ورش تحديث القطاع العام والمؤسسات والمقاولات العمومية من منظور خطة الإنعاش الاقتصادي

المعلومة القانونية

*محمد البغدادي

باحث في مركز الدكتوراه

تخصص القانون الخاص

كلية الحقوق بطنجة

في خضم المنجزات التي حققتها المملكة المغربية، والإصلاحات المعتمدة التي شهدتها بلادنا وانتظارات المواطنين والمواطنات التي من المتوخاة بلورتها وتجسيدها في أفق تنزيل وتفعيل النموذج التنموي الجديد، و استحضار السياق الدولي والتطورات المستقبلية وتحديات المرحلة الراهنة في ظل عالم التكنولوجيا والمعرفة والاقتصاد المعولم ، بادر العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى التفكير مليا في مراجعة ورش تحديث القطاع العام والمؤسسات والمقاولات العمومية يندرج ضمن رؤية و فلسفة خطة الإنعاش الاقتصادي، وذلك تماشيا مع الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد المؤرخ في 29 يوليوز 2020 الذي ينص على الإسراع بإطلاق إصلاح عميق للقطاع العام، ومعالجة الاختلالات الهيكلية للمؤسسات والمقاولات العمومية، قـصد تحقيق أكبر قدر من التكامل والانسجام في مهامها، والرفع من فعاليتها الاقتصادية والاجتماعية، حيث يدعو إلى إحداث وكالة وطنية مهمتها التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة ومواكبة أداء المؤسسات العمومية، هذا فضلا عن الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الخامسة من الولاية التشريعية العاشرة الذي يقضي على مايلي:” إن نجاح أي خطة أو مشروع، مهما كانت أهدافه، يبقى رهينا باعتماد مبادئ الحكامة الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة. ويجب أن تعطي مؤسسات الدولة والمقاولات العمومية، المثال في هذا المجال، وأن تكون رافعة للتنمية، وليس عائقا لها. ونظرا للأهمية الاستراتيجية لهذه المؤسسات، فإننا نجدد الدعوة للقيام بمراجعة جوهرية ومتوازنة لهذا القطاع. كما نتطلع للدور الهام، الذي ستقوم به، في هذا المجال، الوكالة التي ستشرف على مساهمات الدولة، وتتبع أدائها. ذلك أن نجاح خطة الإنعاش الاقتصادي، والتأسيس لعقد اجتماعي جديد، يقتضي تغييرا حقيقيا في العقليات، وفي مستوى أداء المؤسسات العمومية. ولهذه الغاية، ندعو الحكومة للقيام بمراجعة عميقة لمعايير ومساطر التعيين، في المناصب العليا، بما يحفز الكفاءات الوطنية، على الانخراط في الوظيفة العمومية، وجعلها أكثر جاذبية.”

وتجدر الإشارة إلى أن تحديث الإدارة العمومية  وإصلاح القطاع العام والمؤسسات والمقاولات العمومية مرتبط أساسا بمبادئ الحكامة الجيدة والمفهوم الجديد للسلطة الذي هو مبدأ دستوري حسب الفصل 1 من دستور 2011 ، هذا فضلا عن أنه مذهب في الحكم  فهو لا يقتصر، كما يعتقد البعض، على الولاة والعمال والإدارة الترابية. وإنما يهم كل من له سلطة، سواء كان منتخبا، أو يمارس مسؤولية عمومية، كيفما كان نوعها.

والمفهوم الجديد للسلطة يعني المساءلة والمحاسبة، التي تتم عبر آليات الضبط والمراقبة، وتطبيق القا نون. وبالنسبة للمنتخبين فإن ذلك يتم أيضا، عن طريق الانتخاب، وكسب ثقة المواطنين. كما أن مفهوم السلطة يقوم على محاربة الفساد بكل أشكاله: في الانتخابات والإدارة والقضاء، وغيرها. وعدم القيام بالواجب، هو نوع من أنواع الفساد.  كما جاء في الخطاب الملكي السامي بمناسبة عيد العرش المجيد المؤرخ في 30 يوليوز  2016 ، حيث المقصود من الإدارة العمومية هي

مختلف الوحدات الإدارية التابعة للإدارة المركزية والمصالح الخارجية وكذلك الوحدات الإدارية المتواجدة على صعيد الإدارة اللامركزية، خلافا للقطاع العام الذي يتكون من مجموع المؤسسات العمومية والتي هي أشخاص معنوية أو القانون العام ولها الاستقلال الإداري والمالي وتشتغل تحت وصاية الدولة ، حيث تعتبر أول مستثمر عمومي في المغرب بعد الإدارة المركزية أي بعد الوزارات والجماعات الترابية، أضف إلى ذلك أن المقاولات العمومية هي التي تشمل مختلف المقاولات التي هي خاضعة لقانون الشركات، إلا أن مساهمة الدولة فيها تتجاوز نسبة 50 في المائة.

كما ترأس وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة  لقاء حول إصلاح القطاع العام ومشروع إنشاء الوكالة الوطنية، المسؤولة عن ضمان التدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع أداء المؤسسات والمقاولات العمومية : بتاريخ 7 دجنبر 2020 ، حيث شارك في هذا اللقاء كل من وزير الطاقة والمعادن والبيئة ، والرئيس المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط ، ورئيس مجلس الرقابة للوكالة الخاصة طنجة-المتوسط ، والمدير العام للمكتب الوطني للسكك الحديدية ، والمدير العام للمكتب الوطني للمطارات ، ورئيس مجلس الإدارة الجماعية لمجموعة العمران، والمدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب كما عرف هذا اللقاء مشاركة ممثلي وزارات الداخلية، والتجارة والصناعة والاقتصاد الأخضر والرقمي، والتجهيز والنقل واللوجيستيك والماء، وإعداد التراب الوطني والتعمير والسكنى وسياسة المدينة، والسياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي، بالإضافة إلى الشركة الوطنية للطرق السيارة بالمغرب.

وحيث ذكر السيد وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة من خلال مداخلته، بالسياق العام للإصلاحات المتعلقة بالقطاع العام، طبقا للتوجيهات الملكية السامية التي تشكل قاعدة صلبة لإرساء نموذج جديد للحكامة والتدبير الاستراتيجي للمؤسسات والمقاولات العمومية، وإطلاق مخطط طموح للإنعاش الاقتصادي.وقال إن ذلك يستدعي، من جهة، مقاربة جديدة للمحفظة العمومية من خلال التمييز بين المقاولات العمومية التي لها طابع شركات مجهولة الإسم، والمؤسسات العمومية ذات طابع تجاري التي ستتحول إلى شركات مجهولة الإسم، ومن جهة أخرى، المؤسسات العمومية غير التجارية التي تتمتع بالاستقلال المالي أو بدونه.

كما كان هذا اللقاء مناسبة لتقديم الخطوط العريضة لمشروع إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية، وإعطاء لمحة عن الوكالة الوطنية المستقبلية للتدبير الاستراتيجي لمساهمات الدولة وتتبع أداء المؤسسات والمقاولات العمومية (المهام، والنطاق، الحكامة…)، وعن الشركات القابضة القطاعية الرئيسية المقترحة في هذا الإطار.وشكل أيضا مناسبة للتشاور مع الأطراف المعنية المنخرطة في هذين الورشين المهيكلين وتعزيز إدماجهما، فضلا عن إغناء مشاريع القوانين المتعلقة بهذه الأوراش في أفق إخضاعهما لمسطرة المصادقة.

قد يعجبك ايضا