التخطيط التنموي الجهوي التشاركي بالمغرب: دراسة مقارنة

 المعلومة القانونية

*خالد هيدان

دكتور في القانون العام والعلوم السياسية

مقدمة :

إن السياق العام الذي يعيشه العالم، والمتمثل في الإنسياق التدريجي إلى القرار التنموي، يدفعنا إلى الحديث عن ضرورة التفكير في مناهج جديدة للعمل التنموي، ولعل المقاربة التشاركية تعد أبرز هذه المناهج التنموية، لأنها تركز على مستويات تفاعلية، من التنشيط الترابي الذي أصبح من أدوات الناجعة لجعل المجتمعات تشارك بفعالية في العملية التنموية.

وإذا كانت المقاربة التشاركية تعتبر إحدى منهجيات العمل المرتبطة بتدبير المجال، وتفسر بأنها مسلسل تواصلي يمكن الأفراد والأطراف المعنية من تحديد احتياجاتهم وأهدافهم، ويؤدي إلى قرارات مركزة تأخذ بعين الاعتبار أراء وتطلعات كل الأطراف، المعنية، فإنها بهذا، تنقل صياغة القرار والمشاريع من المقاربة القطاعية إلى المقاربة التعاقدية والتشاورية[1].

ولمقاربة هذا الموضوع بالدراسة و التحليل وجب طرح الاشكالية التالية والمتجلية في ، حدود مساهمة التخطيط  التنموي التشاركي في السياسات العمومية الجهوية ،في ظل التجارب المقارنة؟

و للحديث عن المقاربة التشاركية وعلاقتها بنجاح السياسات العمومية،يقتضي منا أن نحدد أسس وأهداف هذه المقاربة ( المحور الأول ) ثم نتحدث عن المقاربة التشاركية على ضوء بعض التجارب المقارنة ( المحور التاني ).

المحور الأول: أسس وأهداف المقاربة التشاركية بالمغرب

للحديث عن أسس وأهداف المقاربة التشاركية، يمكننا تقسيم هذه النقطة إلى شقين أساسين، وهما الشق القانوني التي تسند إليه ويضفي عليها الشرعية والقوة القانونية (أ) ثم الشق المتعلق بالأهداف التي تروم إلى تحقيقها في قالب تشاركي ( ب).

  • تجليات الفكر التشاركي في دستور 2011

يتضح من التجربة المغربية مند الدستوري لسنة 1996، أن هناك توجها عاما من أجل الإشراك الفعلي المواطنين في مسلسل اتخاد القرارات التي تهمهم، وذلك إن على مستوى دعم التمثيلية لمفهومها المدني أو السياسي، وهذا يتضح من خلال مجموعة من الاصلاحات التي همت المنظومة الانتخابية والقوانين المتعلقة بالإنفتاح ودعم الديمقراطية والحريات وضمان الحقوق، أو القوانين المتعلقة بالمجالس المنتخبة وكذا قانون الأحزاب السياسية الهادفة إلى تقريب المواطن من الشأن السياسي العام.

غير أن دستور 2011 شكل نقط مفصلية في إعادة ترتيب العلاقة بين مختلف المؤسسات المكونة للدولة، وفي علاقة هذه الأخيرة بمكونات المجتمع وكيفية إشراكه فيها. وهذا التحول لم يأتي نتيجة الصدفة، بل أن المرحلة والظرفية السياسية التي جاء فيها كانت سببا مباشرا في وضعه على هذا النحو.

إن طريق صياغة ( دستور المملكة المغربي) لسنة 2011 من حيث عدد المساهمين فيه يبين من الوهلة الأولى مدى اعتماده على المقاربة التشاركية، حاولت إسهام مختلف مكونات المجتمع من أحزاب نقابات أساتذة، حقوقيين… وغيرهم في وضع الدستور، وذلك بعد المطالبات العديدة بتعديل أو تغيير الدستور السابق لسنة 1996، وتعد التغيرات الدولية التي عرفتها العديد من الدول العربية ابتداءا من سنة 2011 فيما يسمي الربيع العربي التي شكلت دافعا أساسيا في التفكير في إعادة النظر في الدستور، وقد جاء خطاب العاهل المغربي للتاسع من مارس سنة 2011 بشكل واضح يعطي الخطوط العريضة لطبيعة الدستور التي يجب صياغتها وفق مقاربة تشاركية تضمن مختلف الفاعلين، وهو ما تأتى فعلا بعد التصويت على الدستور في 7 يوليوز 2011.[2]

ويتجلى الفكر التشاركي في هذه الوثيقة ( دستور 2011)[3] هو ما حددته من المكونات القانونية ما يسمح للمواطن العادي بالمشاركة في إعداد المشاريع التنموية وهكذا فإن الفصل 12 من دستور 2011 ينص على أنه ” تساهم الجمعيات المهتمة بقضايا الشأن العام، والمنظمات غير الحكومية، في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها. وعلى هذه المؤسسات والسلطات تنظيم هذه المشاركة طبق ضوابط وكيفيات يحددها القانون[4]. وقد تم تأكيد الدستور على مبدأ المشاركة من خلال الفصل 136 الذي ركز على ضرورة تأمين مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مستواهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة[5]. بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الإمكانية تتعزز من خلال ضرورة وضع مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى الآليات تشاركية للمواد والتشاور، لتيسير مساهمة المواطنين والمواطنات والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتبعها، كما أنه يخول للمواطنين والجمعيات تقديم عرائض، الهدف منها مطالبة المجلس بإدراج نقط تدخل في اختصاصه ضمن جدول أعماله [6] وهي مسألة في غاية الأهمية، إذ يمكن من خلالها توسيع مبدأ المشاركة وتوجيه السياسة التنموية بما يخدم إنتظارات الساكنة.

وعليه فقد اتسم دستور 2011، بصيغة تشاركية غير مسبوقة في المغرب. إذ يضمن نظريا ليس فقط الاستقرار وشروط التنمية، بل ويتيح لأجيال الحاضرة والمتعاقبة فرصة بناء الغد، فالمغرب ماضي بخطى ثابتة في مشروع إرساء دعائم الديمقراطية التشاركية وبذلك يفتح بوابة التاريخ نحو المستقبل ونحو مفهوم جديد في الحكم يكرس ثقافة حقوق الإنسان، وثقافة المسؤولية السياسية المقرونة بالمحاسبة والتتبع. هذا ويضاف إلى ذلك بأن هذه المقاربة التشاركية تتطلب آليات ومهارات منهجية وتقنية لتنزيلها على أرض الواقع، قصد إشراك مختلف الفاعلين والشرائح المعنية،وذلك بهدف إشراك كل المتدخلين والانتقال بهم من مستوى التنفيذ والتشاور فقط إلى مستوى يحقق فيها المشاركون تنميتهم الذاتية من التحليل والتقرير والتخطيط والتنفيذ والتقييم وهذا يتطلب من فاعلين في مجال التنمية الجهوية بهدف تشجيع العمل التشاركي، مع ضمان مراقبتهم في الميدان خصوصا الجمعيات المحلية لربط جسور التواصل والتشاور فيما بينها وبين القائمين على الشأن العام المحلي[7].وبه يمكن القول بناءا على هذه المكانة التي حظي بها المواطن ضمن الوثيقة الدستورية وفي القوانين الأخرى المرافقة التي أسست للفعل التشاركي، تحتاج إلى تنمية القدرة التشاركية لهذا الأخير ( المواطن)، وتقوية قدرته التفاوضية ليتمكن من المشاركة الفعالة في العملية التنمية.

  • أهداف المقاربة التشاركية:

تعتبر المقاربة التشاركية آلية لضمان مشاركة مختلف المتدخلين أفقيا وعموديا، في تحقيق العملية التنموية، وتحسين عيش المواطنين والحد من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية، وترتكز هذه الأخيرة على مجموعة من المعطيات المنهجية والمهاراتية التي ينبغي على الفاعل التنموي احترامها والتقيد بها، حتى تضمن هذه الآلية تنمية تشاركية فعالة.

وعليه تتعدد أهداف المقاربة التشاركية، منها الأهداف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية،… الخ. لكن وارتباطا بموضوع بحثنا هذا سنحصرها في:

  • الأهداف البيداغوجية:
  • افساح المجال أمام الأفراد والجماعات واكتشاف إمكاناتهم وقدراتهم في المساهمة في التنمية المحلية؛
  • تنمية الروح النقدية لدى الساكنة، بحيث يسمح لها بإعادة النظر فيما يقدم لها من برامج فوقية؛
  • الانتقال بالساكنة المحلية من مجرد مستورد ومستهلك لأفكار والموارد المادية إلى درجة الانخراط والمشاركة الفعالة بأفكارها ومجهوداتها الذاتية؛
  • مساعدة السكان على إيجاد حلول وإجابات لاحتياجاتهم الحقيقية ومساعدتهم على تشخيصها وتنفيذها؛
  • اكتساب الساكنة المحلية القابلية للتغير والخروج من دائرة الأمان ” التي تعودت عليها وكذا اكتسابها الثقة في ذاتها وانجازاتها[8].
  • الأهداف الإقتصادية
  • إفساح المجال للساكنة وانفتاحها على إيجاد مداخل اقتصادية واجتماعية تتمثل في تبني مشاريع تنموية محلية مدرة للدخل؛
  • إنتاج مشاريع اقتصادية واجتماعية، ذات نجاعة عالية وقريبة من احتياجات الساكنة؛
  • تثمين دور الساكنة المحلية في التأثير على القرارات التنموية والعمل على مراقبة تنفيذها؛
  • تمكين الساكنة المحلية وخصوصا الفئات الفقيرة من وسائل التي تمكنها من الوصول للموارد ومصادر الدخل، والحصول على خدمات اقتصادية واجتماعية جيدة[9].

وعليه فتحقيق هذه الأهداف يظل دائما مرتبط لمدى توفر مجموعة من الشروط/ من قبيل:

  • وجود مؤسسات تمثيلية حقيقية على ثلاثة مستويات: محلية / جهوية / وطنية، تتمتع بالوسائل والاختصاصات والسلطة الضرورية لمزاولة مهامها؛
  • اتفاق بين مختلف الأطراف حول الاختيارات العامة وقواعد اللعبة؛
  • إدارة من نوع جديد مكلفة بتشييد الحوار ودعم المشاريع والتنسيق بين مختلف الفاعلين[10].

ويستفاد مما سبق أن على الساكنة قصد إنجاح هذه العملية، الانفتاح على محيطها المحلي والإقليمي والجهوي في أي نوع من أنواع المقاربة التشاركية[11]، وذلك لتحقيق الأهداف المراد بلوغها.

المحور التاني: المقاربة التشاركية على ضوء بعض التجارب المقارنة

الديمقراطية التشاركية المحلية ليست مبادئ وقواعد تصورية وحسب، بل تتضمن آليات إجرائية لتصريف تلك المبادئ العامة حول طبيعة العيش المشرك بين كافة مكونات المجتمع المحلي إلى ممارسة عملية، برزت من خلال العديد من التجارب الدولية التي حاولت تجاوز أزمة الديمقراطية التمثيلية المعبر عنها بعجز التمثيلية الانتخابية في تلبية احتياجات السكان السياسية والاجتماعية والتنمية والبيئية، عن طريق ابتكار هياكل ووسائل قانونية لإشراك المواطن في تدبير الشأن المحلي طيلة المدة الانتخابية للمجالس المنتخبة مما يحقق التقارب والتواصل والثقة بين المواطن ومنتخبين[12].

وفي هذا السياق، سنحاول اقتباس بعد التجارب الدولية في تعاملها مع مبدأ المقاربة التشاركية،

وذلك على الشكل التالي:

  • تجربة مجالس الأحياء بفرنسا:

تعد تجربة مجالس الأحياء بفرنسا نموذجا رائدا في تدبير الشأن المحلي الذي يتجه نحو الأحياء الهامشية لملامسة الحاجيات الأساسيات للساكنة، إذ تبنى المشرع الفرنسي هذه الآلية التشاركية، بموجب قانون 18 يوليوز 1985 إلى جانب هياكل أخرى للتداول والإستشارة، والتي ستفوق أكثر من خلال قانون رقم 76 2002[13].وفي هذا الإطار نصت المادة الأولى من القانون المذكور:” أن هذه المجالس تتشكل من الجماعات التي يساوي أو يفوق عدد سكانها (20000) عشرون ألف نسمة، وتجتمع على الأقل مرتين في السنة وتعرض على العمدة كل المقترحات المتعلقة بالحي، وتتكون من مستشارين يعينهم الرئيس على أساس “قاعدة” التمثيل النسبي، ومن أشخاص لا ينتمون للمجلس“.

حيث يتم استشارتهم من طرف عمدة المدينة الذي يتلقى اقتراحاتها في الشؤون المتعلقة بالحي أو المدينة، عبر مختلف مراحل مسلسل إعداد القرار: اعتماده / تنفيده/ تقييمه، في إطار منظور وتصور شموليين لسياسة المدينة[14].

تجدر الإشارة إلى أن تحديد هيكلة واختصاصات مجالس الأحياء يتم تقنينها بواسطة قانون داخلي صادر عن المجلس الجماعي، وفي هذا الإطار نأخذ نموذج لمجلس الأحياء ببلدية ليل الفرنسية[15]، لتبيان طريقة اشتغالها وتشكيلها ودورها على صعيد الوحدات تحت جماعية.

يتشكل مجلس الحي لمدينة ليل وفقا للقانون الداخلي من قسمين من الأعضاء وهي:

  • الفئة الأولى: معين من طرف المجموعات السياسية المكونة للمجلس الجماعي بالنظر لأهمية تواجدها داخل المجلس؛
  • الفئة الثانية: يتحدد وفق مبدأ الثلثين الأول يتشكل من الأعضاء الذين يمثلون وظيفة اجتماعية داخل الحي، أي يمارسون بشكل مباشر أو غير مباشر نشاطا اقتصاديا أو اجتماعيا أو نقابيا والثلث التالي يكون من الأعضاء الدين يقطنون في الحي وسبق لهم الترشح؛

حيث يصل العدد الإجمالي لأعضاء المجلس مدينة ليل ( 280 عضوا) بمعنى ما بين 32 و34 عضوا لكل حي. ومدة الانتداب محددة في ثلاثة سنوات، حيث يجتمع بشكل دوري قبل كل دورة عادية للمجلس الجماعي، ويحدد الرئيس جدول الأعمال، كما يتم إحداث لجن وفرق عمل بداخله وتثبت مداولاته في محضر كتابي يقدم ويصادق عليه المجلس الجماعي[16].

أما بالنسبة لاختصاصات الموكولة لمجالس الأحياء فهي:

على مستوى الأراء والمقترحات:

  • مناقشة جميع القضايا التي تهم الحي؛

وعموما فإن القانون الداخلي يحدد المجالات التي يعتبر رأي مجلس الحي فيها إلزاما والمثمتلة فيما يلي:

  • مبدأ الدعم المخطط للجمعيات المشتغلة في الحي؛
  • مشاريع المخطط العمراني والبنيات، ومراجعة وتعديل مخطط استغلال الأراضي الخاصة بكل، أو جزء من تراب الحي.
  • مشاريع متعلقة بالسير والجولان… الخ.

أما على مستوى التسيير المفوض، فإن الأمر يهم كل جزء من أشغال وصيانة حالة الممتلكات من بنايات وفضاءات عمومية من ملك الجماعة المخصصة لساكنة الحي بشكل أساسي.

وبخصوص صندوق مبادرات السكان، فقد أحدث سنة 1990 لتمويل المشاريع الصادرة عن السكان أو جمعيات الحي.

هذا إلى جانب صندوق الاشتغال الحضرية الذي تم إحداثه سنة 2000 بناءا على تعاقد من المدينة والمجلس الجهوي والدولة. من أجل تمويل مشاريع التهيئة الصغرى في علاقة مع تأمين الفضاء والجودة البيئية والنظافة والصياغة، وكما بالنسبة لصندوق مبادرات السكان، فالمشاريع يجب أن تصدر عن الأحياء، وأن تكون موجهة إليها أيضا[17].

وبه يتبين من خلال التجربة الفرنسية أنها عطت مثالا حي لآلية التشاركية على الصعيد المحلي، تمخض عليها تمكين مجالس الجماعية من إشراك المواطنين في التفاعل مع مكونات المجتمع لبلورة سياسة تنموية نابعة من القرب.

التجربة الإسبانية:

في البداية نشير إلى أن فكرة المشاركة في إسبانبا طرحت في بداية الثمانييات من قبل معظم عمداء المدن الكبرى والمتوسطة، على تشكل مجالس استشارية تجمع بين ممثلي الجمعيات المحلية وممثلي الأحزاب السياسية والتقنيين للعمداء، وذلك على ثلاثة عناصر أساسية: تتمثل الأولى على الصعيد الترابي ” مجلس الحي” والثانية تتعلق بالسكان ” مجلس الشباب والمرآة والمسنين”، أما الثالثة فترتبط بالقطاعات ” المجلس التحضيري، مجلس البيئة، الحركة الاجتماعية… إلخ”[18].

لكن هذه الآلية إعترتها العديد من النقائص مما جعلها عرضة الإنتقاضات ليتم تبني فكرة مجالس المواطنين التي ظهرت في أول تجربة باسبانيا سنة 1992 بمقاطعة صغيرة تابعة لإقليم الباسك ” BASQUE[19] تدعى ” Idiazabal” ( وهي منطقة تابعة لإقليم الباسك) لتعمم على باقي المناطق الأخرى، بفعل النتائج الإيجابية التي حققتها، وخاصة في حل إشكالية مشاركة السكان في تدبير احتياجاتهم والاهتمام بالشأن المحلي.

ومن تم، فإن المقصود بمجالس المواطنين باسبانيا هو ” مجموعة محدودة من المواطنين يتم اختيارهم بالقرعة، انطلاقا من اللوائح الإدارية المسجلة بالجماعة، خلال يومين أو ثلاثة، للاضطلاع على المعلومات، والنقاش الجماعي حول إحدى القضايا المطروحة التي تهم الشأن العام المحلي”[20].

وعليه يتبين أن المنهجية التي اتبعها مجلس المواطنين بإسبانيا، والتي تمر عبر ثلاثة مراحل أساسية وهي، اختيار المشاركين، والإعلام والنقاش، ثم تقرير المواطنين، تبين بجلاء مدى ترسيخ مبدأ المشاركة في العقلية الإسبانية، التي ترجمت إلى إشراك المواطن في تدبير الشأن العام المحلي.

التجربة الألمانية:

شكلت برلين أيضا نمودجا الآليات التشاركية الجديدة، حيث همت 17 حيا مستهدفا من قبل الفيدرالية، لإعادة التأهيل الحضري، من خلال اختيار مجموعة من المواطنين، عن طريق القرعة من لائحة القاطنين، والنصف الثاني، يتم إختيارهم من المواطنين المنظمين أو النشيطين في أحيائهم، وتندرج طريقة الإختيار المزدوج إدماج جميع مكونات المجتمع المحلي سواء السكان عن طريق القرعة أو الفاعلين في المجتمع المدني عن طريق الإختيار، مما يقوي النقاش، ويساهم في الإستفادة من خبرات الناشطين على المستوى المحلي، ويخفف من حدة الصراعات التي يمكن أن تحدث بسبب إقصاء الآراء المخالفة.

ولقد إستلهم محدثو مجالس المواطنين ببرلين نموذج خلايا التخطيط الذي نجده أيضا في كل من إسبانيا وإنجلترا كأسلوب لتنظيم المشاركة، حيث تستدعي هذه العملية تجمعا صغيرا للمواطنين العاديين ( ما بين 16 و30 شخصا) مختارون بالقرعة بشكل دوري خلال كل عطلة نهاية الأسبوع مثلا، من أجل النقاش والتداول حول موضوع محدد، بمساعدة منشط محترف لهذه الجلسات، كما يتم الاستماع للخبراء والمتخصصين لتنوير آرائهم حول المسألة المطروحة، ويتم في النهاية إعداد تقرير المواطنين الذي تكون به صبغة استشارية للسلطات المحلية[21].

خاتمة :

يتبن من خلال ما سبق ان الآليات الإستراتيجية للتخطيط الجهوي، ترتكز على المقاربة التشاركة كآلية منهجية أثناء سيرورة التخطيط، حيث تعني في معناها الواسع،توعية الساكنة المحلية ومختلف الفاعلين سواء بالوسط القروي أو الحضري، وبالتالي زيادة قابليتها للتفاعل مع هذه المخططات التنموية التي من المفترض أن تأتي من أسفل الهرم الاجتماعي، وعليه فإن قدرة هذه الساكنة وأهليتها، وكذا استعدادها الطبيعي للتجاوب مع هذه الأخيرة، يشجع على إنتاج مخططات تنموية ذات بعد استراتيجي تشاركي محض. فالمشاركة بهذا المعنى تعني تجنيد الجميع والتزامهم بسيرورة القرارات وتنفيذها، وأيضا تقاسم النتائج المحتملة.

وإذا كانت المشاركة هي أحد العناصر الأساسية للحكامة،إضافة إلى سيادة القانون والشفافية والمساءلة،فإنها تعني إعطاء الفرد الفرصة الكافية والعادلة لإدراج قضاياه الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، والإعراب عن خياراته التي يجب إدراجها في إطار السياسة العامة للدولة أو المخططات التنموية.

و يتبين كذلك من خلال التجارب الدولية المقارنة، في كل من فرنسا ومجالس الأحياء الخاصة باسبانيا وألمانيا، أن هذه التجارب تشكل مثالا ونموذجا يحتدا به لإشراك المواطن العادي في العملية التنموية، وفي تدبير الشأن المحلي.

الإحالات:

[1]  زهير لخيار:” نحو بناء سياسة عمومية تشاركية في ضرورة تغيير منهجية التفكير التنموي”،  مطبعة الأحمدية، الطبعة الأولى 2014″، ص 141.

[2]  عبد الغني الشاوي:” الديمقراطية التشاركية في التسيير المحلي”، المجلة المغربية للأنظمة القانونية السياسية، العدد 12، أكتوبر 2017، ص 178. 179.

[3]  ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 من شعبان 1432 الموافق 29 يوليوز 2011 بتنفيذ الدستور، الصادر في الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر، 28 شعبان 1432 ( 30 يوليوز 2011).

[4]  الفصل 12 من الدستور المغربي لسنة 2011 .

[5]  136:” يرتكز التنظيم الجهوي والترابي على مبادئ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، ويؤمن مشاركة السكان المعنيين في تدبير شؤونهم، والرفع من مساهمتهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة” الدستور المغربي لسنة 2011.

[6]  الفصل 139:” تضع مجالس الجهات والجماعات الترابية الأخرى، آليات تشاركية للحوار والتشاور. لتيسير مساهمة المواطنات والمواطنين والجمعيات في إعداد برامج التنمية وتتعها”. الدستور المغربي لسنة 2011.

[7]  زهير لخيار ” نحو بناء سياسة عمومية تشاركية” مرجع سابق، ص 168 – 173.

[8] محمد الشيحي:” التشطيب والتواصل داخل الجماعات”، مجلة سيكولوجية التربية، عدد أول 1999، ص 90.

[9] منير الحجاجي:” سياسة التخطيط الاستراتيجي للدولة والجماعات الترابية وإشكالية التنمية”، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، كلية الحقوق بسطات الموسم 2013/2014 ، ص 77.

[10] آمال بلشقر:” تدبير الجماعات الترابية للمشاريع التنموية بين إكراهات الواقع ومتطلبات التنمية الجهوية المندمجة”، أطروحة لنيل شهادة الدكتوراه في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية الحقوق بالرباط، السنة الجامعية 2014/2015 ص 275.

[11] تتنوع المقاربة التشاركية من مشاركة معلوماتية، وتشخصية واقتراحية وتقريرية.

  • [12] محمد سدقاوي:” الديمقراطية التشاركية المحلية في المغرب”، أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بسطات، السنة الجامعية 2014 – 2015 ؛

“، ص284.

[13]  القانون رقم 76، 2002 الصادر بتاريخ 27 فبراير 2002 والمتعلق بديمقراطية القرب كهدف أساسي للسيلسة الجماعية.

[14]  محمد سدقاوي: الديمقراطية التشاركية المحلية بالمغرب”، مرجع سابق، ص 298.

[15]  بلدية ليل الفرنسية: هي مدينة فرنسية تقع في أقصى شمال البلاد، تعتبر محافظة الإقليم الشمالي لفرنسا، تكنى بعاصمة فلاندر، تعد أكبر المدن الفرنسية، كانت تسمى ” الإيسل”وقد تعود هذه التسمية إلى تواجدها أصليا على جزيرة في مستنقعات وادي ” لادول” حيث أنشأت. وتعتبر مدينة ليل مركزا لبصناعة النسيج وصناعات أخرى، وتشمل إنتاج السيارات والأجهزة الالكترونية والبتروكيماوية…

[16] Charles Maccio: ” Penser le devenir de la démocratie construire une démoctratie participative” chronique social، Lyoun 2004، P 109.

أورده محمد سدقاوي:” الديمقراطية التشاركية المحلية بالمغرب”، مرجع سابق، ص 299.

[17] Char les Maccio، op، cit، P113.

[18] Ismael Blancoi fillola M، les jujes citoyens en Espagne vers un nouveau modèle de démocratie locale un gestion de proximité et démocratie participative. Op. cite، P 163 – 164.

[19] الباسك “Basque: منطقة تقع في شمال إسبانيا، وهي مقسمة إلى ثلاث مقاطعات ألافا، غيبو تكوا، وبيسكاي. تحافظ بلاد الباسك على بيئة طبيعية.

[20] محمد سدقاوي: ” الديمقراطي” التشاركية المحلية بالمغرب، مرجع سابق، ص 304.

[21]  محمد سدقاوي: ” الديمقراطية التشاركية المحلية بالمغرب”، مرجع سابق، ص 307.

قد يعجبك ايضا