الدبلوماسية البرلمانية بالمغرب: التأصيل والحدود في ضوء دستور 2011

المعلومة القانونية

*مصطفى الهايج، باحث في سلك الدكتوراه القانون العام والعلوم السياسية بكلية الحقوق أكدال الرباط

عضو المركز المغربي للدراسات والأبحاث المالية والضريبية.

مقدمة:

شهدت العلاقات الدولية ابتداء من نهاية القرن العشرين، وبداية القرن الواحد والعشرين، متغيرات هامة، لم يشهد لها العالم مثيلا من قبل، في ظل هذه التحولات والمتغيرات الدولية، اتجهت الدبلوماسية البرلمانية بخطى متسارعة، نحو الاهتمام بقضايا جديدة، كالهجرة، والتلوث البيئي، وحقوق الإنسان، والاقتصاد، والديمقراطية، والمخدرات، والجريمة المنظمة، والإرهاب، والتكنولوجيا، والحد من انتشار الأسلحة النووية، وأسلحة الدمار الشامل، وفي ضوء هذه التطورات الدولية المتوالية حاولت الدبلوماسية العالمية مسايرتها، ومجاراتها، والاستجابة لمطالبها، والانسجام معها، حتى أصبحت البرلمانات في الديمقراطيات الحديثة تتولى بالإضافة إلى وظائفها التقليدية في مجال التشريع ومراقبة العمل الحكومي، القيام بأدوار طلائعية في المجال الدبلوماسي.

لذلك تعتبر الدبلوماسية البرلمانية بشقيها الرسمي، والموازي في المغرب إحدى الآليات الأساسية التي تلجأ إليها الدولة لمنح  دور أكثر فعالية للبرلمان في مجال السياسة الخارجية باعتبارها وسيلة مكملة للعمل الدبلوماسي الرسمي ومرافقة للنشاط الدبلوماسي الحكومي، وبالتالي ينتظر منها أداء دور دولي فعال في معالجة القضايا الدولية واحتواء الأزمات.

وعليه فإن دراسة هذا الموضوع يستدعي التساؤل عن مدى قدرة الدبلوماسية البرلمانية المغربية على الدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه وحل النزاعات الدولية والوقاية منها؟ ومدى فعالية الإسهامات الحقيقية للدبلوماسية البرلمانية في ترقية الديمقراطية التشاركية والبناء المؤسساتي؟

واعتبارا للمنهجية المعتمدة ارتأينا تقسيم الموضوع إلى محورين (المحور الأول) سيتم التطرق فيه إلى التأصيل المفاهيمي للدبلوماسية البرلمانية، في حين (المحور الثاني). سيتم فيه مناقشة حدود الاختصاص البرلماني في مجال السياسة الخارجية.

المحور الأول: التأصيل المفاهيمي للدبلوماسية البرلمانية

إن الدبلوماسية بالرغم من اختلاف مفاهيمها، أو المقاربات المعدة لتعريفها، فهي فرع من فروع القانون العام، الذي يهتم على وجه الخصوص بتوجيه وتنظيم العلاقات الخارجية للدول، كأسلوب جديد، يسعى إلى توطيد جسور بناء الثقة في العلاقات الدولية الثنائية والمتعددة الأطراف بين الشعوب، وتعزيزها، في المجال الدبلوماسي من خلال شرح المواقف وتبادل الآراء حول القضايا الوطنية والدولية، وكسب الدعم وضمان وقوف الرأي العام، ومساندته للقضايا الوطنية والإقليمية والدولية التي تتولى الدفاع عنها، في إطار تحركاتها على مستوى الاتحادات والمحافل البرلمانية العالمية، كالاتحاد البرلماني الدولي، والاتحاد البرلماني العربي، والاتحاد البرلماني الإفريقي، واتحاد برلمانات الدول الإسلامية، والمنتدى البرلماني لدول البحر المتوسط، هذا إلى جانب الاهتمام بتقديم المبادرات من أجل التدخل بين الأطراف المتنازعة، أو قيادة الجهود  لفض النزاعات.

ويمكن تعريف الدبلوماسية البرلمانية على أنها: “أداة تنظيم وتسيير الشؤون الخارجية للدول بما يتماشى مع مصالحها الوطنية”[1]. كما أنها عبارة عن “مجموعة تدخلات – نشاطات وتصرفات منظمة وفق استراتيجية معينة لدى هيئات أجنبية لوقف أو التأثير أو حتى إعاقة ما لا يتوافق مع الأهداف الوطنية”، ومن خلال هذا التعريف يمكن التمييز بين نوعين أساسيين من الدبلوماسية، الدبلوماسية الرسمية التي يقصد بها “كل النشاطات التي يمارسها المبعوثون الدائمون أو الخاصون، الممثلون لدولهم تمثيلا قانونيا، ورسميا”. والدبلوماسية الموازية التي تعني “تلك الاتصالات التي تقوم بها جهات غير رسمية، والفاعلون فيها لا تكون لهم صفة تمثيل الدولة، أو التحدث باسمها، بل يتحدثون باسم المجتمع المدني من مجالس تشريعية، وأحزاب سياسية، ومنظمات حقوقية”.

ووفق منطوق الفصل 42 من الدستور الجديد، يحتل الملك مكانة سامية باعتباره “رئيس الدولة، وممثلها الأسمى ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمراريتها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها،  يسهر على احترام الدستور، وحسن سير المؤسسات الدستورية، وعلى صيانة الاختيار الديمقراطي، وحقوق وحريات المواطنين والمواطنات والجماعات، وعلى احترام التعهدات الدولية للمملكة”[2]، كما أن القرارات التي لها علاقة بالسياسة الخارجية تندرج ضمن التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة التي تتخذ قراراتها من داخل المجلس الوزاري الذي يترأسه الملك،[3]  كما يمكن لرئيس الحكومة بتفويض من الملك أن يرأس مجلس الوزراء، والذي يتداول في قرارات تخص الدولة من بينها السياسة الخارجية الفصل 48 من الدستور2011، وعلى الرغم من تحكم جلالة الملك في معظم دواليب السياسة الخارجية، باعتباره مهندس خارطة الطريق التي تسير عليها، عبر رسم تصوراتها، وتعيين سفرائها،  إلا أن وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، تبقى الجهاز الأول في العلاقات الخارجية للدولة، مما يجعلها المخاطب الأول أمام الحكومة، وأمام ممثلي الشعب، وهو ما يخولها المرتبة الثانية ضمن الفاعلين الدبلوماسيين بعد المؤسسة الملكية.

وإذا كان تدخل البرلمان في السياسة الخارجية، سواء فيما يتعلق بصنعها أو مراقبة تنفيذها يبقى محدودا، فإن دوره الدبلوماسي لا يمكن تجاهله.

وهو ما أكده صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله في خطابه للبرلمان بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2005-2006، “…وفي هذا الإطار، فإن المؤسسة البرلمانية مطالبة بالنهوض بدور مهم في هذا المسار الجاد، وذلك بإعطاء شحنة قوية، لتنشيط العمل النيابي، على جميع مستوياته: تشريعيا إصلاحيا، ومراقبة مسؤولة، وتأطيرا ميدانيا، ودبلوماسية موازية مقدامة، تستهدف جعل التطور الديمقراطي في خدمة الدفاع عن مغربية صحرائنا”.

المحور الثاني: حدود الاختصاص البرلماني في مجال السياسة الخارجية

تميزت السياسة الخارجية المغربية خلال السنوات الأخيرة برؤية ثاقبة وتحرك نشط على الساحتين الإقليمية والدولية، من خلال بناء شبكة واسعة من العلاقات والمصالح المتبادلة مع مختلف دول العالم، حيث لا يكف البرلمان المغربي بمجلسيه معا، عن ممارسة مجموعة من الأنشطة الدبلوماسية التي تتمثل أساسا في استقبال الوفود البرلمانية والحكومية الخارجية، وإعلان المواقف بشأن القضايا الدولية في إطار الجلسات العامة المخصصة للأسئلة الشفهية، أو الجلسات العامة الاستثنائية، أو في إطار اللجان الدائمة.[4] أو تعلق الأمر بإرسال البعثات بكيفية مستمرة إلى الخارج إما للمشاركة في الهيئات البرلمانية الدولية أو للمشاركة في الاجتماعات الثنائية، في إطار مجموعات الصداقة والتعاون البرلمانية،[5] مع برلمانات المجالس المماثلة، ومجموعات التعاون والصداقة مع برلمانات الدول الإفريقية، للدفاع عن المصالح الوطنية وفي مقدمتها قضية الوحدة الترابية.

وبالرجوع إلى المقتضيات الدستورية الجديدة في ممارسة البرلمان للسلطة التشريعية وتصويته على القوانين ومراقبته للعمل الحكومي وتقييمه للسياسات العمومية الفصل 70،[6] فقد أسند الدستور المغربي2011، اختصاصات هامة للمؤسسة التشريعية في مجال العلاقات الدولية والسياسة الخارجية، وفي مقدمتها الفصل 68،[7] المتعلق بالجلسات المشتركة التي يعقدها مجلسا البرلمان في حالات عدة، من بينها الاستماع إلى رؤساء الدول والحكومات الأجنبية، كما نص الفصل 10، [8] على أن الدستور يضمن للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني والحياة السياسية، وبالتالي المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية، والفصل 12 من الدستور المغربي،[9] شدد أيضا على أهمية مساهمة جمعيات المجتمع المدني المهتمة بقضايا الشأن العام والمنظمات غير الحكومية في إطار الديمقراطية التشاركية، في إعداد قرارات ومشاريع لدى المؤسسات المنتخبة والسلطات العمومية، وكذا في تفعيلها وتقييمها، وفي نفس السياق عمل الفصل 18،[10] على ضمان أوسع مشاركة ممكنة للمغاربة المقيمين في الخارج، في المؤسسات الاستشارية، وهيئات الحكامة الجيدة، التي يحدثها الدستور أو القانون. وفي مجال المعاهدات والاتفاقيات الدولية أعطى البرلمان بموجب الفصل55 من نفس الدستور المغربي،[11] حق الموافقة على المعاهدات المرتبطة بالسلم أو الاتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، ومعاهدات التجارة، أو تلك التي تترتب عليها تكاليف تلزم مالية الدولة، أو يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية، أو تتعلق بحقوق وحريات المواطنات والمواطنين، العامة أو الخاصة، وذلك انسجاما مع الاستراتيجية الجديدة، التي يحاول الملك محمد السادس إرساءها، في إطار سعيه لتحديث وتطوير أداء الدبلوماسية المغربية. كما يطهر جليا في إطار العلاقات الخارجية والدبلوماسية، الدور الذي يلعبه القاضي الدستوري في المحافظة على التوازنات بين الأجهزة الداخلية للمؤسسة التشريعية وضمان قيامها بدورها على أحسن وجه.

كما أن الدبلوماسية البرلمانية تتيح للشعب المغربي فرصا وإمكانيات أكبر لإقامة علاقات أكثر عمقا وصلابة وصمودا مع الشعوب الأخرى، باعتبارها علاقات تتأسس بين ممثلي الشعوب وصناع الرأي العام بشكل مباشر، هذا النمط من العلاقات يؤدي بالضرورة إلى فهم دولي أكثر شمولية وعمق للقضايا العادلة، وبالتالي يستقطب دعما أوسع وأكثر رسوخا لقضايا تقرير المصير والعدل والإنصاف.[12]

خــاتمــة:

يتضح مما سبق أن مردودية الدبلوماسية البرلمانية لازالت ضعيفة وضيقة ولا ترقى إلى مستوى الطموحات المبتغاة، بالرغم من المجهودات الكبيرة المبذولة، خصوصا بعد انتخاب المغرب عضوا في لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فإن ضعف قدرات البرلمان المغربي على صعيد ممارسة العمل الدبلوماسي باحترافية، والافتقار إلى حسن التدبير والتخطيط، أصبح أمرا غير مقبول أمام شراسة خصوم المغرب في قضية الصحراء، وقوة حضورهم الدبلوماسي في المحافل الدولية، الأمر الذي يجعل البرلمان المغربي خارج عن مسارات صناعة القرار الدبلوماسي البرلماني الجيد، ويظل دون مستوى الرهانات الدبلوماسية الكبيرة. التي تعقدها عليه الهيئة الناخبة، في مجال السياسة الخارجية والممارسة الدبلوماسية البرلمانية، التي تنامت وتزايدت بفعل التطور المتسارع، الذي شهدته الساحة الدولية. لذلك فإنه لا مناص من توحيد الصفوف بين الأغلبية والمعارضة، وتفعيل الآليات بالتكوين المستمر والتأهيل الرشيد للرأسمال البشري في إعداد وتنفيد السياسة الخارجية.

المراجع المعتمدة

  • محمد خلف: النظرية والممارسة الدبلوماسية، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، بيروت، 1989، ص51.
  • السعدية لديس: موقع المؤسسة الملكية في صنع القرار الخارجي، مجلة مسالك العدد 49/50 ص:79.
  • المصطفى بنعلي: البرلمان المغربي الآن، الطبعة الأولى، مطبعة الوراقة الوطنية، مراكش أبريل 2001، ص127.
  • جوزيف س.ناي: القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية، ترجمة محمد توفيق البجريمي، العبيكان، الطبعة الثانية الرياض،2007.
  • محمد حنين: آفاق تفعيل الدبلوماسية البرلمانية: الإكراهات والإمكانيات المتاحة، منشور بجريدة هيسبريس، الثلاثاء 12 يونيو 2012، 12:07.
  • ظهير شريف رقم 91.11.1 صادر في 27  شعبان 1432 الموافق 29 يوليوز 2011، المتعلق بتنفيذ نص الدستور المراجع، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 الموافق 30 يوليوز 2011.
  • النظام الداخلي لمجلس المستشارين بعد صدور قرار المحكمة الدستورية رقم 102/20 م.د. بتاريخ 02 مارس 2020.
  • النظام الداخلي لمجلس النواب كما أقرته المحكمة الدستورية بعد صدور قرارها عدد 17/65 بتاريخ 30 أكتوبر 2017.
  • النظام الداخلي لمجلس النواب كما اقره المجلس في جلسته المنعقدة يوم الخميس 23 رمضان 1434 الموافق لفاتح غشت

[1] – محمد خلف: النظرية والممارسة الدبلوماسية، المركز الثقافي العربي، الطبعة الأولى، بيروت، 1989، ص51.

[2] – الفصل 42 من الدستور 2011.

[3] -السعدية لديس: موقع المؤسسة الملكية في صنع القرار الخارجي، مجلة مسالك العدد 49/50 ص:79.

[4] – المصطفى بنعلي: البرلمان المغربي الآن، الطبعة الأولى، مطبعة الوراقة الوطنية، مراكش أبريل 2001، ص127.

[5] – محمد حنين: آفاق تفعيل الدبلوماسية البرلمانية: الإكراهات والإمكانيات المتاحة، منشور بجريدة هيسبريس، الثلاثاء 12 يونيو 2012، 12:07.

[6] – الفصل 70 من الدستور المغربي2011، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5952 بتاريخ 17 يونيو 2011.

[7] – الفصل 68 من الدستور المغربي2011، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5952 بتاريخ 17 يونيو 2011.

[8] – الفصل 10 من الدستور المغربي2011، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5952 بتاريخ 17 يونيو 2011.

[9] – الفصل 12 من الدستور المغربي2011، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5952 بتاريخ 17 يونيو 2011.

 

[10] – الفصل 18 من الدستور المغربي2011، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5952 بتاريخ 17 يونيو 2011. ظهير شريف رقم 91.11.1 صادر في 27  شعبان 1432 الموافق 29 يوليوز 2011 ، المتعلق بتنفيذ نص الدستور المراجع، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 الموافق 30 يوليوز 2011

 

[11] – الفصل 55 من الدستور المغربي2011، الصادر بالجريدة الرسمية عدد 5952 بتاريخ 17 يونيو 2011. ظهير شريف رقم 91.11.1 صادر في 27  شعبان 1432 الموافق 29 يوليوز 2011 ، المتعلق بتنفيذ نص الدستور المراجع، الجريدة الرسمية عدد 5964 مكرر بتاريخ 28 شعبان 1432 الموافق 30 يوليوز 2011.

 

[12] -جوزيف س.ناي: القوة الناعمة وسيلة النجاح في السياسة الدولية، ترجمة محمد توفيق البجريمي، العبيكان، الطبعة الثانية  الرياض،2007.

قد يعجبك ايضا