للتحميل.. “مساهمة اللاتركيز الإداري في فعالية التدبير العمومي” رسالة لنيل دبلوم الماستر

مقدمة 

عرفت الإدارة المغربية في السنين الأخيرة تحولات مهمة ، في مهامها ووظائفها، الشيء الذي انعكس بشكل طبيعي على تطور وظائف الدولة ، فهذه الأخيرة لم تعد تقتصر فقط على القيام بوظائفها التقليدية ، بل تطور دورها كذلك لمواجهة الحاجات المستحدثة للمجتمع، فأصبحت تتدخل في مجالات كانت حكرا على النشاط الفردي وبذلك أصبحت تتحمل عبء الخدمات الاجتماعية العامة ، كما أصبح دورها في المجال الاقتصادي أكثر من مجرد الإشراف والتنظيم ، فوقع عليها واجب التنمية الاقتصادية و الاجتماعية .[1]

ولبلوغ هذه التنمية يستلزم تطبيق سياسة اللاتمركز الإداري ، وذلك بسبب التوسع الاقتصادي و الصناعي والاجتماعي وكذا ظهور قضايا يجب حلها بعين المكان دون الرجوع إلى المركز . ويعتبر المغرب من بين الدول التي اعتمدت تقنيتي اللامركزية و اللاتركيز لتدبير الشؤون الإدارية الداخلية .

و بالنظر إلى إمتداد النشاط الإداري إلى مستويات متعددة من مراكز القرار في مختلف الجهات فإن عدم التمركز الإداري يتطلب وفقا لذلك ، إقامة عدد متزايد من مراكز القرار في مختلف المناطق التي تتولى إدارة مختلف المصالح والمراكز الاقتصادية والاجتماعية بكفاءة عالية و بأقل التكاليف المالية ، مع ضرورة الحرص على ممارسة هذا النشاط الإداري على أساس من التجانس من أجل الحفاظ على وحدة العمل وفاعليته بالنسبة لكل الأجهزة الإدارية وفي مختلف المستويات الإدارية [2]،  وقد إبتدأ هذا التغيير في عهد الحماية

( 1912-1955)  فقد عمدت سلطات الحماية على إدخال عدة إصلاحات على الجهاز الإداري ، وشملت مستويين أولا مركزي وثاني ترابي .  فعلى المستوى المركزي فقد توسعت الإدارة المركزية في عهد الحماية و أضيفت مديريات جديدة لم تعرف قبل في المغرب ، وذلك للنهوض بمجموعة من الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية و الثقافية.

وعلى المستوى الترابي فقد تم خلق مرافق خارجية للإدارات المركزية على مستوى التراب الوطني تقوم بتنفيذ القرارات المتخذة على الصعيد المركزي . وفي هذه الفترة بالذات يمكن الحديث عن بوادر حقيقية للاتركيز الإداري ويتجلى ذلك في ترسيخ ‘’ الناحية ‘’ أو ‘’الجهة’’ كإطار للاتركيز الاداري.

و بالتالي فإن الغاية من اللاتمركز الإداري هو وسيط بين الإدارة المركزية و الإدارة الترابية ، وعليه فإن ملامح اللاتمركز الإداري قد بدأت مع عهد الحماية ، والتي تجلت أساسا في خلق مديريات جديدة ومصالح خارجية لها ، إلا أن سلطات الحماية لم تكن تستهدف من وراء هذا الأسلوب إصلاح التنظيم الإداري بالمغرب بقدر ماكان غرضها إحكام سيطرتها على البلاد.

والمتتبع للمسار السياسي للدولة المغربية يلاحظ أنها تبنت نظام الوحدات الإدارية المركزية و اللامركزية وذلك منذ صدور أول  دستور مغربي سنة 1962 حيث أصبح المغرب من بين الدول الذي يعتمد على المستويات الدستورية القائمة على نظام سياسي يتبنى تقسيما إداريا مركزيا وجهويا ومحليا ، وقد شكلت سنة 1996 مرحلة جديدة من مراحل التنظيم الإداري ، حيث تم خلق مستوى إداري جديد أو إطار اللاتركيز الإداري ، يلعب دور الوساطة بين السلطة المركزية و الإدارة الترابية ، وهذا الاطار هو العمالة أو الإقليم بإعتباره بداية الاهتمام بأسلوب اللاتركيز الإداري ، لتتوالى بعد ذلك سلسلة من الإجراءات التنظيمية المنظمة لأسلوب اللاتركيز الإداري ، بداية بالميثاق الجماعي الجماعي لسنة 1976 مرورا بالظهير الشريف بمثابة قانون المتعلق بإختصاصات العمال.[3] ثم مرسوم 20 أكتوبر 1993 المتعلق بعدم التركيز الإداري الذي ينص على توزيع الاختصاصات بين الإدارة المركزية و المصالح الخارجية ، وكذا إنشاء اللجنة الدائمة لعدم التركيز . وليعزز نظام اللاتركيز الإداري بدسترة الجهة كجماعة محلية بموجب الفصل 100 من دستور 1996 .

و أصبحت للاتركيز الإداري أبعاد تنموية تجسدت في الرسالة الملكية السامية الموجهة للوزير الأول في موضوع ‘’  التدبير اللامتمركز للاستثمار ‘’ ، وما تضمنته هذه الرسالة من تفويض السلط لولاة الجهات في مجال الاستثمارات .[4]  و مع مجيء الدستور الجديد لسنة 2011 سيكرس طفرة نوعية في التأسيس للمجال الإداري و لدسترة مجموعة من المبادئ و المعايير لحكامة التدبير العمومي بالمغرب ، كما أن القوانين التنظيمية الخاصة بالجماعات الترابية هي الأخرى جاءت متممة لما رسخه الدستور فيما يخص تطوير الإدارة وتدعيم سياسة اللاتمركز الإداري ، عبر الحديث عن الدور الذي يلعبه العمال والولاة في التنسيق بين المصالح اللاممركزة .

ومن هنا فإن الأساس من سياسة اللاتمركز الإداري ، يقترن بمبدأ تفويض سلطة القرار في ميادين متفاوتة النطاق لأعوان الدولة المحليين الذين يخضعون للسلطة التسلسلية للأجهزة المركزية ، وذلك عبر ميكانيزم إعادة توزيع الصلاحيات داخل إدارة الدولة إنطلاقا من المستوى المركزي إلي المستوى المحلي .

و مع تأكيد جلالته في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الاولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان يوم 13 أكتوبر2017 ، على أن تحقيق الأهداف المتوخاة من الجهوية المتقدمة رهين بصدور ميثاق متقدم للاتمركز الإداري وتحديد برنامج زمني دقيق لتطبيقه .[5]  وبناءا عليه صدر مرسوم رقم 2.17.618 الصادر في 18 من ربيع الأول 1440 الموافق ل 26 ديسمبر 2018 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري , والذي يحدد أهداف ومبادئ اللاتمركز الإداري ، وأليات تفعيله ، وقواعد توزيع الاختصاصات بين الإدارات المركزية و هذه المصالح ، والقواعد المنظمة للعلاقات القائمة بينها من جهة ، وبين ولاة الجهات وعمال العمالات والاقاليم من جهة أخرى .

ويعد اللاتمركز الإداري كإحدى صور المركزية و كلازمة أساسية لقيام نظام جهوي إيجابي وفعال يستجيب لضرورات التدبير العقلاني الرشيد ، مما ينعكس إيجابا على فعالية النشاط الإداري والرفع من مردوديته وذلك من خلال تحسين الوظيفة الإدارية لمختلف المصالح الخارجية للإدارة اللامركزية ، وتبعا لذلك فإن ربط اللاتمركز الإداري بتحديث التدبير العمومي راجع أن الدولة أصبحت تهتم بالجانب التدبيري سواء للشؤون الإدارية أو للساكنة ، وسعت لذلك بوضعها لمجموعة من الأساليب التي تساعد على القيام بذلك .

إن موضوع بحثنا ‘’ مساهمة اللاتركيز الداري في فعالية التدبير العمومي ‘’ يوحي لضرورة ترسيخ سياسة اللاتمركز الإداري ، وذلك من أجل حل أزمة المركزية المفرطة ، و بالتالي تكريس مبدأ تقريب الإدارة من المواطن بشكل يحقق حاجياته و متطلباته الأساسية ، كما أن لهذه السياسة إذا تم منحها الموارد المالية والبشرية أن تكون كفيلة بتجاوز العوائق التي تعتري التدبير العمومي .

إن تناول أي موضوع بالدراسة والتحليل من الناحية المنهجية يقتضي من الباحث تحديد المفاهيم المكونة له ، وذلك لتجنب التيه و النفاذ إلى الموضوع بشكل أدق ، وهذا ما سنعرج نحوه .

المفاهيم 

يتكون العنوان من عبارتين أساسيتين : اللاتمركز الإداري ، التدبير العمومي ، بالإضافة إلى عبارتي مساهمة في تفعيل، واللتان تحيلان في هذا السياق على وسيلة لتطور وتجديد اللاتمركز الإداري للتدبير العمومي ، وسنفصل ذلك كالتالي :

اللاتمركز الإداري : يمكن القول أن أغلب فقهاء القانون الإداري إتخذوا نفس المنحى في تعريفهم لسياسة اللاتمركز الإداري حيث تحدد هذه الأخيرة على أنها أداة من أدوات تحقيق وطأ النمط المركزي في التدبير وتجسد أسلوب متقدم منالتنظيم الإداري الذي يقتضي توزيع السلطات الإدارية بين الحكومة المركزية و ممثليها على الصعيد المحلي ، مع بقائهم تابعين للحكومة في ما يخص التعيين و الرقابة و الإشراف .

و يمكن إجمال المصطلحات التي تداولها الفقه الإداري بخصوص هذا الأسلوب في المصطلحات التالية : نظام اللاحصرية ، أسلوب المركزية النسبية أو الجزئية، اللاوزارية.[6]

التدبير العمومي : إن التدبير العمومي كمفهوم هو مجموعة وسائل سياسية وإدارية من أجل تحقيق أهداف معينة على المستوى الاقتصادي و الاجتماعي والسياسي … فهو يعني أيضا في مجمله الحرية في التصرف و المغامرة زيادة على رصد الأهداف والسعي نحو الوصول إليها ولا يعبر أي إهتمام للمخاطر عكس الفعل الأداري الصادر عن الأدارة بالمعنى التقليدي لمفهوم التسيير Gestion ، فبهذا المعنى الأخير هناك توخي للحذر سواء في الفعل أو القرار وعدم الحرية في النظرإلى الأشياء بحيث يكون الرجوع إلى السلطة العليا في الهرم الإداري هي السمة الغالبة ، مما يجعل قراراتها مبنية على جهل ولا تتسم بالوضوح بشكل مختصر ، فالتدبيرالعمومي يقتضي عقلية مبادرة و جريئة ، وليس عقلية دفاعية ، فهو يقتضي تكامل البنيات المؤسساتية من أجل تلبية رغبات المستفيدين وذلك بأقل تكلفة وفي إحترام تام للتنظيمات المعمول بها قانونا أخذا بعين الإعتبار المبادئ الأساسية المبني عليها المرفق العام .[7]

أهمية الموضوع 

إن أهمية الموضوع تكمن في رصد العلاقة بين اللاتمركز الإداري بالتدبير العمومي ، على إعتبار أنه ألية من أليات التدبير العمومي وكيف يساهم في فعاليته، وعلى الرغم من الإنطباع الذي يوشح في ذهن القارئ على أن موضوع اللاتمركز الإداري بالمغرب هو موضوع مستهلك تناولته كتابات الباحثين والمتخصصين في المجال إلا أنه يبقى لكل بحث أهميته وخصوصيته بالنظر لإختلاف زاوية الدراسة التي يرصدها .

ومن تم سوف نحاول في إطار بحثنا هذا ، أن نسلط الضوء على أهم مرتكزات اللاتمركز الإداري ، من خلال التطرق لأهداف ومبادئ اللاتمركز الإداري ، واليات تفعيله ، و قواعد توزيع الاختصاص بين الإدارات المركزية وهذه المصالح ، و القواعد المنظمة للعلاقات القائمة بينها من جهة ، وبين ولاة الجهات وعمال العمالات و الأقاليم من جهة أخرى . وكذا دور الفاعلين العموميين على مستوى التدبير العمومي ، بإعتباره مجموع التدخلات التي تقوم بها الدولة سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي ، وكيف يساهم اللاتمركز الإداري في عقلنة و تحديث التدبير العمومي .

 دواعي إختيار الموضوع

ويستند إختياري لموضوع ” مساهمة اللاتركيز الإداري في فعالية التدبير العمومي ” لعدة دوافع منها ماهو ذاتي ومنها ماهو موضوعي .

فالبنسبة للدوافع الذاتية : التي جعلتني أختار هذا الموضوع كعنوان لرسالتي ، فتتجلى أساسا في ميولي الخاص لدراسة المواضيع التي لها إرتباط بالشق التدبيري خصوصا من الناحية الأدارية .

أما فيما يخص الدوافع الموضوعية : فهي إبراز أهمية اللاتركيز الإداري ، ومدى مساهمة توزيع الإختصاصات بين الإدارات المركزية و المصالح اللاممركزة في فعالية التدبير العمومي .

إشكالية البحث 

إنطلاقا مما سبق التطرق إليه ، مع أنه من المعلوم أن أصعب ما يواجه الباحث في كتاباته هو تحديد إشكالية واضحة لموضوع بحثه بإعتبار أن الإشكالية هي التي تشكل قاعدة بناء أي بحث كيفما كان نوعه ، وتماشيا مع هاته القاعدة فإن الإشكالية التي سأقوم بمعالجتها هي كالتالي :

‘’ إلى إي حد يساهم اللاتمركز الإداري بإعتباره الية لتكريس الفعالية الإدارية القائم على تقوية وظائف الإدارة الترابية و توسيع أدوارها التنفيدية بشكل ينسجم مع تنامي مسار اللامركزية في تحديث التدبير العمومي ؟     ‘’

ويتفرع عن هذه الإشكالية العامة مجموعة من الأسئلة الفرعية ، والتي يمكن إجمالها فيما يلي :

  • ما هي مرتكزات و مبادئ اللاتمركز الإداري ؟
  • ما هو الدور الذي يلعبه رجال السلطة من أجل تدعيم هذه السياسة ؟ و ما هي الاليات الكفيلة بإنجاحها ؟
  • ما هي المشاكل و العوائق التي تعترض تطبيق سياسة اللاتركيز ؟
  • ما هو دور اللاتمركز الإداري كالية للإصلاح الإداري في فعالية التدبير العمومي و تحقيق تدبير جيد وناجع ؟

منهجية الإشتغال 

لمعالجة هذا الموضوع إرتأينا أن نقوم بدراسته من خلال مقاربة قانونية ، وعليه سيتم تحليل النصوص القانونية المؤسسة للاتمركز و الوقوف على أدوار كل المتدخلين في سياسة اللاتمركز الإداري وكذا الاليات التي تساهم في تحديث التدبير العمومي . مع الإستعانة ببعض المناهج كالمنهج المقارن و المنهج البنيوي.

و لدراسة هذا الموضوع و لمحاولة الإلمام بجوانبه ، و للإجابة عن هاته الإشكالية و الأسئلة المتفرعة عنها سنقوم بمعالجة الموضوع وفق التصميم التالي :

  • الفصل الأول : الإطار القانوني والمؤسساتي للاتمركز الإداري .
  • الفصل الثاني : اللاتمركز الإداري وميكانيزمات تحديث التدبير العمومي .

[1] عزيز مفتاح : اللامركزية من التسيير الاداري إلى تدبير التنمية ، اطروحة لنيل الدكتوراه في القانون العام ، كلية  الحقوق أكدال ، الرباط 2000/2001 ، ص 41

[2]  عبد الفتاح بجيوي : مؤسسة الوالي و العامل وافاق عدم التمركز الاداري بالمغرب ، المجلة المعربية للادارة المحلية و التنمية ، سلسلة مؤلفات و أعمال جامعية ، العدد 100 ، سنة 2014 ، ص26

[3]  ظهير شريف بمثابة قانون رقم 1.75.163 بتاريخ 23 صفر 1397 الموافق 5 فبراير 1977 المتعلق باختصاصات العمال .

[4]  الرسالة الملكية السامية الموجهة للوزير الاول بتاريخ 24 شوال 1422/9 يناير 2002 في موضوع التدبير اللامتمركزللاستثمار .

[5]  الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الاولى من السنة التشريعية الأولى من الولاية التشريعية العاشرة للبرلمان يوم 13 أكتوبر2017

[6]  راجي محمد : عدم التركيز الإداري بالمغرب ، أطروحة لنيل ادكتوراه الدولة في الحقوق ، سنة 2001 ، ص59

[7] : MOHAMED FE NIOUI : la problematique de la gouvernance dans le management public : cas de tunisie et du maroc , revue d’audit et de developpement , n :19

للتحميل إضغط هنا

قد يعجبك ايضا