المحكمة الرقمية في التشريع  المغربي الرهانات والتحديات

المعلومة القانونية

*زكرياء العظمي     ZAKARIAE EL ADMI

باحث في العلوم القانونية.

 

   مقــــــــدمة:

   شهد العالم حاليا قفزات كبيرة في استخدام تقنيات جديدة في ما يتعلق بالإعلام والاتصال كان من أهمها التجارة الالكترونية ،الحكومة الالكترونية ،التعليم الالكتروني[1] …، والتي فجرت ثورة هائلة في نضم الاتصال والمعلوميات لاسيما تفعيله في المجال العدالة الرقمية.

    يعد المغرب سباق في مجال الاصلاح من أجل تفعيل تقنية المعلوميات في المجال القانوني والقضائي مواكبة للخطب الملكية السامية منذ سنة 2002 ، وما بعدها من خطب حيت اعتبر على أن  “القضاء هو الحصن المنيع لدولة الحق [2]” الى أن تم وضع ميثاق اصلاح منظومة العدالة سنة 2013 الذي تناول ستة أهداف رئيسة ، ويعد الهدف السادس هدفا جوهريا حيث تضمن  ” الإدارة القضائية وتعزيز حكاماتها ”   أي ضرورة وضع مخطط الإرساء آليات وعصرنة أساليب الإدارة القضائية من خلال معالجة الجوانب الهيكلية وتنظيمية و تقوية البنية التحتية وتأهيل الموارد البشرية ، ورفع من مستواها ،وانفتاحها على المواطن من أجل ارتقاء بمستوى المحاكم .

   إلا أن هذا الهدف لم تفعل كل أهدافه الفرعية إلا بعض أجزائه بعد ظهور وباء كوفيد 19 ( وهذا  الأخير أي الأوبئة تعد ضاربة في القدم منذ عصور مضت) ،وبرجوعنا  يتضح على أن  المغرب تأخر كثيرا في العمل بالأهداف الفرعية وبضبط  تفعيل المحكمة الرقمية على مستوى العدالة وللإدارة الرقمية كما لم تكن له وسيلة استباقية منسجمة مع التوجهات التي وضعها المغرب في السنوات الاخيرة [3]. صحيح أن دولة المغرب قامت بمجموع من الأمور على هذا المستوى الرقمي فيما يتعلق بالسجل العدلي … وكذا ما جاء على لسان رئيس محكمة النقض رئيس المنتدب بمجلس الأعلى للسلطة القضائية السيد مصطفى فارس على أن “مشروع المحاكمات عن بعد حققت نتائج مهمة تحفز على السير قدما في المحكمة الرقمية كخيار استراتجي رغم كل الإكراهات[4]

   على هذا الأساس يمكن القول على أن  الالتحاق بركب المحكمة الرقمية أضحى ضرورة ملحة وليس خيارا استراتجيا الغاية منه تطوير العدالة ،كما أن ذلك ليس كافيا مع العولمة التكنولوجية السائدة حاليا .

   بالتالي فمواكبة التحول الرقمي يتطلب ترسانة  تشريعية مواكبة لهذا العصر الرقمي ،   لاسيما مع تعليق المحاكم وفرض اللجوء المحاكم لتقنية الاتصال المرئي أو ما يسمى    

 بمؤتمرات الفيديو vidéo conférence[5].

   هذا ما أدى الى بروز اشكالية ما مدى امكانية لجوء إلى محكمة رقمية في ضل غياب النص القانوني ؟

   هذه  المحكمة الرقمية التي لم يسند  لها مفهوم دقيق كما يجب تميزها عن مجموعة من المفاهيم المشابهة لها  (الفقرة الاولى)  وكذا تطرق إلى  رهاناتها  (الفقرة الثانية) والتحديات التي تواجه المحكمة الرقمية المغربية (الفقرة الثالثة).

 

الفقرة الأولى : ماهية المحكمة الرقمية وتميزها عن المفاهيم المشابهة لها

 

    اختلفت التعاريف حول مفهوم “المحكمة الرقمية” ، حيث أن ميثاق اصلاح منظومة العدالة لم يعرف المقصود بالمحكمة الرقمية فقط تحدت عن مقومات الانظمة المعلوماتية وكذا البرامج المتعلقة بإدارة القضايا والمساطر ، ووضع مخطط لإرساء مقوماتها من خلال استعمال التكنولوجيات الحديثة في تصريف القضايا أمام المحاكم .

    وبالتالي وأمام هذا التوصيف قد اجتهد مهنيون كرئيس نادي القضاة المغرب “شنتوف” الذي عرف المحكمة الرقمية على أنها كل ما يرتبط بالعمل القضائي من استعمال معلوميات الاتصال في العمل القضائي مند بداية تسجيل الدعوى مرورا بتقديم المذكرات وإصلاح المقالات وكذا الطعن فيها الى غاية الحكم[6] .

    وقد يكون التعريف الأعم  هو أن  المحكمة الرقمية هي تسير معصرن ذلك بعتماد التكنولوجيا الجديدة ومسايرة تطور وسائل الاتصال من خلال العمل  بنظام الالكتروني عوض النظام الورقي  وإصدار الاحكام وأداء الرسوم ومسايرة أطوار الدعوى من البداية الى النهاية وهي هدف يسعى  المشرع على أن يتحقق في أفق 2020.

    وعلى هذا الاساس يمكن تميز المحكمة الرقمية عن كل من “العدالة الرقمية” فهذه الأخيرة تعد مفهوم أوسع من المحكمة الرقمية بمعنى صفر ورق داخل العمل القضائي في المحاكم  باعتبارها تشمل مسؤولين في المحاكم وكتاب الضبط من أجل قيام بخدمات وتتبعها بفعل استخدام تكنولوجية المعلوميات من أجل تحقيق اللوجوء المستنير لمرفق العدالة وتسهيل التواصل في الميدان القانوني والقضائي .

    وتختلف كذلك المحكمة الرقمية عن “المحاكمة الرقمية” باعتبار على أن هذه الأخيرة  محاكمة بعينها مثل ما حصل في الجائحة مثل الاستماع للشهود  من قبل متخصصين من خلال النظر في الدعوى ومباشرة الإجراءات الهدف من ذلك  هو الفصل السريع في الدعوى.

 

الفقرة الثانية : رهانات المحكمة الرقمية

 

من بين أهم  رهانات التي تهدف لها الأهداف الفرعية على وجود محكمة الرقمية :

1 – نجاعة النظام القضائي وكذا الفاعلية بجودة عالية وتلبية حاجيات المواطنين وتسهيل أداء القضاء لمهمته على الوجه الأكمل ، وجعله قادرا على الاضطلاع بالوظيفة المنوطة به لخدمة المتقاضين باستقلالية وفعالية ونجاعة وفق مساطر مبسطة ، وتطبيق أساليب تدبير حديثة وتعزيز الثقة بين القضاء والمجتمع[7].

2 –  تقليص المدة الزمنية من أجل البث في أجال معقولة وهو مبدأ دستوري قرره دستور وفق الفصل 120 من الباب السابع المتعلق بالسلطة القضائية على أنه “لكل شخص الحق في محاكمة عادلة وفي حكم يصدر داخل اجال معقولة ….”

3- تقريب الخدمة القضائية وذلك من خلال استقبال المتقاضين بطرق افتراضية باعتبارهم يواجهون صعوبة في الولوج إلى القانون والعدالة من جراء ضعف المساعدة القضائية والقانونية وعدم  وجود ما يشجعهم فعليا على اللجوء الى الوسائل البديلة لحل المنازعات لاسيما التجارية منها هذا مع ضعف في القدرة التواصلية وعلى هذا الأساس يمكن للمحكمة الرقمية أن تعمم تدريجيا للمتقاضين استخدام الوسائل الالكترونية من  أجل التنقل وترشيد العمل .

4- إعمال الشفافية داخل وخارج نظام المحاكم انطلاقا من اللجوء إلى المحاكم وصولا إلى الحكم والتتبع عن بعد ، والبعد عن كل الملابسات المتمثلة في السمسرة وقد تهدف الانظمة المعلوماتية إلى تخليق منظومة العدالة من كل مظاهر الفساد والانحراف وتعزيز ثقة المواطن فيها ، وتعزيز دور القضاء في تخليق الحياة العامة من خلال الخدمات التي توفرها الرقمنة[8] .

    وتعد الحاجة لذلك  بفعل هذه الظروف الإستثنائية بفعل كوفيد 19 والذي أضهر مدى الحاجة الملحة للجوء إلى الرقمنة من خلال التباعد الاجتماعي الذي يفرضه الواقع  .

 

الفقرة الثالثة : التحديات التي تواجهها المحكمة الرقمية

 

    إن استعمال التكنولوجيات الحديثة وانفتاح المحكمة على الرقمنة والتقنية الجديدة ، تأسيسا لإدارة إلكترونية ليست مجرد أداة مساعدة لتحسين إجراءات الإدارة القضائية ، لكنها أيضا تمكين لتحول الإداري (أي التحول في عمل الإدارة ) واستحداث توجهات جديدة في تقديم الخدمة العمومية إلا أن كل هذا يواجه مجموعة من تحديات .

   وكما جاء على لسان وزير العدل السابق مصطفى الرميد ” العدالة ورغم ما بدل من مجهود إلا أنها أمام تحد كبير ……[9]

    وقد أثبتت الدراسات على أن ادماج الأنظمة المعلوماتية في قطاع العدالة يعد أكثر تعقيدا نظرا لكثرة الإجراءات والمساطر لاسيما أمام المحاكم الدرجة الأولى .

    ويعد التحدي الأكبر هو غياب النص القانوني بمعنى أنه لا يمكن للمتقاضين العادين من أجل التقاضي عن بعد.  أي  أنه لا يوجد إطار قانوني يلزم الأطراف المتقاضين من اللجوء الى التقاضي عن بعد هذا لا يعني أنه لا يوجد قوانين في هذا الشأن لكن  القوانين الرائجة  تتعلق فقط بالجانب الموضوعي مثل قانون 53.05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية ،و قانون المتعلق بالمعطيات الشخصية  قانون 08.09 .

    وهناك تحدي اخر فيما يتعلق بالمهنيين أو الأطر عاملة بالمحكمة وإن كانوا ذو كفاءة إلا أنهم لا يحسنون التعامل بالنظام المعلوماتي حيث يجب وضع تكوين مستمر وتخصصي على صعيد كل مهنة من المهن من أجل تأهيل العنصر البشري ،وهذا التحدي يعد جزء لا يتجزأ من تحدي تجهيز المحاكم إذ لا يمكن تصور قيام إدارة إلكترونية بدون بنية تحتية لازمة ويدخل هذا الأمر في إطار توفير الوسائل المادية لازمة الاشتغال الإدارة القضائية من خلال تعميم الإعلاميات إليها ،وقد استفادت المحاكم المغربية من دعم دولي في هذا المجال سواء من البنك الدولي أو  USAID؛ إضافة إلى بعض الاتفاقيات الموقعة في نفس السياق مع فرنسا وإسبانيا[10] ، وتتمثل هذه التجهيزات في الحواسب والهواتف وشبكات الاتصال والأقمار الصناعية بالإضافة إلى ضرورة توفر على برامج معلوماتية متطورة لها القدرة على معالجة البيانات ونقلها وتبادلها بشكل تفاعلي بين مختلف الفاعلين ، وهذا ما يطرح إشكال على مستوى تدبير مرفق القضاء وهو تشخيص الوضع الراهن في منظومة العدالة من خلال تباين مستويات المحاكم في التوفر على التكنولوجيات الحديثة و صعوبة استعمالها كما يواكب ذلك غياب التواصل الرقمي بين الإدارة القضائية والمهن القضائية بمعنى أن هناك تحدي تقني باعتبار أن المحاكم ليست مؤهلة بشكل كبير.

   وتعتبر هذه التحديات متعلقة بالمحكمة الرقمية الجزء القليل مع ماهو مرتبط بالعمل المجتمعي مثل إكراهات الأمية وهل الجميع يحظى بالهاتف والحاسوب ويحسن استعماله ؟ كلها مشاكل يجب على المشرع إعادة النظر فيها بتأني.

 

 

 

 

خاتـــــمة

  

  رغم اتجاه المشرع بشكل متدرج من أجل تفعيل المجال الرقمي والتي أضحت أحد ركائز التنمية في مجال تكنولوجيا المعلومات في منظومة العدالة وكافة  الرهانات المستقبلية للمحكمة الرقمية.

   إلا أنها تشوبها العديد من التحديات والتي كشف عنها الوباء (كوفيد 19) لولاه لما كشف ستار عن مشروع هذه المحكمة الرقمية وعلى هذا الأساس يمكن القول على أن مشروع لم يستجب للمحكمة الرقمية بل استجاب فقط للخدمات لأنها لا تزال تزاوج بين النظام الورقي و لإلكتروني . ومن أجل تفعيلها وجب إصلاح شامل من أجل تحديث إدارة قضائية لرفع من رهان التطور والتنمية.

 

 

[1]  ذ . بلشقر محمد المفوض القضائي “التقاضي إلالكتروني” ص 1

[2]   ديباجة ميتاق اصلاح مننظومة العدالة “خطاب الملكي 20غشت 2009” ص 37

[3]   ندوة مرئية “العدالة الرقمية بالمغرب التحديات والافاق”  بتاريخ 20 ماي 2020

[4]   كلمة السيد مصطفى فارس الرئيس الاول لمحكمة النقض  “وكالة المغرب العربي للأنباء”

[5]  رضوان العلمي  “التقاضي عن بعد  تدبير إستتنائي أم خيار استراتيجي” مجلة الممارس للدراسات القانونية والقضائية ص 60

[6]  ندوة قراءة في مشروع قانون استعمال الوسائط الكترونية في قانون المسطرة المدنية بتاريخ 12  يونيو 2020

[7]   تشخيص الوضع الراهن بمنظومة العدالة  “ميثاق اصلاح منظومة العدالة ” ص45

[8]    الهدف الرئيسي الثاني” تخليق منظومة العدالة” ميثاق اصلاح منظومة العدالة ص 63

[9]   وكالة المغرب العربي للأنباء مرجع سابق

[10]   عبد الرحمان الشرقاوي “التنظيم القضائي بين العدالة المؤسساتية والمكملة والبديلة ” ص 18

قد يعجبك ايضا