الدكتور “إدريس النوازلي” يكتب حول: “أحكام وضوابط التحقيق الجنائي”

المعلومة القانونية

*إدريس النوازلي

  • دكتور في الحقوق​.

التحقيق الجنائي هو علم يخضع له سائر أنواع العلوم الأخرى، فهو له قواعد ثابتة راسخة وهي قواعد قانونية وفنية، وإذا كانت الأولى لها صفة الثبات التشريعي لا يملك قضاء التحقيق إزالتها بشيء سوى الخضوع والامتثال، فإن الثانية تتميز بالمرونة التي يضفي عليها قاضي التحقيق خبرته وفطنته ومهارته الكثير.

فالحقيقة ليس أسئلة وإجابات تدون، لكن فن ودراسة، خبرة وفراسة، صراع بين الحقيقة والخيال وبين الصدق والضلال، وبالتالي هي مقابلة بين فكر بشري للجاني مع فكر بشري يباشر من قبل المحقق الجنائي، بمعنى أن فكرة التغيير والتطور تبقى لازمة.

تعد القواعد العامة في تحرير محضر التحقيق من القواعد الإجرائية بحيث لا بد من تدوين ما يجري بالتحقيق ضمانا للمتقاضين تمكنهم من الرجوع إلىالمحاضر وعلى أساس بناء قوة الدفاع ونتلمس ذلك في وجوبية حضور الكاتب الذي عليه كتابة المحاضر بقلم أو وسيلة لا يمكن محوه أو إزالته بحيث لا يمكن الكتابة بقلم الرصاص وان كان القانون لم يشترط نوع مداد معين ولا المحررات فضلا عن ان اختيار العبارات والألفاظ يكون ذات معنى واضح لا تحتمل التأويل والتفسير.

✓ الأعمال التي يجريها قاضي التحقيق

لقد كان المشرع المغربي على صواب لما خول قاضي التحقيق بأن يفوض بعض الإجراءات التي هي في الأصل من محض اختصاصه عندما لا يتمكن من القيام به شخصيا ذلك أن سلطة القاضي المحقق مهما كانت ممتدة من الزاوية الترابية، فإنها لا تغطي دائما الامتداد المكاني الذي تطاله أعمال الجناة، و بذلك فإن بعض التحريات التي يريد أن ينجزها قد تتجاوز حدود اختصاصه المحلي، فضلا عن هذا فإن أكثر الملفات المعروضة على مكاتب قضاة التحقيق قد تدفعهم حتى في دائرة نفوذهم إلى طلب المعونة من جهات أخرى للقيام ببعض الأبحاث التي يرونها لمعرفة الحقيقة في القضايا المعروضة عليهم.

إن المراسلة التي يتقدم بها قاضي التحقيق إلىالضابطة القضائية الأجنبية في إطار ما نسميه بالإنابةالقضائية الدولية تعد عملا من شأنه قطع أمد التقادم فضلا عن أن تعيين الجلسات وإرسال التبليغات، أيمباشرة أعماله بدءا من المطالبة بإجراء تحقيق ورجوعا إلى الأعمال أو القرارات الإدارية كإيداع الأوراق إلىالنيابة العامة لإبداء رأيها هو قرار إداري غير قاطع للتقادم كذلك عمل الخبير وإن كان يساعد في كشف الحقيقة التي هي مسألة قضائية فلا يعد عمله قضائيا بل عمل إداري.

✓ قرينة البراءة

التحقيق الجنائي وإن كان يهدف إلى تحقيق العدالة فهو يتقيد بنظم قانونية، فالسرعة في انجاز التحقيق بالشكل الموضوعي كان الدافع بالمشرع إلى تحديد مدة الاعتقال الاحتياطي ولم يجعلها مطلقة.
فحق المتهم في الاستعانة بمحام الذي يعتبر من أهم الضمانات، فحضور المحامي فيه ضمان لسلامة الإجراءات فضلا عن جواز استعمال المتهم للكذب ولا شيء عليه بحيث لا يلزمه قاضي التحقيق بأن يقول الحقيقة أو التأثير عليه عن طريق الخديعة أو ما شابه ذلك.

تبقى قرينة البراءة قضية محورية على اختلاف الأزمان وهم الهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية زاد من انشغالات الحقوقيين بأن وضعت مبادئ من افتراض البراءة والحق في معرفة التهمة والحق في الصمت والحق في الاستعانة بمحامي.

يعتبر هذا الحق أثناء استجواب المتهم من قبل الشرطة ومن خلال مرحلة التحقيق والمحاكمة حتى ولو تعلق الأمر بجرائم خطيرة، إلا أنه لا يجب الخروج بذلك بنتائج سلبية ضد المتهم اعتبارا لصمته في المقام الأول إلا أن هذا الحق ليس مطلقا على اعتبار يجب الحسم في جميع ملابسات القضية كأن يرفض المتهم الجواب عن سبب تواجده بمسرح الجريمة.

بمعنى هذا أن على السلطات العامة خاصة النيابة العامة والشرطة أن تمتنع عن الإدلاء بأية تصريحات عن إدانة أو براءة المتهم قبل صدور الحكم كما انه أيضا على السلطات واجب منع أجهزة الإعلام الإخبارية أو غيرها من التنظيمات الاجتماعية القوية من التأثير على نتيجة الدعوى بمناقشة حيثياتها علانية. ولكن الحق في افتراض البراءة لا يتعرض للانتهاك إذا اطلعت السلطات الرأي العام على أنباء التحقيقات الجنائية وذكرت في سياق ذلك اسم المشتبه فيه أو أعلنت أنها قبضت عليه أو انه اعترف طالما لم يقترن هذا بأي تصريح يفيد بأنه مذنب. كما أن حق المرء في ألا يعترف على نفسه وما يترتب عليه من حق التزام الصمت إنما ينبعان من افتراض البراءة.

ويجب أن تبدأ الإجراءات الجنائية وتنتهي في غضون مدة معقولة تحقيقا للتوازن بين حق المتهم في مساحة زمنية وتسهيلات كافية لإعداد دفاعه وهي مسألة إلى حد ما صعبة لتحديد المدة الزمنية للملف كحد أقصى لارتباط ذلك بعدة فعاليات وتفاعلات مجتمعية. فالمحاكمة العاجلة في الدعاوى الجنائية مرتبط بالحق في الحرية و افتراض البراءة و حق المرء في الدفاع عن نفسه و الهدف من ضمان البت في مصير المتهم دون أي تأخير لا مبرر له و كذلك ضمان عدم المساس بحقه في الدفاع عن نفسه رغم انقضاء فترة زمنية مفرطة قد تتلاشى تفاصيل الوقائع من ذاكرة الشهود أو تتشوه أو قد يتعذر إيجادهم أو تتلف الأدلة الأخرى أو تختفي كما يهدف هذا أيضا إلى ضمان اختصار فترة القلق التي يكابدها المتهم خوفا على مصيره و المعاناة التي يقاسيها من جراء الوصمة التي تلحق به نتيجة اتهامه بارتكاب فعل جنائي رغم افتراض براءته و يجسد هذا الحق في سرعة المحاكمة في عبارة موجزة الحكمة القائمة أن العدالة البطيئة نوع من الظلم.

وقد تكون بعض المحاكمات يصل مداها لأكثر من عشر سنوات وقد لا توصف بالحكم البطيء فيما على العكس أن يكون أمد السنة بالنسبة لبعض القضايا وصفا بالبطء في الإجراءات والسبب في ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار بمسألة تعقيد القضايا من جهة إن على مستوى التحقيق لتعقيد الملابسات وخطورة الفعل الجرمي كالجرائم الاقتصادية لتشابك الفاعلين الإجراميين وعددهم الكبير كما يكون سلوك المتهم عائقا لتحقيق سرعة البت في القضايا كتقديمه للطلبات التي لا لزوم لها سوى لأجل التسويف والمماطلة.

إن احترام حقوق الدفاع يجد مناطه في قرينة البراءة كترجمة للقوانين التي أصبحت اليوم تشكل توازنا في علاقتها بالسلطة القضائية في إطار تكاملي وليس تناقضي وفي إطار الشرعية بدء من عمل الضابطة القضائية وقضاء التحقيق إلى الحكم النهائي على اعتبار أن في كشف المجرمين وردعهم تحقيقا للأمن القضائي وخلق التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة المجتمع.

فقرينة البراءة لا يمكن تكسيرها إلا بحكم يقضي بالإدانة، كما أن ازدواجية الوضع القانوني للمتهم تتجسد في الاتهام الذي يتناول المتهم إما بناء على طلب فتح تحقيق من قبل النيابة العامة أو بواسطة شكاية مباشرة الشيء الذي قد يجر المتهم إلى الاعتقال أو تدبير المراقبة القضائية التي قد تمس حريته ويتم تمتيعه بحقوق دفاع سلبية كحقه في الصمت بحيث لا يمكن إكراهه على الكلام وله أن يكذب ولا يسأل ما دام لا يؤدي اليمين وحق الدفاع بتنصيب محامي عنه.

ويرى البروفيسور العميد هوجناي في معرض تناوله حقوق الدفاع أمام قاضي التحقيق أطلق على هذه الحقوق تسمية الحقوق السلبية ولا يمكن للقاضي إخضاع المتهم للتعذيب أو إلزامه بحلف اليمين أو إكراهه على الكلام عن طريق الترغيب والترهيب أو اللجوء إلى التنويم المغناطيسي، أما حق المتهم في الاستعانة بمحامي فهو من حقوق الدفاع الايجابية.

وهذا الحق مرتبط بحق الاطلاع على الملف من قبل المتهم ومحاميه على اعتبار تحقيق التوازن بين النيابة العامة والمتهم ماعدا إفادات الشهود، مع الإشارة أن هناك تمايز بين أصحاب حق الإدلاء بالدفوع الشكلية وبين أصحاب الاطلاع، بحيث لم يخول المتهم حق الاطلاع وإنما لوكيله، وهو ما سنتطرق اليه في مناسبة لاحقة.

✓ مضمون قرينة البراءة

نعني بقرينة البراءة افتراض براءة كل فرد مهما كان وزن الأدلة أو قوة الشكوك التي تحوم حوله أو تحيط به فهو بريء بحيث ينبغي أن يتم التعامل معه على هذا الأساس طالما أن مسؤوليته لم تتثبت بمقتضى حكم صحيح ونهائي صادر عن القضاء المختص. والواقع، إن هذه القرينة تقرر بمضمونها ضمانة مهمة من ضمانات الحريات الشخصية للفرد ضد تعسف السلطة من جهة وضد انتقام المعتدى عليه. ويستوي في ذلك أن يتمتع المتهم سواء أكان مبتدئا أو محترفا أو ارتكب الجرم بالصدفة أو ألف الاعتياد.

وهذا يعني أن قرينة البراءة مفترضة وهو ما قررته الشريعة الإسلامية كأصل فمن المقرر في فقه الشريعة الإسلامية أن الحد عقوبة من العقوبات التي توقع ضررا في جسد الجاني وسمعته ولا يحل استباحة حرمة أحد أو يلام إلا بالحق. ولا يثبت هذا الحق إلا بالدليل القاطع الذي لا يتطرق إليه الشك، فإذا تطرق إليه الشك كان ذلك مانعا من اليقين الذي تبنى عليه الأحكام، ومن هنا فإن التهم والشكوك لا عبرة لها ولا اعتداد بها، لأنها مظنة الخطأ، ” وأن الظن لا يغني من الحق شيئا ” فالمقرر في الشريعة الإسلامية أن الأصل في الإنسان البراءة.

ومع ذلك فإن قرينة البراءة قرينة بسيطة يمكن إثبات عكسها، وبصرف النظر عن النقاشات الفقهية حول القرائن القانونية المنصوص عليها في القانون الجنائي من حيث استخدامها. فإنه يثار تساؤل فيما إذا كانت القرينة بشكل عام ميزة إجرائية أم أنها لتقرير وضع واقعي يراد منه الوصول إلى النتيجة الأساسية التي هي الحقيقة الواقعية التي تهم الدعوى الجنائية والمجتمع على حد سواء.

✓ نتائج قرينة البراءة

الهدف من التحقيق الجنائي هو تحقيق العدالة لجميع الأطراف، وما تقرير الضمانات للمتهم بمقتضى القانون والإجراءات، إلا من أجل اطمئنان المتهم والأطراف من إحقاق عدالة سليمة من الخلل، وأساس ذلك يتجلى في سرية التحقيق والتي تحرص عليها جميع القوانين الجنائية، والغاية من ذلك هو عدم الإساءة والتشهير بالمتهم قبل إدانته والحكم من قبل المجتمع وقد يمس هذا أسرته وعائلته، فضلا عن أن انتشار الشائعات يؤدي إلى التنبؤ بوقائع النازلة والمتابعة فيها، فيتصور الحكم مسبقا من المجتمع ويؤثر على القضاء.
ليس هناك من شك أن قرينة البراءة إنما هي تعبير عن وضع واقعي يسانده الواقع وتعززه الاعتبارات العملية، لا مجرد ميزة إجرائية فرضتها اعتبارات الفن القضائي، فمادام نسلم من جهة بان الشرفاء في المجتمع هم الأغلبية وأن الجريمة في المجتمع هي محض حادثة، كان لزاما أن نسلم بان افتراض براءة المتهم هو وضع واقعي يتطابق مع طبائع الأشياء ما دمنا نسلم بان المبادئ الديمقراطية في أي مجتمع حر تفترض الشرف في كل مواطن وجب اعتباره بريئا حتى يثبت العكس.

ومن جهة أخرى إذا كانت النفس الإنسانية أمارة بالسوء، فان هناك العديد من الموانع التي تلعب دورا مهما في منع تلك النفس من ارتكاب الشر عل نحو يجعل افتراض البراءة تعبيرا عن واقع تسانده تجربة الحياة بأكثر منها تعبيرا عن مشاعر طيبة، فالإنسان في المجتمع يعيش تحت سيادة الجزاءات الأربعة التي تتحكم في نشاطه، وهي الاستنكار الاجتماعي، الجزاء الديني، الجزاء المعنوي والجزاء السياسي أو الخوف من العقاب.
لكل شخص الحق في الحياة والحرية والعيش في أمان واطمئنان وهذه الحقوق أصلت لنتائج قرينة البراءة والتي هي على ضربين مباشرة وغير مباشرة.

✓ النتائج المباشرة لقرينة البراءة

يجب ألا يفهم من أن الجاني غير ملزم بإثبات براءته أن يبقى في حل من أمره، فمادام أن عبء الإثبات يبقى على عاتق النيابة العامة والمتضرر إن كان هو من قدم الشكاية المباشرة، وعليه متى كان الدليل ناقصا وجب التصريح بالبراءة كنتيجة مباشرة لكن هناك أيضا نتائج غير مباشرة لقرينة البراءة

✓ النتائج غير المباشرة لقرينة البراءة

قرينة البراءة تجد ملاذها في الحكم الصادر البراءة بحكم اكتسب قوة الشيء المقضي به، ولا يمكن الطعن فيه بإعادة النظر حتى ولو تضمن خطأ قضائيا خلافا إذا كان الحكم صادر بالإدانة فالخطأ القضائي لا يقبل تصحيحا إذا كان من شأنه أن يمس البراءة بمقتضى حكم حائز لقوة الشيء المقضي فيه، وهنا يجب أن نفرق بين مسألة التعويض التي أشار إليها الفصل 98 من قانون المسطرة الجنائية المغربي.

كما تستوجب قرينة البراءة افتراض تعلق قصد الجاني بارتكاب الجريمة الأقل جسامة طالما لم يقم الدليل على تعلق قصده بغيرها و من جهة أخرى يترتب على قرينة البراءة وجوب الإفراج في الحال عن المتهم المعتقل احتياطيا إذا كان الحكم صادرا بالبراءة أو بعقوبة أخرى لا يقتضي تنفيذها الحبس أو إذا أمر في الحكم بوقف تنفيذ العقوبة أو إذا كان المتهم قد قضى في الحبس الاحتياطي مدة العقوبة المحكوم بها بصرف النظر عن الطعن في الحكم من عدمه و بالمقابل يظل المحكوم عليه الذي كان مطلق السراح قبل صدور الحكم الابتدائي عليه بالإدانة مطلق السراح مؤقتا خلال الميعاد المقرر للطعن و أثناء نظره و ذلك في الحدود التي يوجب فيها القانون وقف تنفيذ الحكم.

وجاء في المادة 98 من القانون المذكور ما يلي: ” إذا صدر أمر بعدم المتابعة بعد فتح تحقيق بناء على طلب من الطرف المدني وأصبح نهائيا، فيمكن للمتهم ولكل الأشخاص المشار إليهم في الشكاية، أ ن يطلبوا من المشتكي تعويضهم عن الضرر أمام المحكمة المدنية دون الإخلال بحقهم في متابعته بالوشاية الكاذبة.”
إن قرينة البراءة هي التي تقف بطريقة غير مباشرة سببا في حرمان المطالب بالحق المدني من رفع دعواه المدنية بالتبع للدعوى الجنائية أو تقييد حقه في هذا الرفع. فالمضرور من الجريمة لا يمكنه في بعض الأنظمة القانونية كالنظام الانجليزي أن يقيم نفسه مدعيا بحقوق مدنية أمام القضاء الجنائي و لا يجد هذا الحرمان منطقه من مجرد اعتبارات التنظيم القضائي في انجلترا، و إنما كذلك من اعتبارات أخرى تفسرها قرينة البراءة، إذ ينبغي أن تتفرغ المحكمة بوعيها كلية للدعوى الجنائية و اعتبارات شرف المتهم و حريته، دون أن تسمح بإدخال اعتبارات التعويض المدني بما قد يكون وراءه من ضغائن أو كراهية أو رغبة في الابتزاز و انتهاز لنظام الإثبات في المواد الجنائية و تعطيل في النهاية للدعوى. هذه الاعتبارات كانت هي نفسها التي تقف وراء القيود التي وضعها القانون المصري والفرنسي على حق المضرور في رفع دعواه المدنية أما المحاكم الجنائية سواء فيما يتعلق باشتراط أن يكون الضرر شخصيا وناشئا عن الجريمة مباشرة أو في إعطاء المحكمة سلطة عدم قبول الدعوى إذا رأت أن تدخل المدعي بالحقوق المدنية سوف يترتب عليه تأخير الفصل في نظر الدعوى.

ويعد المتهم معفى كأصل من براءته وإنما تلتزم به كل من النيابة العامة والمتضرر تبعا باعتبار هذا التطبيق البسيط لقرينة البراءة، وهنا يثار تساؤل هل فعلا يقع عبء الإثبات كليا على النيابة العامة أم أن للمتهم دور ايجابي في الدعوى الجارية ضده كمتهم؟

إن فهم مضمون قرينة البراءة يتضمن أمرين أحدهما سلبي أي إعفاء المتهم من إثبات براءته لأنها الأصل وآخر ايجابي متى سنحت له الفرصة على تفنيد ادعاءات وإثباتات الخصم وهذا لا يعني أن نقلص من قيمة قرينة البراءة بل أن المتهم له الحق في الإنكار وله الحق في الصمت وله الحق الكذب أيضا ولا شيء عليه، فضلا عن أن القاعدة القانونية الشك يفسر لصلح المتهم.

✓ مكونات قرينة البراءة

حقيقة أن النيابة العامة وقضاء التحقيق يملكان سلطة الاتهام مما يفيد أن البحث الذي تجريه الضابطة القضائية يجعل المتهم مشبوه فيه وإن اعترف بالجريمة، هذا ما يجعل أعمال البحث التمهيدي تختلف عن أعمال التحقيق الإعدادي الذي تعتبر إجراءاته دقيقة ضمانا لحقوق المتهم وتحفظ حريته باعتماد الشكليات المقررة قانونا، كل ذلك سنحاول مناقشته في عجل من خلال النقط أدناه.

➢ المساحة الزمنية

يتوقف تحديد الوقت الكافي لإعداد الدفاع على طبيعة الإجراءات وملابسات الوقائع في كل دعوى ومن العوامل التي تحكم هذا مدى تعقد الحالة ومدى إمكانية اطلاع المتهم على الأدلة والاتصال بمحاميه والحدود الزمنية المقررة في نص القانون فإن كان المتهم يعتقد بأن الوقت المتاح له لإعداد دفاعه لم يكن كافيا فإن من الواضح أن المشرع قد كفل للمتهم في هذه الحالة أن يطلب تأجيل نظر الدعوى للاستعداد

➢ الحق في النظر المنصف للقضايا

هو منصوص عليه في عدد من الحقوق مثل افتراض البراءة ودون الإبطاء في المحاكمة الحق في إعداد الدفاع إلا أن الحق في المحاكمة العادلة أوسع من مجموع الضمانات الفردية ويتوقف على الطريقة التي أديرت بها المحكمة بأكملها.

➢ المساواة بين الدفاع والادعاء

ونعني بذلك تكافئ الفرص بين طرفي الدعوى مع المراعاة في جميع مراحل الدعوى وذلك على مستوى الإجراءات وعرض الحجج

➢ افتراض براءة المتهم

لكل فرد الحق في أن يعتبر بريئا أثناء المحاكمة باعتباره بريئا إلى أن يصدر الحكم بإدانته وفقا للقانون في سياق محاكمة عادلة تتفق على أقل تقدير مع الحد الأدنى للشروط الأساسية المقررة للعدالة ويجب أن يظل افتراض البراءة قائما ما لم يصدر هذا الحكم. ولا ينطبق الحق في افتراض البراءة على معاملة المتهم في المحكمة وتقييم الأدلة فحسب بل ينطبق أيضا على معاملته قبل المحاكمة فهو ينطبق على المشتبه فيهم قبل اتهامهم رسميا بارتكاب أية جريمة تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة ويستمر هذا الحق قائما إلى أن يتم استنفاذ جميع طرق الطعن.

ولا يجوز إكراه أي شخص يتهم بارتكاب فعل جنائي بأن يشهد على نفسه أو يقر بذنبه ويتفق هذا الحظر مع مبدأ افتراض البراءة الذي يضع عبء الإثبات على الادعاء ومع حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية. وحظر إكراه المتهم على الشهادة ضد نفسه أو الإقرار بذنبه مبدأ عريض فهو يمنع السلطات من القيام بأي شكل من أشكال الإكراه سواء بشكل مباشر أو غير مباشر بدني أو نفسي كما أنه يحظر استخدام التعذيب أو المعاملة القاسية مع احترام الكرامة الإنسانية.

انتهى بحمد الله وقوته

قد يعجبك ايضا