المسؤولية القانونية المدنية عن الخطأ الشخصي للصحافة والنشر : دراسة مقارنة
قديري المكي الخلافة
باحث في العلوم القانونية
مدير موقع المعلومة القانونية
إذا اجتمعت أركان المسؤولية التقصيرية عن الخطأ الشخصي للصحافة والنشر، التي تتجلى أساسا في القيام بفعل او امتناع عن القيام بفعل يشكل جريمة، أو شبه جريمة -خطأ مدني- صادر من طرف جريدة أو مجلة أو موقع إلكتروني للنشر وغيرها من هيآة النشر عموما، ونتج عن هذا الخطأ ضرر للغير، وتوفرت علاقة السببية بين الخطأ والضرر، قامت مسؤولية هيئة النشر وأنتجت أثرها، وتحدد الجزاء في إلزامها على تحمل مسؤوليتها القانونية المدنية في تعويض المتضرر عن الضرر اللاحق به، وهو ما يؤكد اعتبار المسؤولية التقصيرية -عن الخطأ الشخصي للصحافة والنشر- مصدرا من مصادر الالتزام.
وينص قانون الإلتزامات والعقود المغربي في المادتين 77 و 78 على حق المتضرر في التعويض، كما قرر في المواد 98 و 99 و 100 من نفس القانون بعض الأحكام الواجبة التطبيق في ميدان التعويض.
وفي هذا الإطار، يسجل على المشرع المغربي أنه لم يتطرق إلى تعريف التعويض، مما يفرض ضرورة تعريفه من خلال آراء الفقه، ولعل من أهمها تعريف الدكتور سعد الدغيمر، الذي عرفه بأنه المقابل الذي يلتزم شخص بدفعه إلى المصاب، جبرا للضرر الحاصل له نتيجة الإخلال بالإلتزام، والتعويض باعتباره حقا للمتضرر ينشأ متى أخل الملتزم الحيطة والحذر أثناء القيام بسلوك ما، فالإخلال مهد الالتزام، و هو الذي ينشئ الحق في التعويض، ويثقل ذمة المسؤول التي لا تبرأ إلا بأداء التعويض بدلا عن الضرر المحدث.
وعليه، يمكن القول عموما، بأن التعويض هو الحق المقرر للمتضرر كتعويض عن الضرر الذي لحق به، ومن جهة أخرى هو التزام صاحب الفعل الضار لتحمل مسؤوليته القانونية وإصلاح نتائج فعله، مهما كانت صورة التعويض، سواء أكان ماديا أو معنويا، ومهما كانت سبل التعويض، سواء أكان عن طريق مساطر التسوية الودية أو عن طريق سلك المساطر القضائية.
إلا أن التعويض عن الضرر الأدبي، باعتبار خصوصية مجمل الأخطاء التي تصدر من هيآت الصحافة والنشر ومن يدخل في حكمها، جعل بعض الفقه المغربي والمقارن يعارض فكرة التعويض عنه، لأنه لا تترتب عليه خسارة مالية ظاهرة، مما أثار جدلا كبيرا حول مبدأ التعويض عنه.
اختلفت التشريعات في مدى الأخذ بالتعويض عن الضرر المعنوي، حيث نص القانون المدني الفرنسي على وجوب التعويض عن كل فعل يسبب الضرر من خلال المادة 1382 من تشريعه المدني، والملاحظ أن هذا النص جاء مطلق، بحيث لم يحدد نوع الضرر القابل للتعويض. مما جعل الفقه الفرنسي ينقسم إلى قسمين في تفسير إرادة المشرع الفرنسي، فذهب الفريق الأول إلى اعتبار أن التعويض عن الضرر المعنوي غير ممكن لأنه غير مادي فيستحيل تقويمه نقدا، وأنه حتى وإن منح المضرور ضررا معنويا مبلغا نقديا كتعويض عن الألم أو الحزن، فإن ذلك لن يقضي على الألم والحزن، وبالتالي يجب استبعاد فكرة التعويض عن ميدان الضرر المعنوي، الذي يدخل الضرر الناتج عن الخطأ الصحفي في حكمه.
في حين يرى الفريق الثاني بأنه ليس من مقتضيات العدالة والمنطق القانوني السليم أن يفلت المسؤول من التعويض عن ضرر أحدثه للغير، ويردون على أصحاب النظرية السابقة، بأن الغرض من التعويض عن الضرر المعنوي، لا يقصد به محوه وإزالته بشكل مطلق، وإنما أن يستحدث المضرور لنفسه بديلا عما أصابه من ضرر، ولو كان غير ملائم فهو خير من لا شيء، ولا يصح أن يعوق هذا التذرع بتعذر تقدير التعويض المعنوي، ذلك أن القاضي قد يستعصى عليه في بعض الأحيان حتى تقدير التعويض المادي كذلك.
وذهب هذا الفقه إلى التمييز في إطار ذلك بين ضرر معنوي يجوز تعويضه، وضرر معنوي لا يجوز فيه ذلك، واختلفوا في وضع حد لهذا التمييز، فمنهم من يحصره في التعويض على الضرر المعنوي الذي يؤدي إلى ضرر مادي، ولا يعوض إلا هذا الضرر المادي وحده، ومنهم من يحصر التعويض على الضرر المعنوي الذي يصيب الشرف والإعتبار، لأنه عادة ما يجر إلى ضرر مادي، ولا يجيزه في الضرر المعنوي الذي يصيب العاطفة لأنه ضرر معنوي لا يؤدي إلى ضرر مادي.
ونتيجة لذلك، ذهب أغلب الفقه الفرنسي الحديث إلى أخذ نص المادة 1382 على إطلاقه، وبالتالي التأكيد على إمكانية التعويض عن الضرر المعنوي الناتج عن الخطأ الأدبي بصفه عامه، يضاف إلى ذلك أن المشرع الفرنسي أجاز حالات خاصة للتعويض لمجرد الضرر المعنوي.
ونفس الخلاف عرفه القضاء الفرنسي، إلا أن أغلبه دأب على تعويض الضرر المعنوي واستقر على ذلك، منذ أن أصدرت محكمة النقض الفرنسية حكمها الشهير بتاريخ 15/06/33 الذي أقر مبدأ وجوب التعويض عن الضرر المعنوي.
أما في مصر، فقد استقر الفقه والقضاء على جواز التعويض عن الضرر المعنوي، لأن المشرع المصري حسم الخلاف بنصه الصريح أن التعويض يشمل الضرر الأدبي أيضا.
والغرض من الإشارة إلى كل من التشريعين الفرنسي والمصري، أن المشرع المغربي، قد استنبط الأحكام العامة للتعويض عن الضرر المعنوي خاصة من هذين التشريعين، وأن القضاء المغربي يستأنس ويستنير باجتهاد القضاء الفرنسي في هذا الصدد، بحيث جاءت المادتين 77 و 78 من قانون الإلتزامات والعقود المغربي مقابلتين لنص المادة 1382 من القانون المدني الفرنسي بشكل عام، بحيث يلاجظ أن المشرع المغربي لا يميز بين الضرر المادي والضرر المعنوي في إلزامية التعويض، وكذلك الشأن بالنسبة حتى للقانون الجزائري الذي يسير في هذا الاتجاه.
وينقسم التعويض عن الخطأ التقصيري في مجال الصحافة والنشر بحسب شكله إلى تعويض بمقابل نقدي وأو غير نقدي.
إذا كان الأصل في المسؤولية العقدية أن التعويض يكون عينيا، بحيث يكون التنفيد العيني هو الوفاء بالالتزام عينا، ولا يكون التعويض نقديا إلا عند عدم إمكانية تنفيذ الإلتزام. فإن الأصل في المسؤولية التقصيرية عن العمل الشخصي للصحافة والإعلام عموما، غالبا ما يكون بمقابل مادي أو غير مادي أو هما معا، وذلك نظرا لخصوصية الأضرار التانجة عن الخطأ الأدبي، التي تكون أضرارا معنوية من المستحيل التعويض عنها عينيا.
ولعل الأمثلة المتصورة فيما يخص مسألة التعويض عن الأخطاء الصادرة عن هيآت النشر والصحافة هو التعويض النقدي، الذي يتضمن إعطاء المتضرر مبلغا معينا من النقود جبرا للضرر، مثلا كأن يتفق المسؤول عن الضرر -أرباب الجرائد والصحف المعترف لهم بالشخصية الإعتبارية- والضحية من الخطأ، في إطار اتفاق تحكيمي، أو حكم قضائي، على أن يدفع الأول للثاني مبلغا معينا من النقود كتعويض عن الضرر الذي لحقه جراء الفعل غير المشروع، وقد يدفع هذا المال للمطالب بالتعويض عن الضرر دفعة واحدة، أو أن يدفع على شكل إيراد عمري أو خلال مدة معينة، في حين قد يستكمله ذوي حقوقه حالة وفاة المسؤول كالتزام، كما يحق لدوي حقوق المتضرر المتوفى استيفاء التعويض كاملا بعد وفاة صاحب الحق الأصلي، سواء الورثة أو الدائنين.
والملاحظ عموما في مسألة التعويض عن الضرر في مجال النشر والإعلام في الواقع العملي، أنه بعد قيام أركان المسؤولية التقصيرية عن الضرر الذي يقع في هذا المجال الأدبي، كأن تقوم صحيفة بنشر أو إذاعة أخبار كاذبة أو مزيفه على شخص معين، بأن استجوبته وأمدها بتصريحات معينه سببت له ضررا معنويا، فلجأ المتضرر إليها أو إلى القضاء، طالبا حقه في التعويض بمقابل غير نقدي، من خلال إلزام الصحيفة –المسؤولة عن الفعل- بإيداع الخبر على نفقتها وتكذيب إدعاءاتها، والإعتذار عما صدر عنها من خطأ، ونشر الحكم القضائي في الموضوع، غير ان نشر الحكم في الصحف قد يكون تعويضًا عينيًا كما هو الحال منذ انتحال لقب الشخص أو علامته التجارية، إذ من شأن الحكم أن يمحوا الضرر، وذلك بإزالة ما علق بأذهان الناس من التباس.
المراجع المعتمدة :
د. أحمد الخمليشي، “شرح قانون المسطرة الجنائية”، ج 1، ط 4، ط 1992.
د. إدريس العلوي العبدلاوي، شرح القانون المدني النظرية العامة للإلتزام ، الطبعة الأولى الجزء الثاني، مطبعة النجاح الجديدة 2000.
د. عبد الرزاق السنهوري، الوسيط في شرح القانون المدني، الإثبات، آثار الالتزام، الطبعة الثالثة الجديدة، منشورات الحلبي الحقوقية، بيروت، لبنان، 2009
د. الذنون حسن علي والرحو، محمد سعيد، ” الوجيز في النظرية العامة للإلتزامات، مصادر الإلتزام “ج.1، ط 1، دار وائل للنشر عمان 2002.
د. محمد الشرقاني، القانون المدني مصادر الإلتزام، طبع وتوزيع مكتبة سجلماسة 2001، ص 385.
ﺩﻟﻴﻞ ﺍﻟﺪﻋﻮﻯ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ ﺍﻟﺘﺎﺑﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺿﻮﺀ ﻗﻮﺍﻋﺪ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﻄﺮﺓ ﺍﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ، ﺍﻟﻤﺤﻜﻤﺔ ﺍﻻﺑﺘﺪﺍﺋﻴﺔ ﺑﻤﺮﺍﻛﺶ.
قانون الإلتزامات والعقود المغربي ظهير9 رمضان1331(12 اغسطس1913) صيغة محينة بتاريخ 22سبتمبر2011