اي موازنة بين دعم الاستقرار وإرساء الديمقراطية لدول الإتحاد الأوروبي

المعلومة القانونية

*سعيد شرو

  • خريج ماستر القانون الدولي الخاص والهجرة.

اتخدت جل دول العالم من إقرار الديمقراطية في العشرية الأخيرة هدفا رئيسيا في العلاقات الدولية، من خلال الحرص على ضمان حقوق الإنسان وتنظيم الحريات العامة سواء كانت فردية ام جماعية، على المستوى الداخلي و الخارجي من خلال اتفاقيات ومعاهدات ملزمة لأطرافها ولا يستصاغ خرقها ممن تحفظو في الانضمام إليها، ولعل الهدف من ذلك كثرة الانتكاسات والأزمات والانتهاكات التي شهدها الأفراد في بعض البلدان والتي لا تتماشى مع تقييم الفرد باعتباره اغلى وأسمى من المصالح والغايات كلها ما دام بإمكانه الإسهام في النهوض بالتنمية والاعانة على التنظيم داخل محيطه ومجتمعه في دولته أو حتى خارجها.

وتبقى الديمقراطية بمفهومها الواسع من أهم ما نادت به الدول المتقدمة في خطابها مع نظيراتها التي هي سائرة في طور النمو أو التي تعاني مما تعانيه جراء اوضاعها المتردية واقتصادها المنهك، بغية ان تحظى هذه الأخيرة بفرصة تستعيد بها قوتها وحيويتها وقيمة الأفراد/ المواطنين بها في صنع القرار والمشاركة في التوجه الإجتماعي المتوافق عليه إجمالا.

لكن ما يثور في هذا الموضوع هو إمكانية التوازن بين الحرص على الاستقرار وإرساء الديمقراطية، علما ان الدول التي تعاني هي بالأساس غير مستقرة، فكيف يطلب التوجه الديمقراطي بدون استقرار؟ وهل تعتبر الديمقراطية حلا لعدم الإستقرار؟ أم أن الإستقرار هو من يتيح للديمقراطية مجالا رحبا لتأتي ثمارها والنتائج والأهداف المرجوة من اقرارها؟ وما هي علاقة الديمقراطية بالإستقرار؟

للإجابة عن هذه التساؤلات يجب أن نحيط ببعض الأسباب والمسببات التي رجحت المناداة بالديمقراطية بغض النظر عن مكان تنزيلها والتجاوب معها.

لا يشك أحد بأن دول الاتحاد الأوروبي في العقود الأخيرة جعلت من مسألة حقوق الإنسان والحريات العامة والديمقراطية اساس علاقاتها مع العالم الخارجي، ولعل المتتبع للاتفاقيات التي عقدتها في جميع المجالات مع البلدان الأخرى سيستشف انها مقرونة بالإلتزام بحقوق الإنسان والآليات الديمقراطية، ومتى ما تبين عكس ما سلف بطلت الشراكة  معهم أو تم تعليقها لأجل غير مسمى.

لكن الملاحظ في الآونة الأخيرة إهمال وابتعاد دول الاتحاد عن المبادئ المذكورة، بدليل تخليها عن بنود تضمن حقوق الإنسان والديمقراطية في اتفاقيات الشراكة التي تربطها مع دول الجوار، وعادة ما يفعل التقييد أو الاشتراط السياسي تجاه دول تعاني من أزمات خانقة وبموجبه يتم ربط المكاسب والمساعدة الضرورية لها بتوفير شروط رامية لتحقيق حماية لحقوق الإنسان، وقد يغيب هذا التقييد عن الدول التي تشكل قوى إقليمية عدا ما تعلق ببعض الانتقادات والبيانات والتوجيهات التي تبقى صورية وغير ملزمة في غياب زجر منتهكي حقوق الإنسان بتدابير قانونية عقابية ملزمة.

وما يشهد على ما تمت الإشارة إليه هو تراجع الدعم الأوروبي في مسألة الديمقراطية و حقوق الإنسان في علاقاته الخارجية، وقد اسهم في ذلك ما عاشته أوروبا من انكماش وتدهور عقب الأزمة الإقتصادية العالمية وآثارها على وضعيتها الداخلية، فاسحة المجال على مصراعيه للقوى الصاعدة وخصوصا الصين في تعزيز مكانتها لاسيما انها لا تشترط الاحترام من عدمه لقضية حقوق الإنسان مع شركائها بقدر ما تسعى إلى تنمية اقتصادها وإيجاد متنفس لصادراتها في الأسواق الخارجية، وفي نفس السياق انشغلت أوروبا بعد الأحداث الإرهابية بالتوافق على مقاربة أمنية رادعة لقضايا الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للقارات والصراعات والنزاعات الدولية و الإقليمية، هذا كله دفع بالمنتظم الأوروبي لترجيح ودعم الاستقرار على حساب صون قضية حقوق الإنسان والديمقراطية ليتم تسقيف مطلب الديمقراطية وحقوق الإنسان بذريعة المحافظة على ثبات الأوضاع المستقرة في المناطق ذات الصراعات السياسية والنزاعات المسلحة.

كل ما سلف ذكره أدى إلى كبح الدعم و المساعدات التي كانت تقدمها دول الاتحاد الأوروبي الى بعض الدول لتعزيز الديمقراطية والنهوض بحقوق الإنسان، لتلتجأ إلى سن شراكات مع أنظمة شبه ديمقراطية لغاية الإستقرار، مما يكشف عن عدم ثبات موقف الإتحاد الأوروبي في الحسم بين أولوية الدفاع عن الديمقراطية أو السعي وراء الاستقرار.

إن كل ما سبق ذكره ينم عن عدم ثبات الموقف الأوروبي، كما تبينه السياسات المتبعة من قبله، لبعدها التام عن التنزيل الفعلي للمقاربة التنموية دفاعا عن احترام حقوق الإنسان و تدويل الديمقراطية وذلك رغم الشعارات الرنانة المرفوعة من قبل دول الاتحاد في المؤتمرات الدولية الحقوقية والتي تفضح سطحيتها متى ما تعارضت مع المصالح الحيوية وخاصة في المجال الإقتصادي للدول المذكورة تصبح غير ذي جدوى وهو نفاق دولي من قوة إقليمية.

إن التفكير في مجتمع يؤمن بالديمقراطية رهين بمدى استقراره وحصانة حقوقه داخل دولته والتزامه بواجباته، حيث لا يمكن إطلاقا تفعيل المبادئ الأساسية لضمان حقوق الإنسان وحماية الحريات العامة ولو ضمنت في القوانين الداخلية لأنه يستحيل ذلك في بنية تحتية تعرف عدم الاتزان وكثرة الاختلالات، ولكي تجنى ثمار الديمقراطية لا بد من توفير مناخ تنظيمي مستقر ومنظم ومنتظم وفق إمكانيات كل دولة والسهر على الحد الأدنى من المكتسبات الحقوقية لغاية ضمان السلم والأمن والاستقرار المجتمعي.

في علاقة الاستقرار بالديمقراطية يظهر أنهما متوازيان فلا ديمقراطية بدون استقرار، ولا يمكن القول أن دولة تنعم بالاستقرار يغيب فيها الوعي الديمقراطي أو بعبارة أدق الديمقراطية التشاركية حيث يساهم الأفراد بمقترحاتهم ومشاريعهم في إطار المجتمع المدني لغاية المشاركة في صنع القرار والإجابة عن متطلباتهم وتلبيتها دونما حاجة لتمثيلة ممن ينوب عنهم في المؤسسات التشريعية والتنظيمية، وبه نكون قد انتقلنا من الديمقراطية التمثيلية  la démocratie représentative  

التي لا زالت قائمة نسبيا على أساس تمثيل المواطنين في دوائر صنع القرار، إلى الديمقراطية التشاركية  la démocratie participative

والتي تعطي لجميع مكونات المجتمع المدني الحق في المشاركة في صنع القرار وفق القوانين التنظيمية الجاري بها العمل لغاية تحقيق المتطلبات المجتمعية مع مراعاة الخصوصية الوطنية لجميع الدول من اجل ضمان الأمن الإنساني والاستقرار ودون الخروج عن المبادئ العالمية في مجال حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا.

من خلال ما سلف ذكره يتبين أنه من الصعب الحسم في أولويات القوى الكبرى في العالم بين التركيز على الإستقرار في الدول التي لا زالت تعاني من ويلات الحروب والاختلالات والفقر جراء سوء التسيير والتي تنتج آثارا تنصرف إلى جل بلدان العالم ولعل الهجرة الدولية وخاصة منها اللجوء والهجرة غير النظامية بالإضافة إلى بروز شبكات إجرامية منظمة عبر وطنية تنشط في التهريب والاتجار الدولي في البشر والممنوعات مما يصعب معه تحقيق استقرار فعلي في الدول التي تعاني من بنية هشة ومنظومة تشريعية غير مواكبة للتطورات الحاصلة على المستوى الدولي والإقليمي.

قد يعجبك ايضا