بلال بوزرادي: الزنا بين التجريم والترخيص

المعلومة القانونية

*بلال بوزرادي – Bilal bouzradi

طالب باحث بجامعة عبد المالك السعدي، كلية الحقوق، تطوان.

مما لا شك فيه أن الزنا أمر محرم  في شريعتنا الإسلامية، والجزاء هو إقامة الحد على كل من زنى، كما هي (الزنا) فعل مجرم حتى في القانون الوضعي وبالضبط في مجموعة القانون الجنائي طبقا للفصل 490 منه؛ حيث  يقول “كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة الزوجية تكون جريمة الفساد ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة “، وذلك تماشيا مع ديننا الحنيف وملة رسولنا عليه أفضل الصلاة والتسليم، وبإعتبارالمغرب دولة إسلامية حسب منطوق الفصل الثالث من الدستور المغربي لسنة  2011، الذي يقول أن “الإسلام دين الدولة… إلخ”، فلا يجوز قطعا السماح بممارسة الجنس خارج مؤسسة الزواج والجزاء يتوعد كل من خالف، لكن ما أصبح يعرفه بلدنا الآن على غرار باقي البلدان من تفتح وحداثة على الغرب، أصبحنا نعلن رسميا انحلال الأخلاق وفساد منظومة القيم، بل وإنهيار تشبتنا بالدين الإسلامي مما تمخض عليه ظهور مجموعة من العادات والظواهر التي بكثرة ما ألفناها صارت كأنها أمر عادي وهي ما استقر عليها المجتمع، وبقدر ما تعايشنا معها صرنا نطالب أن تستمر بل وأكثر من ذلك أن يفك ويرفع التجريم عنها ! فهل إلى مرد من سبيل؟

وتأسيسا على ماسبق، فكثرة تأثرنا بالغرب واللامبالاة، وإهمال الوالدين لأسرهم وأبنائهم، وتعقيد شروط الزواج بل وصعوبة الولوج إليه من إكراهات مادية خصوصا، ورغبة في قضاء نشوة جنسية مجانية إن صح التعبير، وسهولة  في تكوين علاقات حميمية، كلها عوامل وأخرى  ساهمت بشكل فعال في ظهور مجتمع  يعرف ما تمت تسميته  ” بالعلاقات الرضائية “، والتي لازالت  في إنتشار واسع بين صفوف الشباب خصوصا، وهذا لا يمنع من وجودها بين المتزوجين أيضا، مما يشكل معه جرائم أخرى، كالخيانة الزوجية مثلا…، والعلاقات الرضائية في حقيقة الأمر ليست إلا ” زنا “، لكن تخفيفا على النفس وترويحا لها، وتفاديا لإحراج الفطرة النقية التي لا تقبل ما خالف أمر الله ، يطلق عليها إسم العلاقات الرضائية .

وأمام تبني هاته العلاقات المحرمة شرعا، سندمر لامحال  مؤسسة الزواج المبنية على أسس المودة وحسن العشرة بين الزوجين، والتي يكون الهدف من الدخول إليها هو تحصين النفس، وتفادي تخلط الأنساب وغير ذلك…، فقد قال الله تعالى في محكم كتابه ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ صدق الله العظيم، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على قدسية هاته المؤسسة وحمايتها من كل ماقد يهددها، وصونا لثوابتها ودفاعا عن حرمتها، وللإشارة فإن القانون بدوره لم يبخل عن مؤسسة الزواج في أكثر من مناسبة، ووضع الشروط العريضة لإستقرارها ودوامها، وعلى سبيل المثال نجد مدونة الأسرة التي نظمت في موادها العديد من الأمور المتعلقة بهاته المؤسسة، ومن هنا نستشف أن الأسرة هي النواة المجتمعية المضبوطة شرعا وقانونا، وتدميرها قد يودي بالمجتمع ككل، ومن هاته المخاطر التي قد تنهي مؤسسة الزواج هي مايطلق عليها ” بالعلاقات الرضائية “، وفي حقيقة الأمر كما قلت سابقا وأجدد، العلاقات الرضائية ماهي إلا مرادف جميل ومقبول  ” للزنا “، وفي هذا المقام تظهر مجموعة من الأسئلة التي تلقي بنفسها وتحتاج لأجوبة، خاصة وأن العلاقات الرضائية (الزنا) مذمومة في مجتمع يدعي الإسلام و الإستقامة !!

-فأي أمة ترجى ممن يدعون جهارا نهارا إلى رفع التجريم عن الزنا ويسمونها بالعلاقات الرضائية؟

-أي أمة ترجى من أناس همهم الوحيد هو إشاعة الفساد والدعوة الصريحة إلى الدعارة؟

– أين نحن من قوله تعالى﴿ وَلا تَقرَبُوا الزِّنا إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبيلًا ﴾؟

[الإسراء: ٣٢]

فكل هاته الإشكالات التي تثار والتي قد تثار مستقبلا، جلها مرتبط بالضجة التي أحدثتها الزنا في حلتها الجديدة وهي العلاقات الرضائية،  وخصوصا بعد ظهور بعض المنظمات الحقوقية التي  دافعت علانية عن هاته العلاقات المحرمة، مستدلة بكون أنها تدخل ضمن الحريات الفردية للأشخاص، وأكدوا على ضرورة رفع التجريم عنها وإسقاط الفصل 490 من ق.ج، لأن تجريمها يمس حقوق وحريات الأفراد الشخصية والمنصوص عليها دستوريا، فهل ياترى هم مقتنعون عن ماذا يدافعون؟، ونفترض جدلا أن هذا المشرع بتجريمه للعلاقات الرضائية قد أخطىء، لأن التجريم هنا كان من إجتهاد البشر مستلهما إياه من الشريعة الإسلامية، فماذا عن قول رب العباد حينما قال{ولا تَقرَبُوا الزِّنا…}، لم يقل عز وجل ولا تزنوا، ولكنه قال ولا تقربوا الزنا، وذلك حكمة منه على أن مجرد الإقتراب من الفواحش قد ينتهي لامحال بإرتكاب الفاحشة .

والعلاقات الرضائية في التعريف الإسلامي هي *الزنا*؛ وتعني العلاقة الجنسية بين رجل وإمرأة لا تحل له برضاء بينهما، بحيث إن لم يكن عنصر التراضي سنصبح أمام إغتصاب، وهذا ما يميز هذا الأخير عن العلاقات الرضائية (الزنا)، ومادفع بعض الفئات داخل المجتمع للإحتجاج عن تجريم العلاقات الرضائية هو كون أن هاته العلاقات تتم بين الطرفين في رضاء تام بينهما، وداخل مكان خاص، بحيث لا يمكن مساءلتهم ولا متابعتهم بما يسمى ” الإخلال بالحياء العلني ” لأن المكان خاص وليس عام، وأن هاته الأمور لا تمس بالآخرين، لكن كرد على منطلقاتهم هاته، أروني من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي ممارسة الجنس في الشارع وبشكل علني!!، وأنا أتحدث عن البشر الذين كرمهم الله تعالى بالعقل مستثنيا الحيوانات، فمسألة تجريم العلاقات الرضائية متعلق بما يقوم به الأشخاص خارج الدائرة العلنية أي داخل دائرة السر، فهنا كمسلم أجد أن علي أكثر من الرقابة المجتمعية، وهي الرقابة الإلهية، فهنا أقول أن الحرية تتوقف عند حدود الله عز وجل.

هكذا يتبين أن الأشخاص والجمعيات الذين يدافعون عن فكرة العلاقات الرضائية وإسقاط الفصل 490 من القانون الجنائي لهم أهداف واضحة وهي النيل من  ماتبقى من الأسرة، ونشر أفكار خبيثة وتخريبية لهدم مؤسسة الزواج، وهذا كله تحت شعارات الدفاع عن الحقوق والحريات، ناهيك عن ما سيترتب عن هذا من ظواهر سلبية، ومشاكل اقتصادية، اجتماعية وأخلاقية من قبيل؛ إرتفاع ظاهرة الإجهاض، ظاهرة الأطفال المتخلى عنهم، العنوسة، والعزوف عن الزواج، والجرائم بشتى أنواعها وأشكالها وغير ذلك….، فأي مجتمع هذا الذي ننوي أن نقيم به حضارة، وكل خلاياه من أصلها  متفككة !

قد يعجبك ايضا