علم الإجرام، تفسير السلوك الإجرامي

المعلومة القانونية

*عبد اللطيف الكرار

  • طالب و باحث في العلوم القانونية.

Préparé par: Abdellatif Elgrar, chercheur en sciences juridiques.

بسم الرحمان الرحيم

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ ۝ لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ ۝ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ .76[1]  صدق الله العظيم.

سورة الزخرف من الآية 74  إلى 76.

                    

 

     تقديم عام:

    إني أحمد الله تعالى على ما أولى من نعم، وما وفقني فيه من عمل، و أصلي و أسلم على النبي الأمي الذي بعث رحمة للعالمين، و كان بشيرا بالجزاء الحسن لمن عمل خيرا،  و نذيرا بالعقاب لمن عمل شرا، و على آله و صحبه الأكرمين، الذين كانوا نجوم الشرع و الهداة إلى نوره بعد النبي المبعوث، و كان حقا على كل مؤمن أن يتبعهم بإحسان فيما ينقلون عن النبي ، و يهتدون فيه بهديه[2].

أما بعد، ان دراسة السلوك العدواني و الإجرامي أو الظاهرة الإجرامية بصفة عامة، هي موضوع هذا العلم من حيث تفسيرها و دراستها كظاهرة فردية أو جماعية بغية تحديد ومعرفة أسبابها وظروفها، للتصدي لها ومحاولة القضاء عليها واستئصالها من المجتمعات الانسانية ككل.

وهي دراسة كثيرة التعقيد لما لها من تعدد في الآراء و النظريات بين رجال الفقه و القانون و الباحثين في هذا المجال، ما شكل هذا الموضوع جدلا واسعا فيما بينهم، لكون هذا العلم حديث العهد و النشأة وكذا تطور أشكال الجرائم بتغير المكان و الزمان.

فالإجرام ظاهرة يميزها عن سائر ظواهر الكون أنها من جهة بشرية اجتماعية، ومن جهة أخرى ضارة و مؤدية لا صالحة خيرة، وبديهي أنه لن يتأنى القضاء على الإجرام كظاهرة إلا بالوقوف على أسبابه لأنه متى عرف الداء سهلت معرفة الدواء.

 

وقد لاقت الجريمة جزائها منذ ظهورها، واتخذ هذا الجزاء في الأصل صورة بدائية همجية هي انتقام المجني عليه أو عشيرته من الجاني، و لوحظ أن هذا الانتقام كشهوة غريزية عمياء لا يتقيد بحد لو أطلق له العنان، فتدخلت القوانين و التشريعات لتنظيمه تم ألغي وحلت محله عقوبة توقعها الجماعة ممثلة في السلطة القائمة بالأمر فيها، والتي أطلق عليها اسم الدولة.

غير أن هذا التطور لم يفعل سوى نقل الاختصاص بتوقيع العقوبة من يد إلى يد، من يد المجني عليه أو عشيرته إلى يد السلطة العامة.

 

ومن هنا يتبين لنا أن الجريمة حقيقة بشرية و ظاهرة قديمة لازمت الانسان منذ وطأة قدماه الأرض، فلم تفارقه وستظل كذلك قائمة مستمرة إلى حيث شاء الله، ولكن ظروفها و عواملها ووسائل تنفيذها تتغير بتغير الزمان والمكان ومواكبة الرقي الاجتماعي و الحضاري للمجتمع.

 

ومهما كانت الأسباب فالظاهرة الإجرامية حقيقة إنسانية لكونها من فعل الانسان و اجتماعية في نفس الوقت، لكونها تتأثر و تؤثر على المجتمع، وبالتالي كل مجتمع يجد نفسه مضطرا للقضاء عليها. ولكن يكمن اللغز و الاشكال بأي طريقة يمكن القضاء و التخلص منها، هل من خلال تفسير أسبابها و عواملها أم من الفرد نفسه؟

 

 

     اشكالية الموضوع:

من خلال هذا التقديم، يمكن اثارة الإشكالية التالية:

كيف يمكن تفسير السلوك الإجرامي أو الظاهرة الإجرامية وفق مختلف المدارس المفسرة لعلم الاجرام؟ وهل يمكن تفسيرها بناء على عامل واحد أم بناء على عدة عوامل؟

 

وعليه، فإن مقاربة هذا الموضوع الهام و ملامسة اشكالياته الكبرى تقتضي و تستلزم أولا، تقديم مفهوم علم الإجرام مع بيان أهمية هذا العلم في المبحث الأول، في حين نخصص المبحث الثاني إلى الحديث عن البوادر و اللمحات الأولى لهذا العلم مع علاقته بباقي العلوم الأخرى، وحيث سنترك المبحثين الثالث و الرابع لمحاولة الإجابة فيهما عن الاشكالية المثارة حول الموضوع قيد الدراسة.

 

 

    المبحث الأول :التعريف بعلم الإجرام و بيان موضوعه و أهميته: 

تعددت تعاريف علم الإجرام بين رجال الفقه و القانون و الباحثين نظرا لتعدد الزوايا التي ينظرون منها إلى نطاق هذا العلم، وما إذا كانت أسباب الجريمة هي العوامل الداخلية أي الفردية البحثة (العضوية أو النفسية) وحدها، أم كانت عوامل خارجية أي اجتماعية بحثة (طبيعية أو اقتصادية أو ثقافية أو بيئية)، أم تلك العوامل خليط بين العوامل الفردية و الجماعية معا.

وبهذا، سنشرع في هذا المبحث في مطلبه الأول إلى التعريف بعلم الاجرام، ثم نتطرق في المطلب الثاني إلى بيان أهمية و موضوع هذا العلم.

 

     المطلب الأول: علم الإجرام، تعريفه و مفهومه:

يصعب وضع تعريف جامع مانع لعلم الاجرام، نظرا لكونه علم حديث العهد و النشأة ما نتج عن ذلك العديد من الرؤى و التفسيرات المختلفة في هذا الصدد، لكن لا بد لنا من وضع مفهوم محدد لحصره في الحقل المعرفي المرتبط بالقانون و العلوم المساعدة له.

ونبدأ بالتعريف الذي قدمه الأستاذ و الدكتور “رمسيس” في كتابه “علم الاجرام” بأنه ذلك العلم الذي يتناول الجريمة بالدراسة على اعتبار أنها حقيقة واقعية لا حقيقة قانونية، فيتحرى أسبابها تمهيدا للقضاء على هذه الأسباب قدر المستطاع. فيما يتناول قانون العقوبات الجريمة كحقيقة قانونية.

والفرق بينهما أن الجريمة كحقيقة قانونية، هي فعل يعاقب عليه المجتمع من خلال نصوص قانونية وضعها المشرع، مما يؤدي هذا الفعل إلى المساس بالنظام العام أو بشرط يعتبره المجتمع من الشروط الأساسية لكيانه.

وأما الجريمة كحقيقة واقعية، فهي خروج الفرد على ما يقتضيه و جود اشتراك بين الناس في معيشة واحدة تصان فيها الأمة كفرد و كمجموع أفراد.[3]

كما يعرف علم الاجرام كذلك بكونه ذلك العلم الذي يبحث و يدرس الجريمة من وجهة معينة تختلف تماما عن الوجهة التي يعنى بها غيره من العلوم الجنائية، فهو ينظر إلى الجريمة كظاهرة اجتماعية حتمية وان اختلفت باختلاف الزمان و المكان.[4]

 

من خلال التعريفات السابقة الذكر أعلاه، نلاحظ أن لعلم الاجرام تعريف قانوني و اخر اجتماعي.

فالتعريف القانوني، يتمثل في كونه ظاهرة قانونية شرعية النص القانوني، وهو القاعدة والمبدأ المعروف في العلوم القانونية بلا عقوبة ولا جريمة إلا بنص.

أما من حيث التعريف الاجتماعي لهذا العلم، فهو العلم الذي يدرس الجريمة في إطارها العام و ليس في القانون فقط، و بالتالي فإن هذا المفهوم يسبق المفهوم القانوني لأن المجتمع ينبذ الجريمة رغم عدم توفر نص قانوني يجرمها بمعنى أنه يوجد تجريم أخلاقي و اجتماعي للجريمة[5].

 

 

فإذا كان علم الاجرام هو العلم الذي يقوم بدراسة و تفسير الظاهرة الإجرامية كما هو الحال في التعريفات المذكورة، فما المقصود بهذه الظاهرة؟

عرفها البعض بكونها عبارة عن مشروع إجرامي احترافي، يقوم على تكرار وقوع نوع معين من الجرائم بأسلوب إجرامي واحد في منطقة جغرافية معينة و في فترات زمنية متعاقبة، سواء قامت بها جماعة إجرامية واحدة أو جماعات مختلفة.

أما تعريفها من الناحية القانونية، فيظهر في تلك التصرفات المعاقب عليها قانونا بسبب ما أحدثته من ضرر على النظام الاجتماعي العام.

هذا ما يعني ان القانون الجنائي لا يهتم بالفاعل، وإنما يهتم بالأفعال التي تهدد النظام الاجتماعي. لهذا، فإن الظاهرة الاجرامية من هذه الزاوية هي فعل معاقب عليه بسبب خطورته المجردة.[6]

 

ولمعرفة أكثر حول هذا المفهوم “مفهوم الظاهرة الاجرامية”، لابد من بيان العناصر التي ينبني عليها و الذي استأثر باهتمام علم الاجرام.

فالعنصر الأول هو عنصر “الجريمة”، و يقصد بها بالمعنى المتعارف عليه و الشائع بين رجال الفقه و القانون هي “الفعل أو الترك المعاقب عليه جنائيا”

وهو نفس التعريف الذي نص عليه الفصل 110 من القانون الجنائي المغربي “الجريمة هي عمل أو امتناع مخالف للقانون الجنائي معاقب عليه بمقتضاه”[7]

ويصفها الفيلسوف “اميل دوركايم” أنها موضوع بحث علم خاص هو علم الاجرام، على أن يكون مفهوما لدينا أن الجريمة هي كل فعل معاقب عليه قانونا.[8]

أما تعريفها من وجهة نظر الاجتماعيين، فهي التصرفات و الأفعال التي تضر الفرد و المجتمع معا.[9]

ويتضح من خلال هذه التعاريف للجريمة، أنها حقيقة إنسانية أولا لأنها من فعل الانسان، و ثانيا هي حقيقة اجتماعية لكونها تتأثر بالمجتمع وتؤثر فيه، فهي بالتالي ظاهرة مركبة باعتبارها ظاهرة إنسانية و اجتماعية.[10]

أما العنصر الثاني للظاهرة الاجرامية فهو “المجرم”، و يعتبر في علم الإجرام مرتكب الفعل المجرم سواء كان المرتكب شخصا سويا، أو غير سوي يعاني من اضطرابات نفسية أو عقلية أو عصبية.

و العنصر الثالث هو “الضحية” أو الجاني، فهو من بين العناصر الأساسية التي يهتم بها علم الاجرام، حيث للضحية اثر كبير في الجرائم التي تقع و هي من بين الأركان التي لا تنفصل عن المجرم.

 

مما تقدم يتضح لنا، أن علم الاجرام هو ذلك الفرع من العلوم الجنائية الذي يبحث في الجريمة باعتبارها ظاهرة في حياة الفرد و في حياة المجتمع، لتحديد العوامل التي أدت إلى ارتكابها و تفسيرها. وهو أيضا ذلك العلم الذي يدري الظاهرة الاجرامية للوقوف على أسبابها بغية الوصول إلى أنجع الحلول أو الأساليب للقضاء على هذه الأسباب أو الحد من تأثيرها بقدر الإمكان.

فمكافحة ظاهرة الإجرام في أي مجتمع تصبح أيسر و أكثر فاعلية متى استندت إلى تحديد و فهم صحيحين لأسباب تلك الظاهرة في ذلك المجتمع.

 

    المطلب الثاني: أهمية دراسة علم الإجرام:

تبدوا الأهمية العملية لعلم الإجرام، سواء في علاج الجريمة أو في حماية ووقاية المجتمع منها. فمن حيث علاج الجريمة بعد و قوعها، لعلم الإجرام فائدتين من وجهتين: الأولى، أنه الأساس الذي يمكن الاعتماد عليه في تفريد العقوبة تشريعا وقضاء وتنفيذا، بمعنى أن تكون عقوبة المجرم ملائمة مع وضعه النفسي الخاص و على حسب ظروف كل قضية و أسبابها لتصلح ما فسد فيه.

 

من الناحية التشريعية، يبدوا تأثير علم الإجرام واضحا من النصوص الجنائية عند تحديدها للعقوبات المناسبة لكل طائفة من المجرمين بما يتلائم و ظروفهم الشخصية، أي مساعدة المشرع الجنائي في وضع سياسية جنائية عادلة، ومنه مثلا العقوبات المقررة للأحداث و التي تتدرج بحسب سنهم، وهي في مجموعها أخف من العقوبات التي يقررها لغيرهم من المجرمين..[11]

 

من الجانب القضائي، يأخذ القاضي بعين الاعتبار عند تقديره للعقوبة المناسبة، ظروف كل جريمة و دوافعها، و ذلك في نطاق سلطته التقديرية التي يمنحها القانون اياه و التي تمكنه في نهاية المطاف من تقدير الجزاء المناسب سواء في حده الأدنى أو الأقصى، أو حتى عند تقديره وقف تنفيذ العقوبة بالنسبة لبعض المجرمين و بشروط معينة، اذا رأى من أخلاق المحكوم عليه أو ماضيه أو سنه أو الظروف التي ارتكب فيها الجريمة ما يوحي و يبعث على الاعتقاد بأنه لن يعود إلى مخالفة القانون.

 

من حيث التفريد التنفيذي، يتجلى من خلال أخذ السلطات المختصة بتنفيذ العقوبة أسباب ارتكاب الجريمة بعين الاعتبار، ففي ضوء الظروف التي ارتكب المجرم فعله تحت تأثيرها تتحدد طريقة تنفيذ العقاب، فتنفيذ العقوبة بالنسبة إلى الأحداث مثلا يختلف عن نظيره من المجرمين الكبار. ومن مظاهر التفريد التنفيذي المهمة أيضا هو تقويم و إصلاح و إعادة إدماج المجرمين، مع إمكانية تغيير التدبير المقضي به في حقهم بعد الحكم به إذا تبين عدم صلاحيته.[12]

 

أما من حيث الجهة الثانية، فتتمثل في وقاية المجتمع من الجريمة قبل و قوعها، هذا العلم يرتبط بشكل مباشر مع المجتمع المدروس حيث يقوم الباحثون بتشخيص الحالات الإجرامية فيه خلال مدة زمنية محددة ليكتشفوا بذاك التشخيص العوامل و الأسباب المؤدية والمساهمة إلى اقتراف الأفعال الإجرامية، وهو الأمر الذي سيدفع بالمشرع إلى تطوير المنظومة الجنائية ووضع السياسة الجنائية، بغرض حماية المجتمع و محاولة استئصال و التصدي لهذه الظواهر في المجتمعات الانسانية ككل، من خلال سن نصوص قانونية صارمة خاصة أو بإنفاذ القانون.[13]

 

    المبحث الثاني: نشأة و تطور علم الإجرام و صلته بباقي العلوم الأخرى:

    المطلب الأول: علم الإجرام، نشأته و تطوره:

ترجع البوادر و اللمحات الأولى لدراسة الجريمة والمجرم إلى الكتابات القديمة لفلاسفة اليونان و الإغريق، في شاكلة ايبوقراط و سقراط و أرسطو و أفلاطون، حيث اتجه هؤلاء الفلاسفة إلى تحليلهم لشخصية المجرم، واعتبروا أن مرتكب الجريمة يتصف بنفس فاسدة و منحرفة نتيجة عيوب خلقية و جسمية لازمت تكوينه الفيزيولوجي [14].

فكانت الجريمة وفق المنطلق الاغريقي قدرا إلاهيا، و أن المجرم عبارة عن إنسان أصابته لعنة الآلهة.

أما أفلاطون، فأكد أن لا علاقة للسماء بالأخطاء التي يأتي بها الإنسان، لكونه مخير بين الفضيلة و الرذيلة، و أن أفعال المجرم لا يقوم بها إلا لنقص في تكوينه أو في قواه العقلية.. أي أن سبب الجريمة لا يرجع إلى سبب طبيعي في الإنسان و إنما هو راجع إلى كون الانسان يحمل معه شيطانا يوحي له بالخطط أو المخططات الاجرامية.

في حين ربط “سقراط” الجريمة و السلوك المنحرف و الرذيلة بالشر والجهل، و أن العلم و المعرفة هو أساس السلوك القويم. بمعنى أن الشخص يسلك طريق الشر عن جهل وليس عن قصد، و لو كان على علم بطرق الفضيلة لما اقترف الفعل و السلوك العدواني.

 

و بقي هذا الاتجاه الفلسفي قائما و مسيطرا حتى نهاية العصور الوسطى حيث سادت نظريتين، مقتضى الأولى أنه يمكن الوقوف على طباع الشخص من فحص يديه و رجليه… في حين تربط النظرية الثانية مصير الانسان بالكواكب…[15]

إلا أن هذه الدراسات القديمة كان يعاب عنها أنها لم تكن تتسم بالطابع العلمي..

 

إلى أن تغير هذا الاتجاه الفلسفي مع بزوع معرفة جديدة مع باحثين جدد، ابتداء من القرن السادس عشر إلى أواسط القرن التاسع عشر، حيث استندوا على الاتجاهات الفكرية القديمة وحاولوا تجاوز أخطائها، من خلال بناء تفسيرات ودراسات علمية دقيقة منطقية حول الظاهرة الاجرامية، حيث ألف العالم الفرنسي”Guerry  في أوائل القرن 19 و بالضبط في عام 1833، كتابا تناول فيه الأسباب الفردية و الاجتماعية المتعلقة و المرتبطة بالمجرم و بنى دراساته حول تفسير أسباب الجريمة على الإحصاءات الجنائية.

و تلاه العالم البلجيكي “Quetelet“، فأصدر بدوره مؤلفا اعتمد فيه كنظيره الفرنسي على الدراسة الإحصائية، و أبرز من خلاله أن الظاهرة الاجرامية هي ظاهرة اجتماعية  تخضع و تحكمها القواعد العامة شأنها كشأن الظواهر الطبيعية..

 

و قد لقيت أبحاث العالمين الفرنسي “جيري” و البلجيكي “كيتليه انتقادات لادعة، لكونهما اعتمدا في الدراسات التي قاما بها على أسلوب الإحصاء الذي يصلح أساسا لدراسة الجرائم باعتبارها ظاهرة اجتماعية و ليس باعتبارها ظاهرة فردية، و بالتالي تركيزهم أكثر على الجوانب الاجتماعية و إغفال الجوانب الفردية التي تستوجب دراسة نفسية الجاني لاستخلاص البواعث التي دفعته إلى ارتكاب الجريمة.

 

لم يكن البحث في الدوافع و الأسباب الاجتماعية كافيا لتفسير السلوك الإجرامي، حيث يلاحظ أن بعض الأفراد يتجهون إلى ارتكاب الأفعال الاجرامية دون البعض الأخر، بالرغم من كون ظروفهم الاجتماعية واحدة و متشابهة و مماثلة..[16]

لذلك اتجهت أبحاث بعض العلماء في النصف الثاني من القرن 19 إلى محاولة دراسة شخصية المجرم، وكان في مقدمتهم العالم و الطبيب بالجيش الايطالي “سيزار لومبروزو” أو الأب الروحي لعلم الاجرام كما يطلق عليه، وهو صاحب نظرية المجرم بالميلاد، وقد كرس أفكاره في كتابه الشهير “الإنسان المجرم” الذي أصدره عام 1876، و الذي لقي إقبالا واسعا و انتقادات كثيرة خاصة في الوسط الاوروبي و أمريكا.

كما يعتبر من بين مؤسسي المدرسة الوضعية الايطالية أو المدرسة التكوينية، حيث يعد صاحب الجناح النفسي في هذه المدرسة لكونه عزا الجريمة الى أسباب داخلية فيزيولوجية في بنية المجرم.[17]

 

ولم يقتصر تأسيس المدرسة مع “لومبروزو” لوحده و إنما مع ثلة من الباحثين، أبرزهم تلميذ لومبروزو “انريكو فيري”، استاذ القانون الجنائي و منشئ علم الاجتماع الجنائي بفضل كتابه “Sociologie Criminelle“،  الذي ظهر عام .1881 و يعد صاحب الجناح الاجتماعي في هذه المدرسة لأنه ربط الجريمة الى أسباب اجتماعية خارجية ترتبط بالوسط أو البيئة التي يعيش فيها المجرم. كما يبرز في كتابه السالف الذكر أهمية عامل البيئة في تكوين الجريمة.[18]

 

دون أن نغفل و ننسى القاضي و أستاذ القانون الجنائي “رافاييل جاروفالو”، الذي كان قاضيا مستبدا على المجرمين، و يذكر عنه أنه مؤسس علم الاجرام لكونه أول من استعمل هذا المصطلح ووضعه عنوانا لكتابه الذي ألفه عام 1885، فقد عرف الجريمة فيه وجعلها في صنفين، جريمة طبيعية و جريمة اصطناعية، كما صنف المجرمين وبين العوامل المؤدية و المساعدة في ارتكاب السلوك الإجرامي أو العدواني، حيث ربطها بالعوامل النفسية و العضوية للمجرم. [19]

 

و يعتبر هؤلاء الثلاثة بحق أقطاب علم الإجرام، فبفضل أعمالهم و دراساتهم عرف هذا العلم طريقه للتطور، فصار له فرع جديد هو علم الاجرام السريري أو لإكلينيكي، بعدها أصبح علم الاجرام مادة للتدريس في العديد من الكليات و الجامعات و المعاهد، ككليات الطب و الحقوق و غيرها..

 

أما في السياق العربي، فكانت دولة مصر هي السباقة إلى تدريس هذا الحقل المعرفي من خلال مقررات الجامعات و كليات الحقوق، لكن الدراسات العلمية لم يتم الاهتمام بها إلا في سنة 1959 لما أنشا المركز القومي للبحوث الاجتماعية.[20] بعدها أصبح هذا العلم علم الإجرام مادة أساسية تدرس في كليات العلوم القانونية بالمغرب.

 

    المطلب الثاني: علم الإجرام و علاقته بباقي العلوم الأخرى:

الجريمة فعل إنساني وعلم الإجرام يهتم بالتحري عن أسبابها، ولأجل تحقيق هذا الهدف لابد من الاستعانة بكل علم يعنى بدراسة شخص الانسان كجسم و كنفس.[21]

 

و من الثابت أن علم الاجرام له صلة وثيقة بمختلف العلوم الطبيعية و غيرها من العلوم الاجتماعية التي لها علاقة وثيقة بدراسة حقيقة الانسان، و كل فرع منها يتجه نحو البحث عن أسباب الظاهرة الإجرامية في نطاق معين لاتساع مجال علم الاجرام. وهذا لا يقل أهمية عن علاقة علم الاجرام بالعلوم الجنائية الأخرى.

و لكثرة العلوم التي لها صلة بعلم الاجرام، ما لنا إلا أن نقتصر فقط عن دراسة صلة هذا العلم بكل من علم الأنثروبولوجيا و علم الحياة الجنائي و علم النفس و علم الاجتماع، وسنتكل عن كل واحد منها باختصار.

 

  • علم الانثروبولوجيا الجنائية: L’anthropologie Criminelle

أو علم الانسان الجنائي، ومضمون هذا العلم هو دراسة المظاهر العضوية و النفسية للمجرمين، سواء ما يتعلق بخصائصهم البدنية الظاهرة أو بأجهزة جسمهم الداخلية أو بغرائزهم أو بعواطفهم، و علاقة هذه المظاهر و الخصائص و الأجهزة بظاهرة الجريمة. بمعنى أن هذا العلم يقوم بدراسة أسباب الجريمة لدى الفرد بهدف معرفة الأسباب العضوية و البيئية التي أفضت به إلى ارتكابها.

و إذا كان علم الانثروبولوجيا العام يدرس الانسان كروح و جسد، فإن علم الانثروبولوجيا الجنائية يبحث هذه الأوجه في الانسان المجرم، و لهذه الدراسة جانبين:

الجانب الأول، يكمن في دراسات الصفات العضوية للمجرم، سواء ما يتعلق بأعضاء الجسم الخارجية لمعرفة ما إذا كانت عادية أو يشوبها خلل لتحديد و تقدير ذلك الخلل، أو ما يتعلق بأجهزة الجسم الداخلية و كيفية أدائها لوظيفتها كالجهاز الدموي و الهضمي و العصبي..

أما الجانب الاخر، فيتمثل في دراسة نفسية المجرم، أي دراسة الدوافع و الجوانب النفسية للمجرم من خلال مشاعره عواطفه و مختلف غرائزه..

و يمثل علماء الأنثروبولوجيا الطبية الشرعية بالإضافة إلى علماء الأمراض و أطباء الأسنان الشرعيين و محققي جرائم القتل و غيرهم أمام المحاكم كشهود خبراء.[22]

 

  • علم الحياة الجنائي La Biologie Criminelle :

و يطلق عليه أيضا علم الاجرام البيولوجي، يهتم هذا العلم بدراسة حياة المجرم و عاداته و وظائف الأعضاء و طبيعتها في التأثير في السلوك الاجرامي و كذا تأثير الإفرازات الغددية في الجهاز العصبي و العقلي للإنسان، و يعنى بصفة خاصة بدراسة عوامل الوراثة و مدى تأثيرها في السلوك المنحرف، هذا و يتناول البحث دراسة شخصية المجرم في كافة مراحل حياته لكي يربط بين حياة المجرم من ناحية، وإجرامه من ناحية أخرى، فهو يمتد كذلك ليشمل أيضا دراسة التشريح الفيزيولوجي الباثولوجي (علم الأمراض) و علم الكيمياء الحيوية المتعلقة بالحياة .[23]

 

  • علم النفس الجنائي: La psychologie Criminelle

كما يعرف كذلك بعلم الإجرام النفسي، ويهتم هذا العلم بالسلوك الإجرامي من الزاوية السيكولوجية، حيث يقوم بدراسة الدوافع و الجوانب النفسية للمجرمين كمستوى ذكائهم و غرائزهم و انفعالاتهم و مدى تأثيرها على أنواع السلوك الإجرامي الذي يرتكبونه، كما يهتم بدراسة سلوك الانسان من خلال فروقه الفردية و من خلال علاقاته بالآخرين ضمن البيئة الفيزيائية و الاجتماعية و الثقافية التي يعيش فيها. هذا و يقدم هذا العلم نتائج مفيدة في سبيل توجيه معاملة المجرم، أي دراسة الأحوال النفسية للمجرمين لغرض تحديد العوامل النفسية التي يعزى إليها سبب حدوث الجريمة.[24]

 

  • علم الاجتماع الجنائي: La Sociologie Criminelle

يعتبر علم الاجتماع الجنائي ذلك العلم الذي يعنى بدراسة الجريمة باعتبارها ظاهرة اجتماعية فيبحث في مدى الصلة بينها و بين غيرها من الظواهر الأخرى، و بمعنى اخر هو العلم الذي يقتصر على دراسة المجتمع من خلال ما يحدث فيه من ظواهر إجرامية.

لذا فهو يتولى تحديد العلاقة بين الظروف البيئية المختلفة عموما و الظروف الاجتماعية خصوصا، و بين ظاهرة الإجرام بغية التوصل الى معرفة المدى الذي تساهم به الظروف في وقوع الجرائم و بالتالي فهو لا يدرس الجريمة باعتبارها ظاهرة في حياة المجرم، و إنما كظاهرة في حياة المجتمع.[25]

و قد عرفه الأستاذ “انريكو فيري” ، بأنه حالة الجريمة و حالة الدفاع الاجتماعي ضدها.[26] أي ذلك العلم الذي يشمل الأنظمة الجنائية كافة و يتولى بالدراسة الجريمة و الدفاع الاجتماعي ضدها، أي رد فعل المجتمع ضد هذه الظاهرة بصفتها ضرارا و خطرا يصيب المجتمع و يخل بالنظام الاجتماعي.

 

المبحث الثالث: النظريات المفسرة للظاهرة الإجرامية:

حاول العديد من الباحثين و المفكرين ممثلين في مدارس عدة من تقديم نظريات و دراسات علمية كثيرة حول تفسير الظاهرة الإجرامية، لكن قبل أن نقوم بعرض مضمون كل نظرية على حدى، لابد لنا من ذكر بعض الفلاسفة العظام الذين ساهموا وقدموا أولى المحاولات في تقديم تفسيرات محددة للسلوك العدواني، و التأسيس لعلم الاجرام المهتم بدراسة الجريمة. حيث نجد في المقدمة مفكري وفلاسفة اثينا على شاكلة سقراط و افلاطون و ارسطو، حيث يعتقد الأول أن أساس الجريمة هو الجهل و أن العلم و المعرفة هو أساس السلوك القويم..

و على خلاف ذلك، فقد ميز افلاطون بين المجرم الذي يمكن إصلاحه و بين المجرم الذي لا يمكن إصلاحه، و هذا الأخير يجب التخلص منه كما يرى افلاطون، لكونه لا يرجى منه سوى عرقلة السير الطبيعي للحياة الاجتماعية و اعتباره ضررا و عبأ على المجتمع..

في حين يقر ارسطو أن هناك علاقة وثيقة بين سلوك الجاني و عاداته أو تصرفاته اليومية..[27]

إلا ان محاولة دراسة المجرم علميا بالمعنى الصحيح لم تبدأ سوى في القرن 19، مع العالم و الطبيب الايطالي “سيزار لومبروزو” سنة    ..1871

 

و تأسيسا على ما سبق، سنحاول عرض و دراسة بعض النظريات المهتمة بتفسير الظواهر الإجرامية، سواء من الجانب الفردي الذي يعزي الجريمة إلى المجرم نفسه دون الرجوع و الاهتمام بالعوامل الخارجية المؤثرة. أو من الجانب الاجتماعي الذي يرجع أسباب الجريمة إلى البيئة و الوسط أو المحيط الاجتماعي الذي يعيش فيه المجرم.

 

    المطلب الأول: التفسير البيولوجي للظاهرة الإجرامية:

وكما هو معلوم، فإن الدراسة العلمية لشخصية المجرم حقيقة لم تبدأ سوى في القرن 19 على يد العالم “سيزار لومبروزو” Cesar Lombroso“. الذي يعتبر رائد المدرسة الوضعية حيث بنيت على أفكاره فهو الذي نبه إلى دراسة جسم الإنسان من الناحيتين العضوية و النفسية لاستخلاص أسباب الجريمة.

وقد مكنته خدمته بالجيش الايطالي و اشتغاله ببعض مستشفيات الأمراض العقلية و كأستاذ للطب الشرعي و العصبي بالجامعات الايطالية، من إجراء بحوث و دراسات عدة كتشريح أعضاء أجسام المجرمين وغير المجرمين أبرزها تشريح جثة المجرم الخطير المسمىViella ، و غيرها من البحوث الأخرى، و التي لاحظ من خلالها أن هناك صفات و مميزات مشتركة و خاصة تميز المجرمين المنحرفين عن غيرهم من الشرفاء و الصالحين، وهو الأمر الذي دفعه إلى تأسيس نظريته “المجرم بالميلاد”، و التي تضمنها كتابه المعروف “الانسان المجرم”  الذي أصدره سنة 1876، و كرس من خلاله أفكارها، و التي سنعرض مضمونها لاحقا.[28]

 

  • نظرية المجرم بالميلاد:

أو المجرم بالفطرة، و يتلخص مضمون هذه النظرية في كون المجرم يمتلك صفاتا خاصة خارجية عضوية و نفسية تختلف عن صفات الشخص السوي.

فمن الناحية العضوية، اتضح لصاحب “للومبروزو” من خلال النتائج التي توصل إليها عن طريق الدراسات و البحوث التي قام بها، أن جمجمة المجرم تبدوا في عدم الانتظام و عدم انتظام أسنانه و طول دراعية و أصابعه، بالإضافة لعدم استقامته و ضيق في الجبهة، وكذا قصر و كبر الأذنين و كثرة التجاعيد في الوجه. إلى غيرها من الصفات و الخصائص الأخرى…

ومن الجانب النفسي، تبين “للومبروزو” كثرة الرسوم و الوشوم المرعبة على أجساد المجرمين، كما استنتج من خلال ملاحظاته أن المجرم يتميز بنفس ضعيفة، حيث لا يشعر بالألم و لا بتأنيب الضمير و انعدام شعورهم بالخجل، وهو ما شببه بالسلوك الحيواني. وهي من بين الأمور التي تساعد في التأثير على سلوكاتهم و يرتكبون بدم بارد و بكل سهولة الأفعال الاجرامية.

و بالتالي، فإن المجرم  يولد و هو مزود بخصائص جسمية و نفسية تجعل منه و حشا بدائيا غير متحضر، لا يكترث لقوانين مجتمعه و ينساق و راء نزواته الحيوانية البدائية.

و قد خرج “سيزار لومبروزو” من دراساته إلى القول أن المجرم مغلوب عن أمره لكونه مجرم بالفطرة، أي يرث الاجرام عن طريق الوراثة حيث يمكن لبعض التصرفات و السلوكات و الأمراض التي يرثها الشخص من أمراض عقلية أو نفسية أن تؤدي به إلى القيام بالسلوك الإجرامي، لأن الشخص لن يستطيع التحكم في نفسه وفي سلوكاته..[29]

و لم يقف “لومبروزو” عند هذا الحد، بل قام بتصنيف المجرمين إلى عدة طوائف و أصناف:

المجرمين بالميلاد: أو المجرمين بالفطرة، هم الأشخاص الذين يرثون بعض الصفات و السلوكات الإجرامية، وهذه الفئة تميل إلى الإجرام بطبيعتهم.

المجرمين بالصدفة: أي أن التكوين الشخصي لهذه الفئة من الأفراد يكون ضعيفا عندهم، ما يجعلهم أكثر عرضة للإجرام و أكثر استعدادا له، بمعنى أن سلوكهم في حالة كمون حتى يوقظه عامل و مؤثر خارجي فيتكامل معه فينتجان بذلك السلوك الإجرامي.

المجرمين بالاعتياد: هؤلاء يكتسبون الجرائم بالاعتياد منذ حداثتهم، و أغلبهم من محترفي جريمة السرقة.

المجرمين بالعاطفة: هذا النوع من الطائفة يرتكبون الجرائم نتيجة عوامل فجائية، خاصة جرائم الاعتداء على الأشخاص، لأن لديهم إفراط في أحاسيسهم و يتميزون بسلوك عصبي حاد، و من تم يحسون بتأنيب في ضميرهم.

 المجرمين المجانين: وهي الطبقة الموروثة لأمراض عقلية و عضوية، ويصعب علاجها، و ينصح “لومبروزو” إلى إبعاد هؤلاء المجرمين عن المجتمع و التخلص منهم.[30]

 

استطاع لومبروزو” من خلال دراساته و أبحاثه من إلقاء الضوء ساطعا على دراسة شخصية المجرم، سواء من الناحية العضوية او النفسية، كما يعد أول من اعتمد المنهج العلمي في تفسير الظاهرة الاجرامية، وبالرغم من كل ما ذكر فإن نظريته بحد ذاتها لم تسلم من النقد حيث أخذ عليها:

اعتماده على دراسة أعضاء المجرم و شخصيته فحسب (العوامل الفردية) ، باعتباره العامل و الدافع الأساس المؤدي إلى الإجرام، و إغفاله الجانب الاجتماعي على الرغم من كونه يدفع هو الآخر إلى السلوك الاجرامي، كما يسهم في تكوين شخصية المجرم.

أيضا تعميمه لفكرة خاطئة مفادها أن المجرم بالميلاد أو بالفطرة، أي أنه يرث الإجرام من الأصل إلى الفرع، دون الاهتمام بالظروف الاجتماعية التي تحيط بالمجرم و التي تساهم في التأثير على سلوكات الأفراد، كما يوجد عدة أفراد أصلهم مجرمين بينما هم غير مجرمين. وفضلا عن ذلك فإن الخصائص و الصفات الخارجية لهؤلاء المجرمين يمكن أن تكون نتاج أمراض أو تشوهات خلقية أو لحوادث قد تعرضوا لها في حياتهم، و ليست بالضرورة أن تكون وراثية.

و إذا أقر “سيزار لومبروزو” على كون جميع المرضى مجرمين، فكيف يمكن أن نفسر المرضى الغير مجرمين؟ و بالتالي لا يمكن تفسير الظاهرة الإجرامية بناء على عامل الوراثة لوحده.[31]

 

  • نظرية الانحطاط الجسماني:

يعتبر أستاذ الأنثروبولوجيا الأمريكي “ارنست هوتون”، من أبرز المؤيدين لنظرية “لومبروزو”، حيث دافع عن اراءه و أفكاره و اعتبرها عين الحقيقة، وقد طور فكرته و أخضع نظريته للدراسة حيث تجاوز أخطائها، عن طريق تناوله بالفحص و التمحيص المجرم الأمريكي، واعتمد في أبحاثه على مجموعات كبيرة من المجرمين و غير المجرمين انتقاهم من ثماني ولايات أمريكية مختلفة، مراعيا في اختيارهم ظروفهم الخاصة و عامل الجنس و الجنسية. و اتضح له من خلال أبحاثه أن للجانب التكويني الفيزيولوجي دور هام في تفسير الظاهرة الاجرامية. فكيف ذلك؟

خلص “هوتون” في أبحاثه، إلى وجود صفات انحطاطية موروثة “بيولوجية” يتميز بها المجرمون، كما أن هذه الخصائص تختلف من مجرم إلى مجرم اخر فمثلا صفات رجال الأعمال المجرمين ليست هي صفات المجرمين العاديين، و تتعلق هذه الصفات بشكل العينين و الأنف و الفم و الأذنين و الجبهة و مقاييس هذه الأعضاء، و لهذا الانحطاط و الشذوذ البدني الذي يدل على انحطاط عقلي حسب “هوتون” أهمية في تبرير الظاهرة الاجرامية، هذا فضلا على اعتماده في بعض دراساته و تحديدا المتعلقة بسكان أمريكا اللاتينية التصنيف السلالي العرفي.

كما استخلص “هوتون” أن من بين المجرمين الذين يرتكبون نوعا معينا من الجرائم يتسمون بصفات مشتركة تميزهم عمن يرتكبون جرائم من نوع اخر، فمثلا هناك صفات تميز مرتكبي الجرائم التي تقع ضد الأشخاص كجرائم القتل و النهب و الاعتداء حيث يتميز مقترفوها بطول القامة و نحافة الجسم، فيما يتميز الذين يرتكبون الجرائم الجنسية بقصر القامة و الوزن المفرط..

 

مما تقدم يمكن القول، أن الأستاذ “ارنست هوتون” قد أخضع الظاهرة الإجرامية لعلم مدقق و تجاوز الأحكام المسبقة “للومبروزو”. إلا أن ذلك لا يعني أن نظريته لم تتعرض لأي لانتقادات بل العكس حيث يعاب عليها:

إخفاقها في تقديم دليل علمي على أن الانحطاط الجسماني و الشذوذ البدني الذي يتسم به المجرمين هو انحطاط موروث، في حين يمكن أن تكون لهذه العيوب البيولوجية الانحطاطية أسباب أخرى، كالأمراض اللاحقة التي تصيب الشخص كالزهري أو السل أو بفعل النظام الغذائي أو نتيجة ظروف و عوامل بيئية أخرى.

و كذا أخذها على مجموعة من نزلاء السجون في أبحاثها على أساس أن هؤلاء يمثلون المجرمين كلهم، و بالتالي إغفالها العديد من المجرمين الذين لم يكونوا ضمن العينة التي تمت دراستها و كذا بعض الجرائم التي لم يصل اليها القضاء.

و أخيرا فإن نظرية الانحطاط الجسماني عيبها عيب واحد مع نظرية “لومبروزو”، حيث اقتصرتا على العوامل الفردية و إغفالهما كل تأثير للعوامل الاجتماعية.

 

     المطلب الثاني: التفسير النفسي للظاهرة الإجرامية:

  • النظرية النفسية:

بعد إخفاق المذهب البيولوجي في تفسير الظاهرة الإجرامية، حاول أنصار المذهب النفسي بدورهم من دراسة الجانب الخفي من شخصية المجرم  و هو الجانب النفسي، بغية تفسير و تحليل السلوك الاجرامي.

و يعد الفيلسوف النمساوي “سيغموند فرويد” قائد هذا الاتجاه، حيث تقوم نظريته بدراسة الجوانب و الدوافع النفسية للمجرم. و قد بدأها بتقسيم النفس إلى ثلاثة أقسام:

 

الهو، و يشمل الاستعدادات و الميول الموروثة و النزاعات الغريزية التي تقف وتتمركز جميعها فيما وراء الشعور أو اللاشعور، محاولة تحقيق أكبر قدر ممكن من الإشباع أي إشباع رغبات نفسية داخلية.

 

الأنا، وهو الجانب الشعوري العاقل من النفس، فهو على صلة دائمة بالواقع الذي يعيش فيه الانسان، حيث يحاول التوفيق بين النزعات و الميولات الفطرية من جهة، و بين التقاليد و العادات من جهة أخرى. و يعرف هذا القسم كذلك بالعقل.

 

الأنا الأعلى، و تشمل الجانب المثالي في النفس البشرية، و الذي يضم القيم السامية و المبادئ و الأخلاق الموروثة و المستقاة من القيم الدينية و القانون، بحيث يتوصل الشخص إلى درجة من الإشباع عن طريق السلوك الهادئ المشروع. و يطلق على هذا القسم كذلك بالضمير[32].

 

و تأسيسا على ما سبق ذكره، فإن الجريمة حسب “فرويد” عبارة عن نتاج صراع بين القيم ومكونات الجهاز النفسي (الهو، الأنا، الأنا الأعلى) ، لإشباع رغبات نفسية داخلية.

فإن توافقت هذه المكونات يتحد بها التكامل النفسي، و إن اختلت يصبح الشخص فريسة سهلة للأمراض النفسية و العقلية، و هو ما يدفع و يؤثر في سلوكات الأشخاص وتجعلهم يرتكبون أفعالا منحرفة و اجرامية.

دون أن نغفل و ننسى عامل الظروف النفسية التي ينشأ فيها الفرد و التي تحيط به، بحيث يتأثر و تؤثر فيه. كما أن هذه النظرية لا تفسر التكوين النفسي للفرد منذ نشأته فقط، و لكن ترتبط أيضا بلحظة و قوع الجريمة.

 

و رغم المحاولات الجدية و الدراسات العلمية التي خلصت إليها نظرية “فرويد” إلا أنها لم تسلم هي الأخرى كسابقاتها من الانتقادات حيث يؤخذ عليها:

أنها ترتكز على جانب واحد من شخصية الانسان وهو الجانب النفسي، كما تقول بأن ضعف “الأنا الأعلى” أو الضمير، يقود دائما إلى طريق الجريمة، و هذا غير صحيح فبعض الناس يضعف صوت الضمير لديهم و لكنهم لا يقدمون على ارتكاب الجريمة.

و قولها كذلك أن المجرم يتميز بالفظاظة و التجرد من العواطف، و لكن ما نراه عكس ذلك و لا يصلح بأن يكون تفسيرا للجرائم العاطفية التي يحتل الضمير مكانة عليا عند مرتكبها.

و إذا ما بحثنا من الناحية الاكلينكية السريرية فإننا لا نجد مصطلحات كالهو، الأنا و الأنا العليا، وبالتالي فإن الجهاز المفاهيمي الذي وظفه “سيغموند فرويد” عبارة عن تخيلات غير واقعية و لا يستقيم توقعه على الواقع.

و يتضح جليا إخفاق هذه النظرية النفسية في تقديم برهان علمي على صحتها، لدرجة أن البعض الذي يجادل أحد أنصارها يعتبرونه يعاني من خلل نفسي و هذا الخلل هو الذي يدفعه إلى نقدها.[33]

 

    المطلب الثالث: التفسير الاجتماعي للظاهرة الإجرامية:

كباقي النظريات البيولوجية و النفسية، جاءت النظريات الاجتماعية هي الأخرى محاولة منها تقديم و إعطاء تفسيرات و دراسات علمية حول السلوك العدواني و الإجرامي.

 

  • المدرسة الاشتراكية:

ذهب بعض العلماء الاشتراكيين على رأسهم الفيلسوف الألماني “كارل ماركس” و “فريدريك انجلز” و “فيورباك”، إلى كون النظام الرأسمالي هو العامل المفسر و المؤدي إلى السلوك الاجرامي.

فالجريمة في نظر هؤلاء هي جريمة مصطنعة لا وجود لها حقيقة، و إنما هي نتاج الطبقة البورجوازية، نتاج صراع طبقي بين القوى العاملة “البروليتاريا” و “قوى الانتاج” البورجوازية، فهذه الأخيرة تشغل الطبقة العمالية و تتعرض لمختلف أشكال الاستغلال من استغلال اقتصادي و اجتماعي على يدها أي على يد أصحاب رؤوس الأموال، علما أن تلك الثروة التي يمتلكونها مكتسبة من خلال عمل و قوة عضلات العمال.

و يظهر ذلك جليا في كون الطبقة البورجوازية هي المسيطرة على المجتمع حيث تترشح للانتخابات و تساهم في صناعة القرار و تنتج لنا قوانين تلائم مصالحها الرأسمالية كمنع الإضراب مثلا الذي هو الوسيلة أمام الطبقة العمالية الضعيفة و الكادحة للمطالبة بحقوقها و مطالبها.

وبالتالي لابد من محو الفوارق الطبقية (الصراع الطبقي)، لأن بوجود الطبقة الغنية و الطبقة الفقيرة بالمجتمعات تنعدم العدالة الاجتماعية و يؤدي ذلك إلى استغلال الأولى للثانية وهو ما ينتج لنا عدة نتائج تدفع كلها إلى السلوك الاجرامي.

هذا ومن الطبيعي أن تلجأ هذه الطبقات المستغلة و المظلومة إلى الجريمة لاسترداد حقوقها المغصوبة و المسلوبة منها.

لهذا ينادي أصحاب هذا الاتجاه إلى تطبيق النظام الشيوعي الاشتراكي و يعتبرونه هو الحل لاختفاء الجرائم، بحيث لا يمكن أن تختفي الجرائم إلا في ظله.

و كما قال “بونجر” “Bonger الذي تأثر بهذه النظرية و استقبلها بالترحاب و تبناها، “إن من أهم العوامل التي تخلق الظروف غير الملائمة النظام الرأسمالي و ما يوجده من فوارق اجتماعية تولد الأحقاد لدى الطبقة العمالية نحو طبقة أصحاب رؤوس الأموال، مما يدفع بعض أفرادها إلى ارتكاب الجريمة”.

 

  • النظرية اللامعيارية:

أو نظرية التفكك الاجتماعي، و يعتبر عالم الاجتماع الأمريكي “ثورستن سيلين” رائد هذا الاتجاه، الذي استوحى نظريته من الواقع المجتمعي الأمريكي الذي عاشه و عاصره، و قارنه بالمجتمعات البدائية من الأرياف و القرى و البوادي.

و قد استخلص من خلال هذه المقارنة، أن المجتمعات الأخيرة تنخفض و تقل فيها نسبة الجرائم، عكس المجتمعات المتحضرة و المنفتحة التي تعرف ارتفاعا واضحا في عدد الجرائم. ما دفع به إرجاع و ربط الظاهرة الاجرامية بالتفكك الاجتماعي، و مناداته بضرورة تحقيق الترابط الاجتماعي بصفته الوسيلة و النهج الأفضل للحد من انتشار الظاهرة الاجرامية.[34]

 

وهي نفس الأفكار التي أخذ بها الفيلسوف “اميل دوركايم” في “كتابه الانتحار”، حيت يقول من خلاله أن الجريمة أو الانحراف ظاهرة طبيعية في أي مجتمع .

و يعتبر أن العلاقات التي تربط الفرد بالمجتمع محددة بنوعين من التضامن:

التضامن الالي و التضامن العضوي، فالأول يظهر في المجتمعات البدائية البسيطة، حيث يغلب عليها الجانب التضامني و الاتحادي، ويكون أفراد المجتمع في ظله متضامنين و متحدين في العادات و التقاليد و الطقوس الدينية والمشاعر و الأفكار.. بمعنى أن الروابط و العلاقات الاجتماعية التي تحكم أفراد هذه المجتمعات الريفية قوية و متينة و شديدة، وهي من الأمور التي تساعد في انخفاض نسب الجرائم بمثل هذه المجتمعات.

أما النوع الثاني فهو التضامن العضوي، و يسود في المجتمعات العصرية المتحضرة و المنفتحة، فكلما كان المجتمع فردانيا ووحدانيا، كلما كانت نسب الجرائم مرتفعة.

فالإجرام حسب “دوركايم” يختلف من طائفة إلى طائفة أخرى و ذلك راجع لوعي و تكوين المجتمع (الثقافة و السكن..)  [35]

 

إن موضع النقد في هذه النظرية، أنها قصرت عوامل الإجرام على عامل التفكك الاجتماعي و حده، و هو قول لا يمكن التسليم به و يكفي لدحضه أن تتساءل لماذا يقدم  بعض أفراد المجتمع دون البعض الآخر على الجريمة على الرغم من تأثرهم جميعا بعامل التفكك الاجتماعي؟ الحقيقة أن التفكك الاجتماعي عامل يقوم إلى جانب عدة عوامل أخرى فردية و بيئية تتضافر و تتكامل و تتفاعل فينتج عن ذلك السلوك الاجرامي.

و بالتالي لا يمكن أن نفسر السلوك العدواني بناء على عامل واحد وهو التفكك الاجتماعي.

 

    المبحث الرابع: عوامل السلوك الإجرامي: 

وبما أن الظاهرة الإجرامية كما أسلفنا، ثمرة تظافر العوامل الفردية (الداخلية) و العوامل البيئية (الخارجية) ، لذا سنتناول بعض هذه العوامل بالدراسة و البحث في المطلبين الآتيين.

 

    المطلب الأول: العوامل الداخلية المؤدية لاقتراف الجريمة:

و يطلق عليها اسما اخر العوامل الفردية الأصلية، وهي مجموع الصفات و الخصائص الثابتة في الإنسان أصلا و القائمة في شخصيته منذ ولادته.

وتربط أهم الأسباب الداخلية للجريمة إلى التكوين الطبيعي للمجرم أو التكوين الإجرامي، الذي يرجع إما إلى السلالة أو السن بالإضافة إلى الوراثة أو الجنس. و سنحاول أن نقتصر على هاذين العاملين الأخيرين و نعطي كل ذي حقه لكي نبين مدى تأثير كل عامل على الأفراد و أثرهما على سلوكهم الإجرامي.

 

    الفقرة الأولى: الوراثة:

الوراثة هي الطبيعة الأصيلة للكائنات الحية، و يتنازع الانسان في ذلك شأن أي كائن اخر، ويقصد بها انتقال خصائص معينة من السلف إلى الخلف عن طريق التناسل، وتعرف كذلك بانتقال خصائص الأصل إلى الفرع أثناء الاخصاب أي لحظة تكون الجنين.

لكن السؤال الذي يتبادر إلى أذهاننا: كيف يمكن أن تنتقل هذه الخصائص و الصفات من الأصل إلى الفرع علميا؟

تنتقل الصفات الوراثية من الأصل إلى الفرع بواسطة الكروموسومات الموجودة في الخلية، وكما هو معلوم فإن جسم الإنسان يتكون من ملايين الخلايا و تحتوي كل خلية على 46 جزء من هذا الكروموسومات.

أما الاخصاب فيتم عن طريق التقاء مني الرجل ببويضة المرأة فينتج عن ذلك الجنين المتأثر بصفات الأب أو بصفات الأم أو بكليهما، باعتبار أن هذه الخلية المزدوجة الجديدة تشمل هي الأخرى على 46 كروموسوما، و يكون نصفها قادما من الأب و النصف الآخر آت من الأم..

و رغم دقة انتقال بعض الأمراض و الصفات من الأصل إلى الفرع علميا و طبيا، إلا أن  الأمر مختلف في مجال علم الاجرام، حيث ثار نقاش حاد و جدل واسع بين علماء الإجرام بين مؤيد و معارض حول الإجابة عن إشكال: هل فعلا أن للوراثة دور في تفسير السلوك العدواني؟

حيث ذهب الاتجاه الأول إلى القول، أن ميراث خصائص و صفات إجرامية معينة بدنية أو عقلية أو نفسية هو الذي يقود حتما إلى ارتكاب الجريمة. و هي الفكرة التي كرسها الطبيب الايطالي “سيزار لومبروزو” في نظريته “المجرم بالميلاد”.

و في مقابل هذا الاتجاه، ذهب اتجاه اخر إلى إنكار أن للوراثة دور في تفسير الظاهرة الاجرامية، مؤكدا أن ارتكاب الجريمة يرجع إلى بعض العوامل الاجتماعية أو البيئية المحيطة بالأفراد و التي تتأثر فيهم و في سلوكاتهم.. وهي نفس الفكرة التي دافعت عنها المدرسة الاجتماعية.

وذهب البعض الأخر إلى القول، أنه لا يتعين البحث في مدى إمكانية وراثة الإجرام، ولكن ينبغي البحث إلى مدى إمكانية أن يرث الشخص الاستعداد الاجرامي؟ حيث يمكن اعتبار هذا النوع من الوراثة أنها مهيئة و أكثر استعداد لارتكاب الفعل الجرمي إذا ما صادفتها أو تكاملت معها ظروف و عوامل خارجية.

وهي نفس الآراء التي قال بها الباحث “ديتوليو” في نظريته المسماة “الاستعداد الاجرامي”.

 

الفقرة الثانية: الجنس:

     قال عز وجل “يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا و نساء و اتقوا الله الذي تسالون به و الأرحام إن الله كان رقيبا”[36]

ومما لاريب فيه أن هذه الآية الكريمة دلت على أن المرأة مخلوقة من نفس وضلع الرجل، و بناء على هذا فلا فرق بينهما إلا ما يتعلق بالتكوين العضوي الخاص بكل منهما و بالمكتسبات من الهيئة الاجتماعية.

 

و يتضح من الإحصاءات الجنائية أن الجرائم التي تقترفها النساء أقل بكثير مقارنة بالجرائم التي يرتكبها الرجال، لكن إذا ما شاركت المرأة الرجل في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية لازداد عدد الجرائم بإطراد بقدر ما تزداد هذه المشاركة.

لكن لحكم تكوينها ومما تتسم به من حياء جعلها في وضع اجتماعي ينسجم مع ذات تكوينها، لهذا نجد المرأة كلما لعبت الدور الذي يلعبه الرجال اقترفت الجريمة كما يقترفها الرجال، و فعلا فقد أجمع الباحثون في هذا الميدان أن إجرام النساء يختلف تماما عن إجرام الرجال سواء من حيث الكمية أو من حيث النوعية.

 

فمن الناحية الكمية، أكدت الاحصاءات الجنائية أن في كل بقاع العالم يتضح أن إجرام النساء أقل مقارنة بإجرام الرجال الذي يعرف ارتفاعا واضحا. و لعل تفسير ذلك يرجع الى مكانة المرأة في المجتمع، حيث لا تتعرض لكثرة الاحتكاك مع الغير كما أنها غالبا ما تكون تحت حماية الرجل، فضلا عن ذلك ضعف بنيتها الجسدية و ما تتصف به من خوف و حياء فطري..

و رغم كون الدراسة قديمة و كذا التطورات الكثيرة التي طرأت على الحياة الاجتماعية للمرأة، إلا أن هذا التباين واضح و موجود ليومنا هذا.

 

أما من الناحية النوعية، فتظهر في نوع الجرائم الشائعة في صفوف الإناث و التي تعرف اختلافا واضحا مع نوع الجرائم التي يقترفها الذكور، فالأولى تتمثل غالبا في جرائم الدعارة و الفساد و جريمة الإجهاض و جرائم شهادة الزور إلى غيرها..

في حين جرائم الذكور تظهر في السرقة و الاعتداء من عنف و ضرب و جرح، إضافة إلى جرائم الاغتصاب و القتل إلى غيرها من الجرائم الأخرى.

 

وخلاصة القول، أن المرأة كلما كانت محافظة على أنوثتها و لم تشارك الرجل في بعض الأعمال و النشاطات الاجتماعية العامة، كلما كانت نسب الجرائم في صفوف النساء منخفضة، و إذا كان الأمر عكس ذلك فإنها ستقترف الجريمة كما يقترفها الرجل، خاصة وأن المرأة سريعة الغضب عكس الرجل، وهو ما أكدته الدراسات العلمية التي أجريت بهذا الصدد لأنه يدخل في خانة التركيب النفسي و العضوي لها. [37]

 

    المطلب الثاني: العوامل الخارجية المؤدية لاقتراف الجريمة:

يقصد بها تلك الظروف أو الوقائع التي لا تكمن في شخص المجرم، و إنما تقوم في الطبيعة أو المحيط أو البيئات التي يعيش فيها و يكون في شأنها التأثير على سلوكه الإجرامي. و لذا يطلق على تلك الظروف العوامل الاجتماعية أي المتعلقة بالجماعة لا بالفرد وحده، كما يطلق عليها البعض العوامل الخارجية لأنها عوامل خارجة عن شخص المجرم.

و في الواقع هي عوامل متعددة  و مختلفة و يمكن تقسيمها إلى عدة تقسيمات بحسب الزوايا المختلفة المنظورة منها إلى تلك العوامل، ولكننا نفضل تقسيمها إلى عوامل طبيعية، اقتصادية واجتماعية.

 

    الفقرة الأولى: العوامل الاجتماعية:

هي مجموعة من الظروف التي تحيط بشخص معين و تميزه عن غيره، فهي تشمل الظروف الاجتماعية التي بسببها يقيم الفرد بينه و بين غيره علاقات من خلال اختلاطه بهم سواء داخل الأسرة أو الأصدقاء.

 

    أولا: الأسرة:

لاشك في أن الأسرة هي اللبنة الأساس في بناء شخصية الفرد بشقيها الوجداني العاطفي و النفسي، و المراد بالأسرة هي المنشأ الاول للطفل، فصلاح أو فساد الطفل ينطلق من فساد أو صلاح الأسرة، فإما أن تكون عاملا ايجابيا في تنشئة الفرد و بناء شخصيته بشكل متوازن و متناسق متى توافرت فيها مقومات الأسرة الصالحة، وإما أن تكون عاملا سلبيا يؤثر بشكل مباشر في الفرد وبنياته النفسي و العاطفي متى كانت فاسدة متفككة أو ممثلة.

أو بمعنى اخر أنه كلما كانت الأسرة مفككة و مشتتة كلما كان الطفل منحرفا و طالحا و ان كانت سوية صالحة كلما كان نسلها سويا [38]

 

ومن هنا تبدوا العلاقة الوطيدة بين الأسرة و السلوك الإجرامي، و تحديدا لدى الجانحين الأحداث الذين غالبا ما تكون ظروفهم الأسرية غير ملائمة أو غير صحية، كإدمان الأب الطلاق، الفقر و البطالة.. فيسلك الحدث سبيل الجريمة كرد فعل أو تمرد على الأوضاع السيئة التي عاشها أو يعيشها. و لعل بعض الدراسات الميدانية التي أجريت في هذا الصدد تؤكد هذا الطرح إذ أثبتت أن مستوى الأسرة بما في ذلك مستواها الثقافي التعليمي و سكنها وكذا دخلها، كلها عوامل تؤثر بشكل مباشر في تنشئة أطفال هذه الأسر و تربيتهم، بل هي السبب المباشر في انحرافهم.

 

و قد انتهت النتائج في إحدى الدراسات إلى أن نسبة 45 بالمئة من العينة محل البحث سبب انحرافها الظروف الأسرية، فيما يأتي رفقاء السوء في المرتبة الثانية بنسبة 18,33 كأحد العوامل المؤثرة، و تليها في المرتبة الثالثة العوامل النفسية بنسبة 15 في المئة، ثم الظروف الاقتصادية بنسبة 11,67 بالمئة[39]..

وبذلك يبدوا واضحا أن الظروف الأسرية هي التي تحظى بنصيب الأسد من بين العوامل الدافعة للإجرام بالنسبة إلى الأحداث في الدراسة المشار إليها اعلاه.

 

و الملاحظ، أن رغم كون الأسرة مثال مؤسسة التربية، إلا أنها بدأت تعرف تراجعا واضحا في الوقت الراهن لعدة أسباب من بينها كثرة الأعباء المعيشية و كثرة العمل، بحيث يتم ترك الأبناء و اللجوء إلى مؤسسات أخرى للتربية مثل الحضانة أو مربية بالمنزل، زد على ذلك الوسائل الالكترونية غير المؤمنة التي تملئ الفراغ الذي تركه والديه..

 

    ثانيا: المدرسة و الاقران:

كما رأينا سابقا تأتي المدرسة في المرتبة الثانية بعد الأسرة في تكوين شخصية الفرد، فالمدرسة تربي و تثقف و هي الوسط الاجتماعي التعليمي التثقيفي الأول الذي يواجهه أو من المفروض أن يواجهه الطفل خارج أسرته.

 

ولا شك أن نجاح الطفل في مدرسته يتوقف على إمكانياته الذهنية و على طريقة معاملته من قبل معلميه و أساتذته، لذا فإما أن تكون المعاملة جيدة وملائمة فتساعد الطفل على بناء شخصيته و كيانه بكيفية متوازنة و إما أن تكون سيئة فلا يستطيع الطفل التكيف مع وسطه المدرسي فتكون نتيجة ذلك الهروب من المدرسة أو عدم الانتظام في الحضور أو التسكع في الشوارع و التردد على أماكن اللهو، و الأخطر من كل ذلك الانضمام إلى رفاق السوء فيبدا في تقليدهم بل واتخاذهم قدوة له بعد فشله في التكيف مع وسطه المدرسي، حيث يؤثر الأصدقاء على تصرفات الشخص بشكل يجعله يرتكب أفعالا مخالفة للقانون.

 

   الفقرة الثانية: العوامل الطبيعية:

   أولا: المناخ:

ركز علماء الإجرام على العامل الجغرافي كدافع إلى السلوك الإجرامي. فقد و قفوا في دراساتهم على أن هناك علاقة وثيقة بين المناخ و الظاهرة الإجرامية من خلال ارتفاع جرائم العنف و الاعتداء في المناطق الحارة لكثرة الحركية في المجتمع، ما يؤدي الى الاحتكاك مع الغير و لكون الجسم أكثر نشاطا و اندفاعا بسبب ارتفاع الحرارة.

 

فقد أثبتت بعض الإحصاءات الفرنسية إلى كون جرائم الاعتداء و العنف (جرائم الأشخاص) ترتفع معدلاتها في المناطق الحارة (في الجنوب) ، بينما في المناطق الرطبة و الباردة (في الشمال) تعرف ارتفاعا في جرائم الأموال و تحديدا جرائم السرقة حيث يكون الليل طويلا، و كذلك الجرائم المرتبطة بالجانب النفسي كالانتحار و القتل.

و هي نفس الخلاصة التي استنتجها الأستاذ و الباحث الفرنسي Guerry من خلال الدراسة التي قام بها ما بين (1825-1830) ، حيث توصل في الأخير إلى قاعدة خاصة سماها بقانون الحرارة الاجرامي.

 

وقد تمت العديد من الدراسات حول هذا الموضوع في أمريكا و أوروبا منذ القرن 19 وقد أيدت نفس الملاحظات السالفة الذكر أعلاه، حيث قالت أن للمناخ دور كبير في التأثير على سلوكات المجرم، و هي نفس الفكرة التي أخرج بها الباحث “لاكاساني” و نفسها دراسات “دوجري”.

نهيك عن الدراسة التي قام بها العالم Dexter حيث أخذ بالبحث حوالي 40 الف حالة وخلص إلى أن للطقس دور كبير أكثر من أي عامل اخر حيث يؤثر و يؤدي إلى الاختلاف بين الشمال و الجنوب من حيث نوع الجرائم[40].

 

ثانيا: جرائم القرى و المدن:

    و كما أشارنا سابقا في نظرية التفكك الاجتماعي للباحث الأمريكي “ثورستن سيلين”  و التي تبناها الفيلسوف “اميل دوركايم”، أن للمكان دور مهم في تفسير الظاهرة الاجرامية.

حيث استخلصت الدراسات و الأبحاث العلمية التي قام بها الباحثين المهتمين بهذا المجال  منذ الشروع في وضع الإحصائيات الجنائية لوقتنا الراهن، إلى كون الجرائم في المدن أكثر ارتفاعا مقارنة بجرائم القرى التي تعرف انخفاضا ملحوظا وذلك راجع للأسباب التي رأيناها سالفا.

كما تبثث الإحصائيات الفرنسية بأن حوالي 70 بالمئة من الجرائم المرتكبة فيها تم اقترافها في 5 مدن كبرى وهي المدن التي تعرف تمدنا و تفتحا و حضارة.

فضلا عن ذلك، أكدت الدراسات الأمريكية هي الأخرى نفس النتيجة حيث أن الإجرام في مدينة شيكاغو الأمريكية ينخفض كلما انتقلنا من مركز المدينة إلى الأرياف المحيطة بها..[41]

 

    الفقرة الثالثة: العوامل الاقتصادية:

عندما نقول الوضع الاقتصادي فإننا نقصد حالة الاقتصاد و أثر التطور الذي يعرفه أو التقلبات التي تطرأ عليه، و بذلك فإما أن يكون اقتصادا مزدهرا و متطورا أو يعرف حالة ركود و انكماش، وفي كلتا الحالتين فان تأثر الدخل الفردي و كذا المستوى المعيشي للأفراد هو ما يدفع إلى السلوك الإجرامي.

فمثلا دخول الأفراد تعرف تفاوتا واضحا بين فرد لآخر، فكلما كان الدخل مرتفعا كلما كان إشباع و قضاء الحاجيات أمرا سهلا و ميسرا، وهو عامل يساعد في تراجع و انخفاض نسبة الجرائم و تحديدا جرائم الأموال كجريمة السرقة. و بالمقابل قد يكون هذا الوضع سببا في ارتفاع معدل جرائم أخرى كالنصب و الاحتيال و الرشوة طمعا في زيادة الثروة و الرفاه الاجتماعي و لو بأساليب غير مشروعة، كما أن وجود فائض من الدخل الفردي قد يغري البعض و يدفعهم الى ارتياد أماكن اللهو و بيوت الدعارة و تناول المخدرات و معاشرة بائعات الهوى…

هذا وان دل على شيء فإنه يدل على أن الانحراف لا يقتصر على الطبقة الفقيرة و العاطلة فقط، وإنما حتى الغني أو الثراء بصفة عامة يمكن ان يكون له أثر غير مباشر في اقتراف السلوك المنحرف عموما.

 

أما في الحالة التي يكون فيها دخل الأفراد منخفضا أو منعدما بسبب قلة موارده أو بطالته (نظرا لظروفه)، فإن لذلك تأثير على الفرد بحيث يكون عاجزا عن إشباع حاجاته اليومية الضرورية، وهو ما قد يدفعه إلى الوقوع في دائرة الاجرام الواقعة على الأموال تحديدا في سبيل تلبية وإشباع رغباته الاساسية التي لا يستطيع و يصعب أن يلبيها بالطرق المشروعة.

و بمعنى اخر كلما كان الفرد في حالة فقر و بطالة كلما كان محتاجا إلى المال لكسب حاجياته اليومية، و بالتالي هذا الأمر يؤثر على سلوكاته و يدفعه أحيانا كثيرة إلى اقتراف سلوكات إجرامية.

 

ومع اعتقاد بعض علماء الإجرام أن الفقر و البطالة يولدان الجريمة، إلا أن بعضا اخر يؤكد عكس ذلك حيت ينفي وجود أي علاقة بين هاذين العاملين والجريمة، لكن في حقيقة الأمر يظهر لنا أن ليس هناك اي رابطة حتمية بين الفقر و الجريمة، كما أنه لا يمكن نفي هذه العلاقة بصفة مطلقة، و إنما يتعين أن يأخذ الفقر كأحد العوامل الدافعة للأفعال الإجرامية و إعطائه ما يستحق من العناية في الدراسات و الأبحاث المقامة بهذا الصدد من أجل استخلاص سبل التصدي للإجرام بنهج صحيح و أنجع.

 

مما تقدم، يتبين لنا أن عاملي الفقر و البطالة لهما تأثير غير مباشر على الظاهرة الإجرامية، حيث تصاحبهما اثار شخصية واجتماعية متردية، هذا نهيك عن باقي المشاكل و الاضطرابات التي يمكن يولدها هذان العاملين كعدم التكييف و الانطواء.[42]

وقد أكد الباحث “توماس” منذ العصر الوسيط على أن صعوبة الأوضاع المعيشية تؤدي إلى تزايد مؤشرات الجرائم في المجتمع، وهو نفس الأمر الذي أقرته الدراسات الحديثة هي الأخرى مؤكدة على أن الظاهرة الاجرامية مرتبطة بالعامل الاقتصادي.[43]

 

 

 

     خاتمة:

و ختاما يمكن القول، أنه ليس من اليسير الكتابة في علم شاسع الأطراف كعلم الإجرام، نظرا لكونه علما يشكل مفترق طرق لمجموعة من العلوم تنتمي لحقول معرفية جد متنوعة، فبسبب انعدام وحدة للموضوع و تشكله من معارف متعددة اعتبر عالم الإجرام الذي يشتغل في مجاله “ملك بدون مملكة”.

 

ان الجدل الذي عرفه علم الإجرام لعله لم يحتدم حول علم اخر من العلوم، سواء بالنسبة لتعريفه أو بالنسبة لكونه علما مستقلا عن غيره من العلوم، أو لكونه مقسما لعدة فروع يختص كل واحد منه بالبحث عن الظاهرة الاجرامية من زاوية معينة. نهيك عن الجدل و الانتقادات التي تعرضت لها مختلف التفسيرات و الدراسات و الأبحاث حول تفسير السلوك الإجرامي أو العدواني سواء القديمة منها أو العلمية الحديثة.

فقد اختلفت المذاهب حول تحديد نوع العوامل الإجرامية المفسرة للظاهرة الإجرامية، فذهب رأي إلى أن هذه العوامل يغلب عليها الطابع الفردي و تكمن في شخص المجرم، سواء تعلقت بتكوينه العضوي حيت يتصف المجرم بسمات معينة، أم تعلقت بتكوينه النفسي حين تضطرب شخصيته، أو كان لها صلة بتكوينه العقلي حيث توجد علاقة واضحة بين درجة الذكاء والجريمة.

وذهب اتجاه اخر إلى القول أن العوامل الاجرامية لا تعدو أن تكون عوامل بيئية اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ولا شأن للعوامل الفردية بالجريمة إلا من حيت أن العوامل البيئية ينعكس أحيانا اثارها في صورة الجريمة عبر شخص المجرم.

أما الرأي الثالث ورغم عدم التطرق له في موضوعنا بشكل دقيق إلا أنه هو الأقرب إلى المنطق و الواقع، فيقضي بأن العوامل الاجرامية مزيج من عوامل فردية تتعلق بشخص و عوامل بيئية تتعلق بالمحيط الذي يعيش فيه، إذ يتفاعل نوعا العوامل فيتولد تفاعلهما حدوث الجريمة. و يعرف هذا الاتجاه “بالعوامل المتحدة”.

 

هذا و نأمل أن نكون بهذا العمل المتواضع قد حاولنا الإجابة عن الإشكالية المطروحة في بداية المقال، و أن نكون قد أدينا واجبنا العلمي بما يفيد القارئ في فهم أوضح لهذا العلم “علم الاجرام”، وتقريب محاولات الباحثين في نطاق تفسير الظاهرة الإجرامية وكذا العوامل المفسرة لهذه الظاهرة، بغية حماية المجتمع و محاولة استئصال و التصدي لهذه الظواهر في المجتمعات الإنسانية ككل، لأنه متى عرف الداء سهلت معرفة الدواء.

 

 

 

 

       لائحة المراجع المعتمدة:

 

  • القران الكريم، سورة الزخرف، الآية من 74 إلى 76.
  • القران الكريم، سورة النساء، الآية الأولى.
  • القانون الجنائي المغربي “الفصل 110“.
  • الامام محمد أبو زهرة “الجريمة و العقوبة في الفقه الاسلامي” القاهرة، دار الفكر العربي.
  • د. رمسيس بهنام “علم الإجرام” الطبعة الأولى، الاسكندرية، 1961.
  • د. سميرة قرور “الوجيز في أسس علم الاجرام و أهم مدارسه” طبعة 2015، الدارالبيضاء.
  • د. سعيد العيطوني “محاضرات في علم الإجرام” طبعة 2020، أكادير.
  • د. اسحق ابراهيم منصور “موجز في علم الإجرام و علم العقاب” الطبعة الثانية، 1991.
  • د. فوزية عبد الستار “مبادئ علم الإجرام و علم العقاب” الطبعة الخامسة 1985، بيروت.
  • د. عبد الحميد اليعقوبي، “محاضرات في مادة علم الإجرام” الطبعة الأولى 2020، أكادير.
  • د. منى كامل تركي مقال “الظاهرة الإجرامية في علم الاجرام”.

 

  • Durkheim, “les règles de la méthode sociologique”, Paris, 1956.
  • Enrico Ferri, “Principi Di Dirtto Criminal” Torino 1928.

 

  • د. معتصم تركي الضلاعين، هناء أحمد الطراونة، ولاء عبد الرحمان الرواشدة، “علم الجريمة المفهوم، العقاب، الوقاية.
  • د. محمد الرازقي “علم الإجرام و السياسة الجنائية” الطبعة الثالثة، ليبيا 2004.
  • د. محمد شلال حبيب “أصول علم الاجرام”.
  • د. حسين عبيد “الوجيز في علم الإجرام و العقاب” القاهرة 1975.
  • د. عبد الرؤوف مهدي “علم الإجرام” القاهرة، 1971.
  • د. عبد الرحمان صدقي “علم الإجرام و العقاب”
  • منتدبات طلبة كلية العلوم القانونية و الاقتصادية أكادير.

 

 

[1]  القران الكريم، سورة الزخرف الآية من 74 الى 76.

[2]  الامام محمد ابو زهرة “الجريمة و العقوبة في الفقه الاسلامي” القاهرة، دار الفكر العربي، ص .7

[3]  د. رمسيس بهنام “علم الاجرام” الطبعة الأولى الاسكندرية 1961، ص .5

  [4] د. سميرة قرور “الوجيز في اسس علم الاجرام و اهم مدارسه” طبعة 2015، ص .11

[5]  د. سعيد العيطوني “محاضرات في علم الاجرام” طبعة 2020، ص 10  و ما بعدها.

[6]  د. منى كامل تركي مقال “الظاهرة الإجرامية في علم الإجرام”

[7]  القانون الجنائي المغربي، الفصل .110

[8] E. Durkheim, les règles de la méthode sociologique, Paris, 1956, P 33.

[9]  د . معتصم تركي الضلاعين، هناء احمد الطراونة، ولاء عبد الرحمان الرواشدة “علم الجريمة المفهوم، العقاب، الوقاية”

[10]  د. محمد الرازقي “علم الإجرام و السياسة الجنائية” الطبعة الثالثة، ليبيا 2004، ص   .14

[11]  د. سميرة قرور “الوجيز في أسس علم الاجرام و أهم مدارسه” طبعة 2015 ص 12.

[12]  د. فوزية عبد الستار “مبادئ علم الاجرام و علم العقاب” الطبعة الخامسة 1985، بيروت، ص 7.

[13]  د. سعيد العيطوني “محاضرات في علم الاجرام” الطبعة الأولى 2020، ص .25

[14]  د. عمر السعيد رمضان “دروس في علم الإجرام” القاهرة .1975

[15]  د. سميرة قرور “الوجيز في أسس علم الاجرام و أهم مدارسه” طبعة 2015، ص .19

[16]  للإحاطة بالموضوع أكثر راجع “مبادئ علم الإجرام و علم العقاب” فوزية عبد الستار، ص 21 و ما بعدها.

[17]  لمزيد من التفاصيل انظر كتاب د. رمسيس بهنام “علم الإجرام” الطبعة الأولى الاسكندرية 1961، ص 11 و ما بعدها.

[18]  د. محمد شلال حبيب “اصول علم الاجرام” ص 17، و لفهم اوضح انظر كذلك كل من الصفحة 18  و.19

[19]  منتديات طلبة كلية العلوم القانونية و الاقتصادية اكادير.

[20]  د. عبد الرؤوف مهدي “علم الاجرام” القاهرة 1971، ص .21

[21]  د. رمسيس بهنام “علم الاجرام” الطبعة الأولى الاسكندرية 1961، ص .24

[22]  د. سعيد العيطوني “محاضرات في علم الإجرام” الطبعة الأولى 2020، ص.32

[23]  د. عبد الرحمان صدقي “علم الإجرام و العقاب” ص.24

[24]  د. اسحق ابراهيم منصور “موجز في علم الإجرام و علم العقاب” الطبعة الثانية 1991، ص .13

[25]  د. محمد شلال حبيب “اصول علم الاجرام” ص 29 و ما بعدها.

[26] Enrico Ferri, Principi Di Dirtto Criminal Torino 1928, P 100 et Suiv.

[27]  راجع “محاضرات في علم الاجرام” سعيد العيطوني  طبعة 2020، ص .51

[28]  د.عبد الحميد اليعقوبي، “محاضرات في علم الاجرام” الطبعة الأولى 2020 اكادير.

[29]  راجع المرجع اعلاه، “مبادئ علم الاجرام و علم العقاب” د. فوزية عبد الستار، ص 39 و ما بعدها.

[30]  انظر المرجع السالف الذكر  “موجز في علم الاجرام و علم العقاب” اسحق ابراهيم منصور ص .25

[31]  راجع المرجع السابق الذكر، “مبادئ علم الاجرام و علم العقاب” فوزية عبد الستار، ص 38 وما بعدها.

[32]   د. اسحق ابراهيم منصور “موجز في علم الاجرام و علم العقاب” الطبعة الثانية، 1991، ص 27 وما بعدها.

[33]  د.حسين عبيد “الوجيز في علم الاجرام و العقاب” القاهرة 1975، ص 40 و ما بعدها.

[34]  لفهم اوضح راجع “اصول علم الاجرام” محمد شلال حبيب ص 123 و ما بعدها.

[35]  انظر كذلك “محاضرات علم الاجرام” سعيد العيطوني ص 77 و ما بعدها.

[36]  القران الكريم، سورة النساء الآية الأولى.

[37]  المرجع السابق، محمد شلال حبيب “اصول علم الاجرام” ص 179  وما بعدها.

[38]  د. احمد ابو العلاء “الجريمة من خلال علم الاجرام” ص 63 و ما بعدها.

[39]  راجع “مبادئ علم الاجرام و علم العقاب” فوزية عبد الستار.

[40]  المرجع السابق د. سعيد العيطوني “محاضرات في علم الاجرام”.

[41]  د. اسحق ابراهيم منصور “موجز في علم الاجرام و علم العقاب” ص .73

[42]  انظر “الوجيز في اسس علم الاجرام و أهم مدارسه” سميرة قرور.

[43]  راجع محاضرات في علم الاجرام” سعيد العيطوني..

قد يعجبك ايضا