الدكتور “عبد العزيز الأحمدي”، يكتب حول: “أحكام القنص في القانون المغربي”

المعلومة القانونية

*عبد العزيز الأحمدي

دكتور في الحقوق / باحث في القانون العام

الموقع الجغرافي للمغرب وتنوع طبيعته سمح بنمو وازدهار وحيش متنوع وغني، كما يعتبر منطقة مفضلة لعبور عشرات الملايين من الطيور المهاجرة من أوربا نحو إفريقيا ذهابا وإيابا، وبذلك يعتبر المغرب موطنا للقنص وجلب القناصين الأجانب، ويعتبر القنص حق من حقوق الشخص يجب كفالته له وحمايته متى توفرت فيه الشروط الضرورية، ومتى احترم القوانين المنظمة لهذا الحق([1]).

ويعرف القنص([2]) بأنه البحث والمطاردة والقبض على الوحيش، وتكون كل هذه العناصر الثلاثة مجتمعة أو على انفراد الفعل الذي نسميه القنص، ويختلف القنص عن الإبادة التي تعرف على أنها محاربة وإتلاف الحيوانات الضارة، أو التي أصبحت مضرة قصد التخفيف من الأضرار المادية التي تلحقها، وهي ليست عملية قنص، والإبادة تمارس بدون التزام أو قيود كعملية القنص، والقانون المغربي حدد أنواع الحيوانات الضارة والتي أصبحت مضرة، وكيفية إبادتها، ومن له الحق في إبادتها؛ ويقع فعل القنص على الوحيش الذي يسمى بالطريدة؛ والطريدة هي كل حيوان لا مالك له من النوع المتوحش، يعيش حرا في الطبيعة والذي نمتلكه بقنصه عادة، لأجل لحمه أو جلده أو لمجرد الهواية([3]).

ونظرا لأهمية الثروة الحيوانية وتطور محيط الإنسان على حساب البيئة والتقلبات المناخية التي غالبا ما تزداد سوءا، أصبحا يفرضان مزيدا من الاهتمام  بهذا القطاع الحيوي لضبط ممارسة القنص بهدف المحافظة على الأحياء البرية التي تعاني من ضغط بشري شديد يهدد حياة العديد منها، حيث أن أكثر من ألف نوع من الفقريات قد تكون مهددة بالانقراض، إذ تبين بعض الإحصائيات أن المغرب فقد العديد من الثدييات والطيور البرية([4])، فقد عمل المشرع المغربي على تقنين ممارسة القنص في إطار الموازنة بين الحق في القنص والحق في الحياة بالنسبة للطريدة أو الوحيش؛ فأين تتجلى هذه المعادلة في التشريع المغربي للصيد البري؟

أولا:  الإطار القانوني لممارسة القنص بالمغرب

لقد تم تقنين ممارسة القنص بالمغرب قبل أن يطرح مشكل الأحياء البرية بالحدة الحالية، فمباشرة بعد استتباب الأمن للحماية الفرنسية في بعض المناطق، بدأت الخطوات الأولى لتنظيم القنص.

فبمناسبة إصدار السلطان لظهير 16 فبراير 1915 الذي فوض بموجبه للصدر الأعظم السلطة المتعلقة بأمن البادية، صدر قرار بتاريخ 17 فبراير 1915 يتكون من ستة فصول، وضع اللبنة الأولى لتنظيم هذا النشاط؛ وبناء على تفويض آخر من السلطان بتاريخ 21 يوليوز 1916 يتعلق بالشروط اللازمة لممارسة القنص، وقع الصدر الأعظم بتاريخ 9 غشت 1917 قرارا آخر، يحل محل القرار الأول، وينظم القنص بصفة دائمة، حيث أخذت أغلب أحكام هذا القرار من القانون الفرنسي.

بعد حوالي ست سنوات، صدر ظهير 6 ذي الحجة 1341 موافق 21 يوليوز 1923 يتعلق بمراقبة القنص، حل محل قرار 9 غشت 1917 وأكد جميع أحكامه([5])، ثم أخذت هذه النصوص تتطور في الزمان، إذ يعتبر قانون رقم 54.03([6]) الصادر في 15 يوليوز 2006 القاضي بتغيير ظهير 21 يوليوز 1923 آخر هذه النصوص، بالإضافة إلى مجموعة من الظهائر والمراسيم المتعلقة بالجوانب الفرعية لممارسة القنص([7]).

ولقد شكل القانون رقم 54.03 منعطفا هاما بتحديث المقتضيات المتقادمة التي أصبحت غير ملائمة مع تطور المعطيات الخاصة بالقنص، وكذلك إدخال إجراءات جديدة في ميدان تنظيم القطاع وإرساء الهياكل الضرورية لتدبير ممارسة القنص، وذلك في إطار المحافظة على البيئة وضمان استمرارية تواجد الطرائد لتستفيد منها الأجيال المقبلة، عن طريق حماية مواطن الوحيش وأصنافها بالمحافظة على البيئة، وحماية الطرائد من أسباب الوفيات غير القنص ومحاربة القنص اللامشروع، وكذا حماية الأصناف المحمية من الانقراض([8]).

في هذا السياق، خول الفصل الأول من ظهير مراقبة القنص حق القنص للدولة بنصه ” يكون حق الصيد للدولة التي يمكنها أن تسند مباشرته للغير تحت قيد بعض الشروط … في جميع العقارات كيفما كان نوعها وملاكها..”، وذلك بعد صدور ظهير 27 فبراير 1939 الذي شكل قطيعة مع النص الفرنسي الذي كان يربط حق القنص بملكية الأرض، بحيث كان مالكها يتحكم في حق القنص فوقها.

ملكية الدولة لحق القنص يفسر على أن ممارسته تخضع إلى مجموعة من القيود والشروط القانونية، بحيث تنتدب ممارسته لجمعيات يلزمها الفصل الرابع مكرر مرتين الانخراط في “الجامعة الملكية المغربية للقنص” بعدما كان اختياريا قبل صدور القانون رقم 54.03.

بذلك فإن الدولة تمنح هذا الحق لمن حصل مقابل الأداء على: رخصة حمل السلاح، رخصة الصيد، بطاقة العضوية في الجامعة الملكية المغربية للقنص والتأمين، وتنضاف إلى هذه الوثائق رخصة الصيد داخل غابات الدولة، رخصة صيد الطيور المهاجرة والمائية، ورخصة الصيد السياحي التي تخص فقط الأجانب غير المقيمين بأرض الوطن الذين يرغبون في القنص خارج القطع المؤجرة لفائدة شركات القنص السياحي.

بالإضافة إلى التوفر على جميع الرخص المذكورة، يجب احترام مجموعة من مساطر ممارسة القنص، ومراعاة التحفظات والقيود المقننة بجميع مراحلها مع احترام الشروط المتعلقة بالمكان والزمان وبالصنف والعدد([9]).

فالمبدأ الذي يكرس ملكية الدولة لحق القنص يهدف بالأساس إلى حماية الأحياء البرية من القنص العشوائي، وهو ما يؤكد توسيع مراقبة الدولة للقنص خارج الملك الغابوي وأملاك الدولة باختلاف طبيعتها القانونية وتمديده هذه المراقبة إلى الأملاك الخاصة، بحيث لا يجوز ممارسة القنص داخلها دون رخصة قنص سواء من مالكها الفعلي أو من الغير، وان تكون هذه الأراضي خارج محمية قنص.

وبموجب الفقرة الثانية من الفصل الثاني يمكن لصاحب الأرض المحفظة أو في طور التحفيظ أن يمنع القنص داخلها شريطة تقديم كل سنة قبل فاتح غشت طلب في هذا الشأن إلى الإدارة المختصة، التي تخصص رقم ترتيبي للقطعة الأرضية المعنية بالطلب، ثم  إشهار المنع في جريدة محلية، وبعث نسخة من هذا الإشهار إلى الإدارة قبل 21 يوما من افتتاح موسم القنص حتى يتسنى لها حصر لائحة جميع العقارات الممنوع فيه القنص خلال الموسم الموالي.

ويجوز لصاحب الأرض التي مساحتها 50 هكتار على الأقل بشكل متصل أن يؤجر حق القنص فيه من إدارة المياه والغابات التي تمنح له رخصة إيجار حق القنص بعد دراسة الملف تحدد فيها مدة الكراء وشروط تجديدها ومبلغ الإتاوة، ومبلغ الضمانة، وعدد القناصة؛ ويعتبر عقد الإيجار عقد شخصي لا يمكن تفويته أو نقله لشخص أخر.

أيضا يمنع القنص داخل محميات القنص الدائمة أو الموسمية والمتنزهات ومحيطات التشجير الغابوي أو المحافظة على التربة، أو تحسين المراعي التي لا يتعدى عمرها عشر سنوات، أو محيطات تثبيت الكثبان الرملية، وداخل المحيط الحضري والأراضي المؤجر فيها حق القنص، والأراضي المسيجة والحدائق، والحقول التي بها محاصيل أو أغراس صغيرة.

كما حدد قانون القنص صنف بعض الحيوانات من بين الأنواع المحمية التي يمنع قنصها في كل زمان ومكان، من منطلق أنها تلعب دورا مهما في التوازنات البيئية، أو التي أصبحت نادرة أو مهددة بالانقراض، أو أعيد توطينها ومازالت في طور التأقلم والتكاثر. حيث تنص الفقرة الأولى من الفصل الرابع من ظهير 21 يوليوز 1923، على أنه “سعيا وراء إنماء القنيص، يمكن أن تحدث وفق كيفيات تحدد بنص تنظيمي، أماكن احتياطية يمنع فيها قنص جميع الحيوانات أو البعض منها فقط، بصفة دائمة أو خلال مدة معينة من غير أن يترتب عن ذلك أي تعويض لأرباب الأراضي أو المتصرفين فيها”.

وخلال شهر يوليوز أو شهر غشت من كل سنة، يجتمع المجلس الأعلى للقنص، ليطلع على التقرير السنوي المتعلق بنتائج موسم القنص السابق، ليبدي رأيه في المسائل التي تطرح عليه، خاصة مشروع القرار المنظم لموسم القنص القادم، الذي ينشر بالجريدة الرسمية بعد توقيعه من طرف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، والتأشير عليه من طرف وزير المالية، حيث يحدد في كل موسم أنواع الحيوانات التي تدخل في فئة الطرائد، والمحمية، والضارة؛ وتحدد تاريخ افتتاح وانتهاء القنص، وطرق ممارسته، وشروط ممارسة القنص السياحي.

عندما يحدد تاريخ افتتاح القنص وتاريخ انتهائه، يؤخذ في الاعتبار، وقت توالد الطرائد، ويتم الحرص على أن لا يتم قنصها خلال فترة توالدها؛ إذ، يفتتح الموسم بالنسبة لجميع الطرائد، ما عدا اليمام، في الأحد الأخير من شهر شتنبر، أو الأحد الأول من شهر أكتوبر وهذا التاريخ يعرف بالافتتاح العام للنقص (Ouverture générale de la chasse)، وينتهي في الأحد الأخير من شهر دجنبر أو الأحد الأول من شهر يناير، وهو تاريخ الانتهاء العام للقنص (Fermeture générale de la chasse)، وتهم هذه الفترة على الخصوص قنص الحجل([10]) والأرنب([11]) والقنينة([12]).

كما يسمح القانون بتنظيم إدارة المياه والغابات لمطاردات أو احاشات  إدارية في المناطق التي تضررت بفعل تكاثر الخنازير البرية غداة انتهاء الفترة المرخصة لهذا النوع، وذلك باقتراح من السلطات المحلية بعد المعاينة الميدانية للأضرار من طرف لجنة تقنية للمياه والغابات.

أيضا تجيز القرارات المنظمة لمواسم القنص بقنص بعض الطرائد بعد الانتهاء العام للقنص، وهي الطيور المهاجرة، والخنزير البري الذي سمح بقنصه لأول مرة خلال موسم 2008-2007 ما بين 27 يوليوز و31 غشت خلال أيام الأسبوع.

غير أن السماح بالقنص بعد تاريخ الانتهاء العام للقنص يكون له أثر سلبي على الأنواع الأخرى من الطرائد التي تتوالد خلال هذه الفترة، وغالبا ما يستغل القناصون الغير المنضبطون هذه المناسبة لقنص هذه الأنواع ([13]).

كما أنه، يمنع قنص الأصناف المحمية طوال السنة على جميع التراب الوطني، والسبب في ذلك أنها تعد من بين الحيوانات النافعة للفلاحة مثل الطيور التي تتغذى بالفئران التي تلحق ضررا كبيرا بالغابات والمزروعات، أو تلك التي أصبحت نادرة أو مهددة بالانقراض، أو أعيد استيطانها مثل أنواع الغزلان والنعامة، ومن بين الأصناف المحمية يوجد على سبيل المثال لا الحصر:

– الثدييات: القنفذ الجوائري- السنجاب البربري- النمس- الزريقاء- الدربان…الخ.

– جميع انواع الزواحف والضفدعيات.

– الطيور: الغواص-الحمام الزجال-اللقالق- النحام- النورس- الصفرد- ابوملعقة…الخ.

إن حماية هذه الأصناف لا تنحصر في منع قنصها فقط، بل تهم جميع وسائل الإبادة، والقنص والحيازة وتخريب الأعشاش والصغار، وتحنيطها حتى إن عثر عليها ميتة بحادثة، كما يمنع أيضا المتاجرة فيها؛ إذ، خلال عملية القنص ينبغي الانتباه جيدا للتعرف أولا على كل طريدة قبل قنصها، وفي حالة عدم التأكد من معرفتها يجب التراجع عن رميها([14]).

وتجدر الإشارة إلى أن ادارة المياه والغابات تعمل على إعادة الاعتبار للعديد من الأنواع، بحيث أحدثت محمية لحماية وتكاثر غزال السهول بالشمعية بآسفي (محمية سيدي شيكر)، ومحمية لحماية وتكاثر الأروية بالأطلس الكبير بمراكش (محمية تخرفورت). وتواصل هذا العمل بإحداث منتزه وطني بكل من أكادير وتزنيت سنة 1991، حيث جلبت إليه من دول أخرى غزال مهر، والمها الحسامي (Oryx)، والمها (Addasc)، والنعام. كما أحدثت منتزها وطنيا بالرشيدية واخنيفرة سنة 2004 لحماية الأروية بجبال الأطلس الكبير الشرقي، وجلبت الآيل المغربي (Cerf de berbéri) من تونس إلى المنتزه الوطني (لتزق) بتازة بعد أن تم توسيعه، وإلى المحمية الطبيعية بعين اللوح بإقليم إفران.

وفي إطار التعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتغذية والزراعة وجمهورية التشيك، تحاول المندوبية إعادة توطين الأروية في محمية منطقة والماس بإقليم الخميسات، منذ سنة 1998 قصد استغلاله بعد أن يتكاثر في القنص السياحي([15]).

الملاحظ أن قانون القنص بالمغرب جاء بمقتضيات تنظيمية هامة فيما يتعلق بتنظيم ممارسة القنص  في المكان والزمان وطرقه ووسائله وطرائده من جهة، ومن جهة أخرى خص المشرع هذه الإجراءات بجزاءات قسرية في حالة انتهاكها، خاصة وان المعطيات الواقعية تؤكد عدم احترام هذه القواعد التي يصل جانب منها إلى القضاء. وبدون شك فان الجرائم أو المخالفات المرتكبة في مجال الصيد البري تترك آثارا سلبية على هذا القطاع خاصة ما يتعلق منها بتخريب الثروة الحيوانية البرية والتوازن البيولوجي.

ثانيا: اخضاع ممارسة القنص لنظام التجريم والعقاب

لقد جاء قانون مراقبة القنص بمجموعة من القواعد القانونية الزجرية لضمان ممارسة القنص بشكل قانوني، حيث أوكل المشرع في الفصل 23 من ظهير 1923 إلى مجموعة من الأشخاص الذين لهم الحق في معاينة مخالفات القنص وتحرير محاضر بشأنها، بالإضافة إلى الأشخاص الجامعيين وفق ما جاء به ظهير 10 دجنبر 1951 المتعلق بتنظيم الحراس الخصوصيين، الذين يتم تعينهم من طرف ادارة المياه والغابات  باقتراح من الجامعة الملكية للقنص بعد أدائهم اليمين القانونية حسب الشروط المنصوص عليها ظهير فاتح ماي 1914.

والمنازعات المتعلقة بالقنص تنتج عن العلاقة الموجودة بين استعمال وحماية الطرائد، وتتضح أكثر من خلال المشاكل التي تطرحها ممارسة القنص([16])، حيث أن مقتضيات ظهير 21 يوليوز 1923،  تصنف هذه المخالفات على الشكل التالي:

  • المخالفات المتعلقة بوثائق القنص: كالقنص بدون رخصة([17])، أو عدم الإدلاء برخصة القنص بالغابات([18])…الخ.
  • المخالفات المتعلقة بكيفية ووسائل القنص: كقنص الخنزير بشكل انفرادي([19])، أو القنص بطرق ممنوعة والقنص بوسائل ممنوعة([20]).
  • المخالفات المتعلقة بالمكان:كالقنص فوق أراضي مسيجة([21]).
  • المخالفات المتعلقة بالزمان: كالقنص ليلا أو في وقت ممنوع([22]).
  • المخالفات المتعلقة بالعدد: كتجاوز العدد المرخص به للقنص([23]).
  • المخالفات المتعلقة بالحيوانات المحمية والحيوانات غير القارة([24]).
  • المخالفات المتعلقة بإبادة الحيوانات القارة([25]).
  • المخالفات بالمتعلقة بنقل الحيوانات: كنقل الطرائد بدون رخصة([26]).
  • المخالفات المتعلقة بالحيازة وعرض المتاجرة([27]).
  • مخالفات مختلفة، كعدم الامتثال للمراقبة، أو الامتناع عن إجراء الحجز الفعلي وحمل أدوات محضورة خارج محل الإقامة ([28]).

كما أن هناك حالات تشديد منصوص عليها في الفصل 15 من الظهير المذكور، وهي المتمثلة في حالة العود أو التنكر أو اتخاذ اسم مزيف أو الفرار أو محاولة الفرار أو استعمال دابة أو طائرة أو ناقلة تجرها البهائم وذات محرك أو استعمال التهديد أو العنف، إذا كان المخالف من الأعوان المكلفين لمراقبة شرطة القنص.

أما بالنسبة للعقوبات المقررة في حالة المخالفة، وهي المنصوص عليها في الفصول 10 و15 و16 و17 من الظهير 21 يوليوز 1923، وهي تتمثل بالخصوص في الغرامة التي تصل إلى حد 4800 درهم والسجن الذي يصل إلى ستة أشهر، هذا بالإضافة إلى كون المشرع المغربي وضع عقوبات ثانوية مثل:

– سحب رخصة القنص لمدة 5 سنوات.

– سحب حقوق ورخص القنص.

– حجز الطرائد المصطادة.

– مصادرة السلاح([29]).

وفي هذا الإطار ذهبت ابتدائية بين ملال بمؤاخذة الضنين المتابع من أجل جنحة قنص ليلا في وقت يمنع فيه الصيد بغرامة قدرها 8000 درهم، ورفض طلب إرجاع البندقية المحجوزة([30]).

وقررت محكمة الاستئناف لبني ملال في الملف عدد 336/06 بتاريخ 05/10/2006، في جنحة قنص بوسائل محظورة والقنص في وقت غير مسموح طبقا للفصول 09 و15 و16 و17 من ظهير 21 يوليوز 1923 بتأييد الحكم الإبتدائي، والذي يتلخص منطوقه في غرامة قدرها 15000 درهم. وفي قرار آخر صادر عن نفس المحكمة، حيث يتابع الظنين بجنحة قنص الأرانب الوحشية ليلا بواسطة حيوانات ووسائل محظورة، قضت عليه المحكمة بغرامة نافذة قدرها 2800 درهم([31]).

وفي حكم غير منشور صادر عن لابتدائية صفرو بتاريخ 23 دجنبر 2019 قضى بتغريم المتهم بتهمة اصطياد طائر الحسون بدون رخصة بناء على المادة 63 من القانون رقم 29.05 المتعلق بحماية أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة ومراقبة الاتجار فيها.

باستقراء هذه الأحكام، يلاحظ أن القضاة المصدرين لهذه الأحكام غير مطلعين بشكل جيد على التشريع القانوني المتعلق بالقنص، والمتمثل في عدم احترامهم للفصل 17 من قانون 54.03، الذي ينص على مضاعفة العقوبة في حالة ارتكاب المخالفة ليلا، وكذا ممارسته بوسائل محظورة، وكذلك الفصل18([32]) الذي ينص على أن المقتضيات المنصوص عليها في القانون الجنائي المتعلقة بظروف التخفيف وإيقاف التخفيف لا تطبق على العقوبات المقررة في هذا المجال.

وفي قضية أخرى قضت محكمة النقض بنقض قرار صادر عن استئنافية الدار البيضاء بتاريخ 09/07/2008 عدد 5696 في القضية رقم 6185/1/2007 القاضي بتأييد الحكم الابتدائي المحكوم بمقتضاه بعدم مؤاخذة المتهمين من اجل جنحة قنص الخنزير البري عن طريق الإحاشة بدون رخصة بعد انتهاء موسم القتص والذي اعتمد على مقتضيات الفصول من 9 إلى 13 من ظهير 1923 التي لا تجيز منح رخصة القنص استثنائي وأن الفصل الذي يتحدث عن هذه الرخصة الاستثنائية هو الفصل 14 من الظهير المذكور بناء على الحيثيات التالية: “وحيث إن القرار المطعون فيه…فقد استند في ذلك على ما ثبت…من وثائق الملف بأنهم تقدموا إلى الطاعنة ببرنامج يطلبون فيه الترخيص لهم بالقنص عن طريق الإحاشة في تواريخ محددة…لرؤوس الخنزير البري المطلوب اصطيادها والمحددة في 40 رأسا…وأن الطاعنة قلصت من رؤوس الخنزير البري وحددتها في 30 رأس دون تغيير في التواريخ المطلوبة من طرف جمعية القنص…كما أن الفصل 14 من ظهير 21/07/1923 يخول لإدارة المياه والغابات منح ترخيص الصيد خارج موسم القنص بما في ذلك الخنزير البري.

في حين أن الثابت من الترخيص الممنوح من طرف الطاعنة للمطلوبين…إنما يتعلق بتحديد رؤوس الخنازير البرية الرخص للمطلوبين بقنصها ولا يتعلق بتحديد التواريخ المرخص لهم بالقنص فيها خارج موسم القنص كما أن الترخيص الاستثنائي بالقنص المنصوص عليه في الفصل 14 من ظهير 21/7/1923 إنما يتعلق بحالات خاصة وردت على سبيل الحصر وهو ما لم يتوفر في نازلة الحال…”([33]).

وتجدر الإشارة أن الأحكام المتعلقة بالقنص قليلة جدا، وهذا ما يفسر أن المخالفين يفضلون أداء غرامة تصالحية لإدارة المياه والغابات، بالرغم من أن عدد المخالفات المدون في شأنها محاضر خلال سنة 218  قد وصل عددها  إلى 427 محضر مقارنة مع 598 محضر مخالفة خلا سنة 2017، إذ أن 42 % من هذه المحاضر يتم تسويتها دون اللجوء إلى القضاء، و58 % تحال على المحاكم للنظر فيها.

ودائما من خلال الإحصائيات السنوية التي تنجزها “الجامعة الملكية للقنص ” فخلال موسم 2008/2007، فإن 32% من المخالفات Infractions المعاينة تخص القنص الاحتياطي، 20 % منها تقع في الوقت الممنوع للقنص، و15 % تقع في الأماكن المكرية Les lots amodiés([34]).

أما بالنسبة لتوزيع المخالفات من حيث الأماكن والمناطق الأكثر تصرفا لها، فهي على الشكل التالي: في الوسط 14%، ثم الأطلس المتوسط بنسبة 16%، ثم الجنوب الغربي والريف بنسب14% والأطلس الكبير والشمال الغربي بنسبة 11 و12%، أما بالنسبة للشرق والشمال الغربي، وفاس بولمان والجنوب فهي أقل ضررا من 8، 6، 5 وأقل من 10  %من المخالفات المسجلة.

يلاحظ إذن أنه رغم الترسانة القانونية المخصصة لقطاع القنص التي امتد العمل بها في الشكل والصيغة التي صدرت بها إبان عهد الحماية غير كافية لحماية الطرائد، إذ لازالت تسجل في هذا المجال العديد من المخالفات التي تؤكدها المحاضر المحررة والقضايا المعروضة أمام المحاكم، والتي رغم قلتها وعدم تنفيذها، تعبر عن قصور الإطار القانوني لاحتواء هذا القطاع الحيوي.

إذ من المؤكد أن المخاطر المحدقة بالإحياء البرية خاصة منها القنص غير المشروع ليست هي المشكلة في حد ذاتها، ولكن تكمن المخاطر في الجوانب المتعلقة بالصعوبات التي تعوق تطبيق هذه التشريعات، بسبب تعقد مختلق الجوانب المتعلقة بممارسة القنص من قنص عادي او تقليدي، جمعوي، وسياحي، وكذا تنوع مجالاته، بالإضافة إلى عدم تجانس الأجهزة الموكول إليها تدبير هذا القطاع.

ذلك إن ترشيد استغلال الثروة الوحشية والمحافظة عليها وتنميتها يلزم مواجهة الضغوطات المتزايدة عليها، سواء ما تعلق منها بمحاربة القنص غير المشروع أو بتدهور مجالات القنص؛ وعموما مواجهة العوامل التي تؤدي إلى تراجع الأوساط الطبيعية التي يتنج عنها تراجع عدد الطرائد الذي يؤدي بدوره إلى انقراض بعض أصنافها، مما يستدعي إعادة النظر في المنظومة القانونية وتحيينها مع الظروف والبيئة الحالية، واتخاذ التدابير التقنية لحماية حق القنص في إطار المعادلة التي تقوم على حماية حق القنص وعلى المحافظة وتثمين وتنمية الثروة الحيوانية أو الأحياء البرية.

المراجع:

[1]- بوجمعة اللبار “حق الصيد البري وأحكامه بين الفقه الإسلامي والتقنين المغربي”  ص: 8.

2- القنص بتسكين النون يعني الاصطياد وينطق به الصيادون في المشرق والمغرب بالكاف المعقودة، أما بفتح النون فهو الحيوان المصطاد، والمقصود الأول، أورده، عبد الهادي التازي “القنص بالصقر بين المشرق والمغرب”، منشورات المعهد الجامعي للبحث العلمي، سنة 1980، ص: 9.

– تعد حرفة القنص من أكثر الحرف انسجاما وتوافقا بين الإنسان والبيئة، ويعتقد الأستاذ “ريتشار دلي” أن إنسان الجمع والصيد البدائي من أكبر الجماعات توازنا وكفاية في حياته المعيشية، كما يعد هذه المرحلة بداية قصة الإنسان مع البيئة” للتوسع، راجع: صالح وهبي “ألإنسان والبيئة والتلوث البيئي”، المطبعة العملية، دمشق – سوريا، الطبعة الأولى، توزيع دار الفكر، دمشق، 2004، ص: 24.

3- دليل الحارس الجامعي، منشورات الجامعة الملكية المغربية للقنص، يونيو 2005، ص: 4.

4- فقد المغرب الثدييات والطيور التالية: أسد الأطلس، الفهد، حيرم، الإيل، غزال داما مهور، الحبش الوحشي، النعامة، وتعتبر مهددة بالانقراض الأصناف التالية : النمر- غزال  دور كاس، الأروي، الحبار، أبو منجل، النسر الأكلف، الدراج…الخ.

– سعيد زاهري “حماية البيئة في المغرب وإشكالية التعاون الدولي” رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا في القانون العام، جامعة محمد الخامس، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية – الرباط، سنة 1991، ص : 25.

5- سعيد زاهري “قانون القنص بالمغرب والمحافظة على الوحيش”، ص: 6.

6- ظهير رقم 06 – 1- 127، الصادر بتاريخ 18 جمادى الأولى 1427 الموافق ل 15 يونيو 2006، منشور بالجريدة الرسمية عدد: 5435 بتاريخ 7 جمادى الأخيرة الموافق ل 3 يوليوز 2006 .

7- ظهير 2 يونيو 1950 المتعلق بإنشاء مجلس أعلى للقنص وصندوق القنص والصيد بالمياه القارية.

– ظهير 1937 حول أنواع الأسلحة وتنظيم استعمالها.

– المرسوم المطبق لمقتضيات قانون القنص.

– دفتر التحملات العامة المتعلق بإيجار حق القنص.

– دفتر التحملات المتعلق بإيجار حق القنص في أراضي الخواص.

– القرارات السنوية للإدارة المكلفة بالمياه والغابات، المتعلقة بتحذير تاريخ افتتاح وانتهاء القنص و النظام الخاص الجاري عليه خلال كل موسم.

8- دليل القناص، مرجع سابق، ص: 10.

9- دليل الحارس الجامعي، مرجع سابق، ص: 5-6.

10- يعد الحجل أفضل طريدة لدى جل القناصة المغاربة، ويتم قنصه عن طريق القنص مشيا إلى الأمام، ويمكن الاستعانة بكلب مدرب من  أجل البحث عليه وإخراجه، وهو متوفر في كافة مناطق المغرب مع وفرته بالريف ومدينة شفشاون، وزان والأطلس الكبير والمتوسط والصغير.

11- في بعض الدول يمكن قنص الأرنب بالطيور الجارحة وكذلك بواسطة الاحاشة. أما في المغرب، فإن القوانين التشريعية لا تبيح قنص الأرنب إلا بطريق القنص مشيا إلى الأمام سواء بالكلب أو بدونه، الشيء الذي يعيق التخصص في قنص هذه الطريدة، ويتم قنصها أثناء البحث عن الحجل، ولا يتعدى المعدل لكل قناص أرنب وأرنبين في السنة.

– للتوسع في معرفة الطرائد والتعرف عليها، راجع: دليل القناص، مرجع سابق، ص: 32 وما بعدها.

12- سعيد زاهري، مرجع سابق، ص: 56.

13- سعيد زاهري، مرجع سابق، ص: 57-58.

14- دليل القناص، مرجع سابق، ص: 69.

15- سعيد زاهري، مرجع سابق، ص: 67.

16-Nadir (B) «Droit de la chasse et protection de la faune sauvage au Maroc», travaux de la journée d’Etude organisée par le département de droit privé avec le concours de la fondation R.A, sous le titre « la protection de l’environnement au Maroc entre le droit et la pratique dans les secteurs forestiers et hydrauliques, Rabat, 1997, p: 45.

17- أنظر الفصل 5 و15 من ظهير 21 يوليوز 1923.

18 – أنظر الفصل 10 مكرر ثلاثة مرات، من ظهير 21 يوليوز 1923.

19 – لفصل 15.

20 – لفصل 9 و17.

21 – الفصل 3 و15.

22- الفصل 4 و16.

23- الفصل 15 و16.

24 – الفصل 15.

25- الفصل 11 و16.

26 – الفصل 9 و10 و15.

27 – الفصل 11 و12، 13، 15، 16.

28 – الفصل 16.

29-Nadir (B) « Droit de la chasse et protection de la faune sauvage au Maroc » op.cit, p: 48.

30- حكم عدد 1738/07، ملف جنحي، صادر بتاريخ 11/10/2007، غير منشور.

31- قرار عدد 1687 ملف جنحي، صادر بتاريخ 12/12/2006، غير منشور.

32- الفصل 18 من ظهير 21 يوليوز 1927.

33- قرار عدد 1687 ملف جنحي، صادر بتاريخ 12/12/2006، غير منشور.

34 – Rapport annuel de la chasse et de la cynégétique, op.cit, p: 8.

قد يعجبك ايضا