية المعمول بها دون اعتبار ذلك تماطلا موجبا للإفراغ دون تعويض.

 

[27] وهذا ما يستفاذ من مضمون الفصل 254 من قانون الالتزامات والعقد الذي نص على أنه : “يكون المدين في حالة مَطْـل، إذا تأخر عن تنفيذ التزامه، كليا أو جزئيا، من غير سبب مقبول.”

*يستقى من مضمون النص على أنه لا يعد المدين في حالة مطل ، إذا كان هذا التأخر في تنفيذ الإلتزامات مبرر بأسباب معقولة ومقبولة كما هو الحال معنا بشأن القوة القاهرة.

[28] نص المشرع ضمن الفصل 347 من قانون الالتزامات والعقود على أنه:

“التجديد انقضاء التزام في مقابل إنشاء التزام جديد يحل محله.

والتجديد لا يفترض بل يجب التصريح بالرغبة في إجرائه.”

+راجع بهذا الخصوص أستاذنا محمد الكشبور “نظام التعاقد ونظريتا القوة القاهرة والظروف الطارئة، دراسة مقارنة من وحي حرب الخليج” م.س.ص.69

[29] لا مجال للحديث عن التعويض في ظل هذه الظروف طبقا لمقتضيات الفصل 268 من قانون الإلتزامات والعقود الذي نص على أنه “لا محل لأي تعويض، إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى إليه، كالقوة القاهرة…”

[30]وقد أحدث هذا الصندوق بموجب المرسوم رقم 2.20.269 الذي تم نشره بالجريدة الرسمية ليوم الثلاثاء في 22 رجب 1441 الموافق 17 مارس 2020 بعد المصادقة عليه من لدن مجلس استثنائي للحكومة بتاريخ 16 مارس 2020 . كما تم إخبار اللجنتين المكلفتين بالمالية بالبرلمان بإحداث هذا الصندوق، وهم اللجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب، ولجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية بمجلس المستشارين، طبقا للمقتضيات القانونية.

[31] الأستاذ سعيد الناوي: آثار توقف النشاط التجاري على أداء واجبات الكراء فترة انتشار جائحة فيروس كورونا _كوفيد 19_ – مقال منشور بجريدة الصباح الإلكترونية تم الإطلاع عليه بتاريخ 06/05/2020 على 04:50 رابط المقال http://assabah.ma/466556.html

[32] مفهوم الأجل قانونا، بحسب تعريف الدكتور عبد الرزاق السنهوري، “تحديد الوقت الذي يجب فيه استعمال رخصة قررها القانون”، أو بعبارات الأستاذ عبد العزيز توفيق: “هو الفترة الزمنية التي حددها القانون للقيام بإجراء ما، وأوجب القيام به خلال هذه الفترة أو بعد نهايتها أو قبلها تحت طائلة سقوط الحق في الإجراء”.

[33] هذا الأمر واضح من خلال الفصل 268 حين ما نص لى أنه ” لا محل للتعويض إذا أثبت المدين أن عدم الوفاء بالالتزام أو التأخير فيه ناشئ عن سبب لا يمكن أن يعزى اليه ,كالقوة القاهرة….” فالمشرع حصر الأثر في التعويض ولا شيء غيره……

للإطلاع أكثر حول هذه النقطة يمكن مراجعة مقال للأستاذ عبدالكبير طبيح تحت عوان ” كورونا ..الحاجة إلى تطبيق الفصل 81 من الدستور  بالموقع الإلكتروني ” تيل كيل عربي” تم زيارته بتاريخ 31/05/2020 الرابط  http://ar.telquel.ma/

[34] مقال للأستاذ عبدالكبير طبيح تحت عوان ” كورونا ..الحاجة إلى تطبيق الفصل 81 من الدستور  م.س.

قد يعجبك ايضا