تقييم مشروع القانون “رقم 22.20” المتعلق بتقنين وسائل التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح

المعلومة القانونية

*أيوب اللبار

باحث بماستر العدالة الجنائية والعلوم الجنائية.

مقدمة

إن التطور السريع لتقنيات الإعلام و الاتصالات و تنوع شبكات الربط أدى بطبيعة الحال إلى توسيع ميادين استعمال هذه التقنيات سواء على المستوى الثقافي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الإداري وقد واكب هذا التوسع في استعمال هذه التقنيات و ارتفاع مواز في أرقام الجرائم المرتكبة بواسطتها، و هو ما يصطلح عليه بجرائم الإنترنيت أو الجرائم الإلكترونية. وتلعب المعلومات والاتصالات دورا مهما ومتزايدا في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية ،ولاسيما أن التطورات التي حدثت مؤخرا في تكنولوجيا الاتصال قامت بالحد من العوائق التي تحول دون الاتصال عبر المسافات،وقد زادت أجهزة الكمبيوتر بدرجة هائلة، من تراكم مصادر المعلومات و البيانات و إمكانية الوصول إليها، وبالتآلف بين أجهزة الكمبيوتر وتكنولوجيا الاتصال و المعلومات، أصبحت إمكانات الوصول إلى المعلومات غير محدودة تقريبا، وفي (( مجتمع المعلومات)) information society ، أصبح الوصول السريع إلى المعلومات المناسبة أمرا أساسيا و لا غنى عنه، خاصةأن المعلومات أصبحت جزءا من الأنشطة البشرية، وبالتالي فإن الوصول إلى هذه التكنولوجيا يعد ركيزة لقرار الناجح[1].

وفي هذا الإطار حاولت غالبية التشريعات حماية مجتمعاتها من هذا الفيروس ( الإجرام الإلكتروني ) الذي ينخر جسد الأوطان وفي الغالب يؤثر بشكل كبير على عجلة الاقتصاد، وعلى نفس المنوال ذهب المشرع المغربي و سن مجموعة من القوانين الرامية إلى حماية البيئة الإلكترونية المغربية من الاختلال، غير أن بعض القوانين الصادرة تكون غير مكتملة من الناحية القانونية كما هو الشأن بالنسبة لمشروع قانون 22.20 المتعلق بشبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح و الشبكات المماثلة، حيث تفاجأ كل المهتمين بشأن الحقوقي و السياسي بتسريب وثيقة مشروع قانون السالف الذكر والتي وجهت من طرف المجتمع المغربي بشراسة كبيرة و اعتبرت وثيقة تروم إلى تكميم أفواه المواطنين وسلب حقهم الدستوري في الحرية الرأي و التعبير باعتبارها من الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الإنسان.

وللوقوف على أهم مصطلحات الدراسة نجد أولا، شبكات التواصل الاجتماعي :  وهي المواقع الإلكترونية المتوفرة على منصة الإنترنيت و المبنية على أسس معلوماتية معينة والتي تمكن مستعمليها من إنشاء حسابات شخصية أو صفحات شخصية ومن التواصل و نشر و تقاسم المحتويات الإلكترونية.

  • شبكات البث المفتوح :  المواقع الإلكترونية المتوفرة على منصة الإنترنيت و المبنية على أسس معلوماتية معينة و التي تمكن مستعمليها من البث مباشر أو غير مباشر لمقاطع سمعية أو سمعية بصرية.
  • البيانات : الأرقام و الحروف و الرموز و كل ما يمكن تخزينه و معالجته و إنتاجه و نقله بواسطة الحاسوب و أية وسائط إلكترونية أخرى .

وتجب الإشارة أن مشروع قانون رقم 22.20 المتعلق باستعمال شبكة التواصل الإجتماعي و شبكات البث المفتوح و الشبكات المماثلة جاء في سياق التدابير القانونية و المؤسساتية التي تقوم بها المملكة لمكافحة الأنماط المستجدة من الجريمة الإلكترونية و تقوية آليات مكافحتها دون المساس بحرية التواصل الرقمي باعتبارها صورة من صور ممارسة حرية التعبير المكفولة دستوريا، ويهدف إلى سد الفراغ التشريعي الذي تعاني منه المنظومة القانونية الوطنية لردع كافة السلوكات المرتكبة عبر شبكات التواصل الإجتماعي من قبيل الأخبار الزائفة و بعض السلوكات الإجرامية الماسة بشرف و اعتبار الأشخاص أو القاصرين خاصة و أنه جاء في الظرفية التي يعيشها العالم و تعيشها المملكة المغربية المرتبطة بتفشي فيروس كورونا المستجد[2]، كوفيد19.

وتكمن أهمية موضوع الدراسة في كونه مرتبطا بمجال المعلوماتي الذي يأتي بالجديد دائما، فما هو مقبول فيه اليوم قد لا يعتبر كذلك غدا، كما حضي هذا الموضوع باهتمام جل الباحثين في الشأن القانوني خاصة و القوى الشعبية المجتمعية عامة.

وفي ضوء ما تقدم به يمكن طرح الإشكالية التالية :

ما مدى احترام مشروع القانون المبادئ الدستورية و السياسة الجنائية المعتمدة بالمغرب ؟

وللإجابة عن الإشكالية السالفة الذكر ارتأينا الاعتماد المنهج الوصفي مع مقاربة تحليلية من خلال تحليل هذا المشروع وفق التصميم التالي :

  • المبحث الأول : السياق التشريعي لمشروع القانون 22.20 ومدى ملاءمته مع المرجعية الدستورية المغربية .
  • المطلب الأول : السياق التشريعي لمشروع قانون رقم 22.20
  • المطلب الثاني : مدى ملائمة مشروع القانون 22.20 مع المرجعية الدستورية المغربية.
  • المبحث الثاني : مشروع القانون 22.20 في ضوء السياسة الجنائية المغربية .
  • المطلب الأول : سياسة التجريم المتبعة في مشروع القانون رقم 22.20
  • المطلب الثاني : السياسة العقابية   المعتمدة في مشروع القانون رقم 22.20

 

المبحث الأول :

السياق التشريعي لمشروع القانون 22.20 ومدى  ملاءمته مع المرجعية  الدستورية المغربية

تزامنا مع حالة الطوارئ الصحية[3] التي عرفتها بلادنا وبفعل تنقل بعض الأخبار الزائفة عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي ، طرحت  إشكالية مراقبة  الإعلام الجديد أو ما يسمى بالمواطن الصحفي الذي أصبح أكثر قوة وتأثيرا من الإعلام التقليدي في نشر المعلومة على نطاق واسع و في زمن قياسي،باعتبار أن مستعملي هذه الشبكات هدفهم الوحيد  هو نشر المعلومة وليس ممارسة مهنة الصحافة فمن الطبيعي أن بعضا منهم لا يدركون الحدود القانونية و الأخلاقية الممكنة لنشر محتوياتهم. وفي هذا المنوال طرحت عدة إشكالات فيما يخص الأساس القانوني لضمان حرية الرأي،بما فيها حرية استعمال وسائل التواصل الإجتماعي للتعبير عن مختلف الآراء و المواقف، سواء كانت فكرية أو سياسية أو ثقافية، باعتبار الوسط الرقمي بيئة خصبة لتعبير عن ما يشعر به المواطن و يعطي رأيه كأي شخص حر في المنظومة الكونية، لهذا السبب كان للمجتمع رأي قوي و صلب في مواجهة ما سمي في الوسط الشعبي المغربي بقانون تكميم الأفواه، وفي صدد موضوع الدراسة سنتناول في( المطلب الأول) السياق التشريعي لمشروع القانون رقم 22.20 ثم في (مطلب ثاني)سنحاول إبراز إذا ما كان يتلاءم مع المرجعية الدستورية المغربية.

 

المطلب الأول :

 السياق التشريعي لمشروع القانون رقم 22.20

لعل الفراغ التشريعي الذي يعرفه مجال نشر الأخبار الزائفة ونشر التفاهة والمس بسمعة المؤسسات والأشخاص في الفضاء الإلكتروني تقتضي تدخل المشرع من اجل سن قانون ينظم هذا المجال لان التطور الهائل لوسائل التكنولوجيا الحديثة، جعلت نقل الخبر ليست مهمة محفوظة للصحافي فقط وإنما اتسع مجال نشر الأخبار والوقائع والمعلومات الصحيحة والكاذبة والمزيّفة لغير الناشرين الصحافيين ، وأضحى التشريع الخاص بالصحافة والنشر، تشريعاً محدوداً لضبط هذه الظاهرة ولا يمكن تطبيقه على غير الصحافيين المحترفين ، لان هناك فرق بين حرية الصحافة والنشر ، وحرية التعبير ، فالصحافة مهنة منظمة يحدد القانون شروطها وينظم كيفية اشتغالها ويتحمل مدير النشر المسؤولية عما يتم نشره طبقًا للمادتين 17و95 من القانون 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر[4] ، في حين ان الناشر غير الصحافي مسؤول شخصيًا عما ينشره ، ولهذا السبب استثنى مشروع القانون 22.20 في مادته الرابعة الإصدارات الإلكترونية التي تهم الصحافيين وهي نقطة إيجابية تحسب له ، على اعتبار ان مهنة الصحافة منظمة بقانون يقيدها بشروط ويوفر لها ضمانات ،علماان الفصل 72 من قانون الصحافة يعاقب بالغرامة فقط على نشر الأخبار الزائفة دون العقوبة السالبة للحرية، وطبعًا يتعلق الأمر بمن يحمل صفة صحافي مهني، وليس المواطن العادي الذي اصبح ينشر ويوزع ويبت الأخبار الزائفة المسيئة للأشخاص الذاتيين والاعتباريين والذي لا يمكنه الاستفادة من ضمانات القانون المخصص للصحافيين المهنيين .

كما ان قانون محاربة العنف ضد النساء لا يعتبر آلية تجريم جميع الأفعال المرتكبة عبر الفضاءات الإلكترونية والمعتبرة مساسًا وانتهاكا عبر محتويات إلكترونية زائفة في حق الأشخاص والمؤسسات ،اذ اقتصر في الفصول 1-447و2- 447 و 3-447 على تجريم التقاط أو بت أو توزيع الأقوال والمعلومات الصادرة بشكل سري دون موافقة أصحابها ، وتوزيع الصور وتثبيتها أو توزيعها لشخص في مكان خاص دون مرافقته ، أو بت وتوزيع تركيبة مكونة من أقوال شخص أو توزيع ادعاءات كاذبة بقصد المس بالحياة الخاصة للأشخاص أو التشهير بهم ، مما يتجلى معه أن القيام بنشر وترويج المحتويات الإلكترونية المتضمنة للأخبار الزائفة التي تلحق الأضرار بشخص ذاتي أو اعتباري وهو الفعل المجرم بمقتضى المادة 19 لم تكن محل تجريم من طرف القانون 103.13 اذ استهدف حماية الحياة الخاصة للأشخاص ولم يتطرق لجميع الأفعال التي ترتكب اليكترونيا في مواجهة الدولة و مؤسساتها وتلحق ضررا بالسلم والأمن الاجتماعيين[5] .

ولعل ايجابيات المشروع وبغض النظر عن مناقشة قاعدة التناسب تتجلى من جهة في سد الفراغ التشريعي الذي لا يعوضه القانون 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء ،لكون فصول المتابعة لم تمكن النيابة العامة من ايجاد الأساس القانوني والنص الذي يجرم بعض الأفعال ، و كون قانون الصحافة لايخص الناشرين غيرالصحافيين ، الشيء الذي يجعل مشروع القانون 20.22 بعد تجويد مواده مواكبا لتخليق النشر الرقمي وللتحديات الراهنة للتكنولوجية وسرعة انتقال وانتشار الصور والمعطيات والمعلومات الزائفة المعتبرة مساسًا بالسلم والأمن الاجتماعيين وانتهاكا لحرمة الأشخاص واعتبارهم ، و يتضح من خلال الإطلاع على مقتضيات مشروع هذا القانون في صيغته الحالية، أنه يتضمن 25 مادة  موزعة على ثلاث أبواب حاول المشرع المغربي من خلالها مكافحة الإجرام المعلومتي في حلته المجتمعية الجديدة .

 

المطلب الثاني :

مدى ملائمة مشروع القانون 22.20 مع المرجعية الدستورية المغربية

جاء التعديل الدستوري المغربي سنة 2011 بمبادرة من جلالة الملك محمد السادس نصره الله ضمن حزمة من الإجراءات

الاصلاحية التي همت مختلف اقطاب الدولة و جل ميادين التنمية. و من ضمن ما جاء في خطابه 9 مارس 2011  نصره الله حول التعديل الدستوري أنه “يستند على سبع مرتكزات أساسية تروم إلى  ترسيخ دولة الحق و المؤسسات و توسيع مجال الحريات الفردية و الجماعية و ضمان ممارستها و تعزيز منظومة حقوق الانسان بكل ابعادها السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و التنموية و الثقافية و البيئية و لاسيما دسترة التوصيات الوجيهة لهيئة الانصاف و المصالحة و الالتزامات الدولية للمغرب.

وبالرغم من الخصاص التشريعي في المجال الإلكتروني غير أن هذا المشروع لم يلق قبولا في صيغته الحالية من طرف الرأي العام الوطني، بل حتى من قبل بعض الأعضاء المعنيين بتدارسه و مناقشة مضامينه في اجتماع مجلس الحكومة . و بالرجوع الى الوثيقة الدستورية لسنة 2011 نجدها  تضم  ميثاقا قويا وحقيقيا للحريات والحقوق الانسانية  الأساسية. اذ تضمن أزيد من 58 مادة متعلقة بالحريات و الحقوق للشعب المغربي. فالباب الثاني من الدستور يقر ترسانة من الحقوق و الحريات التي تجعل من المغرب دولة الحق و القانون و تضمن للمواطنين المغاربة الكرامة و النزاهة و التحرر من اي قيود او اضطهاد كيفما كان نوعه. و من بين الحريات و الحقوق التي ضمنها الدستور المغربي هي حرية الفكرو الرأي و التعبير و “حق نشر الاخبار و الافكار و الاراء بكل حرية، ومن غير قيد، عدا ما ينص عليه القانون صراحة”.

و بالحديث عن  الحق في حرية التعبيرو الرأي باعتبارهما من حقوق الإنسان الدولية ذات قيمة وضرورة جوهرية للعمل الصحي للديمقراطية والمجتمع المدني. كما انها ضرورية لتحقيق حقوق الإنسان الأخرى مثل حكامة العدالة ، التعليم ، المستوى المعيشي اللائق ، المساواة ، والكرامة الإنسانية. فما جاءت به بعض تسريبات المقتضيات الاولى للمشروع القانوني 22.20 خصوصا المادة 14 و المادة 15 تصوب الى إلغاء تام لهذا الحق الدستوري و تراجع صارخ عن مكتسبات حقوقية توسمت بها المملكة المغربية منذ عقود. لكن حقا كحرية التعبير ينبغي وجوبا أن يحميه البرلمان، حسب ما ضمنه المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي في تقرير له يحمل رقم الإحالة 2019/24، بمناسبة نظره في المقاربة النيابية للنموذج التنموي الجديد للمملكة المغربية، وأحسب أن الكرة في قادم الأيام ستكون بملعبه. بل إنه لمن الغريب القفز، فضلا على الدستور، على ما جاء في خطة العمل بالديمقراطية (2018-2021) من أهداف خاصة، كتكريس الحماية القانونية للحق في التعبير والرأي وضمان الحق في المعلومة، ثم النهوض بثقافة حرية التعبير والإعلام.

و بدراسة متأنية في هذا المشروع اتضح على أنه لا يحترم الدستور المغربي و ما تضمنه من حقوق و حريات مكفولة لمواطني المملكة المغربية ، مع وجود تناقض حول الجهات التي يسري عليها القانون بعدم وجود تناقض حول كيف سيجري التعامل مع المنصات الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية و الصفحات الشخصية الخاصة بالصحفيين التي ينشرون عليها الأخبار و المواد الصحافية، أما فيما يخص آلية الدفع بعدم الدستورية[6] التي أثيرت من أجل الفصل في الموضوع هناك قانون تنظيمي يحدد شروط و إجراءات تطبيقها، ففي هذه القضية تبقى آلية الدفع معطلة لحدود الآن نظرا لعدم صدور القانون التنظيمي عدد 15.86 و الذي أصدرت المحكمة الدستورية قرار عدد 18/70 بتاريخ 6 مارس 2018 صرحت بموجبه بعدم مطابقة مجموعة من مواده لدستور.

المبحث الثاني :

مشروع القانون 22.20 في ضوء السياسة الجنائية[7] المغربية

إن العصر الحالي أضحى فيه العالم قرية صغيرة بحكم ثورة الاتصالات وهي إحدى الآليات المهمة للعولمة التي مكنت من تخطي الحدود واجتيازها رغم تجلياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، ورغم ما تحمله هذه العولمة من طيات الهيمنة والسيطرة والتسلط، فإن الجريمة أصبحت عالمية لا حدود لها جهويا أو قاريا، ولا تشكل عدوانا على حرمات الأوطان فحسب وخصوصياتها ومعتقداتها واقتصادياتها بل ما تشكله من مخاطر على حياة بني البشر قاطبة برا وبحرا وجوا.

وعولمة الجريمة زاد الأمر تعقيدا، إن لم نقل أصبح من المستعصي مكافحة ظاهرة الإجرام في صورتها الحالية، ذلك أنها لم تعد مرتبطة بحيز مكاني محدود أو زمان معين ولم يعد الأمر يتعلق بأشخاص معنيين في ذواتهم يمكن تتبع نشاطهم ومراقبة سلوكهم وتحركاتهم المريبة، بل لم تعد الحدود الفاصلة بين الدول متصورة بالنسبة للنشاط الإجرامي، فأمام التطور التكنولوجي الحديث، أصبح في إمكان شخص بالمغرب مثلا أن يساهم في ارتكاب جريمة خطيرة في بلد آخر لا يرتبط بالمغرب باية حدود مشتركة وذلك بمساهمة أشخاص آخرين ربما تختلف إقامتهم وجنسياتهم.

أمام خطورة هذه الوضعية أصبحت دول المعمور بأسرها مطالبة بالتفكير في إعادة النظر في سياساتها الجنائية بصفة عامة وذلك بإيجاد خطط وأساليب تتجاوب وتطور الجريمة المرتبطة بالتقدم التكنولوجي، بل إن هذه الدول لم تعد تجديدا من خلق وسائل جديدة للتعامل مع بعضها في إطار تتبع المجرمين ومواكبتهم أينما حلوا وارتحلوا، وأن تجد إطارا جديدا للتعاون المثمر في هذا المجال خصوصا وأن مساطر التعاون الدولي التقليدية أصبحت متجاوزة لما يكتنفها من تعقيد في الإجراءات وبطء في التنفيذ.

و بدراستنا المتأملة لهذا المشروع يتبين على أنه يعبر عن سياسة جنائية جد متشددة سواء من الجانب التجريمي ( المطلب الأول ) أو من جهة الجانب العقابي ( المطلب الثاني) .

المطلب الأول : 

سياسة التجريم المتبعة في مشروع القانون رقم 22.20

بتأملنا في السياسة  التجريمية يتبين أن هذه الجرائم صيغت في إطار جرائم سلوك ، أي أنها تتطلب فقط القيام بالفعل الجرمي و هو استعمال الوسائط المعلوماتية الإجتماعية من أجل الدعوى إلى مقاطعة بعض المنتوجات و البضائع و الخدمات أو التحريض علانية على ذلك ، و أيضا حمل العموم أوتحريضهم على سحب الأموال من مؤسسات الائتمان أو الهيئات المعتبرة في حكمها ، إضافة إلى الترويج لمحتوى إلكتروني يتضمن خبرا زائف من شأنه التشكيك في جودة و سلامة بعض المنتوجات و البضائع وتقديمها على أنها تشكل تهديدا أو خطر عام على الصحة العامة و الأمن البيئي ، و ذلك من دون أن تتحقق أي نتيجة معينة . فالجريمة ثابتة و مكتملة من ناحية الركن المادي بارتكاب هذا الفعل ولو لم ينتج عن ذلك نتيجة كإخلال بالنظام العام و الأمن العام . كما أنه من ناحية الركن المعنوي فإنها تتطلب فقط القصد الجنائي العام ، أي العلم و الإرادة ، و لا تتطلب قصدا جنائيا خاصا كوجود سوء النية . فتأكد حسن النية لدى ناشر أو صانع المحتوى لا يؤثر في ثبوت ارتكابه لهذه الجرائم فحتى لو ثبت أن قصده كان هو التوعية و محاربة الفساد فان حسن نيته لا ينفعه لتجنب العقاب . و هذا ما يؤكد قمة التشدد في السياسة التجريمية في النص القانوني لهذا المشروع قانون . و إذا أردنا إجراء مقارنة بسيطة بين جريمة نشر أخبار زائفة في قانون الصحافة طبقا لمقتضيات المادة 72 من هذا القانون و بين نشر أخبار زائفة في نص هذا المشروع قانون ، سيتبين أن المشرع منح الصحافيين امتيازات لم يمنحها لمستعملي وسائل التواصل الإحتماعي ، فهو اعتبر هذه الجريمة تامة و ليس جريمة سلوك ، و بالتالي تشترط أن تتوفر إضافة إلى الفعل و هو السلوك الإجرامي ، النتيجة الإجرامية و هي الإخلال بالنظام العام و الأمن العام ، و أن تكون علاقة سببية بين السلوك و النتيجة . و بالنسبة للركن المعنوي اشترطت المادة 72 من قانون الصحافة توفر قصد جنائي خاص وهو سوء النية ، إضافة إلى القصد الجنائي ، الذي هو العلم و الإرادة ، و بالتالي فإن عدم توفر سوء النية لدى الفاعل يجعل العناصر التكوينية للجريمة غير مستجمعة ، و لا تكون هناك أي جريمة قائمة.

المطلب الثاني :

السياسة العقابية  المعتمدة في مشروع القانون رقم 22.20

إن السياسة العقابية  نجدها جاءت  مفعمة بعقوبات سالبة للحرية قد تصل إلى ثلاث سنوات حبسا نافذا ، و عقوبات مالية تصل إلى حدود مبلغ خمسون ألف درهم . يدل أن الجانب العقابي متشدد جدا في هذا القانون ، إلى درجة أننا إذا أردنا مقارنته بمقتضيات قانون الصحافة ، و لا سيما المادة 72 من هذا القانون ، التي تقرر عقوبة مالية فقط دون العقوبة السالبة للحرية في حالة ثبوت ارتكاب الجريمة بجميع عناصرها التكوينية . و بالتالي قد نصل إلى حالة غير عادلة ونوع من انعدام المساواة بين أشخاص يمارسون تقريبا نفس المهام لا سيما بالنسبة لصناع المحتوى الذي يكون أحيانا مضمون انتاجاتهم أكثر قو و جودة و احترافية من الانتاجات الإعلامية و الصحفية لبعض الجرائد الالكترونية ، لا سيما في حالة نشر منبر صحفي إلكتروني محتوى يدخل في إطار الجرائم المنصوص عليها أعلاه ، و يتم نشرها و تداولها بين مستعملي وسائل التواصل الاجتماعي ؟ ففي هذه الحالة رغم أن الجريدة الإلكترونية هي مصدر الخبر أو المحتوى المجرم ، فإن مدير نشرها الذي يعتبر فاعلا أصليا و الصحافي صاحب المحتوى المباشر باعتباره شريكا يتابعان فقط وفق الامتيازات التي وفرها لهم قانون الصحافة، ولا يعاقبان سوى بعقوبات مالية عبارة عن غرامات مالية . بينما الأشخاص الذي تداولوا الخبر أو المحتوى المجرم يتابعون و يحاكمون من دون أي امتيازات خاصة , و في نفس المحاكمات التي تجرى في حق مجرمي الحق العام وبعقوبات حبسية نافذة قد تصل إلى ثلاث سنوات ، و غرامات مالية قد تصل إلى خمسون ألف درهم . وهذه المعطيات تبين أنه إضافة إلى التشدد التشريعي في النص المتعلق بالقانون 22.02 ، فأنه يقر نوع من اللامساواة و انعدام العدالة بين المواطنين.

 

خلاصة :

إن  مسألة التراجع أو التأجيل  لا تطرح  إشكال ، لأن المشكل لا يكمن في الزمن، وإنما في الموضوع وفي الجوهر، فلا يمكن قمع حرية التعبير إرضاءا للشركات، ولا يمكن أن تصبح الدولة في ظل هذا المشروع قانون “دولة حارسة للشركات” لإرضاء المصالح الذاتية للبعض، المشكل في الأمر هو أنه يصعب لرجل الأعمال حينما يمارس السياسة أن يوفق بين المصلحة الذاتية والمصلحة الوطنية، فحتما سيهدف بالدرجة الأولى للمصلحة الذاتية، لهذا من الأرجح ترك السياسة للسياسيين ولأهل الإختصاص، ومجال الأعمال يصلح لرجال الأعمال، فهذا المشروع قانون تم توظيف السياسة لتحقيق المصالح الذاتية،وبهذا تم ضرب عرض الحائط الدستور والقوانين، وبالتالي يجب على الحكومة أن تكون حكومة وطنية لا تغلب المصلحة الذاتية على المصلحة الوطنية، فصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله دائما يؤكد على الوطنية الصادقة ويحث السياسيين بالتحلي بروح المواطنة والإبتعاد عن الإنتهازية، إذ قال جلالته أعزه الله في خطاب افتتاح البرلمان يوم الجمعة 12 أكتوبر 2018: ”فالمغرب يجب أن يكون بلدا للفرص، لا بلدا للانتهازيين” والواقع أن المغرب يحتاج، اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى وطنيين حقيقيين، دافعهم الغيرة على مصالح الوطن والمواطنين، وهمهم توحيد المغاربة بدل تفريقهم؛ وإلى رجال دولة صادقين يتحملون المسؤولية بكل التزام،وفي الختام  تجب الإشارة أن مشروع قانون 22.20 يعتبر من أكثر القوانين خطورة التي عرفها المغرب والتي تستهدف حرية الرأي و التعبير و الصحافة والنشر وهو مشروع يخالف وثيقة الحقوق و الحريات بامتياز ( الدستور المغربي لسنة 2011 ) خصوصا الفصول 25 و 26 و27 و 28 منه ، وما يجب التأكيد عليه ” يجب تجويد مضامين شبكات التواصل الإجتماعي و شبكات البث المفتوح و الشبكات المماثلة.

[1]  شريف درويش اللبان، تكنولوجيا الاتصال قضايا معاصرة التأثيرات السياسية و الاجتماعية لتكنولوجيا الاتصال ، ط 2003 ص 17

[2]  حسب تعريف منظمة الصحة العالمية يعد فيروس كورونا المستجد جائحة عالمية باعتباره، من فصيلة كبيرة من الفيروسات التي تسبب اعتلالات  تتنوع بين الزكام و أمراض أكثر وخامة، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية MERS-COV ومتلازمة الالتهاب الرئوي الحاد الوخيم سارس SARS-COV  ويمثل فيروس كورونا المستجد nCOV  سلالة جديدة لم يسبق تحيديها لدى البشر .

[3]  ينظر في هذا الإطار : مرسوم قانون رقم 292.20.2 الصادر في 28 من رجب 1441 الموافق 23 مارس 2020 يتعلق بسن أحكام خاصة بحالة الطوارئ الصحية، و إجراءات الإعلان عنها، و المرسوم رقم 293.20.2 الصادر في 29 من رجب 1441 الموافق 24 مارس 2020 و المتعلق بإعلان حالة الطوارئ الصحية بسائر أرجاء التراب الوطني لمواجهة تفشي فيروس كورونا –كوفيد 19، المنشورين بالجريدة الرسمية عدد : 6867 مكرر المؤرخة في 24 مارس 2020.

[4]   راجع مقتضيات القسم الثالث من الباب الرابع من قانون الصحافة كما تم تغييره و تتميمه بمقتضى قانون 77.00 الصادر بتنفيذه ظهير شريف رقم 1.02.207 بتاريخ 25 رجب 1423 الموافق 3 أكتوبر 2002.

[5]  ينظر في هذا الصدد منشور رئيس النيابة العامة عدد 48 المؤرخ 06 ديسمبر 2018 منشور على الرابط الإلكتروني  http://www.pmp.ma

[6]  الفصل 133 من الدستور المغربي لسنة 2011.

 [7]  لعل أول من استخدم تعبير السياسية الجنائية هو لألماني فيورباخ  وعرفها بكونها الوسائل العقابية التي تواجه بها الدولة الجريمة كما عرفها أيضا الفقيه كلينشو بأنها معرفة الوسائل التي يمكن للمشرع ايجادها حسب الوضعية الخاصة لكل دولة لمنع الجرائم و حماية الحق الطبيعي  لرعاياها، وفي القرن العشرين عرفها الفقيه فون ليست أنها مجموعة من المبادئ المنهجية التي يجب على الدولة و المجتمع بواسطتها تنظيم محاربة الجريمة  و مع مطلع الثمانينات عرفتها الفقيهة ميراي دلماس مارتي أنها مجموعة الوسائل التي ينظم بها الجسم الاجتماعي الاجوبة عن الظاهرة الاجرامية.

قد يعجبك ايضا