أي دور لمؤسسة النيابة العامة في مقاربة الأمن الأسري زمن كورونا؟

المعلومة القانونية

*سميرة خزرون،

باحثة بسلك الدكتوراه في القانون الخاص –

مختبر القانون والفلسفة والمجتمع –

كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية فاس.

كما هو معلوم فالفترة الراهنة “كوفيد-19 ” ألقت بظلالها على جل  المستويات الصحية والاجتماعية والاقتصادية إلى جانب المنظومة الأسرية أيضا، ومرد ذلك طبعا محورية الأسرة كونها تؤثر داخل كل مجتمع وتتأثر بكل ما يحيط بها، لارتباط أمنها بالأمن المجتمعي والعكس صحيح، ما يتجلى بوضوح خلال الأزمات ومنها أزمة كورونا المصنفة جائحة عالمية، وهو الأمر الذي يحتم ضرورة التحلي بمبادئ التضامن والتكافل بين أفراد الأسرة .

وفي إطار الجهود المبذولة لتجاوز الانعكاسات المترتبة عن جائحة كوفيد-19 على المستوى الوطني نتساءل وفي ظل السياسة الجنائية لحماية المنظومة الأسرية زمن كورونا بالمغرب عن طبيعة الخطوات والإجراءات المتخذة من قبل مؤسسة النيابة العامة على هذا المستوى ؟ (أولا) مع إجراء قراءة مركزة في هاته الإجراءات(ثانيا)، وهو ما نتبينه في الآتي:

 

     أولا- أبرز الإجراءات المتخذة  من قبل  النيابة العامة

أصدرت بتاريخ 30 أبريل 2020  رئاسة النيابة العامة دورية موجهة إلى السادة المحامي العام الأول لدى محكمة النقض والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ومحاكم الاستئناف التجارية ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية والمحاكم التجارية  حول قضايا العنف ضد المرأة.

فمواكبة من النيابة العامة للوضع الأسري وحرصا على ضمان أمن أسري خاصة في الفترة الراهنة

وفي ظل الأخبار المتداولة من بعض الدول حول بروز حالات عنف ضد النساء لديها، كما استعرضت النيابة العامة في ذات الدورية إحصائيات للعنف ضد النساء مسجلة انخفاضه خلال فترة الحجر الصحي  من 20 مارس إلى 20 أبريل 2020 إلى ما مجموعه 892 شكاية  تشمل مختلف أنواع العنف ضد النساء.

بينما تم تحريك الدعوى العمومية في 148 قضية فقط من هذا النوع .

لتعبر دورية رئاسة النيابة العامة عن انخفاض المتابعات من أجل العنف ضد النساء خلال الفترة المذكورة بعشر مرات عن المعدل الشهري لهذا النوع من القضايا(أي بمعدل 148 متابعة بدلا من 1500 متابعة شهريا في الأحوال العادية)،  وحتى على فرض ثبوت الأفعال المشتكى بها في كافة الشكايات المتوصل بها والبالغ عددها892 شكاية ،فهذه النسبة  تمثل فقط حوالي %60 من المعدل المسجل في الأحوال العادية من قضايا العنف ضد النساء.

أيضا نسجل حرص مؤسسة النيابة العامة على اتخاذ مجموعة من الإجراءات منها:

-إتاحة  التبليغ عن حالات العنف عبر الشكاية الالكترونية لرئاسة النيابة العامة عبر حسابها plaintes@pmp.ma  ، إلى جانب إمكانية التبليغ عبر الحسابات الإلكترونية للنيابات العامة لدى مختلف محاكم المملكة و التبليغ عبر المنصة الهاتفية ” كلنا معك” للاتحاد الوطني لنساء المغرب  على الرقم الهاتفي المجاني 8350، مع إتاحة ذات الإمكانية-التبليغ- بالوسائل الكتابية التقليدية.

– وضع بعض النيابات العامة لمنصة خاصة باللجن الجهوية للتكفل بالنساء ضحايا العنف لتلقي شكاياتهن.

وفي ظل استمرار فترة الحجر الصحي طلبت رئاسة النيابة العامة من أجهزتها على مستوى المحاكم الحرص على الاهتمام بالشكايات والتبليغات حول قضايا العنف ضد النساء وإعطائها الأولوية في المعالجة

مع  مراعاة المصلحة الفضلى للطفل والاستقرار الأسري.

 

ثانيا- قراءة في الجهود المبذولة

فكقراءة في هاته الجهود والإجراءات المتخذة من قبل مؤسسة النيابة العامة خلال زمن كوفيد -19 (المستمر لحدود كتابة هاته الأسطر) ومنه فترة الحجر الصحي، فلا يسعنا إلا أن نثمنها لكونها خطوات استباقية ومواكبة للوضع الصحي المستجد عالميا ووطنيا ، خاصة وأن التقييم النهائي للعنف الأسري عموما لن يتأتى إلا لاحقا بعد زوال هاته الفترة الوبائية بحول الله حتى تكتمل الصورة وتتوفر الإحصائيات اللازمة.

كما نؤيد تحليل النيابة العامة كون مؤشر انخفاض قضايا العنف المعروضة على القضاء إبان هاته الفترة إنما يبشر باستقرار الأسرة المغربية وتماسكها في أصعب الظروف ومنها الظروف الحالية.

وفي خال اعتبار حالات العنف الرسمية – أي المعروضة فقط أمام القضاء- ليست بمعيار على تراجعه إذ قد يكون هناك عنف مسكوت عنه للظروف الصحية ، فالرأي فيما أعتقد هو عكس ذلك  فالوضع يدعو للتفاؤل كوننا نتحدث  عن أسرة مغربية ذات خصوصية – رغم ما قد يعترضها من عواصف- فهذه الخصوصية تتمثل في الهوية المغربية المتشبعة بقيم التضامن والتراحم خاصة وقت الأزمات والشدة، والتي قد نسرد من مظاهرها الملاحظة إعلاميا مثلا بداية الوضع الصحي المستجد تعبير مجموعة من الشباب عن الرغبة في التطوع للمساهمة في تعقيم الأحياء ، وحتى خارج الوطن تابعنا مبادرات لشباب مغاربة في مساعدة المسنين الأجانب بجلب احتياجاتهم لهم للمنازل وهو ما نوهت به بعض المنابر الإعلامية الأجنبية .

جملة القول أن هاته القيم ليست بالغريبة عن مجتمعنا المغربي ، إنما هي قيم تندرج ضمن الموروث المعاملاتي تاريخيا للمغاربة سواء فيما بينهم أو مع الآخر بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه أو عرقه، وإن طالعتنا بين الفينة والأخرى بعض الملامح لسلوكات شاذة داخل المجتمع من مظاهر عنف وانحراف فما هي إلا تجليات لغياب تلكم القيم السمحة والتضامنية التي يفترض إعادة إحيائها ونشرها من جديد.

 

المراجع المعتمدة:

–  دورية رئاسة النيابة العامة بتاريخ 30 أبريل2020 الموجهة إلى السادة المحامي العام الأول لدى محكمة النقض والوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف ومحاكم الاستئناف التجارية ووكلاء الملك لدى المحاكم الابتدائية والمحاكم التجارية  حول قضايا العنف ضد المرأة.

 

 

 

قد يعجبك ايضا