المكتب المركزي للأبحاث القضائية: الحصيلة والتحديات

المعلومة القانونية

*محمد البغدادي

باحث في مركز الدكتوراه

في تخصص القانون الخاص

كلية الحقوق بطنجة

في خضم تعزيز الحكامة الأمنية الجيدة وتطوير ثمرة تعاون بين وزارتي الداخلية والعدل

بشأن توطيد استراتيجية وطنية أمنية منسجمة وشاملة ومندمجة تستند إلى مقاربة أمنية

استيباقية ومقاربة اجتماعية ومقاربة دينية وتنزيل توجهات العاهل المغربي الملك محمد

السادس باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية [1] ورئيس المجلس الأعلى للأمن[2]

الذي يؤكد في أكثر من مناسبة على ضرورة التنسيق الأمني والتعاون العسكري مع عدد

من حلفاء المملكة المغربية الاستراتجيين لمجابهة التهديدات والمخاطر الأمنية التي يشهدها

العالم بأسره في ظل أحداث تفجيرات الدار البيضاء في 16 ماي 2003 ومواكبة

المدرسة الاستخبراتية المغربية لمختلف التطورات والتحولات الجارية في النظام الدولي،

بادرت وزارة الداخلية إلى إحداث المكتب المركزي للأبحاث القضائية بتاريخ 20 مارس

2015 تحت إشراف سلطة النيابة العامة المختصة، فهو تابع للمديرية العامة لمراقبة

التراب الوطني و يترأسه مدير السيد حبوب الشرقاوي، ويقع مقره في مدينة

سلا قرب مطار الرباط سلا ، حيث يقوم بمجموعة من الصلاحيات والمهام المتعلقة

بمكافحة جرائم أمن الدولة والإرهاب والفكر التطرفي وأنواع التهريب والمخدرات

وتزوير العملة والسرقة والقتل والتسميم والاختطاف وحجز الرهائن وصنع وحيازة

والنقل والترويج واستعمال الأسلحة والمتفجرات والدخيرة حسب مقتضيات القانون

الجنائي المؤرخ في 26 نونبر 1962 ، هذا فضلا عن الالتقاط المكالمات والاتصالات

المنجزة بوسائل الاتصال عن بعد حسب مقتضيات قانون المسطرة الجنائية المؤرخ في 3

أكتوبر 2002، وذلك في إطار احترام تام لسيادة القانون والمبادئ الدولية المتعلق لحقوق

الإنسان.

وتجدر الإشارة إلى أن المكتب المركزي للأبحاث القضائية يتوفر على نخبة من مصالح

الشرطة الذين تابعوا تكوينا دقيقا عاليا المستوى داخل المغرب وخارجه في مجال  التقنية

والقانون وحقوق الإنسان ، كما يتضمن على  ترسانة قوية لمعدات التقنية و المتطورة و

التكنولوجيا الحديثة في مجالات التحليل الجنائي ووسائل الضبط والربط.

كما أن بفضل السياسة الأمنية الاستيباقية الذي تم اعتمدها من طرف المكتب المركزي

للأبحاث القضائية استطاع تفكيك 155 خلايا إجرامية أو إرهابية في الفترة الممتدة ما

بين 2002و2016 في عهد السيد عبد الحق الخيام مدير المكتب المركزي للأبحاث

القضائية، حيث50 منها تقريبا مرتبطة بمختلف بؤر التوتر، لاسيما في مناطق

أفغانيستان و سوريا والعراق و الساحل والصحراء الإفريقي، وكذا  تمكين من

توقيف نحو 2885 شخصا، 275 منهم في حالة العود، وإحباط أزيد من 324

مشروع إرهابي وإحصاء أزيد من 1579 مقاتل مغربي في العراق وسوريا.

وفي ذات السياق، قام المكتب المركزي للأبحاث القضائية بتفكيك خلية إرهابية  لداعيش

وإجهاض المخططات الترهيبية بوجدة بتاريخ يوم الخميس 25 مارس 2021 ، حيث

تتكون من 4 أشخاص والتي تمت بشكل متزامن بأربعة الأحياء، وذلك في إطار

التنسيق بين المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والأجهزة الإستخبراتية الأمريكية، وذلك

باعتبار  أن الإرهاب ظاهرة معقدة ومركبة وممتدة ومستمرة في الزمان والمكان من حيث

تنوع الخلايا الإرهابية وتعددها، مما جعل المغرب أن ينخرط دوليا وإقليما لدرجة وصلت

30 شراكة مثمرة مع وكلات استخباراتية ببلدان أخرى تحتل موقعا متميزا ضمن

الهيئات الاستخبارتية ما عدا  بالعديد من البلدان بما في ذلك روسيا واليابان وأستراليا.

وبفضل التنسيق الوثيق بين مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني والأجهزة

الاستخبارتية الأمريكية، قدم المغرب في وقت سابق إلى واشنطن معلومات أمنية بالغة

الأهمية مكنت من إلقاء القبض على جندي أمريكي تعاون مع تنظيم داعيش الإرهابي

وخطط للقيام بتفجيرات في الأراضي الأمريكية، وذلك راجع برئاسة المنتدى العالمي

لمكافحة الإرهاب منذ 2016  باعتبار أن المغرب حليف استراتيجي بالنسبة للولايات

المتحدة الأمريكية خارج حلف الناتو وتوقيعه خريطة طريق للتعاون في مجال الدفاع

ومشاركته سنويا في أكثر من 100 إلتزام عسكري  مع واشنطن ،وكذا استضافة

المغرب الأسد الإفريقي الذي يعد أكبر تمرين عسكري  سنوي لواشنطن في القارة

الإفريقي ، بالإضافة إلى اعتماده شريكا رئيسيا في البرنامج الدولي للتعليم والتكوين

العسكريين.

كما أن للمكتب المركزي للأبحاث القضائية أدوار كبيرة في رصد وتحييد المغربي علي

مايسو الملقب بأبي عبد الرحمن المغربي الذي يعتبر الرجل الثاني في جماعة نصرة الإسلام

والمسلمين فرع تنظيم القاعدة بمنطقة الساحل والصحراء الإفريقي، وقدم تم تحييده من

قبل القوات الفرنسية المنتشرة في مالي في مطلع أكتوبر 2019، هذا فضلا عن هجمات

مدريد التي خلفت من أزيد 162 قتيلا وأكثر 1800 جريح  وتفكيك لهشرات

الفروع السورية-العراقية منذ عام 2014، وكذا في فرنسا من خلال تمكين المكتب

المركزي للأبحاث القضائية إلى المحققين الفرنسيين من تتبع مسار عبد الحميد أبا عود

الذي قاد الهجمات الفرنسية في نونبر  2015  في باريس والتي تبناها  ما يسمى بتنظيم

الدولة الإسلامية وقتل عبد الحميد أبا عود  شريكته حسناء أيت بولحسن  في هجوم

شنتها الشرطة الفرنسية بناء على المعلومات التي قدمها المكتب المركزي للأبحاث

القضائية، وكذا في بلجيكا من خلال مساهمة في تفكيك شبكة بلعيرج الدولية في دجنبر

2008  على خلفية من اعتقال أكثر من 30 عنصرا على صلة بتنظيم القاعدة

وجماعات أخرى ومن كشف ملابسات قتل 6 أشخاص على التراب البلجيكي.

كما تجدر الإشارة إلى أن حصيلة المكتب المركزي للأبحاث القضائية منذ إحداثه وإلى

حدود سنة 2019  تتمثل في تفكيك 72 خلية إرهابية على خلفية إيقاف 1083

شخصا، في حين أن عدد الحالات العائدين التي عالجها المكتب المركزي للأبحاث

القضائية، فهي تصل إلى 124 حالة.

[1]القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية: ينص الفصل 53 من دستور 2011 على مايلي:” الملك هو القائد الأعلى للقوات المسلحة الملكية. وله حق التعيين في الوظائف العسكرية، كما له أن يفوض لغيره ممارسة هذا الحق.

[2]رئيس المجلس الأعلى للأمن: ينص  الفصل 54  من دستور 2011 على مايلي:”يُحدث مجلس أعلى للأمن، بصفته هيئة للتشاور بشأن استراتيجيات الأمن الداخلي والخارجي للبلاد، وتدبير حالات الأزمات، والسهر أيضا على مأسسة ضوابط الحكامة الأمنية الجيدة. يرأس الملك هذا المجلس، وله أن يفوض لرئيس الحكومة صلاحية رئاسة اجتماع لهذا المجلس، على أساس جدول أعمال محدد. يضم المجلس الأعلى  للأمن في تركيبته، علاوة على رئيس الحكومة، ورئيس مجلس النواب، ورئيس مجلس المستشارين، والرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الوزراء المكلفين بالداخلية، والشؤون الخارجية، والعدل، وإدارة الدفاع الوطني، وكذا المسؤولين عن الإدارات الأمنية، وضباط سامين بالقوات المسلحة الملكية، وكل شخصية أخرى يُعتبر حضورها مفيدا لأشغال المجلس. ويحدد نظام داخلي للمجلس قواعد تنظيمه وتسييره.”

 

قد يعجبك ايضا