العقد الالكتروني.. طبيعته والإجراءات التحكيمية لحل المنازعات المترتبة عنه

المعلومة القانونية

*عتيق بطي خليفة المزروعي،

الطالب الباحث بسلك الدكتوراه، جامعة محمد الخامس – الرباط.

يشهد العالم و بشكل كبير تطورا هائلا و متسارعا في تكنولوجيا عالم الإتصالات، حتى أصبحت وسائل الإتصال الحديثة وعلى رأسها الأنترنت وسائل لا يمكن الإستغناء عنها، نتج عن شيوع إستعمال التكنولوجيا الحديثة تحرير العقود و تدوينها من خلال وسائط إلكترونية أي ظهور مجتمع بلا ورق، حيث أصبح فعلا إبرام العقود عن طريق أجهزة إلكترونية.

والعقد الإلكتروني مفهوم جديد في مجال نظرية العقود، يتميز باعتماد الطرق الإلكترونية في التفاوض والإبرام والتنفيذ فيما بين متعاملين لا يجمع بينهما مكان واحد، يخضع من جهة إلى القواعد العامة للعقود ويتميز بقواعد خاصة من جهة أخرى. ونتيجة خصوصية الوسائل التكنولوجية الحديثة في إبرام العقد الإلكتروني في مجال التجارة، فقد كان يعتبر من قبيل عقود الإذعان، غير أن استحداث المشرع للقواعد المطبقة على الممارسات التجارية جعل منه عقدا تفاوضيا ومجالا لفرض جملة من الشروط التعسفية. ومن أجل ذلك وجب توضيح النظام القانوني الذي يحكم العقد الإلكتروني في مجال المبادلات التجارية سواء عند التفاوض بشأنه أو عند إبرامه وتنفيذه، ثم في مرحلة تسوية المنازعات التي تنشأ عنه، لتحديد الوسائل الكفيلة بحماية المستهلك.

و كما نعلم أن لأي عقد مهما كان نوعه أركان يقوم عليها ” الرضا، المحل، السبب، الشكلية في العقود التي تتطلب ذلك”، ويعتبر الرضا هو أهم أركان العقد الذي لا يتصور توافره إلا بالإرادة، فالرضا هو التعبير عن الإرادة للتعاقد و ذلك بتطابق الإيجاب للقبول، فالتعبير عن الإرادة بأسلوب إلكتروني تجعل للإيجاب و القبول خصوصية معينة تنبع من الوسيلة المستخدمة في التعبير عنهما.

ويتنوع مجلس العقد إلى نوعين حقيقي وحكمي فبالنسبة للنوع الأول يقصد به (المجلس الذي يجمع المتعاقدين في مكان واحد يسمع كل منهما الآخر بحيث يبدأ بتقديم الإيجاب وينتهي إما بقبول الإيجاب أو برفضه)

أما بالنسبة لمجس العقد الحكمي فهو المجلس الذي يكون فيه أحد المتعاقدين غير حاضراً.

ويتم تحديد الفترة الزمنية لمجلس العقد الإلكتروني على حسب الطريقة التي يتم بها التعاقد(2):

أولاً: التعاقد عن طريق البريد الإلكتروني:

أ- حالة وجود فاصل زمني بين الإيجاب والقبول وفي هذا الحالة لاشك بأن التعاقد يكون بين غائبين زماناً ومكاناً.

ب- حالة الإيجاب والقبول في نفس الوقت، وهذه الحالة تقترب من الهاتف وذلك أن الإيجاب والقبول يكونان في نفس الزمن فلابد من تطبيق التعاقد بين حاضرين زماناً.

ثانياً: التعاقد عبر شبكة المواقع:

في حالة دخول الشخص إلى موقع ما على الشبكة فإنه يمكن له أن يضع إجابة وينتظر فترة من الزمن لتلقي الإجابة وقد يضع إجابة تجاه هذا الموقع ويقوم بتلقي القبول فوراً ففي الحالة الأولى نكون أمام تعاقد بين غائبين وفي الحالة الثانية نكون أمام تعاقد بين حاضرين زماناً.

يعتمد في التحكيم الإلكتروني على نفس الإجراءات المعتمدة في التحكيم التقليدي أو العادي، ويضاف إليها وباتفاق الأطراف قواعد إضافية خاصة بالتحكيم الإلكتروني، ومن أبرزها طريقة التواصل بين المتخاصمين والمحكمين، فتتم العملية عن بعد باستعمال الأنترنت – الوسيلة الأكثر استعمالا- وكيفية تقديم المستندات إلكترونيا وأهمية الحفاظ على سرية المعلومات التجارية والصناعية التي تهم أطراف موضوع النزاع، كما يمكن للأطراف تحديد إجراءات التحكيم الإلكتروني عن طريق اتفاق التحكيم، وعليه سننطلق من الإشكالية الاتية باعتبارها المحور الأساسي له\ا المقال ويمكن صياغتها في التساؤلين الآتيين: كيف ينمكن تحديد طبيعة العقد الالكتروني؟ وماهي الإجراءات التحكيمية المتخذة في حالة حدوث منازعة بين المتعاقدين؟

المحور الأول: طبيعة التعاقد الالكتروني

المحور الثاني: إجراءات التحكيم الالكتروني

المحور الأول: طبيعة التعاقد الالكتروني

اختلف الفقه حول طبيعة التعاقد الإلكتروني هل هو عقد بين حاضرين أم عقد بين غائبين(1)

الرأي الأول:

يرى جانب من الفقه أن :التعاقد عبر الإنترنت يعد تعاقداً بين حاضرين حيث ينطبق مفهوم مجلس العقد على كلا العاقدين، إلا إنهما قد انصرفا إلى موضوع التعاقد دون أن يشغلهما عنه شاغل آخر، وكان بينهما اتصال مباشر عبر الإنترنت بحيث يسمع، أو يرى أحدهما الآخر مباشرة حيث لا يكون هناك فاصل زمني بين صدور التعبير عن الإرادة إيجاباً أو قبولاً، ووصوله إلى علم الموجه إليه.

الرأي الثاني:

يرى جانب ثانٍ من الفقه أن: التعاقد عبر الإنترنت يعد تعاقداً بين غائبين؛ لأن التعاقد عن طريق هذه الشبكة قد يكون بالكتابة بين المتعاقدين.

الرأي الثالث:

يرى جانب ثالث من الفقه: أن التعاقد عبر الإنترنت يعتبر تعاقداً بين حاضرين من حيث الزمان، وتعاقداً بين غائبين من حيث المكان، فهو يعتبر تعاقداً بين حاضرين لانعدام الفاصل الزمني بين صدور القبول، وعلم الموجب به؛ ويعتبر تعاقداً بين غائبين من حيث المكان شأنه في ذلك شأن التعاقد بالمراسلة.

ونرى من جانبنا:

1ـ إذا استخدم الإنترنت بطريقة تتيح نقل الصوت فقط ، فإننا نرى أن التعاقد من خلاله  في هذه الحالة  يعد تعاقداً بين حاضرين من حيث الزمان، وبين غائبين من حيث المكان، شأنه في ذلك شأن التعاقد بالهاتف.

2ـ أما إذا استخدم كوسيلة للكتابة والمراسلة كالبريد الإلكتروني؛ فإنه إذا كان تبادل الرسائل يتم بصورة فورية، بحيث لا يكون هناك فاصل زمني بين الإيجاب والقبول أو كان فاصل  لا يكاد يذكر نظراً لما يخوله البريد الإلكتروني من النقل الفوري للرسائل المتبادلة فإنه أيضاً يعتبر تعاقداً بين حاضرين من حيث الزمان، وغائبين من حيث المكان.

المحور الثاني: إجراءات التحكيم الالكتروني

أولا: الاعداد لعملية التحكيم الإلكتروني بمناسبة المنازعات بمجلس التعاقد الالكتروني

تسبق عملية التحكيم الالكتروني مجموعة من الإجراءات نتناولها تبعا ضمن هذا البند، بدءا من تقديم طلب التحكيم مرورا بالقانون الواجب التطبيق على التحكيم الإلكتروني ثم إخطار أطراف التحكيم بموعد التحكيم وصولا الى تعيين المحكم.

وهكذا يتم التقدم بطلب التحكيم إلى مركز التحكيم العين عن طريق كتابة النموذج المبين على موقع الأنترنت والمعد سلفا من قبل المركز (2 ( أو الجهة المعنية بالتحكيم مبينا فيه طبيعة الخلاف الناجم عنه النزاع، وما قد يقترحه من حلول مناسبة.

وتتضمن وجوبا وثيقة التحكيم تعيينا لموضوع النزاع حتى تتحدد ولاية المحكمين، وغالبا ما تشترط مراكز التحكيم تضمين طلب التحكيم البيانات الشخصية والموضوعية منها: أسماء الأطراف وطبيعة أعمالهم وعناوينهم الإلكترونية، وصف لطبيعة النزاع وظروفه، الغرض من الطلب وطبيعة التسوية المطلوبة، قائمة أدلة الإثبات، نص بند التحكيم أو مشارطة التحكيم أو أية معلومة أخرى تفيد ذلك.[ 3]

و تمنح حرية كاملة للأطراف في اختيار القواعد التي تنظم إجراءات المنازعة[4 ] سواء بوضع هذه القواعد في اتفاق التحكيم أو بالإحالة لقانون معين لتنظيم هذه الإجراءات[5]وخصوصيات العالم الافتراضي تفرض على الأطراف الخضوع لإجراءات التحكيم الإلكتروني، والتي تهدف إلى تحديد أنظمة الإثبات وتحديد الوسائل الفنية التي تضمن احترام مبادئ المواجهة والدفاع والقواعد المتعلقة بالاجتماعات الإلكترونية، وللأطراف الحرية في اختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع أيضا، كما يمكن للمحكم القيام بهذا الاختيار في حالة غياب اتفاق الأطراف شرط ألا يتعارض ذلك مع قواعد النظام العام.[ 6]

ويتطلب الأمرإخطار المدعى عليه في التحكيم من طرف أمانة المركز، وقبوله التحكيم الإلكتروني، بإدراج القضية ضمن جدول أعماله، ويقوم المركز بالاتصال بالأطراف بواسطة البريد الإلكتروني لمتابعة الإجراءات،

وذلك وفق فترات زمنية معينة، ومن ثم يتم أداء الرسوم الإدارية المحددة التي تختلف من مركز تحكيم إلى أخر[7]وإخطار الطرفين بأول جلسة للاستماع والمناقشة، وتبادل الوثائق والطلبات.

كما يحق للأطراف تعيين المحكمين سواء بالنص على تعيينهم في اتفاق التحكيم مباشرة، أو بالإشارة إلى نظام تحكيم مؤسسي كنظام المحاكم الافتراضية، لكن يبقى أن الاتفاق على تحكيم نظامي تقيد الأطراف في اختيار المحكم، فنظام المحكمة الافتراضية هو أن تختار أمانة المحكمة المحكم أو المحكمين.[ 8]

ثانيا: تنفيذ الحكم التحكيمي الإلكتروني وطرق الطعن في حكم التحكيم الإلكتروني

يتم تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة التحكيمي بالتراضي بين الطرفين[9] ودون تأخير وهو ما أكدته لائحة غرفة التجارة الدولية بباريس في نص المادة  6/28 الذي يقرر أن كل حكم تحكيمي يكتسي بطابع إلزامي بالنسبة للأطراف، وذلك نتيجة لخضوع نزاعهم للائحة الحالية، ويتعهد الأطراف بتنفيذ الحكم دون إمهال وبتنازل عن كافة طرق الطعن[10] لكن إذا كان الطرف المعني بالتنفيذ سيئ النية، يلزم الطرف المستفيد من الحكم اللجوء إلى القضاء الوطني لدولة التنفيذ لطلب تنفيذ الحكم، وما عليه إلا تقديم أصل الحكم أو صورة طبق الأصل منه للاعتراف به لتنفيذه.

تبقى هذه القاعدة مقبولة في التحكيم العادي، إلا أن التحكيم الإلكتروني يثير صعوبة تتمثل في عدم التمييز بين الأصل والصورة في المجال الإلكتروني، وصعوبة التصديق على الوثائق الإلكترونية، ولقد عملت المادة 10 من القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية على حل هذه المشكلة، حيث نصت على تماثل الوثيقة مع الأصل شريطة:

سهولة الاطلاع على المعلومات التي تتضمنها هذه الوثائق في وقت لاحق؛

الاحتفاظ برسالة البيانات بالشكل الذي أنشئت أو أرسلت أو تم استلامها به؛

الاحتفاظ بالمعلومات التي تتعلق بمنشأ رسالة البيانات وجهة وصولها وتاريخ ووقت إرسالها واستلامها.

ولقد أكدت قواعد التحكيم لغرفة التجارة الدولية حسب نص المادة 24 تحت عنوان الصيغة النهائية والتنفيذية للقرار الذي يصدر عن المحكمة التحكمية على ان ” قرار التحكيم نهائي، وبما أن الطرفين أخضعا نزاعهما لتحكيم غرفة التجارة الدولية فإنهما يلتزمان بتنفيذ القرار دون تأخير ويتنازلان عن جميع طرق الطعن التي يمكن أن يتنازلا عنها “ [11]الا أن تمتع القرار التحكيمي بالحجية فور صدوره لا يعني عدم إمكانية الطعن فيه، فأغلب الأنظمة القانونية الداخلية تتمسك بجميع طرق الطعن المتاحة عند توفر إحدى الأسباب التي تسمح بالطعن ضد القرار، سواء لأسباب متعلقة بمحتوى القرار، أسباب متعلقة باختصاص هيئة التحكيم وأسباب متصلة بإجراءات التحكيم وانعدام الأهلية في أطراف التحكيم

خاتمة

يتميز العقد الالكتروني عن غيره من العقود سواء في  الطابع الالكتروني الذي يضفيه على العقد خلافا عن العقود الأخرى و غيرها من الخصائص السالفة الذكر,الانه يمكن ان نستخلص القول الى وجوب ان يتضمن العقد الالكتروني التنظيم التشريعي للمعاملات الالكترونية كون ان النظرية العامة للعقد بصفة عامة لا تكفي .

* كما لابد من احداث بعض التغيرات على القانون المدني  و القانون التجاري وذلك بإضافة مواد تنظم أصناف جديدة من العقود التي تتم عن بعد التي تعرف تطور ملحوظا فلابد من تنظيم خاص .

*ومن جهة أخرى فإن إجراءات التحكيم الالكتروني لازالت رهينة بالتنظيم التقليدي للتحكيم مما يؤزم من مسطرة التحكيم بحيث تفقد الكثير من وجاهتها ،الشي ال\ي يتطلب وضع اليات تختلف إن لم نقل مستقلة عن الاليات المعتمدة في حل المنازعات المترتبة عن العقود التقليدية.

*ونختم القول الى  وجوب سن قوانين خاصة بتنظيم العقد الالكتروني كعقد يختلف عن العقود التقليدية المعروفة سابقا و بيان المفصل لها و هذا يعد كذلك الية من اليات حماية المستهلك و سد لسد الثغرات القانونية و تفادي التواءات التي تؤدي الى جعل المستهلك هو ضحية هذه الثغرات ,و باعتبار ان العقد الالكتروني هو من خلق كيان افتراضي يؤدي الى ترتيب اثار قانونية .

الهوامش

1-إبراهيم خلل ممدوح “ابرام العقد الالكترون-دراسة مقارنة” الطبعة الأولى  الإسكندرية دار الفكر الجامعي 2006 ص 63

2-  أبو الهیجاء محمد إبراهیم، التحكیم بواسطة الإنترنت، دار الثقافة، الأردن، 2002 ، ص 58

3- حسام الدین فتحي ناصف، التحكیم الالكتروني في منازعات التجارة الدولیة، د راسة

في ضوء الاتفاقات الدولیة ولوائح هیئات التحكیم الدولیة والقوانین المقارنة، دار النهضة

العربیة، القاهرة، 2005، ص 49 ، و توجان فیصل الشریدة، ماهیة وإجراءات التحكیم الالكتروني، مؤتمر التحكیم التجاري الدولي، أهم الحلول البدیلة لحل المنازعات التجاریة، كلیة الشریعة والقانون،

وغرفة التجارة 30 أفریل 2008 . ص ص 1089-1111

4- تیاب نادیة، التحكیم كآلیة لتسویة نزاعات عقود التجارة الدولیة، مذكرة لنیل شهادة

الماجستیر في القانون، فرع قانون الأعمال، كلیة الحقوق، جامعة مولود معمري، تی زي وزو،

.2006 ص 125

5- ايناس الخالدي” التحكيم الالكتروني” دار النهضة العربية. القاهرة 2009 ص 293

6- إیناس الخالدي، المرجع السابق، ص 385

7- ايناس الخالدي م س ص 386

8-ndiaye penda op cit p111

9- إیناس الخالدي، المرجع السابق، ص 463

10- حسام الدین فتحي ناصف، المرجع السابق، ص 66

11- تیاب نادیة، المرجع السابق، ص 164

المراجع

1-ا/امانج رحيم احمد ،التــراضي في العقود الالكترونية عبر شبكة الانترنت،ماجستر في القانون الخاص ،جامعة السليمانية،  دار وائل ،ط 1، 2006 .

2-د/ حسام الدين كامل الاهواني، النظرية العامة للالتزام ،الج1،المجلد الأول ،المصادر الارادية للالتزام ،الطبعة 3 ،2000،ص101 و مابعدها.

www gn4me .comالالكتروني  3-سمير برهان ،ابرام العقد في التجارة الالكترونية ،ص 2،بحث

4-د/ عبد الفتاح بيومي حجازي، النظام القانوني لحماية التجارة الإلكترونية، الكتاب الأول نظام التجارة الإلكترونية وحمايتها مدنيا، دار الفكر الجامعي،  2002

5- د/فوزي محمد سامي ،شرح القانون التجا ري (الجز ء الأول )الطبعة الأ ولى ،دار الثقافة ،عمان ،2009،

.–6د/محمد السعيد بوخليفي قويدر مذكرة النظام القانوني لعقود التجارة الالكترونية ،ج محمد خضيربسكرة،2015.

7-د/ ماجد محمد سليمان أبا خليل .العقد الالكتروني , مكتبة الرشد ،الطبعة 1 ، الرياض 2009

قد يعجبك ايضا