“بنقاسم” و”البودالي” يعلقان على قضية مقتل الطفل “عدنان”

المعلومة القانونية

*محمد بنقاسم – طالب باحث في القانون الجنائي والعلوم الجنائية

*سناء البودالي – باحثة في العلوم الإنسانية ومجال التمكين

عادة ما تثير الجرائم حالة من الخوف والذعر داخل المجتمعات نظرا لخطورتها وتهديدها للنظام العام واستقرار المجتمع، كما قد يدب الحزن والأسى في نفوس عائلة الضحايا التي قد تفقد أحد أفرادها نتيجة فعل أو مجموعة أفعال إجرامية، كما هو الشأن بالنسبة لقضية الطفل “عدنان” (رحمه الله) الذي تعرض للاختطاف والاغتصاب،أو هتك العرض بلغة قانونية صرفة ومن تم إلى القتل، مما أثار موجة استياء واستنكار للأفعال التي أقدم عليها المجرم؛حيث غدا الرأي العام يقدم تعازيه إلى عائلة الفقيد مطالبا – في حملة على موقع التواصل الاجتماعي فايسبوك –  بتنفيذعقوبة الإعدام في حق المجرم، فما خصوصية الجريمة المرتكبة ؟ وكيف يمكن مقاربتها من منظور القانون الجنائي المغربي ؟ ما العوامل التي تحول دون تطبيق عقوبة الإعدام ؟ وأي سبل للوقاية من الاعتداءات الجنسية ضد الطفولة ؟

تندرج جريمة هتك عرض القاصر – من زاوية علم الإجرام –ضمن سياق يتقاطع فيه صنفين من الجرائم، فمن ناحية ينظر إليها كواحدة من جرائم الاعتداءات الجنسية والتي تضم قائمة طويلة من الجرائم كالاغتصاب وزنى المحارم والتحرش الجنسي وغيرها، ومن ناحية أخرى، تصنف ضمن جرائم المضطربين نفسيا : la criminalité des malades mentaux نظرا لانحراف موضوع اللذة الجنسية عن مساره كنتيجة للإيهامات : phantasmes التي يتبناها الشخص الذي يعاني من اضطراب اشتهاء الأطفال : pédophilie.

نميز في هذا الاضطراب بين درجتين تختلفان من حيث خطورة عنف المعتدي جنسيا، فالحالة الأولى يطمح فيها المعتدي جنسيا إلى تجاوب من قبل الطفل الضحية حيث يسعى من أجل ذلك إلى إغرائه وإقناعه واستدراجه، أما في الحالة الثانية،يظهر الطفل الضحية على أنه وعاء تفريغ لعدائية المجرم أو لرغبته في الهيمنة، إذ يتم التعامل معه بطريقة سلبية تجرده من الشخصيةوتضعه محط الإذلال، والحالة الثانية أكثر خطورة من الحالة الأولى إذ أنها ما قد تؤدي إلى وضع حد لحياة الضحية بهذه الطريقة  وهذا ما يعكس الجريمة المرتكبة في قضية الطفل ” عدنان “.

بخلاف علم الإجرام باعتباره علما وضعيا يحاول تفسير أسباب الجرائم ودواعي المرور إلى الفعل الإجرامي، فالقانون الجنائيباعتباره علما معياريا بمعنى أنه يسطر القواعد التي تحدد الأفعال الإجرامية وما تستلزمه من عقاب أو من تدابير وقائية، فقد خص المشرع المغربي الطفل بحماية جنائية من الاعتداءات الجنسية من خلال تجريم هتك عرض القاصر في الفصل 484 من القانون الجنائي حيث اعتبر المشرع استعمال العنف ظرفا تشديديا في الفصل 485 إذ قد تصل العقوبة السالبة للحرية إلى عشر سنوات من السجن، إضافة إلى الفصل 392 الذي يجرم القتل العمد ويعاقب مرتكبه بالسجن المؤبد،إذ يعتبر كل من سبق الإصرار والترصد (الفصل 393) أو استعمال وسائل التعذيب أو ارتكاب الأعمال الوحشية لتنفيذ جناية (الفصل 399) ظريفين مشددين للعقوبة التي تصل إلى الإعدام، دون أن نغفل مضمون الفصل 474 الذي يؤكد على معاقبة الاختطاف، بالإعدام، إذا تبعه موت القاصر، و يلاحظ أن هنالك تعدد حقيقي للجرائم إذ أن كل فعل جرمي يشكل جريمة مستقلة في حد ذاته وبالتالي من المفترض أن يتم الأخذ بمبدأ العقوبة الأشد المتمثل في الإعدام.

والواقع أنه يصعب تنفيذ هذه العقوبة نظرا لعدة عوامل يمكن إيجازها في عاملين أساسين :

أولا – العامل التاريخي :

الجدير بالذكر أن آخر تنفيذ لعقوبة الإعدام بالمغرب كان في سبتمبر 1993 في قضية شهيرة باتت تعرف بقضية ” الحاج التابث “، وهنا تكمن الصعوبة بالنسبة للعدالة الجنائية التي لا شك في أنها ستطرح سؤالا آثار إحياء تنفيذ عقوبة الإعدام على الرأيالعام الوطني والدولي الذي يعنى بالشأن الحقوقي، خصوصا بعد مضي قرابة ثلاثة عقود، – كرونولوجيا – يمكن التعليق على هذا الموقف بالنكوص ليس بالمعنى السيكولوجيي، لكنه نكوص قانوني إن صح التعبير، علما أن القانون ذاته لا يمنع من تنفيذ عقوبة الإعدام احتكاما إلى مبدأ ” الأثر المستمر للقانون القديم ” الذي يدل على إمكانية توظيف قاعدة قانونية أو الاستعانة بها من قبل القضاء بالرغم من مرور مدة طويلة من الزمن مادام ليس هنالك قانون يلغيها بشكل ضمني أو بشكل صريح.

ثانيا – العامل الإيديولوجي :

يكمن العامل الإيديولوجي في تنامي مد التيار الحقوقي الذي ما فتئ يطالب بجملة من الحقوق لعل أبرزها ” الحق في الحياة ” وهذا مشروع فكري لم يقف عند فكر الأنوار حيث راهن على المذهب الحقوقي فقط، بل تعدى ذلك ليصل خلال القرن العشرين إلى اقتحام مجال السياسة الجنائية من خلال أعمال الفقيهلوك هوسلمان : Louk Huslman الذي دافع عن المذهب المؤيد لإلغاء عقوبة الإعدام والعدالة الجنائية ككل (Abolitionnisme) واستبدالها بالعدالة التعويضية والوساطة(La justice réparatrice et la médiation)، نشير أيضا إلى أن التيار الحقوقي يستند أساسا في دفاعه عن قضيته للمواثيق الدولية لاسيما المادة 3 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) والمادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)  وإلى مواقف منظمة العفو الدولية التي باتت تعترض بشكل صريح تطبيق عقوبة الإعدام.

لا شك في أن حماية الطفولة مقاربة متعددة المتدخلين شأنها شأن السياسة الجنائية الوقائية هذا إن لم تكن أحد محاورها الأساسية، لكن يبقىدور المسؤولية الوالدية في الوقاية من الاعتداءات الجنسية ضد الطفل أهم ما يمكن التأكيد عليه في هذا السياق إذ يمكن اختزال ذلك في توفير المناخ الملائم للحوار الأسري مع الطفل بشأن الأمور الجنسية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من الأمور العامة المستوجبة للنقاش على غرار مسألة التحصيل الدراسي، ممارسة الهوايات والواجبات الدينية […] والعمل أيضا (ما أمكن) على سد الحاجيات الفيزيولوجية والنفسية والاجتماعية للطفل كي لا تفضي به الأمورإلى توليد الحرمان بشتى أنواعه والمؤدي به إلى الانفتاح على الغرباء بغية التعويض مما قد يعرضه لخطر ما.

هذا بالإضافة إلى اليقظة والتبصر في ما يتعلق بجماعة أقرانه ونشاطاته سواء داخل أو خارج البيت  كما يتوجب على المدرسة أن تقوم بأدوارها التربوية وليس فقط التعليمية، وتنفتح على محيطها عن طريق معالجة قضايا الآفات الاجتماعية التي يعاني منها المجتمع والتوعية بخطورتها كالتعاطي للمخدرات أو امتهان الدعارة والعنف ضد الأطفال على سبيل المثال، حيث للمجتمع المدني أيضا كلمة يقولها وأدوار يضطلع إلى القيام بها من أجلتقليص الإجرام بشكل عام والاعتداءات الجنسية على الأطفال على وجه التحديد، دون أن نغفل أهمية الاعتناء بالصحة النفسية وهي مسؤولية تقع على عاتق القطاع الحكومي المعني بالصحة.

ختاما، يلاحظ أن هنالك إجماع حول إلى تشديد العقاب أقصى ما يمكن في حق الجاني نظرا لما ارتكبه من أفعال في حق الطفل الضحية، أما بخصوص تطبيق عقوبة الإعدام من عدمه فهذه المسألة تعود إلى القضاء الذي له أن يقدر العقاب حكما وتنفيذا وفق ما ينص عليه القانون الجنائي المغربي مع مراعاة حيثيات الجريمة وحجم الضرر الناتج عنها.

بعض المراجع المعتمدة :

  • QUESTIONS DE CRIMINOLOGIE | Jean Poupart, Denis La fortune, Samuel Tanner (2010), COLLECTION : PARAMÈTRES, PUM.
  • Christine Fidelle |La criminalité des malades mentaux (2010) mém. Master Dirigé par Yves Mayaud, université panthéon-assas
  • TRAITÉ DE CRIMINOLOGIE EMPIRIQUE |Marc Le Blanc et Maurice Cusson (2010), COLLECTION : PARAMÈTRES, PUM.
  • https://www.amnesty.org
  • https://www.justice.gov.ma
  • ظهير شريف رقم 1.59.413 صادر في 28 جمادى الثانية 1382 (26 نونبر 1962) بالمصادقة على مجموعة القانون الجنائي
قد يعجبك ايضا