الحق في الحصول على المعلومة بين مرتكزات المفهوم الجديد للسلطة ورهانات تفعيل الاقتصاد المعرفي

المعلومة القانونية

*محمد البغدادي

باحث في مركز الدكتوراه

في تخصص القانون الخاص

كلية الحقوق بطنجة

لاشك أن الحق في الحصول على المعلومة  هو أحد المفاتيح الأساسية لبناء دولة الحق والقانون والنزاهة العمومية والديمقراطية التشاركية والمواطنة الفعلية والحكامة الجيدة ، وهو أحد الأركان  تأسيس مجتمع المعرفة والإعلام، خاصة في ظل الثورة التكنولوجية الجارفة والعاصفة ، وذلك تماشيا مع التحولات العميقة والجذرية التي تهز كافة المجتمعات في إطار من العولمة والليبرالية المتوحشة وتدخلات العنيفة من طرف العديد من الأنظمة والمؤسسات ، وذلك تفعيلا للمادتين 19 من الإعلان الدولي لحقوق الإنسان لسنة 1948 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966 وإعمالا للمادة 10 من الاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد لسنة 2003، وهو ما يسمى بأوكسجين الديمقراطية باعتبار أن مفتاح السلطة هي المعلومة، هذا فضلا على أن الانتقال الديمقراطي رهين بتوفر الحقفي الحصول على المعلومة الذي هو مرتكز جوهري وأساسي في المفهوم الجديد للسلطة لبناء المشروع المجتمعي التنموي الحداثي الديمقراطي، تفعيلا لمشروع مبادرة الشراكة من أجل الحكومة المنفتحة الذي تم الإعلان عنها في 20 شتنبر 2011 خلال السنة الافتتاحية السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك من قبل 8 دول، حيث أن هذا المشروع يفرض على المغرب أن يتوفر على نقطة 20/ 16 ليدخل نادي الدول التي تحتكم أو تمارس مبادئ شفافية الميزانية والولوج إلى المعلومة ونشر التقارير والممتلكات المنتخبين والمسؤولين العموميين ومشاركة المواطنين والمواطنات في العمل الحكومي النزاهة والحكامة الجيدة و محاربة الفساد والديمقراطية التشاركية واستغلال التكنولوجيات الحديثة .

كما أن الحق في الحصول على المعلومة هو من الحقوق التي كرستها الفقرة الأولى من الفصل 27 من دستور2011 الذي ينص على ما يلي: “للمواطنات والمواطنين حق الحصول على المعلومات، الموجودة في حوزة الإدارة العمومية،  والمؤسسات المنتخبة، والهيئات المكلفة بمهام المرفق العام”، كما أن هناك استثناءات واردة على هذا الحق، وهو ما أوضحته الفقرة الثانية من ذات الفصل من الدستور نفسه، حيث تنص على ما يلي:”لا يمكن تقييد الحق في المعلومة إلا بمقتضى القانون، بهدف حماية كل ما يتعلق بالدفاع الوطني، وحماية أمن الدولة الداخلي والخارجي، والحياة الخاصة للأفراد، وكذا الوقاية من المس بالحريات والحقوق الأساسية المنصوص عليها في هذا الدستور، وحماية مصادر المعلومات والمجالات التي يحددها القانون بدقة”، وذلك تماشيا مع المرتكزات الدستورية المقررة في فلسفة المفهوم الجديد للسلطة باعتباره مذهب في الحكم التي تعيد الدولة التعريف بنفسها من خلال التعريف بالإدارة وفي علاقتها بالمواطنين والمواطنات والمقاولات تحقيقا للنجاعة السياسية والفعالية المجتمعية، بحيث أنه مفهوم يسجد رؤية واضحة ونظرية متكاملة الأركان حول مفهوم الدولة  وآليات اشتغالها ويقوم على المرتكزات التالية:

-صيانة كرامة المواطنين والمواطنات وحفظ حقوقهم وحرياتهم.

-دمقرطة الإدارة واتخاذ القرارات العمومية التي يجب أن تكون بشكل تشاركي في علاقة بالمواطنين والمواطنات.

-السلطة يجب أن تستهدف إلى تحقيق التنمية وإلى تحقيق الأمن والاستقرار.

-المقاربة بالنتيجة أو بالفعالية من خلال المحاسبة على النجاعة والفعالية  والأداء أو الأثر وتحقيق النتائج بالأهداف والمردودية  والإنتاجية والنفعية.

أما الاقتصاد المعرفي أو اقتصاد المعلومات، فهو ذلك الفرع من علم الاقتصاد الذي يهتم بعوامل  تحقيق الرفاهية العامة من خلال مساهمته في إعداد  دراسة نظم تصميم وإنتاج المعرفة ، ثم تطبيق الإجراءات اللازمة لتطويرها وتحديثها . فالاقتصاد المعرفي يبتدئ من مدخل عملية إنتاج وصناعة المعرفة ويستمر نحو التطوير المرتكز على البحث العلمي ومنضوياً تحت أهداف استراتيجية يتواصل العمل على تحقيقها من أجل تنمية شاملة ومستدامة، كما أنه المنهج الذي يُستخلص من إدراك مكانة المعرفة وتقانتها والعمل على تطبيقها في الأنشطة الإنتاجية المختلفة، أي أنه يعتمد على تطبيق قواعد الاقتصاد المعرفي في مختلف الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية في مجتمع يمكن أن نطلق عليه المجتمع المعلوماتي وهو يمر عبر المراحل التالية:

1- إنتاج المعرفة:

يقصد بها عملية الابتكار والاكتشاف والاختراع أو الاكتساب لمعرفة معينة ثم القيام باستخدامها ونشرها ثم تخزينها .

2- صناعة المعرفة:

هي امتداد لعملية إنتاج لمعرفة، وتتضمن الأساليب التربوية وطرق التدريب وعملية      الاستشارات والمؤتمرات والبحث والتطوير وتضطلع بمهمة حمل ونقل المعرفة .

3- إدارة المعرفة:

تمثل الكيفية التي تتم بموجبها توجيه كل ما من شأنه الوصول الى المعرفة وطرق استخدامها والاستفادة منها بشكل هادف.  ويمكن القول إن إدارة المعرفة هي شرط جوهري لإنتاج المعرفة في الجامعات والمراكز العلمية والبحثية والتعليمية وفي المصانع والمزارع وورش العمل.

ويلاحظ أن  التنمية الاقتصادية و الاجتماعية بمفهومها الشامل أخذت حاليا مسارا جديدا ينطلق من أساس المعرفة   فأصبح إنتاج المعرفة وعملية استخدامها يشكل مفتاح التفكير الذي ترتكز عليه عملية بناء النظم الاقتصادية والاجتماعية وبشكل يتناسب مع درجة تطورها.

ومن هنا ينبثق الإشكال الكبير الآتي :

كيف يمكن الحديث عن الاقتصاد المعرفي في المغرب المعاصر من خلال تكريس المفهوم الجديد للسلطة ، مع العلم أن هناك صعوبات وإكراهات عملية في جوهر الحق في الحصول على المعلومة؟  وبعبارة أخرى كيف يمكن الحديث عن بلورة النموذج التنموي الجديد في غياب الحق في الحصول على المعلومة الذي هو مفتاح حقيقي وفعلي في تغيير هياكل ودواليب الدولة المغربية في علاقة رجل السلطة أو الإدارة بالمواطنين والمواطنات؟

قد يعجبك ايضا