دفاعا عن السلامة النفسية لضحايا الجرائم الأخلاقية

المعلومة القانونية

*سعيد شرو

  • خريج ماستر القانون الدولي الخاص والهجرة[ بكلية الحقوق مكناس

لا يختلف جل الباحثون اليوم عن التعبير عن مشاعر الأسى والحزن و الحسرة إثر الإرتفاع  المهول لعدد جرائم الاخلاق خاصة الجنس ضد القاصرين، حيث مر المجتمع المغربي بأيام عصيبة تفاعلا مع قضايا اغتصاب وقتل بشكل بشع ومتوحش وقد ذهب إلى حد الرجوع إلى النقاش الجدلي حول عقوبة الإعدام بين مؤيد لتفعيلها ومعارض لتواجدها اصلا ضمن مجموعة عقوبات القانون الجنائي، ولن نخوض في تفاصيل هذا النقاش لعجز الفئتين في الإتيان بحجج دامغة حول العقوبة المذكورة،  كما ان دفوعاتهم رغم اختلافها الا انه لا يمكن ترجيح مبررات فئة دون الأخرى لاسيما وانهم نخبة المجتمع والمثقفين به والمدافعين عن السلم والأمن المجتمعي مع احترام حقوق الإنسان في إطار دولة الحق والقانون.

وفي نفس السياق يلاحظ في الآونة الأخيرة تكاثر مهول لجرائم الاخلاق خصوصا جريمتي هتك عرض القاصرين بعنف أو بدونه والاغتصاب، وكلاهما قد يفضيان إلى جريمة أخرى تكون أشد متمثلة في قتل الضحية اعتقادا من الجاني انه السبيل الوحيد للتخلص من اي متابعة او عقاب دون أخد بعين الاعتبار قدسية الحياة و نجاعة السلطات في التنقيب والبحث عن الفاعل الاصلي وتقديمه أمام العدالة.

ولن نركز على مقتضيات القانون الجنائي وسلطات القضاء في التعاطي مع مثل هذه القضايا لأن القانون جرمها وعاقب عليها سلفا مما يكون معه اي نقاش من الناحية القانونية فارغا مالم ينطلق من نظرة شمولية مجتمعية رامية لتغيير السياسية الجنائية في شقيها المتعلقين بالتجريم والعقاب، لكن سنحاول توضيح الموضوع من خلال تقريب حالة الوضع النفسي لضحايا هذه الجرائم وأسرهم مع التركيز على الجانب النفسي دون المادي. ولكي لا يتيه قارئ هذه الأسطر نوضح ان العقاب هو الجزاء المادي والمعنوي الواقع على الجاني لا يمكن بأي حال جبر ضرر الضحية واسرتها سوى ما تعلق منه بسيادة القانون والحفاظ على الاستقرار والسكينة داخل المجتمع بمفهوم الردع العام ولا بد من ردع خاص يشعر الضحية بالإنصاف والعدالة وهو أمر في الجرائم التي نتحدث عنها يبقى محل نظر، فهل تعتبر العقوبة الحبسية والغرامة زد على ذلك طلبات الحق المدني جبرا للضرر النفسي لضحايا الجرائم الأخلاقية؟ وهل معالجة هذا النوع من الجرائم يرتكز اساس على القانون ام يأطره وفق دراسات علمية ومعطيات اجتماعية دقيقة؟ هل نحن أمام أزمة أخلاق أم أزمة قانون رغم أن هذه الأخيرة مستبعدة في إطار الزخم التشريعي إما من حيث تعديل وتتميم النصوص القانونية أو ملائمتها مع  الاتفاقيات الدولية باعتبارها تسمو على القوانين الداخلية وفق منطوق ديباجة دستور 2011.

إن الإجابة عن هذه التساؤلات تبقى مجهودا متواضعا قابلا للنقاش، فبخصوص التساؤل الأول حول اعتبار العقاب المادي والمعنوي للجاني في قضايا الاغتصاب وهتك عرض جبرا نفسيا للضحية واسرتها، وهنا لا بد من استحضار نقاش عقوبة الإعدام علما انه يستحيل فهم عقوبة تسمى الإعدام فالصياغة خاطئة ربما لأن العقوبة تقع كجزاء على شخص حي غايتها إحساسه بالألم المعنوي والمادي ونفور المجتمع من فعله الشاذ الموصوف بجريمة وفق القانون، وكل ذلك لإعادة إدماجه وليس الانتقام منه والتنكيل من كرامته، أما الإعدام وببساطة إخراج كائن حي من الوجود إلى العدم مما يستحيل معه القول عقوبة فلا يمكن أن نعاقب جثة هامدة!!! إذن في حالة تطبيق الإعدام سنكون بصدد معاقبة من!!!! ولصالح من !! علما ان وحدها أسرة الضحية من تحس حجم المعاناة النفسية وفي قرارات نفسها فالعقوبة مهما تشددت لن ترجع الوضع لما كان عليه اصلا وأي حديثعن الإعدام يبقى مقيدا برغبة أسرة الضحية وفق القانون، ولعل الجرائم المشار إليها تبقى عقوبتها حبسية مع الغرامة والطلبات المدنية ، ليبقى اثر الجريمة في نفس الضحية ساريا في غياب مواكبة وتتبع صحته النفسية باعتبارها الأساس في تحسيسه بقيمته داخل المجتمع، بل قد ينتج عنه اجرامه وتذرعه بكونه في الأصل ضحية نفس الفعل وقد أفضى عدد من جناة هذه القضايا اثناء متابعتهم والتحقيق معهم ومحاكمتهم كونهم ضحايا وهم بصدد فعل ما فعل بهم دون أن يتابع من عبث بهم، كما لا يمكن اعتباره سببا مبررا لفعلهم الشاذ فلا يعدو ان يكون تصريحا لا يلزم سوى قائله، فما أحوجنا اليوم لمؤسسات قائمة بذاتها همها تتبع ورصد مثل هذه الحالات والحرص على تسوية سلوكها وتوازنه مع النمط العادي للمجتمع.

بخصوص معالجة الظاهرة بما هو قانوني ام صحوة ما هو اخلاقي في النفوس، فطالما دافعت اقتناعا انه ما فسد في النفوس لا يصلح بكثرة القوانين والتشريعات والنصوص بل يرجع أمره إلى البحث العلمي بمختلف مكوناته للإفصاح عن الأسباب والمسببات التي تجعل من بعض البشر وحوش في تصرفاتهم والحرص على الوقاية منهم لا الارتكان إلى الجزر، فالهوة بينهم كبيرة..فعندما نقول الوقاية فالتدخل قبل ارتكاب الفعل الجرمي المزعزع لاستقرار المجتمع..اما الردع فهو بعد ارتكاب الجريمة وتأثيرها داخل المجتمع..فهل نحن اليوم بصدد البحث عن الوقاية ام الجزر و الردع !!!

ففي بعض الجرائم التي تغلب عليها سادية المجرم يصعب تقبل العقوبة المقررة قانونا ولو وصلت في أقصاها إلى الإعدام باعتباره جزاء يمنح موت سهل للفاعل لا الم من العقوبة ولا إحساس من نفور المجتمع منه، ولا يمكن القول بأن الضحية رد حقها أو أن اسرته وذوو الحقوق انتفعت من موته ..بل يطرح السؤال من عاقبنا؟؟ وهل فعلا هذا النوع من العقاب كافي للحد من هذا الجرائم بالمجتمع ،علما ان وراء الحادث الأليم الذي راح ضحيته طفل من مدينة طنجة، توالت الاحداث من نفس الطينة بنفس المدينة وبمدن أخرى من المملكة..هل يمكننا القول أن مرتكبي هذه الجرائم كانوا بمعزل عن ردة فعل المجتمع أمام مثل هذه الأحداث والتي هي جرائم وفق القانون الجنائي المغربي ؟؟ رغم انه لا يمكن الحسم في هذا التساؤل إلا أن القاعدة لا يعذر أحد بجهله للقانون، إننا بحاجة لدراسات علم الإجتماع وعلم النفس وعلم الإجرام وعلم الضحية اساسا باعتباره وسيلة لمواكبة الضحايا وتتبعهم و الحرص على تجاوزهم لآثار الجريمة وهو أمر متروك للدولة للعمل على إنشاء مؤسسات لهذا الغرض حصرا فهو غير مكلف كتعويضات الفنانين بل يسير يحتاج للدعم النفسي اكثر من المعنوي.

يتبين مما سلف ذكره أن القانون حسب الغالبية وحده يبقى مؤطرا للمجتمع وملزما له دون مراعاة مسؤوليات و التزامات تنصرف لأطراف أخرى في المجتمع من قبيل الأسرة والمدرسة والمؤسسات الثقافية،  ولعلها فرصة سانحة للتذكير بدور التربية الجنسية داخل المجتمع وتلقينها، فهو لا يتعارض مع الأسس المرجعية التي تقوم عليها الدولة بقدر ما يقي المجتمع دون حاجة إلى ردع من الأفعال الشاذة في حق القاصرين خاصة باعتبارهم فئة هشة لم يقم الشارع المغربي إلى اليوم بوضع إطار قانوني ومؤسساتي لحماية الطفولة رغم مصادقته على اتفاقية حقوق الطفل كباقي الدول بموجب الظهير رقم 493.34 المؤرخ في 14 يونيو 1993 مع تسجيل حق التحفظ بخصوص المادة 14 الخاصة بحرية الطفل في اعتناق الدين لأن مرجعية الدولة إسلامية، وتم نشر الاتفاقية بالجريدة الرسمية بتاريخ 21 نونبر 1996.

إن معالجة هذا النوع من الجرائم في اعتقادنا يقتضي تظافر جهود مختلف مكونات المجتمع لغاية وقايته من مثل هذه الأفعال دون انتظار تدخل القانون الذي يكون في مجمل الحالات ردعيا..اي بعد ارتكاب الجريمة وتأثيرها على الرأي العام الوطني.

اما التساؤل الأخير المتعلق بمواجهة المجتمع لأزمة يعتقد أنها أزمة قانون لكنها في الحقيقة أزمة أخلاق متعلقة بالتنشئة الإجتماعيةوالنفسية للأفراد داخل محيطهم، فلا ريب أن مجهود الدولة وحدها في استيعاب مثل هذا الظواهر يبقى مقيدا على تعاون المجتمع من خلال الحرص على دور الأسرة والتعليم في تربية جيل متعلم ومميز لكل ما يهدد سلامته النفسية والجسدية.

ختاما إن هذه اللمحة المتواضعة في هذا الوقت تأتي فقط للتذكير حول أهمية الحرص على السلامة النفسية لضحايا الجرائم عامة، والجرائم الجنسية الشاذة خاصة على اعتبار أن الفعل تبقى اثاره مستقبلا على الضحية وأسرتها، صحيح أن العقاب يسهم إلى حد بعيد في الحفاظ على الاستقرار المجتمعي لكنه ليس الجواب الوحيد لجبر ضرر الضحايا، والأمل معقود على أهل الإختصاص في دراسة علمية تحدد أسباب ومسببات مثل هذه الظواهر الخطيرة والإسراع لمعالجتها من الأصل بدل الارتكان لردة فعل المجتمع المصدوم من هول الفعل أو القانون المجرم له والمعاقب عليه، ففي مثل هذه الحالات الوقاية خير من الردع و الجزر.

قد يعجبك ايضا