المقتضيات الزجرية في القوانين المغربية
المعلومة القانونية
*سعيد شرو
خريج ماستر القانون الدولي الخاص والهجرة، جامعة المولى إسماعيل بمكناس
لا يخفى على المتتبعين للشأن الحقوقي عموما والباحثين في العلوم القانونية خصوصا مسألة المقتضيات الزجرية التي لا تكاد تخلو من أي نص قانوني ينظم مجالا من مجالات الحياة، ولعل مرد ذلك إلى محاولة المشرع وهو بصدد صياغة النصوص القانونية أو تكميلها ترتيب الجزاءات داخل النص نفسه ما لم تتم الإحالة على نص قانوني خاص ضمن مجموعة القانون الجنائي.
وفي نفس السياق تعد المقتضيات الزجرية جزاء لكل من خالف أحد القوانين الجاري بها العمل متى لم تتم إباحته بموجب نص خاص وهو ما يجعل الباحث والممارس يتيه في البحث في جميع النصوص القانونية لأجل الإحاطة بجميع المستجدات والمتغيرات، ناهيك عن مسألة التشريع بالإحالة والتي ترهق كاهل الباحثين خصوصا وتثقل سرعة الإجراءات مما يؤثر على فعاليتها وآجالها المعقولة وكلها إكراهات قانونية قد تعيق في بعض الأحيان النجاعة الإجرائية كما تؤثر على الأمن القانوني والقضائي بمفهومه العام.
إن اختيارنا لهذا الموضوع نابع من محاولة مناقشة توحيد جميع المقتضيات الزجرية ودماجها في مجموعة القانون الجنائي، كما تطرح عدة إشكاليات من قبيل حول مدى فعالية النصوص الزجرية المتفرقة وإسهامها في الأمن القانوني والقضائي؟ وهل توحيد إطار قانوني زجري واحد لا يسعف في تحقيق السرعة والنجاعة المطلوبة لصون حقوق المتقاضين داخل الآجال المعقولة؟
إن الإجابة عن هذه التساؤلات تستوجب دراسة مستفيضة لجل القوانين التي تتضمن في طياتها مجموعة من المقتضيات الزجرية وهو أمر صعب المنال وسنكتفي بأمثلة استدلالا على ما نود توضيحه، إن الملاحظ في الآونة الأخيرة ان جل القوانين تتضمن في طياتها جزاءا خاصا ونبدأ بقانون حماية المستهلك الذي جاء خارج ظهير الالتزامات والعقود المنظم للعلاقات المدنية بين الأفراد ولعل غايته الحرص على التوازن بين طرفي العقد ،ولئن نجح القانون في ذلك بشكل نسبي إلا أنه يحيل بخصوص التعويض المدني إلى قانون الالتزامات والعقود كشريعة عامة مما يجعلنا نطرح تساؤلا حول جدواه إن لم يكن ينظم العلاقة منذ إنشاء العقد إلى غاية انتهاء العلاقة التعاقدية وآثاراها القانونية حماية للمستهلك وحفاظا على الأمن الإقتصادي، كما يتضمن مقتضيات زجرية ولا بد أن تحيل هي كذلك على مجموعة القانون الجنائي باعتباره الإطار العام للتجريم والعقاب مما يجعل الباحث دائم الارتهان بالبحث عن نصوص متفرقة بين القوانين وقد يستعصي في الكثير من الأحيان جمعها واستنطاق مضامينها في محاولة لإيجاد حل نازلة معينة.
وكما سلف ذكره أن المقتضيات الزجرية في قانون حماية المستهلك 08-31 تعرف تقنية الإحالة بشكل واضح وجلي، ويرجع ذلك إلى أن أصل القانون ذو طبيعة مدنية وليست جنائية، ويفهم منه أن التجريم يسبق في القانون الجنائي العقاب المضمن في قانون حماية المستهلك، لتلعب تقنية الإحالة حلقة وصل بين التجريم والعقاب وهو ما لا يسعف في السرعة الإجرائية لاسيما في ظل الاكراهات الواقعية والقانونية، وهو ما يعيق توفير حماية للمستهلك في علاقته التعاقدية لينضاف إلى شح المقتضيات الجنائية للتقليص من الهيمنة على المستهلك، والمثال في نازلة الزيوت المسمومة بمدينة مكناس المغربية حيث خرج المشرع عن المبدأ واضطر إلى الأخذ برجعية القوانين الجديدة نظرا لخطورة هذه الجريمة على المستهلك خصوصا والصحة العامة عموما، وقد صدرت عن السلطة القضائية بهذا الخصوص احكام في حق مرتكبيها وصلت في حدها الأقصى إلى الإعدام.
كل ما سلف ذكره يبين ضعف المركز القانوني و الإقتصادي للمستهلك في مواجهة العامل الاقتصادي والقانوني. مما يحول دون تطبيق المقتضيات الجنائية الواردة في قانون حماية المستهلك رغم اتساع مجال التجريم في القانون المذكور، فما الغاية من تواجدها به إن لم تكن ذات فعالية ونجاعة اكبر!!.
يتبين أن المقتضيات الزجرية رغم إسهامها في ترتيب الجزاءات في حق كل من خالف القانون إلا انها لا تفي بالغرض المطلوب والمتمثل في الضمانات القانونية للمستهلك رغم حرصها على إقرار نوع من التوازن بين الطرفين.
وننتقل بعجالة إلى مدونة الأسرة والتي تعد مكتسبا حقيقيا للمواطنين حيث عملت على مراعاة الخصوصية الوطنية والحرص على مؤسسة الأسرة باعتبارها نواة المجتمع وصلاحها من تنميته وازدهاره ورقيه وتطوره، صحيح أن الأمم تتبوأ المراتب العليا باقتصادها وتدبيرها لكن للمجتمع النصيب الأوفر في ذلك، ولكي نبقى في سياق الموضوع المتعلق بالمقتضيات الجزرية في مدونة الأسرة نجد عند استقرائها مقتضيات زجرية خصت حماية الزوجة وكذا الطفل داخل مؤسسة الأسرة.
وبخصوص المقتضيات الزجرية لحماية الزوجة نذكر التدليس الذي يقوم به الزوج للحصول على وثائق الزواج، علما ان الشروط الشكلية والموضوعية محددة سلفا في طيات المدونة، ونجد في هذا الصدد المادة 66 تقضي” ان التدليس في الحصول على الإذن أو شهادة الكفاءة المنصوص عليها في البندين 5 و6 من المادة السابقة أو التملص منها، تطبق على فاعله والمشاركين معه أحكام الفصل 366 من القانون الجنائي بطلب من المتضرر. يخول للمدلس عليه من الزوجين حق طلب الفسخ مع ما يترتب عنه ذلك من التعويضات عن الضرر”.
وليس بمقدورنا التنقيب في جل المقتضيات الزجرية في الترسانة التشريعية وعرض جميع القوانين… و بإقتباس شديد على سبيل المثال لا الحصر.. لكنها لا تخلو من نص قانوني وكله حرصا من المشرع على أن يحترم الأفراد هاته القوانين وإلا كان العقاب جزاءا ردعيا لمخالفتهم لها، وصحيح ان هناك نسبة من النجاح لغاية التطبيق الفعلي للقانون لكن أصح منه ان الممارس والباحث يعاني تارة ويتيه تارة اخرى في استجماع النصوص القانونية المتفرقة بين مختلف القوانين في نازلة واحدة، ولا بد أن نبحث عن إطار قانوني موحد يتضمن مقتضيات زجرية شاملة وجامعة مانعة تعفي الباحثين عناء التيه لأجل حل نازلة أو استكمال بحث قانوني في مجال معين، وكل ما سلف ذكره مجموعة أفكار قد تخطأ وقد تصيب لكن المهم هو تجميع جميع المقتضيات الزجرية في إطار قانوني موحد لتقليص الجهد والأهم احترام الآجال المعقولة.