مبدأ استمرارية المرافق العامة في ظل أزمة الطوارئ الصحية
المعلومة القانونية
*قسيم عماد
- طالب باحث بماستر القانون العام الداخلي وتنظيم الجماعات الترابية جامعة القاضي عياض مراكش.
تقديم:
يعد مبدأ استمرارية المرافق العامة في أداء خدماتها من أهم المبادئ التي أقرها الاجتهاد القضائي و كرسها المشرع الدستوري و العادي بحيث يعتمد الأفراد على المرافق العامة لتلبية حاجياتهم و رغباتهم خصوصا تلك المتعلقة بالخدمات الحيوية التي لا يمكن الاستغناء عنها كالأمن، الصحة، الكهرباء والماء، البريد و المواصلات.
لهذا اعتبر الفقه و القضاء على أن مبدأ استمرارية المرافق العامة في أداء خدماتها يعتبر أساسيا. بحيث، أي انقطاع أو توقف لهذه الخدمات سيؤدي إلى الإضرار بمصالح الأفراد وارتباك في حياتهم اليومية. فهذا المبدأ يعتبر من الأساسيات التي تستند عليه معظم أحكام و نظريات القانون الإداري كما أن المجلس الدستوري الفرنسي اعتبر مبدأ انتظام سير المرافق العامة بمثابة ” قيمة دستورية “.
لكن بعد الإعلان عن حالة الطوارئ الصحية في بلادنا من أجل وضع حد لانتشار فيروس كورونا المستجد الذي باغت العالم بأكمله، تم فرض الحجر الصحي على المواطنين و تعليق معظم الأنشطة سواء التي تعمل في القطاع العام أو الخاص، و هذا شكل تهديد خطير لأجهزة الدولة و للمواطنين مما جعل الحكومة تدبر أزمة الطوارئ الصحية مع الحرص على هذا المبدأ الدستوري والأساسي ألا و هو مبدأ استمرارية المرافق العامة بانتظام واطراد.
فكيف تمكنت الدولة بتدبير أزمة الطوارئ الصحية مع الحرص على استمرارية المرافق العامة؟
عملت الحكومة على تنظيم حالة الطوارئ الصحية بموجب المرسوم بقانون رقم 2.20.292 الصادر في 28 رجب 1441 ( 23مارس 2020) المتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية و إجراء الإعلان عنها.
ثم مرسوم رقم 399.20.2 الصادر في رجب 1441 ( 24 مارس 2020 ) بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا- كوفيد 19، ومرسوم رقم 330.20.2 الصادر في 1441 (18 أبريل 2020) بتمديد سريان مفعول حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا. هذه المراسيم رغم نصت على مجموعة من التدابير و الإجراءات الاحترازية و الاستثنائية، فإنها بالمقابل أكدت على ضمان استمرارية المرافق العامة وتأمينها في ظل أزمة الطوارئ الصحية.
هذا و قد أكد دستور 2011 في الفصل 154 على استمرارية خدمات المرافق العامة، وبالتالي كان لا بد للدولة من اتخاذ إجراءات تساهم في استمرارية المرافق العامة للمواطنين و المواطنات بمعنى استمرارية الأنشطة التي تقوم بها المرافق العمومية و انتظامها دون توقف أو انقطاع، ذلك أن المرافق لم تنشأ أصلا إلا لإشباع حاجات عامة بلغت من الأهمية درجة جعلت السلطة العامة تعتبرها مرفقا عاما بصورة مستمرة و منتظم.
بحيث، في ظل هذه الأزمة الصحية التي يعيشها العالم و بلادنا، دفعت الحكومة لاتخاذ مجموعة من التدابير الاحترازية والإعلان عن حالة الطوارئ الصحية، إلا انه دائما كان الحرص على استثناء المرافق الحيوية من الحظر، حيث استمرت في عملها بل ضاعفت عملها مثل مجموعة من المرافق الحيوية كمرفق الصحة و الأمن و التعليم.
وهذا ما شاهدناه في أرض الواقع بحيث مرفق الأمن لم يتوقف بل كان مستمرا في عمله طيلة فترة الطوارئ من أجل الحفاظ على النظام العام بمدلولاته الثلاث: الأمن العام، الصحة العامة، و السكينة العامة.
ثم إستمرار عمل مرفق الصحة الذي لعب دور كبير خلال هذه الأزمة التي نعيشها،ثم مواصلة إنعقاد جلسات المحاكم عن بعد، ثم أيضا دورات المجالس الجماعية والمنتخبة أيضا واصلت عملها عن بعد، كذلك تزويد الساكنة بالماء و الكهرباء دون إنقطاع طيلة فترة الحجر الصحي. كما لاحظنا الدور الكبير الذي لعبته كل من وزارة النقل و اللوجيستيك ووزارة الفلاحة والصيد البحري لإيصال مختلف المواد الغذائية للمواطنين و بكمية وفيرة دون أي نقص و بثمنه العادي. و لا ننسى أيضا مرفق التعليم الذي واصل التعليم عن بعد لمختلف المستويات في جميع الشعب والتخصصات.
إلا أن التعليم رغم احترامه لمبدأ الاستمرارية فقد أغفل عن مبدأ المساواة الذي يعتبر أيضا مبدأ مهم منصوص عليه في الفصل 31 من الدستور، بحيث هناك فئات لم تستفيد من التعليم عن بعد خاصة تلاميذ المناطق النائية في القرى و ذلك بسبب عدم توفرهم على لوائح إلكترونية أو شبكة الإنترنت. فقطاع التعليم كان مقصرا في حق تلك الفئة.