الفصل “490 من ق.ج” وأي حماية لحقوق الإنسان؟

المعلومة القانونية

*أيوب حموشة حدي
باحث متخصص في حقوق الانسان والقانون الدولي الانساني

تنص المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد ونشر على الملأ بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 217 ألف (د-3) المؤرخ في 10 ديسمبر 1948[1] أنه :

“1- على كل فرد واجبات إزاء الجماعة، التي فيها وحدها يمكن أن تنمو شخصيته النمو الحر الكامل.

2- لا يخضع أي فرد، في ممارسة حقوقه وحرياته، إلا للقيود التي يقررها القانون مستهدفا منها، حصرا، ضمان الإعتراف الواجب بحقوق وحريات الأخرين واحترامها، والوفاء بالعادل من مقتضيات الفضيلة والنظام العام ورفاه الجميع في مجتمع ديموقراطي”.

وتنص المادة المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لعام 1966 أنه:

“1- تقر الدول الأطراف في هذا العهد بحق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى من الصحة الجسمية والعقلية يمكن بلوغه.

2- تشمل التدابير التي يتعين على الدول الأطراف في هذا العهد اتخاذها  لتأمين الممارسة الكاملة لهذا الحق، تلك التدابير اللازمة من أجل:

  • العمل على خفض معدل موتى المواليد ومعدل وفيات الرضع وتأمين نمو الطفل نموا صحيا.
  • تحسين جميع جوانب الصحة البيئية والصناعية.

ج) الوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها وكافحتها.

  • تهيئة ظروف من شأنها تأمين الخدمات الطبية والعناية الطبية للجميع في حالة المرض.”

وكذلك المادة 4 من اتفاقية حقوق الطفل أنه” تتخذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية وغيرها من التدابير الملائمة لإعمال الحقوق المعترف بها في هذه الإتفاقية، وفيما يتعلق بالحقوق الإقتصادية والثقافية” وتنص المادة 6 من نفس الإتفاقية أنه” 1- تعترف الدول الأطراف بأن لكل طفل حقا أصيلا في الحياة.

2- تكفل الدول الأطراف إلى أقصى حد ممكن بقاء الطفل ونموه”

ومن هذا المنطلق نحرص المملكة المغربية على حماية حقوق الإنسان للجميع وبدون تمييز فقد صادقت/انضمت إلى العديد من اتفاقيات حقوق الإنسان كما يلي[2]:

  • الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ( 10 ديسمبر 1970)
  • العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ( 03 ماي 1979)
  • العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ( 03 ماي 1979)
  • اتفاقية حقوق الطفل ( 21 يونيو 1993)
  • اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة ( 21 يونيو 1993)
  • الإتفاقية الدولية لحماية جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم ( 21 يونيو 1993)
  • اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ( 21 يونيو 1993)
  • البروتوكول الإختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن بيع الأطفال واستغلالهم في البغاء وفي انتاج المواد الإيباحية ( 02 أكتوبر 2001)
  • البروتوكول الإختياري لاتفاقية حقوق الطفل بشأن اشتراك الأطفال في المنازعات المسلحة ( 22 ماي 2002)
  • اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي إعاقة ( 08 أبريل 2009)
  • الإتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الإختفاء القسري ( 14 ماي 2013)

البروتوكول الإختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب  وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة (24 نوفمبر 2014).

كما تضمنت مختلف دساتير المملكة المغربية المتعاقبة التنصيص على حقوق الإنسان، وكان الدستور لسن 2011 أكثر حرصا في التأكيد على هذه الحقوق والحريات الأساسية، فقد نص في الفصل 19 منه ” يمتع الرجل والمرأة على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية، الوردة في هذا الباب من الدستور، وفي مقضياته الأخرى وكذا في الإتفاقيات والموثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها” كما نص  في الفصل 21 من الدستور أنه ” لكل فرد الحق في سلامة شخصه وأقربائه، وحماية ممتلكاته.

تضمن السلطات العمومية سلامة السكان، وسلامة التراب الوطني، في إطار احترام الحريات والحقوق الأساسية المكفولة للجميع”.

وكذا الفصل 31 والذي يقر أنه” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والموطنين، على قدم المساواة، من الحق في:  العلاج والعناية الصحية”.

وبعد هذه المقدمة الوافرة يطرح إلى ذهن القراء ما علاقة الفصل 490 من مجموعة القانون الجنائي المغربي الذي يجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وما علاقته بحقوق الإنسان؟ وهل الفصل 490 من مجموعة القانون الجنائي المغربي يحمي حقوق الإنسان أم أنه ينتهكها؟

أولا: حماية الفصل 490 للحق في الصحة

تنشأ الأمراض الجنسية نتيجة الإتصال الجنسي بين رجل وامرأة لها عدة اتصالات جنسية أخرى، وأسبابها تكون بسبب مجموعة من الجراثيم التي تعيش وتعشش في الأجهزة التناسلية في الجسم، وهذه الجراثيم هي من البكتيريا والفيروسات والفطريات والطفيليات، إذ أن بعض هذه الأمراض يسبب مشاكل في الأعضاء الجنسية فقط وبعضها يسبب سرطان في الرحم أو العضو الذكري وبعضها يسبب  أمراضا في جميع أنحاء الجسم[3].

إذ أفادت منظمة الصحة العالمية[4] أن:

وفي نفس السياق أكدت منظمة الصحة العالمية أن الأمراض المعدية المنقولة جنسيا، عديمة الأعراض أي أنها لا تظهر في صاحبها أعراض أولية الشيء الذي أكدته المنظمة أن هؤلاء الأشخاص إذا لم يكشفوا عن حاتهم لدى الطبيب رغم عدم ظهور أعراض عليهم يمكن أن تؤدي إلى عواقب وخيمة من بينها العمى وواهر عصبية أخرى، أو العقم، أو انتقال العدوى من الأم إلى الطفل، أو العيوب الولادية[5]، مما يهدد حقوق الطفل أيضا ، كما تنتشر غالبية الأمراض المعدية المنقولة جنسيا عن طريق الإتصال الجنسي، بما في ذلك الجنس المهبلي والشرجي والفموي، كما يمكن أن تنتشر هذه الأمراض عبر وسائل غير جنسية بواسطة الدم أو منتجاته مثلا، ومن بين هذه الأمراض المذكورة بما في ذلك المتدثرات، والسيلان، وفي المقام الأول التهاب الكبد B ، وفيروس العوز المناعي، والزهري والتي يمكن أن تنتقل من الأم إلى الطفل أثناء الحمل والولادة، مما يهدد المجتمع وحقوق الأفراد في الحياة والصحة والشغل…

وبالرجوع إلى الفقرة 2-ج من المادة 12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية نصت أنهالوقاية من الأمراض الوبائية والمتوطنة والمهنية والأمراض الأخرى وعلاجها وكافحتها”، فالمشرع الجنائي الغربي عندما جرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج(الفصل 490) كان على حق في حماية الحق في الصحة والحق في الحياة عن طريق الوقاية أولا وهو أيضا  ما جاء في التعليق العام للجنة المعنية بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية للامم المتحدة لعام [6]2000  ، فالعقوبة المنصوص عليها في هذا الأخير لم يتم إقارارها من أجل العقاب  ولكن لمنع الواقعة من أن تقع وحماية لحقوق الإنسان، ولننظر إلى القانون القارن (القانون الفرنسي) الذي  يجيز العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج وكذا الشذوذ الجنسي وأثره على صحة الأفراد فيه.

ثانيا: الأمراض المنقولة بالإتصال الجنسي التي خضع فيها بعض الأفراد للتشخيص في فرنسا.

تم إجراء في عام 2019 نحو 2.6مليون فحص  لمرض  الزهري من قبل مختبرات القطاع الخاص، بزيادة قدرها %22  من عام 2017 حسب شبكة الأطباء للأمراض المنقولة جنسيا  RésIST كما لوحظ انخفاض في الأشخاص الشاذين الذين يمارسون الجنس من نفس النوع (الرجال مع الرجال)، مما يظهر خطر الإصابة وتفاقمها باعتبار أن الكثير من الأشخاص الذين يمارسون الجنس خارج إطار الزواج والشذوذ الجنسي في فرنسا لا يعرضون أنفسهم للتشخيص وبذلك يساهمون وتساهمن في انتشار مرض الزهري كما يبين المبيان أسفله[7]:

أما بالنسبة لعدوى المتدثرة الحرثية (Chlamydia trachomatis) معدل التشخيص الوطني هو 243 حالة لكل 100 ألف من السكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 سنة وما فوق، وهو أعلى بين النساء، حيث يصل إلى 329 لكل 100 ألف وهو معدل أعلى بكثير بين النساء اللواتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 سنة، اللائي يعانين من 781 لكل 100 ألف نسمة، أما بالنسبة للرجال، يبلغ هذا المعدل 148 لكل 100.000 و 290 لكل 100.000 لمن تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاما.

كما يلاحظ ارتفاع عدد المصابين بالعدوى حسب تشخيص الفحوصات إذ تم إجراء 2.5 مليون فحص لعدوى المدثرة الحثرية من قبل القطاع الخاص في عام 2019، بزيادة قدرها %20 مقارنة بعام 2017 كما هو مبين في الشكل أسفه:

فالشكلان السالفي الذكر سعطيان لمحة بسيطة عن عدوى انتقال الأمراض المعدية جنسيا أما الرقم الأسود أي الاشخاص المصابين بهذه الأمراض ولم يشاؤون القيام بفحوصات أكبر بكثير وكذلك بالنسبة للذين لا تظهر عليهم أعراض، فالمشرع الفرنسي أخذ حرية العلاقات الجنسية من مفهوم ضيق أتى بالنفع على القطاع الطبي الخاص وحمل ميزانية الدولة مصاريف أكبر أما بخصوص حماية الحق في الصحة والحق في الحياة للاشخاص نجد اتهاكا واضحا ولا سيما بخصوص الوقاية من الأمراض المعدية والفتاكة.

ويبين الشكل أسفله في تقدير تكاليف الأستراتيجية العالمية لقطاع الصحة في الفترة 2016-2021 بالنسبة للأمراض المنقولة جنسيا الفرق بين الوقاية والحد من الامراض المنقولة جنسيا حيث قدر اتخاذ هذه الاستراتيجية أنها تكلف أقل من 200 مليون دولار عوض ترك الأمر واللجوء الى استراتيجيات أخرى غير الوقاية والتي قدرها ب3.5 مليار دولار[8].

فمن خلال ما سبق ذكره نجد المشرع الجنائي المغربي في الفصل 490 قد استطاع الأستشراف حول مخاطر العلاقات الجنسية خارج اطار الزواج بين المرأة والرجل والشذوذ الجنسي في الفصل 489 من مجموع القانون الجنائي وحافظ على حقوق الأفراد في الصحة والوقاية من الامراض المعدية الخطيرة كفيروس نقص المناعة وفيروس الكبد B.

[1]  حقوق الإنسان: محموعة صكوك دولية، المجلد الاول، الأمم المتحدة، نيويورك، 1993، رقم المبيعPart 1،1،Vol-XIV.94.A، ص 1.

[2] www.ohchr.org

[3] الرابط:  (اخر زيارة للموقع يوم 16/02/2021)

[4] الرابط: (اخر زيارة للموقع يوم 16/02/2021)

[5] الرابط: (اخر زيارة للموقع يوم 16/02/2021)

[6]  الدورة الثانية والعشرون (2000) – التعليق العام رقم 14: الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه (المادة  12)

HRI/GEN/1/Rev.9 (Vol.I) Page 84

[7] الرابط:  (اخر زيارة للموقع يوم 16/02/2021)

[8]  منظمة الصحة العالمية: الإستراتيجية العالمية لقطاع الصحة بشأن الأمراض المعدية المنقولة جنسيا، 2016-2021، يونيو 2016، ص 59.

قد يعجبك ايضا