العدالة الانتقالية في المغرب: بين فعالية المفهوم الجديد للسلطة و ضمان الانتقال الديمقراطي

المعلومة القانونية       

محمد البغدادي

باحث في مركز الدكتوراه

في تخصص القانون الخاص

كلية الحقوق بطنجة

معلوم أن العدالة الانتقالية في المغربتتخذ مجموعة من التدابير

القضائية وغير القضائية التي قامت بتطبيقها دول مختلفة من أجل

معالجة ما ورثته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان. وتتضمن هذه

التدابير الملاحقات القضائية[1] ولجان الحقيقية[2] وبرامج جبر الضرر[3]

وأشكال متنوعة من إصلاح المؤسسات[4]، وبعبارة أخرى مصالحة الدولة

المغربية مع مواطنيها من خلال مراجعة علاقاتها وتصرفاتها معهم بما

ينسجم  ويتناسب مع احترام المفهوم الجديد للسلطة  وتكريس الانتقال

الديمقراطي  الذي هو مفهوم يسجد رؤية واضحة ونظرية متكاملة

الأركان حول مفهوم الدولة  وآليات اشتغالها ويقوم على المرتكزات

التالية:

-صيانة كرامة المواطنين والمواطنات وحفظ حقوقهم وحرياتهم.

-دمقرطة الإدارة واتخاذ القرارات العمومية التي يجب أن تكون بشكل تشاركي في علاقة بالمواطنين والمواطنات.

-السلطة يجب أن تستهدف إلى تحقيق التنمية وإلى تحقيق الأمن والاستقرار.

-المقاربة بالنتيجة أو بالفعالية من خلال المحاسبة على النجاعة والفعالية  والأداء أو الأثر وتحقيق النتائج بالأهداف والمردودية  والإنتاجية والنفعية.

وبالرجوع إلى الفقرة الثانية من الفصل 1و الحقوق والحريات

الأساسية المنصوص عليها في الباب الثاني من دستور 2011، نجد أن

الدولة المغربية بهياكل الإدارية والترابية والأمنية والقضائية  تتصالح

مع المواطن المغربي ،وذلك تماشيا مع توجهات العاهل المغربي الملك

محمد السادس في الخطاب الملكي التاريخي بمناسبة  إنشاء هيئة

الإنصاف والمصالحة  المؤرخ  في7 يناير 2004 ،خاصة وأن

التاريخ المغربي خير شاهد على الانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان

1956 و1999، وذلك من خلال هيئة العفر التي حلت معها الآن هيئة

الإنصاف والمصالحة في الفترة الممتدة مابين 1999 و2003، والتي

نظمها المشرع بموجب المرسوم الملكي المؤرخ في 10 أبريل 2004

الذي حددّ لهانظامها الأساسيكماحدد  لها مهاما وسلطاتها وهيكلتها.

وتجدر الإشارة إلى أن خبير من الأمم المتّحدة  السيد فابيان سالفيوني

أعلن بتاريخ 24 أكتوبر 2019 المقرّر الخاص المعني بتعزيز الحقيقة

والعدالة والجبر وضمانات عدم التكرارأمام مجلس حقوق الإنسان

والذي أشار إلى أن تعويض ضحايا انتهاكات الحقوق ليس بخيار ، بل

هو التزام قانوني، بحكم أنّ احتياجات الضحايا غالبًا ما تبقى خارج

المعادلة عند تقديم التعويض وإعادة التأهيل وجبر الضرر الناجم عن

الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني.

فقال: “غالبًا ما يجد الضحايا أنفسهم في موقف ضعيف، ويُستبعدون

عامة عن عمليّة صنع القرارات. فلا بدّ من وضع حدّ لذلك. ونحثّ

الدول على وضع الضحايا في صلب برامجها وإشراكهم مشاركة كاملة

فتصبح العملية شرعية فعلاً.”

وفي تقرير رفعه إلى مجلس حقوق الإنسان، أكّد على أنّه على برامج

التعويض المحلية التي تهدف إلى توفير الإنصاف لضحايا الانتهاكات

الجسيمة لحقوق الإنسان أن تكون أكثر شمولية، وأن تلبّي كافة

الاحتياجات الجسدية والعاطفية، فقال: “يجب أن يتخطّى جبر الضرر

مجرّد التعويض، وأن يشمل ردّ الحقوق إن أمكن وتحقيق الرضا وإعادة

التأهيل وضمانات عدم التكرار.”

كما أشار إلى أنّ العديد يعتبر الضحايا من الاستغلاليّين في حال سَعَوا

إلى تحصيل أيّ نوع من الإنصاف. ولكنّ جبر الضرر من حقوقهم

المشروعة.

فقال: “لا يعتمد التعويض عن انتهاكات حقوق الإنسان على الإرادة

السياسية، بل هو من الالتزامات القانونية الواضحة الناشئة عن القانون

الدولي، وعلى الدول أن تتصرف وفقًا لهذا الواجب.”

وذكر التقرير أنّ برامج التعويضات المحلية هي أكثر الأدوات فعالية

بالنسبة إلى ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات

الخطيرة للقانون الإنساني. وعلى الرغم من ذلك، غالبًا ما تعيق هذه

البرامج تحدّيات هائلة.

وفي الكثير من الأحيان، تعاني هذه البرامج ناقصًا في التمويل أو في

الأمن القانوني والمؤسسي الضروري كي تُنَفّذ بشكل صحيح. كما أنها

قد تكون غير شاملة ولا تأخذ في الاعتبار مجموعة كاملة من احتياجات

الضحايا.

فعلى سبيل المثال، غالبًا ما لا تغطّي هذه البرامج إعادة التأهيل

والتعويض لضحايا يعانون في ظلّ مواقف ضعيفة، لا سيّما ضحايا

العنف الجنسي.

وأشار الخبير قائلاً: “نودّ أن نشدّد على أن الفشل في تعويض الضحايا

بشكل مناسب وسريع يؤدّي إلى إعادة إيذائهم وقد يشكل معاملة لا

إنسانية ومهينة”.

وبهدف تصويب هذا الوضع، قدّم تقرير سالفيولي العديد من التوصيات

بما فيها تمويل البرامج بصورة أفضل، وتصميم برامج للجبر فعّالة

وشاملة تغطّي مجموعة احتياجات الضحايا الكاملة، وتضمن وتيسّر

المشاركة والتشاور الفعاليَيْن، ودورًا مجديًا للضحايا عند إعداد أيّ

برنامج.

 

 

[1]الملاحقات القضائية: لاسيّما تلك التي تطال المرتكبين الذين يُعتَبَرون أكثر من يتحمّل المسؤولية.

[2]لجان الحقيقية: و وسائل أخرى للتحقيق في أنماط الانتهاكات الممنهجة والتبليغ عنها، وللتوصية بإجراء تعديلات وكذا للمساعدة على فهم الأسباب الكامنة وراء تلك الانتهاكات.

[3]جبر الضرر: ذي تعترف الحكومات من خلاله بالأضرار المتكبَّدة وتتّخذ خطوات لمعالجتها. وغالباً ما تتضمّن هذه المبادرات عناصر مادية (كالمدفوعات النقدية أو الخدمات الصحيّة على سبيل المثال) فضلاً عن أشكال رمزية (كالاعتذار العلني أو إحياء يوم للذكرى).

[4]إصلاح المؤسسات:يشمل مؤسسات الدولة القمعية على غرار القوات المسلّحة، والشرطة والمحاكم، بغية تفكيك – بالوسائل المناسبة – آلية الانتهاكات البنيوية وتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والإفلات من العقاب. ولا ينبغي النظر إلى هذه الأساليب المختلفة كبدائل لبعضها البعض. على سبيل المثال، لجان الحقيقة ليست بديلا عن المحاكمات. تحاول لجان الحقيقة أن تفعل شيئًا مختلفًا عن الملاحقات القضائية بتقديم مستوى أوسع بكثير من الاعتراف والحد من ثقافة الإنكار. وبالمثل، فإصلاح الدساتير والقوانين والمؤسسات ليست بديلا عن تدابير أخرى ولكن تهدف مباشرة إلى استعادة الثقة ومنع تكرار الانتهاكات. ومن المهم التفكير بشكل مبتكر وخلاق حول هذه النُهج وحول مقاربات أخرى أيضا.

قد يعجبك ايضا