تعليق على المادة 290 من قانون المسطرة الجنائية

المعلومة القانونية

*سعيد شرو

  • خريج ماستر القانون الدولي الخاص والهجرة

لا شك في أن جل الأنظمة القانونية في العالم اولت اهتماما وعناية كبيرة في تنظيم عمل الضابطة القضائية وعلاقتها بالنيابة العامة لغاية ضبط المجتمع من اي انحراف قد يهدد سلامة الأشخاص وممتلكاتهم، ولعل جل الدول القائمة على الحق والقانون سعت في قانون المسطرة الجنائية بشكل جلي إلى تكريس تحقيق الامن والسلم الإجتماعي و توفير محاكمة عادلة ترتكز اساسا على احترام حقوق الإنسان… وفق مبادئ لعل اسماها حقوقيا قرينة البراءة التي تعتبر دائما الشخص المتابع بريئا الا ان تثبت إدانته ومعتقلا إلى أن تثبت براءته حسب تباين الحالات وخطورة الأفعال بموجب حكم قطعي نهائي يتمتع بقوة الشيء المقضي به.

ولا يخفى على الباحثين عامة والمتخصصين في العلوم الجنائية خاصة أن القانون الجنائي بشقيه الموضوعي والشكلي له آثار خطيرة على حرية الأفراد المعتبرة حقا كونيا ومصونا مالم يطبق بحكمة ومنطق استمرارية لحمة المجتمع وتآزره لا لغاية الإنتقام والعقاب علة ان العقاب وإن اسعف في تحقيق الردع العام والخاص فهو لا يرجع الحال لما كان عليه قبل ارتكاب الفعل الشاذ المعاقب عليه بموجبه.

ولن نخوض في تفاصيل أخرى بل سنركز على الفصل 290 من قانون المسطرة الجنائية المغربي وفق منطوقه “المحاضر والتقارير التي يحررها ضباط الشرطة القضائية في شأن التثبت من الجنح والمخالفات، يوثق بمضمونها إلى أن يثبت العكس بأي وسيلة من وسائل الإثبات” إن قارئ الفصل لا بد أن يشعر بشيء من عدم التوازن بين المتقاضين، ولعل اول ما يتبادر للذهن المحاكمة العادلة والتوازن بين المتقاضين بغض النظر عن الفعل المرتكب والشخص الذي ارتكبه، ولنا تساؤلات قانونية محضة كيف يمكن إقناعنا سلفا بالوثوق بالمحاضر والتقارير المنجزة من قبل ضباط الشرطة القضائية في شأن الجنح والمخالفات وغير ذلك في الجنايات التي تستوجب تحقيقا لإجباريته وفق القانون ولا يعتبر المحضر سوى وثيقة وحجة عادية؟ وكيف يعتبر تصريح المتقاضي موثوقا به ضد نفسه ؟؟ ومعلوم أن الاعتراف سيد الأدلة إذا ما استثنينا على سبيل المثال القانون الجنائي الأمريكي الذي يناقش جل وسائل الإثبات والنفي دون مبالاة لإعتراف مرتكب الفعل الجرمي، وفي نفس السياق في إسبانيا حسب الفصل 297 من قانون المسطرة الجنائية إذ تعد محاضر الضابطة القضائية بمثابة شكاية وحجة كباقي الحجج كما يحضر من قام بتحرير المحضر والمعاينة يوم الجلسة المقررة لتقديم شروحات حول ما ورد في المحضر والإجابة عن تساؤلات هيئة الدفاع والقضاء و المطالبين بالحق المدني، علما انه لا يمكن إطلاقا أن يشهد الشخص ضد نفسه وهو مبدأ عالمي، أليس نفس الصفة “ضابط شرطة ” في الحالتين معا؟ ربما يتيه القانونيون في هذه المسألة لان لا منطق فيها، والأمر ليس فيه تبخيس للمجهودات الجبارة التي يقوم بها ضباط الشرطة القضائية أثناء مزاولتهم لمهامهم ورعايتهم لحماية المجتمع و ضبط امنه والمساهمة في إستقراره بقدرما هو تحليل شخصي قانوني متواضع لطالب باحث يلزمه وقابل للنقاش والتعديل.

وعندما نتكلم بعقلانية قانونية و نحاول في استحضار روح القانون في التنزيل يتبين أن النص أعلاه يرجح طرف على طرف، كيف يمكن لشخص معتقل ان يثبت براءته!! علما ان الحل الوحيد هو الطعن بالزور وصعب إثباته “بصعوبة إيجاد وسيلة تثبت عكس ما جاء في المحضر” .. لعقوباته الثقيلة على مرتكبه من تجريد من الحقوق المدنية والوطنية وسجن قد يطول أو يقصر حسب الفعل المدان به والسلطة التقديرية للقضاء، إن القانون يجب أن يصاغ بدقة كي لا يساء لممارسه ويحفظ كرامة المطبق عليه، كما أن الأحكام القضائية عنوان الحقيقة و تصدر باليقين وليس الشك المفسر لصالح المتهم.

يجب استحضار هنا انه أهون علينا ترك مرتكب فعل يخرق به القانون طليقا أو فارا من العدالة على أن نقوم بسجن شخص بريئ.

« il vaut mieux hasarder de sauver un coupable que condamner un innocent » Voltaire.

دون الحديث عن آثار متابعته على صحته النفسية ووسطه الأسري و الإجتماعي، وإذا ما قرر القضاء براءته اليست إدانة للدولة !!واستنزاف وإرهاق لخزينتها!!.

إن مغرب اليوم اي ما بعد 29 يوليوز 2011 شاء الله له اختيار دستور قائم على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، واكتسب به المغاربة ضمانات حقيقة و فعلية، وتبعا لموضوعنا تبنى المغرب في القانون الجنائي الإجرائي طبيعة اتهامية تتيح للمتابع جميع الضمانات لتحقيق محاكمة عادلة وبه لم يعد للنظام التنقيبي التفتيشي المعمول به سابقا اي مجال في قانون المسطرة الجنائية المغربي.

إن هذه الأسطر المتواضعة تعتبر لمحة بسيطة للتأمل في عدد من الأشياء التي لها تأثير على طبيعة النظام الجنائي والتوازن القائم بين المصلحة العامة والخاصة، ولا يسعنا في الأخير إلا ان نستوعب التوجيهات الملكية السامية والتقاط الإشارات في كل خطاب من قبيل تغيير العقليات و تخليق الإدارة والحفاظ قدر المستطاع على لحمة المجتمع وصونه.

صحيح أن هناك إكراهات واقعية وقانونية، ولكن أصح منه ضمان تطبيق القانون بماهيته والمأمول منه لتحقيق العدالة دون تضارب مع حقوق الإنسان والحريات العامة والسهر على التقائيتهما.

قد يعجبك ايضا