وجهة نظر عَرضِيّة ردا على أصحاب الحريات الفردية

المعلومة القانونية

*فخصي معاذ،

الكاتب الأول لندوة التمرين هيئة المحامين بالدار البيضاء،

باحث بسلك الدكتوراه.

ولما أثير النقاش من جديد حول موضوع قديمٍ جديد، و لما ارتأى المشرع اعتماد تقنية جس النبض، فكان من الطبيعي أن يتحرك النبض مناضلاً، ليكتب بعض الكلمات معبرًا، مخافة أن يتوقف هذا النبض يوما، فنموت من دون النضال على ثوابت قطعية، و التي إن أمكن مناقشتها تخييراً فإنه لا يمكن تفعيلها إجباراً.

وبذلك فإنني أعتبر وجهة النظر هذه قاعدةً آمرة ملزمة لأصحاب العقيدة الصحة، و في نفس الوقت فإنها تبقى مكملة مخيرةً لذوي الفكر الآخر، و الذين نكن لهم و لأفكارهم كل الاحترام والتقدير اتباعا لنهج النبي المصطفى عليه أزكى السلام و التسليم.
 
أقول و بالله التوفيق، بأن نقاش إزالة الفصل 490 من مجموعة القانون الجنائي يستوجب الانتباه لبعض الضوابط الأساس كالآتي:

▪ الضابط الشرعي في علاقته مع قواعد الدستور:

من أبجديات القواعد الدستورية التي تُدرس في كلية الحقوق، أن القانون هو أسمى تعبيرٍ عن إرادة الأمة، فإذا كانت القوانين العادية تصاغ و توضع من طرف الشعب بطريقة غير مباشرة، فإن الدستور يوضع بطريقة أكثر ديمقراطية، إذ تكون اللمسة الشعبية حاضرة فيه بقوة أكثر من حضورها في القوانين العادية، وبذلك فإن الدستور المغربي مَهّد في مقدماته- ديباجةً و نصاً لقواعد الدين الإسلامي، فأسس له كثابت من الثوابت بمقتضى الفقرة الثانية من الفصل 1، و ما يصحب ذلك من دلالة منهجية و قيمة موضوعية، ثم عاد ليؤسس لها كركيزة بمقتضى الفصل الثالث منه، فما موقف الدين الإسلامي من ما يطالبون بإسقاطه؟

لن أخوض في التحليل و التحريم احتراما لمبدأ التخصص، لكنني أقول أنه من المسلمات القطعية التي صدرت في حقها نصوص واضحة الدلالة هي تحريم الزنا و كل العلاقات الجنسية بين الرجل و المرأة من دون أن يجمع بينهما عقد زواج سواء أ توفر عنصر الرضا أم لم يتوفر، و ما تقسيم المشرع للجرائم من حيث عنصر الرضا إلا تفرقة تشريعية تختلف في العقوبة و قساوتها حسب الوقائع، و بذلك فإن سلّمنا بقدسية القواعد الدستورية و أحقيتها ليس في التطبيق فقد بل حتى في استحضارها كضابط عند المطالبة بتعديل أحد القوانين، فإن كل إزالة للفصل 490 سيبقى من دون أساس دستوري و يمكن الطعن في عدم دستوريته أمام المحكمة الدستورية. 

▪ضابط الفهم الصحيح للقانون:

إن السبب الأصيل في ما نراه اليوم من انفلاتات تشريعية طالت مجموعة من النصوص القانونية، هو الجهل غير المغتفر للمفهوم الدقيق للقانون، من خلال وضع نصوص لا تعبر عن إرادة الأمة من جهة، ولا تتضمن زخما حيويا ممن استقرت عليه أعمالهم من جهة أخرى، بل وأنها تتعارض مع قواعد دستورية من جهة ثالثة، وما يصحب ذلك من خلفية وغاية ومصدرية تاريخية، وتلك النظرة اليتيمة له كنصوص قانونية وعبارات لفظية، لا تشكل في المفهوم الدقيق الواسع له إلى قلة الأقلية.

إن التدخل العاجل لوضع قانون من القوانين أو تعديل فصل من الفصول يستوجب بالأساس أن يشكل مطلب الأغلبية، من خلال ذلك النسق المحكم الشديد الترابط والتماسك، والمحيط بالمصالح الأساسية للأفراد.

ورجوعا للفصل 490 ( موضوع النقاش)  و مطلب التعديل، دعونا نتساءل صراحة، أ هو مطلب الأغلبية أم الأقلية؟ أ يمكن أن يصوت المغاربة إجماعا على إباحة العلاقات الجنسية الرضائية؟

أ قول بكل تأكيد أن الأغلبية المطلقة ستنادي بعدم الانصياع لتلك المطالب ( المشروعة) و بالتبعية الإبقاء على قواعد التجريم أما التحريم فهو أمر رباني مطلق يتحكم فيه الخالق كيفما يشاء.

▪ ضابط علم المآل:

إن الدارس الجيد لمآل الأشياء و علم التخطيط الاستراتيجي يعي بوعي سامي، أن مفهوم المآل لا ينقص في شيء عن المفاهيم الأخرى ذات الدلالة العميقة.

و علم المآل في الدراسات القانونية يتداخل مع مفهوم العدالة في الزمان، هذا المفهوم الواسع الدلالة يقتضي أن لا يوضع نص تشريعي أو يؤسس لاجتهاد قضائي من دون أن تتم دراسة ذلك في علاقته مع آثاره المستقبلية.
و ارتباطا بتعديل الفصل 490 من مجموعة القانون الجنائي يتضح أن في مطلب الإزالة مآل تعيس و مستقبل فاشل بل و خطير جدا، و من مخلفات ذلك نذكر ما يلي:

– أن من شأن الإزالة رفع التجريم و صعوبة إعادة النقاش مآلا، إذ أن مبدأ الشرعية الجنائية سيجعل من المستحيل إيجاد حل وسط أو طريقة قانونية لتجريم الفعل المعدل.

– أن إزالة الفصل 490 يقتضي كذلك إزالة مجموعة من الجرائم الأخرى المشابهة كالإخلال العلني بالحياء، و جريمة الإجهاض و غيرها و هو ما ستضطرب معه القواعد و تختلط معه الأوراق.

– أن من شأن السماح بالعلاقات الرضائية و رفع التجريم عنها تفشي ما يسمى بظاهر اختلاط الأنساب و الأنسال، ذلك أن العلاقات الجنسية الرضائية سينتج عنها لا محاله حملٌ و أطفالٌ خارج مؤسسة الزواج، و معلوم أن مدونة الأسرة تشترط للاعتراف بالنسب قيام عقد زواج صحيح، مجتمعِ الأركان و الشروط، ليبقى التساؤل عن مآل الأطفال الذين سينتجون عن هذه العلاقات غير الشرعية؟ و هل سيتم تعديل مقتضيات مدونة الأسرة التي تخالف تماما ما يُطمح إلى تعديله و إزالته؟

أخيرا أقول أن المس بالقواعد الشرعية، أمر و إن كان يقبل النقاش تعبيرا، فإنه لم و لن يقبل التفعيل تحريما، كما أنه لا يقبل التعدد قطعا، تماما كالألف في الكلمة، تذكر مرة وسطا أو أخيرا، فإن كان جزاء الخطأ اللغوي يبقى معنويا، فإن المس بالقواعد الشرعية والأعراف المجتمعية ينتج عنه جزاء شرعي رباني.

قد يعجبك ايضا